مصادرة المجال الرقمي في الأردن؟

قالت هيومن رايتس ووتش إن مشروع  قانون الجرائم الإلكترونية سيمكن السلطات من إجبار القضاء على إدانة المواطنين في معظم القضايا في الأردن، الذي قالت إن له سجلاً حافلاً من استخدام أحكام جنائية غامضة وفضفاضة للغاية لقمع حرية التعبير والتجمع، بحسب المنظمة الحقوقية. وقالت هيومن رايتس ووتش وشركاؤها إن المشروع سيخول للسلطات صلاحيات كاسحة لحجب المواقع الإلكترونية أو منصات التواصل الاجتماعي أو الخدمات من الشبكة الوطنية، أو منع الوصول إلى المحتوى المخالف. وتنفي الحكومة سعيها لقمع المعارضة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية سيمكن السلطات من إجبار القضاء على إدانة المواطنين في معظم القضايا في الأردن، الذي قالت إن له سجلاً حافلاً من استخدام أحكام جنائية غامضة وفضفاضة للغاية لقمع حرية التعبير والتجمع، بحسب المنظمة الحقوقية. وقالت هيومن رايتس ووتش وشركاؤها إن المشروع سيخول للسلطات صلاحيات كاسحة لحجب المواقع الإلكترونية أو منصات التواصل الاجتماعي أو الخدمات من الشبكة الوطنية، أو منع الوصول إلى المحتوى المخالف. وتنفي الحكومة سعيها لقمع المعارضة.

يناقش عبدالله الجبور دوافع الحكومة الأردنية من تمرير قانون الجرائم الإلكترونية المثير للجدل، والذي صادق عليه الملك الآن، والمخاوف من تبعاته على الحريات والمشاركة السياسية والاقتصاد الرقمي.

الكاتبة ، الكاتب: Abdullah Jbour

أثارت الحكومة الأردنية مؤخرا جدلًا واسعًا بعد اقتراحها مشروع قانون جديد تحت اسم الجرائم الإلكترونية تشير مجموعة من بنوده صراحة إلى تقييد حرية الرأي والتعبير السياسي في المجال الرقمي. جاء الاقتراح في ظل مرحلة التحديث السياسي التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام. زادت حدة الجدل بعد إقرار مجلس النواب والأعيان مشروع القانون بعد تعديلات طفيفة لكنها أبقت القانون مُقيّداً لحرية التعبير.

تعتبر قوى سياسية حزبية واجتماعية وحقوقية القانون مكبلا للمشاركة السياسية ولمساءلة الأشخاص في الوظيفة العمومية، ويلغي فكرة التحديث السياسي، كما أنه يعمل على إدخال سلطة جديدة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي ما يمهد الطريق لمرحلة مقلقة في الرقابة على الإنترنت.

 

فقدان الشرعية السياسية والثقة المجتمعية

 

بشكل عام، تغيب الشرعية السياسية والثقة المجتمعية عن الحكومات الأردنية، حيث لا يشارك الشعب ولا البرلمان في اختيار الحكومة (رئيس ومجلس الوزراء). ومنذ تشكيلها في أواخر عام 2020؛ فشلت الحكومة الحالية في كسب ثقة الأردنيين، وهو أمر يظهر بوضوح من خلال ردود أفعال المجتمع السياسي تجاهها ومن خلال استطلاعات الرأي العام الدورية التي تُجرى في البلاد. 

 

