شهر الصيام الإسلامي يزداد شعبية في الغرب أيضا

صورة من: Murtadha Al-Sudani/AA/picture alliance - إفطار جماعي في بغداد - العراق. Muslims break their daily fast during Ramadan at a mosque complex in Baghdad
التجمع حول مائدة الإفطار من أبرز مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في العراق (أرشيف: إفطار جماعي في بغداد - 30 /03 /2023). صورة من: Murtadha Al-Sudani/AA/picture alliance

يشارك بعض غير المسلمين -خاصةً من مسيحيي الشرق الأوسط- المسلمين في الاحتفاء برمضان، وكذلك يفعل بعض غير المسلمين في بلدان غربية، حيث تزداد مظاهر الاحتفاء بهذا الشهر في الفضاء العام. فما دلالة ذلك؟ كاثرين شير والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Cathrin Schaer & Mohammed Farhan

قد لا يمتلك الكثير من المسلمين شجاعة الكاتبة العراقية خلود خدوم في القول إن "شهر رمضان قد لا يتعلق بالضرورة بشكل كامل بالدين".

وفي مقابلة مع دي دبليو أضافت خلود -البالغة من العمر 53 عاما- أن شهر رمضان قد "يتعلق أيضا بالأجواء والتقاليد التي يجتمع عليها الناس معا"، مضيفة أنه في المناطق العراقية ذات التعدد الديني، فإن الطوائف الدينية المختلفة تحتفل بشهر رمضان الذي يمثل فرصة اجتماعية للالتقاء خاصة على موائد الإفطار.

وقالت خلود إنه "في بعض الأحيان يقوم المسيحيون بإعداد الحلوى وإرسالها إلى جيرانهم المسلمين. ويرسل المسلمون الطعام. وفي بعض الأحيان يصوم المسلمون والمسيحيون معا. يمثل رمضان فرصة لتقاسم المظاهر الرمضانية".

ويبدو أن احتفال غير المسلمين برمضان ليس منحصرا على العراق.

ففي مقابلة مع دويتشه فيله قالت أم أمير، وهي سيدة قبطية في عقدها الخامس وتعيش في محافظة أسيوط بصعيد مصر، "جارتي وصديقتي مسلمة، لذا نتشارك معا بعض مظاهر الاحتفال برمضان. أصوم يوما في رمضان وتدعوني جارتي للإفطار معها في منزلها مع أسرتها".

وتصوم الشابة اللبنانية المسيحية ريتا التي تعيش في بيروت بعض أيام رمضان. وقالت في مقابلة مع دي دبليو "أنا مسيحية، لكن منذ صغري لدي الكثير من الأصدقاء المسلمين. أعير الكثير من الاهتمام للديانات الأخرى".

صورة من: Bilal Jawich/Xinhua News Agency/picture alliance - خلال شهر رمضان تفتح المطاعم في الشرق الأوسط أبوابها. Shop seling sweets and pastries on the first day of Ramadan in Beirut, Lebanon
خلال شهر رمضان تفتح المطاعم في الشرق الأوسط أبوابها في كثير من الأحيان قبل وقت قصير من غروب الشمس لمواصلة تقديم الطعام حتى الصباح الباكر. صورة من: Bilal Jawich/Xinhua News Agency/picture alliance

أجواء رمضانية في الغرب

وقد يكون من المعتاد أن يحتفي غير المسلمين في الشرق الأوسط بشهر رمضان في ظل أن معظم بلدان المنطقة ذات أغلبية مسلمة، لكن اللافت أن البعض من غير المسلمين في البلدان الغربية ذات الأغلبية المسيحية يحتفلون أيضا بشهر رمضان.

فخلال العام الماضي 2023 أصبحت لندن أول مدينة أوروبية كبيرة تحتفي برمضان، حيث تزينت شوارعها بالزينة الرمضانية فيما حذت مدينة فرانكفورت الألمانية حذو لندن هذا العام 2024، لتصبح أول مدينة ألمانية كبيرة تسمح بتعليق إضاءة خاصة برمضان في أحد الشوارع احتفالا بحلول شهر الصيام لدى المسلمين.

وفي النمسا، اجتمع هذا الأسبوع أكثر من ألف شخص لتناول "الإفطار" في مدينة كارينثيا، حيث تمت دعوة كافة فئات المجتمع للمشاركة فيما أطلق عليه "الإفطار المفتوح" ولم تقتصر الدعوة على أعضاء الجالية المسلمة بل جرى دعوة غير المسلمين.

ويؤكد منظمو "الإفطار المفتوح" على أن الحدث يجذب المزيد من الناس كل عام. ونقلت صحيفة "كلاين تسايتونغ" عن أحد المشاركين قوله: "لم أكن أتوقع مشاركة هذا العدد الكبير من غير المسلمين في الإفطار المفتوح".

