لألمانيا ضلع في منطقة الموت غزة

أنقاض مبانٍ منهارة ومدمَّرة في غزة. Trümmerlandschaft im Gazastreifen
بعد أكثر من ستة شهور من الحرب "صار قطاع غزة أشبه بكومة من الأنقاض غير صالحة للسكن وغير قابلة للحُكم، ومع ذلك لا يزال نحو مليوني إنسان متشبثين بالحياة على نحو ما. لقد اتضح الآن للحكومة الاتحادية أن لديها مشكلة في سياستها في الشرق الأوسط"، وفق ما يرى الصحفي الألماني شتيفان بوخن. صورة من: Mahmoud Issa/Reuters

منذ سنوات وألمانيا ثاني أهم دولة مُصدِّرة للأسلحة إلى إسرائيل وبالتالي فقد اُستخدِمَت أيضا أسلحة ألمانية في حرب غزة، ونظرا لتراكم قرائن على انتهاكات إسرائيلية قانونية خطيرة يطرح السؤال نفسه حول مساهمة الحكومة الألمانية في الوضع الكارثي هناك. تحليل الصحفي الألماني شتيفان بوخن.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Buchen

خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل في 17 مارس / آذار 2024 قال المستشار الألماني أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي): بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (من حزب الليكود) يقف إلى جانبه: "لا يمكننا أن نتفرج على الناس في غزة وهم معرضون لخطر الموت جوعاً". ومؤخراً قالت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك (من حزب الخُضر) مراراً وتكراراً إن الفلسطينيين في غزة، وأغلبهم لاجئون في شريطهم الساحلي الضيق، "لا يمكن أن يتبخروا في الهواء". ويبدو أولاف شولتس وأنالينا بيربوك عاجزَيْن ومرهقَيْن وربما يكونان أيضا خائفين. إلى أين جرتهما "الشريكة في القِيَم إسرائيل" (بحسب ما وصفها شولتس في 16 مارس / آذار 2023، أي قبل عام من الآن)؟

بعد المجزرة التي ارتكبتها منظمة حماس الفلسطينية القومية الدينية وحلفاؤها الأيديولوجيون ضد الإسرائيليين على الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023 أكد المستشار الألماني ووزيرة الخارجية الألمانية للحكومة الإسرائيلية تضامنهما الكامل. وأكدا مرارا وتكرارا على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، والذي يتضمن الحق في نقل الحرب إلى قطاع غزة. وهناك تتحصن حماس في الأنفاق خلف السكان المدنيين والرهائن الإسرائيليين.

المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي. Scholz und Netanjahu Pressekonferenz 17.3.2024
قال المستشار الألماني أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) في زيارته الأخيرة لإسرائيل في 17 مارس / آذار 2024: "لا يمكننا أن نقف متفرجين ونشاهد الناس في غزة وهم يواجهون خطر المجاعة." لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (من حزب الليكود) لم يتطرق إلى مخاوف شولتس. صورة من: picture-alliance/dpa

سماح الحكومة الألمانية بعشرة أضعاف صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل

وفي بيان حكومته بعد المجزرة قال شولتس يوم 12 أكتوبر / تشرين الأول 2023 إنه "طلب من رئيس الوزراء نتنياهو" إبلاغه "بأي احتياج للدعم". وأعلن شولتس في البرلمان الألماني (بوندستاغ): "سندرس على الفور طلبات الدعم هذه ونوافق عليها". ولا عجب أن موافقات الحكومة الاتحادية على شحنات الأسلحة إلى إسرائيل قد تمت بسرعة خارقة، وهو ما جعل تراخيص التصدير في عام 2023 ترتفع إلى قيمة إجمالية قدرها 326 مليون يورو، وهذا يعادل عشرة أضعاف العام السابق له. وقد أعلنت الحكومة الاتحادية هذه الأرقام بناءً على طلب النائبة في البوندستاغ سيفيم داغدلين من حزب "اتحاد سارة فاغِنْكنِيشت" اليساري.