شعار وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الأردن.  Logo - Jordanian Cyber Crimes Unit - Source petra.gov.jo
الحكومة الأردنية تقول إن قانون الجرائم الإلكترونية لا يستهدف تقييد الحريات وهيومن رايتس ووتش تقول إن على الأردن إلغاء مشروع قانون الجرائم الإلكترونية: طالب تحالف تقوده منظمة هيومن رايتس ووتش البرلمان الأردني بسحب مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي يعرض حرية التعبير للخطر، لكن عَمَّان مان تنفي ذلك وتقول إن القانون يستهدف حماية الناس من الابتزاز على الإنترنت. وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان مشترك مع 13 منظمة حقوق مدنية أخرى يوم الإثنين (24 تموز/يوليو 2023) إن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المعروض في ذلك الحين على البرلمان من شأنه أن يزيد من تقويض حرية التعبير على الإنترنت، ويهدد حق مستخدميه في عدم الكشف عن هويتهم، ويشدد سيطرة الحكومة على شبكة المعلومات الدولية. وقال الأردن إن مشروع القانون بما يتضمنه من 41 مادة لا يهدف إلى الحد من الحريات، وإنما إلى معالجة "المعلومات المضللة" و"خطاب الكراهية" و"التشهير عبر الإنترنت".

 

يعاني مجلس النواب من نفس المشكلة، حيث لم يحظَ بثقة الأردنيين منذ تشكيله عام 2020 عندما تكوّن المجلس من خلال انتخابات برلمانية تعد من بين الأقل مشاركة في تاريخ البلاد، حيث لم تصل نسبة الاقتراع العام فيها 30 في المئة، مع ضعف الأداء التشريعي والرقابي وتواضُع التواجد الحزبي.

 

الحكومة وهاجس المجال الرقمي

 

يشكّل المجال الرقمي وما ينشر في الصحافة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي هاجسًا عند الحكومة الأردنية، يمكن ملاحظة كيف قررت الحكومة حجب منصة تيك توك في الأردن لعدم قدرتها على السيطرة على سرعة انتشار المحتوى والبث المباشر في احتجاجات الجنوب المتعلقة بارتفاع أسعار الوقود، كما حجبت من قبل تطبيق كلوب هاوس الذي ناقش قضايا الشأن العام واستضاف المعارضة الخارجية، فضلًا عن حجب خاصية البث المباشر على موقعي فيسبوك وتويتر خلال احتجاجات شعبية سابقة، إضافة إلى حجبها موقع حبر الإلكتروني في أكثر من مرة بعد تقديم هذه المواقع قراءات تحليلية نقدية لعمل الحكومات،  ومؤخرًا حجبت السلطات موقع الحدود الساخر سياسيًا.

تدرك الحكومات المتعاقبة في الأردن تأثير المجال الرقمي على مؤسسات عامّة فاقدة لثقة المواطنين، وعاجزة منذ سنوات عن إيجاد حلول لتحسين حياة المجتمع، وفي مقدمتها أزمة البطالة المتفاقمة في دولة معظم سكانها من فئة الشباب، ومن جانب آخر لم تعتَدْ على قبول النقد والمساءلة، وتفهمه على أنه انتقاص من مكانتها وجدارتها. والمفارقة، في هذا السياق، حدثت عندما طلب رئيس الحكومة خلال اجتماعه بمجموعات شبابية بالانخراط في  العمل الحزبي دون خوف وتردد، وبعد أيام اعتقلت الحكومة مجموعة من الشباب الحزبيين خلال تنظيمهم وقفة احتجاجية ضد قانون الجرائم الإلكترونية المقترح.

 

التأثير السياسي والاقتصادي للقانون 

 

يتضمن القانون المقترح مواد إيجابية فيما يتعلق بانتحال الشخصية والابتزاز الجنسي والاتجار بالبشر كما هو في المواد (3) في البند «ج» والمادة (10) والمادة (13) في البند «أ/3» إضافة إلى المادة (18). ولكنه يحوي أيضًا موادَّ أخرى تجرّم النشر وتداول المعلومات. كما هو في المواد (3) البند «أ+ب» (11)، (12)، (15)، (16)، (19) البند «ب» إضافة إلى المواد (20)، (25) (37)، كما يمنح القانون صلاحيات واسعة للنيابة العامة بعيدًا عن القضاء. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم القانون مصطلحات فضفاضة يمكن إعادة تأويلها وتوظيفها بطريقة غير عادلة، مثل "الحقيقة" و"الوحدة الوطنية" و"الفتنة" وغيرها.