بدورها، أشارت إستير ميريام فاغنر، المديرة التنفيذية لمعهد وولف بجامعة كامبريدغ والمتخصصة في دراسة العلاقات التي تجمع اليهود والمسيحيين والمسلمين، إلى تزايد وجبات الإفطار التي تقوم بإعدادها "مؤسسات الدولة والجمعيات الخيرية والكنائس للاحتفاء بالتنوع".

وفي السياق ذاته، قال فريد حافظ، الباحث البارز في مشروع "مبادرة الجسر" البحثي التابع لجامعة جورج تاون الأمريكية والمتخصص في رصد ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، إن الاهتمام الكبير بشهر رمضان "يحمل في طياته زيادة بالاعتراف السياسي بالمسلمين في الفضاء العام ما يشير أيضا إلى تعزيز المساواة".

تزايد اندماج المسلمين في الغرب

وأضاف خلال حقبة التسعينيات، بدأت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت في إقامة مأدبة إفطار داخل مقر الخارجية، مشيرا إلى أن "السفارات الأمريكية كانت تدعو المسلمين بشكل أساسي إلى إجراء نوع من الحوار خلال مأدبة الإفطار. قامت السفارات الأوروبية بعد ذلك بتقليد السفارات الأمريكية، حيث كان يجتمع رؤساء ووزراء وشخصيات سياسية مرموقة معا".

ويقول مراقبون إن الطابع التجاري لشهر رمضان لعب دورا في تزايد شعبية موسم رمضان في العالم حيث ينفق المسلمون أكثر خلال هذا الشهر مقارنة بباقي شهور العام. وقد وصلت فاتورة الإنفاق الرمضانية في الشرق الأوسط وحده قرابة 60 مليار دولار العام الماضي.

وفي سياق متصل قالت إستير ميريام فاغنر إن الباحثين رصدوا أن الجيل الجديد من المسلمين في فرنسا يشعرون بأنه يمكنهم ممارسة الشعائر الإسلامية بشكل أكثر انفتاحا.

وفي ذلك السياق نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن جمال الحمري، الباحث المتخصص في الشؤون الإسلامية في المعهد الكاثوليكي بباريس، إنه من خلال "الممارسة الدينية الجلية، يطالب الشباب الفرنسي بالاعتراف بمكانتهم كأعضاء كاملي العضوية داخل المجتمع. إنهم يشعرون بالانتماء إلى فرنسا والإسلام على حد سواء".

صورة من: Can Nguyen/Captital Pictures/picture alliance كانت لندن أول مدينة أوروبية كبيرة تحتفي برمضان العام الماضي 2023 من خلال تزيين شوارعها.  The first ever Ramadan lights in the UK, switched on in Coventry Street, near Piccadilly Circus in London, UK
كانت لندن أول مدينة أوروبية كبيرة تحتفي برمضان العام الماضي 2023 من خلال تزيين شوارعها. صورة من: Can Nguyen/Captital Pictures/picture alliance

أصوات معارضة

ويشير مراقبون إلى وجود أصوات معارضة لمثل هذا التوجه، إذ ينتقد بعض المسلمين الاستغلال التجاري لشهر رمضان فيما زعم بعض رجال الدين المحافظين بأن غير المسلمين لا ينبغي أن يشاركوا في الاحتفال برمضان على الإطلاق.

وعلى الطرف الآخر تعتقد بعض العناصر اليمينية المتطرفة في أوروبا أن هذا التوجه سيؤدي في نهاية المطاف إلى "نهاية الحضارة" التي نشأوا عليها، على حد زعمهم.

بيد أن إستير وحافظ يستبعدان أن مثل هذه الآراء السلبية سوف تلقي بظلالها على المكاسب وراء قبول معتقدات الآخر.

وفي هذا السياق قال حافظ إن المسلمين -الذين نشأوا في ثقافة ذات أغلبية مسيحية- يرون أن الاحتفاء برمضان يتعلق بالانتماء، مضيفا أن الاحتفال برمضان في الفضاء العام يعد -بطريقة ما- اعترافا بأن ذلك أصبح يشكل جزءا من ثقافة المجتمع.

بدورها قالت إستير إن غير المسلمين يرون في الاحتفال برمضان دليلا على التنوع، مضيفة "ترى فئات المجتمعات ذات التنوع الثقافي والديني أن هذا التنوع يعد ركيزة ازدهار مجتمعاتها وحيويتها وكونها أكثر عدلا وإنصافا".

 

كاثرين شير 
شارك في إعداد التقرير: محمد فرحان وعباس الخشالي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2024

Qantara.de/ar