من ذخيرة للبنادق وأسلحة تُحمل على الأكتاف إلى مركبات بعجلات وأجهزة إلكترونية وحتى سفن حربية: هذه الترسانة التي صُرِّحَ بها تمتد عبر أطياف من أسلحة القتال الحديثة. وتُعَدّ ألمانيا ثاني أهم مُوَرِّد أسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. وتفرق الحكومة الألمانية بين "الأسلحة الحربية" و"المعدات العسكرية الأخرى"، وهو تمييز يقيمه النقاد بأنه مصطنع، فمحرك الديزل للدبابة أو إلكترونيات التحكم للطائرات المسيرة بدون طيار (وغيرها من الأسلحة الأخرى) يخدمان القتال بنفس القدر الذي تخدمه القاذفات الصاروخية المضادة للدبابات "بانزر فاوست" (البازوكا) (نوع من أسلحة القتال).

مثل هذا التمييز يظهر بشكل أكبر في جانب آخر: فمن غير الدقيق الحديث فقط عن توريد الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل بالنظر إلى أنه -إلى جانب الصادرات البحتة- يوجد أيضا تعاون صناعي وثيق بين البلدين في مسائل التسليح، حيث تُطَوَّر أنظمة الأسلحة بشكل مشترك وتمتلك شركات التسليح فروعاً في كِلا البلدين، وقد أصبح هذا التعاون أكثر كثافة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية في إطار مبدأ أمن إسرائيل باعتباره "مصلحة عليا للدولة الألمانية". من الناحية الصناعية يمكن أن يكون هذا بالنسبة للحكومة الألمانية -كما يظهر في توريد تجهيزات الغواصات- وسيلة أنيقة لدعم شركات التسليح المحلية عبر أموال الضرائب.

أسلحة للحرب داخل المُدُن

في حرب غزة مثلاً: اُسْتُخدِمَ السلاح القاذف المحمول بالكتف "بانزَرفاوست رغي دبليو 90" المعروف أيضًا باسم "ماتادور"، ويقع مصنع تصنيع هذا السلاح في بورباخ بمنطقة زيغَرلاند (في ولاية شمال الراين وستفاليا). وشركة التسليح الإسرائيلية رافائيل هي المالك له الآن. وبعد 7 أكتوبر / تشرين الثاني سلمت ألمانيا 3000 بانزرفاوست (بازوكا) إلى إسرائيل، بما في ذلك الكثير من طراز ماتادور. مصطلح "بانزرفاوست" مضلل -إلى حد ما- [اللفظ الألماني بانْتَسَرفاوست والمعنى الحرفي: قبضة الدَّبَّابَة] خاصة عندما يتعلق الأمر بغزة. فسلاح ماتادور مثالي لحرب المدن لأنه لا يستطيع فقط تدمير دبابات العدو (التي لا تمتلكها حماس)، بل يستطيع أيضا تدمير المباني. ويتم تداول مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي تظهر جنوداً إسرائيليين يفعلون ذلك بالضبط.

ولكن كيف وبأي طريقة تشن إسرائيل الحرب في غزة، التي تُستخدم فيها أيضا الأسلحة الألمانية و"المعدات العسكرية الأخرى؟". في 26 أكتوبر / تشرين الأول 2023 -أي بعد أسبوعين ونصف من الضربات الجوية الإسرائيلية المكثفة- أدلى المستشار الألماني شولتس بتصريحات متفائلة: "إسرائيل دولة ديمقراطية تقودها مبادئ إنسانية جداً. ولذلك بالإمكان الوثوق من أن الجيش الإسرائيلي سيحترم القواعد التي تنبع من القانون الدولي فيما يفعل. ليس لدي شك في ذلك".

بعد استهداف إسرائيل لسبعة موظفين من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الإغاثية في غزة. An diesem Ort im Gazastreifen wurden sieben Mitglieder der Hilfsgruppe "World Central Kitchen" bei einem israelischen Angriff getötet.
فيما يتعلق باستهداف سبعة موظفين من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الإغاثية -كانوا يتنقلون في ثلاث سيارات تفصل بينها بضع مئات من الأمتار في وسط قطاع غزة في 1 أبريل / نيسان 2024- أوقف الجيش الضابط المسؤول المباشر عن العملية معتبراً أن ذلك كان "خطأً جسيماً"، ولكن يبقى السؤال عن إنْ كان ذلك متعمداً؟! يجب توضيح ذلك من خلال إجراء قضائي. صورة من: Abdel Kareem Hana/AP/picture