 

مشهد من عَمَّات عاصمة الأردن. A cityscape of Amman - Jordan - Image - Picture Alliance.jpg
ذكرت هيومن رايتس ووتش المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن عشرات المعارضين في الأردن تعرضوا للترهيب أو المضايقة بسبب تهم غامضة مثل "إثارة الفتنة وتقويض الوحدة الوطنية" أو" ازدراء الأديان": واستشهدت هيومن رايتس ووتش بالمادة 24 من مشروع القانون التي تنص على أن أي شخص ينشر أسماء أو صور مسؤولي إنفاذ القانون على الإنترنت، أو أي معلومات أو أخبار عنهم من شأنها الإساءة لهم أو الإضرار بهم، دون إذن مسبق، فسيواجه عقوبة بالسجن لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامات باهظة. وقال البيان "هذه الأحكام تجرم فعلياً أي خطاب قد يسيء إلى مسؤولي إنفاذ القانون". وستكون للمحاكم صلاحيات واسعة لإصدار أوامر لأي موقع إلكتروني أو منصة تواصل اجتماعي أو أي شخص مسؤول عن حساب عام بإزالة أو حظر المحتوى الذي يُعتبر أنه ينتهك القانون، وحظر المستخدم أو الناشر مؤقتاً، وتسليم المعلومات ذات الصلة، بما في ذلك البيانات الشخصية للمستخدمين. وتنفي الحكومة سعيها لقمع المعارضة وتقول إن القانون يستهدف حماية الناس من الابتزاز على الإنترنت.

 

من الناحية السياسية، يسبب القانون المقترح تعكيرًا لصفو المناخ السياسي العام، حيث أصبحت الشكوك كبيرة في مصداقية ووعود مشروع التحديث السياسي، ويضيف مزيداً من الخوف والقلق في نفوس الكثير من الشباب الذي بدأ يدرك أهمية المشاركة السياسية الحزبية. فالفعل السياسي في الأردن يرتبط بشكل كبير بالنقد السياسي للمسؤولين ومساءلة الحكومات والمؤسسات العامة. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الشباب بشكل كبير على المجال الرقمي للوصول إلى الجماهير خلال الانتخابات النيابية والمحلية المزمع إجراؤها بعد نحو عام من الآن.

تؤثر ضبابية بنود القانون على الاقتصاد الرقمي. حيث أثار هذا قلق أصحاب الشركات الناشئة والمشاريع الريادية التي يقودها الشباب، لأن مواد القانون المقترح تحد من وسائل الدفع الإلكتروني وتحويل الأموال والخدمات الرقمية، خصوصًا وأن هناك مشاريع تُدعم من قِبل جهات مانحة لتحقيق اقتصاد رقمي يخدم النساء والشباب في الأردن ويساعدهم على التغلب على التحديات الاقتصادية وتحقيق الاعتماد على الذات. وهذا ما أكدته وزارة الخارجية الأمريكية في بيان رسمي تنتقد فيه القانون المقترح وتحذّر من تبعاته على الاقتصاد الرقمي وحرية التعبير السياسي ومستقبل الديمقراطية في الأردن.

يمكن القول إن الحكومة أخطأت مجددًا عندما سارعت في تشريع وتمرير القانون دون منحه مساحة واسعة للنقاش العام، والحصول على مقترحات تسهم في تعديل بنود القانون وتحسينه بما يخدم المصلحة العامّة. وفي نفس السياق، وقع مجلس النواب الأردني في نفس الخطأ، فقد أهدر فرصة لبناء علاقة مع الأحزاب والمجتمع المدني وإجراء مشاورات مع الشعب، وإعادة الثقة بالمؤسسات السياسية وباستمرار مشروع التحديث السياسي في البلاد.  

 

عبدالله الجبور

حقوق النشر: مؤسسة كارنيغي 2023

 

ar.Qantara.de

 

عبدالله الجبور، باحث في الاجتماع السياسي، تتركز أبحاثه على قضايا الشباب والمجتمع المدني، والمواطنة والهويّة، والدولة والتحول الديموقراطي. لمتابعته على تويتر @jbour_abdullah.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.