قبول بسقوط ضحايا مدنيين

سيكون من قبيل التهوين القول إن شولتس قد جانبه الصواب في هذا التصريح. فعلى مدى الأشهر الستة الماضية ظهر المزيد والمزيد من الحقائق التي تشير إلى عكس ذلك. بدايةً من عدد القتلى الأبرياء من الجانب الفلسطيني، وأن أكثر من نصف الوفيات التي تم إحصاؤها حتى الآن والبالغ عددهم أكثر من 34 ألف شخص هم من النساء والأطفال، ومن حيث عدد الهجمات على غزة وإجمالي عدد السكان الذين يعيشون هناك فإن عدد القتلى من المدنيين أكبر بكثير -وبشكل واضح- من أي حملة عسكرية قام بها أي جيش غربي في العقود الثلاثة الماضية. وقد حدد لاري لويس هذا الأمر بدقة متناهية -ولويس هو زميل أبحاث سابق في البنتاغون وكانت مهمته مساعدة الجيوش الحديثة لإيجاد طرق لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين في الحرب- وأظهر لويس أن إسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق هذا الهدف، في هذا الرابط:

 https://www.justsecurity.org/93105/israeli-civilian-harm-mitigation-in-gaza-gold-standard-or-fools-gold

أندرياس كريغ -الخبير في الشؤون العسكرية والعلاقات الدولية في كينغز كوليدج (كلية الملك) العريقة في لندن- يشير إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في استهداف الجيش الإسرائيلي لأهداف في قطاع غزة. ويقول إن عملية استهداف الأهداف -التي أُنْشِئَت باستخدام الحاسوب- مصممة بحيث تقبل إمكانية وقوع الكثير من الخسائر بين الضحايا المدنيين من أجل القضاء على مقاتل واحد من حماس. 

Here you can access external content. Click to view.

انتهاكات لقانون الحرب الدولي

ويضيف كريغ أنه بعد تحديد الأهداف من قبل الذكاء الاصطناعي غالباً ما يتم إلقاء "قنابل غبية" أو قذائف غير موجهة تتعرض لتأثير الرياح والطقس. هذه القنابل تصدِّرها الولايات المتحدة لإسرائيل، وليست ألمانيا. ويرى كريغ أنه لا ينبغي السماح باستخدامها في المناطق ذات الكثافات السكانية العالية. "تحديد ذكي للأهداف" وَ "قنابل غبية": هذا مزيج قاتل. العالِم -الذي يقدم المشورة أيضاً لوزارة الدفاع البريطانية- يُدين -على نحو واضح لايقبل اللبس- في مقابلة مع موقع بانوراما قائلاً: "هذه جريمة حرب". وكمثال آخر على انتهاكات إسرائيل الواضحة لقوانين الحرب الدولية يذكر الخبير العسكري تفجير المنشآت المدنية -مثل مباني الجامعات- حتى بعد أن لم يعُد لها أي فائدة عسكرية لدى الطرف الآخر.

التقييمات المبدئية لأداء الجيش الإسرائيلي مثقلة بحالات بالغة الخطورة أصبحت معروفة على مستوى العالم، فقد تُدُوِلَت حول العالم صورٌ اِلتقطَها الجيش الإسرائيلي من الجو، وهي صور توثِّق قتل عدة أشخاص -لا تبدو مشاركتهم في القتال في جنوب قطاع غزة- عن طريق طائرات مسلحة مُسيَّرة من دون طيار. ولم ينفِ الجيش صحة هذه التسجيلات، لكنه ادعى أن القتلى قد يكونون "إرهابيين". وقال المتحدث باسم الجيش لصحيفة إسرائيلية إنهم يحققون في القضية. ولم يَرُدّ الجيش على استفسار قدَّمَهُ موقع بانوراما التابع للقناة التلفزيونية الألمانية الأولى.

الحكومة الألمانية أيضاً مُلامة مَلومة

وفيما يتعلق باستهداف سبعة موظفين من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الإغاثية -كانوا يتنقلون في ثلاث سيارات تفصل بينها بضع مئات من الأمتار في وسط قطاع غزة في 1 أبريل / نيسان 2024- أوقف الجيش الضابط المسؤول المباشر عن العملية معتبراً أن ذلك كان "خطأً جسيماً"، ولكن يبقى السؤال عن إنْ كان الأمر ربما غير متعمد؟! يجب توضيح ذلك من خلال إجراء  قضائي. وذكرت صحيفة "هآرتس" المعارِضة للحكومة -في 4 أبريل / نيسان 2024- حقيقة تثقل كاهل الجهات الحكومية أيضاً، فمقال الصحيفة يستشهد برسالة طبيب -يعمل في أحد معسكرات الاعتقال- إلى مجلس الوزراء الحكومي وأفاد الطبيب الإسرائيلي غيها بأنه يقوم بانتظام ببتر أيدي -وأقدام- معتقلين فلسطينيين من غزة بعد تعرضهم لإصابات بسبب الربط الدائم لأطرافهم: "كلنا مذنبون" وفق ما كتب الطبيب الإسرائيلي -الذي يبدو أنه يشعر بوخزات الندم- إلى الوزراء، بحسب صحيفة "هآرتس".

فهل ستجد الدولة الإسرائيلية -التي يتعرض فيها النظام القضائي لضغوطات منذ تولي حكومة نتنياهو الحالية السلطة في 29 ديسمبر / كانون الأول 2022- القوة لإجراء محاكمات لمذنبي الحرب؟ الأمر غير واضح، وإذا لم يحدث ذلك فسيتعين على العدالة الجنائية الدولية التعامل مع الأمر. على أية حال أصبح من الواضح أنه في ضوء النتائج الكارثية للحملة العسكرية في قطاع غزة تواجه الحكومة الاتحادية مشاكل سياسية على الأقل بسبب دعمها لإسرائيل. ويقول عارف حجاج -الموظف السابق في وزارة الخارجية- "الحكومة الاتحادية مشتركة في الذَّنْب". الموظف الحكومي المتقاعد من أصل فلسطيني -الذي ترجم لهيلموت شميت وهانس ديتريش غينشر وهلموت كول وقدم لهم المشورة في الأمور المتعلقة بالعالم العربي- يتهم حكومة شولتس بالتحيز في سياسة الشرق الأوسط ويقول إن التعاون العسكري الوثيق مع حكومة نتنياهو المتطرفة في قوميتها يرسل إشارة خاطئة. 

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي وهو يتحدث إلى ضباط في سلاح الجو. Das Armee-Foto zeigt Generalstabschef Herzi Halevi, der zu Offizieren der Luftwaffe spricht.
استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب: أندرياس كريغ -الخبير في الشؤون العسكرية والعلاقات الدولية في كينغز كوليدج (كلية الملك) العريقة في لندن- يشير إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في استهداف الجيش الإسرائيلي لأهداف في قطاع غزة. ويقول إن عملية استهداف الأهداف -التي أُنْشِئَت باستخدام الحاسوب- مصممة بحيث تقبل إمكانية وقوع الكثير من الخسائر بين الضحايا المدنيين من أجل القضاء على مقاتل واحد من حماس. صورة من: Israeli Army/AFP

بيربوك أعلنت أنها تريد إرسال وفد متخصص إلى إسرائيل لمناقشة قضايا القانون الدولي

هل تُرتكب جرائم حرب بأسلحة مصنعة في ألمانيا؟ على الأقل الخطورة واضحة. يقول أندرياس كريغ، الخبير من كينغز كوليدج (كلية الملك): "كل من يقوم بالتصدير لإسرائيل وكل من يدعم الجيش الإسرائيلي -خاصةً مادياً ومالياً- يتحمل مسؤولية مشتركة. وهنا لا يمكن استثناء ألمانيا".

الحكومة الاتحادية تتحاشى التعليق. ويتهرب مكتب المستشارية ووزارة الخارجية من الإجابة على التساؤل عن إنْ كانت إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب وإلى أي مدى يوجد خطر ارتكاب جرائم حرب في المستقبل. ليس لدى الحكومة الاتحادية أي معلومات حول إنْ كانت الأسلحة التي قدمتها ألمانيا تُستخدَم في غزة وكيف يتم ذلك. ويحرص شولتس وبيربوك على التأكيد علناً وفي المناقشات مع المسؤولين الإسرائيليين على ضرورة الامتثال للقانون الدولي. وأعلنت وزيرة الخارجية بيربوك في شهر مارس / آذار 2024 أنها تريد إرسال وفد متخصص إلى إسرائيل لمناقشة قضايا القانون الدولي مع الجانب الإسرائيلي. ولم يغادر الوفد بعد، بحسب ما يقال في وزارة الخارجية. ويرى عارف حجَّاج أن الإشارات إلى القانون الدولي مجرد كلام، وعن لقاء شولتس الأخير مع نتنياهو يقول حجاج الخبير السابق في وزارة الخارجية: "كنت أتمنى أن يتحدث المستشار بصراحة"، وقال حجاج إنه كان ينبغي لشولتس أن يدين انتهاكات إسرائيل الواضحة لقوانين الحرب الدولية وأن يقول: "نحن نرفض ذلك". ويضيف أنه كان ينبغي لشولتس أن يهدد على الأقل بتعليق إمدادات الأسلحة.

غزة أشبه بكومة أنقاض غير صالحة للسكن ولا للحُكم

قطاع غزة الآن أشبه بكومة من الأنقاض غير صالحة للسكن وغير قابلة للحُكم، ومع ذلك لا يزال نحو مليوني إنسان متشبثين بالحياة على نحو ما. لقد اتضح الآن للحكومة الاتحادية أن لديها مشكلة في سياستها في الشرق الأوسط. وتروِّج وزيرة الخارجية بيربوك منذ فترة طويلة إلى حملة من أجل توصيل المزيد من المساعدات إلى غزة. وخلال زيارتها لإسرائيل في 26 مارس / آذار 2024 قدمت تقريراً عن المواد الغذائية التي شاركت ألمانيا في تمويلها والتي حُجِزَتْ في مستودع في الأردن تابع لبرنامج الغذاء العالمي، وقالت إنه يجب على إسرائيل أن تسمح بوصول إمدادات المساعدات إلى غزة. ومن المخطط له دخول 100 شاحنة يوميا. تصريح الوزيرة كان قبل أسابيع من مجيء وزير الخارجية الأردني إلى برلين ورجوع بيربوك إلى الشرق الأوسط مرة أخرى: وهنا نرى كيف أن أنشطة سفر كبار الدبلوماسيين محمومة في حين أن معظم المواد الغذائية -وفقا لوزارة الخارجية - لا تزال عالقة في الأردن. ويقال إن عدداً قليلاً فقط من الشاحنات تمكنت من الدخول كـ "تجارب أوَّلية". أما قافلة الإنقاذ اليومية المكونة من 100 شاحنة فما زالت تنتظر.

Here you can access external content. Click to view.

إرث مستقبلي لحكومة المستشار الألماني شولتس

لا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد ذلك في غزة. وفي القدس تساءل شولتس عن إنْ كانت التكلفة البشرية للحملة العسكرية ليست مرتفعة جدا، لينتقده نتنياهو بقوة وبشكل علني قائلا إن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، ورفض رئيس الوزراء أولوية الحلول السياسية وقال إن الأمن يأتي أولاً من خلال القوة. لقد ظل بنيامين نتنياهو -الذي نَصَّبَ نفسه "سيد الأمن"- يقول ذلك منذ ثلاثة عقود بالضبط، والآن أصبح لديه حجة قديمة جديدة: المواجهة مع إيران، يستخدمها نتنياهو لصرف الانتباه عن الكارثة في غزة ويدعمه شولتس بما يستطيع. إن تحويل التركيز إلى التهديد الإيراني يشكل آلية تُهَمَّش من خلالها المطالبات المشروعة للفلسطينيين في كثير من الأحيان، لكنَّ غزة غير سارَّة لنتنياهو لأنه لم يحقق "نصراً كاملاً" على حماس ولم يحرر الرهائن بقوة السلاح، وبالتالي فهو عرضة للاتهامات بأنه نكث وعوده الأساسية في الحرب.

لكنَّ غزة أيضاً غير سارَّة بالنسبة لشولتس كذلك لأن المستشار الألماني -وباسم المسؤولية التاريخية لإسرائيل- دعم من دون تحفظ الحكومة الإسرائيلية التي تدعمها أيضاً الأحزاب القومية المتطرفة والعنصرية. لقد كان من المتوقع أنه بعد الهجوم القاتل -الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023- أن تبدأ حملة ثأر تؤدي إلى الموت والدمار، ولكن دون تحقيق العدالة والأمن. وسيدخل تجاهل هذه المخاطر في إرث حكومة المستشار الاتحادي الألماني أولاف شولتس.

 

 

شتيفان بوخن

ترجمة: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar

 

الكاتب الألماني شتيفان بوخِن درسَ اللغة العربية وآدابها في جامعة تل أبيب في الفترة من 1993 إلى 1995 ثم عمل صحفياً في إسرائيل والأراضي الفلسطينية حتى عام 1999. وهو يجيد اللغتين العبرية والعربية. ويعمل صحفياً للمجلة التليفزيونية "بانوراما"، بالقناة الألمانية الأولى "أيه آر دي".

 

نُشِرَ هذا المقال لأول مرة على موقع "بانوراما" الألماني

www.panorama.de