"التجارب الصعبة كالصيام تجعلنا أقرب للإيمان"

صورة من: Robert Haas - زينة رمضانية خشبية. Münchner Muslime erzählen von einer besonderen Zeit.
"عددنا هنا في ألمانيا خمسة ملايين وستمائة ألف مسلم ونصفنا تقريبًا يصومون ولذلك سيكون جميلًا عندما لا نضطر كلَّ عام إلى شرح إيماننا من جديد". صورة من: Robert Haas

العودةُ للذات ولله والعملُ الصالح ومتعةُ الجماعة: أربعة مسلمين ومسلمات يشرحون ما يعني لهم صيام رمضان ولماذا يتمنون عدم الاضطرار مرارا وتكرارا لشرح إيمانهم للآخرين في محيط غير إسلامي. حاورتهم مارتينا شيرْف بألمانيا في رمضان.

الكاتبة ، الكاتب: Martina Scherf

"شهر رمضان هو الوقت المناسب لإعادة ضبط كلِّ شيء"، كما تقول إيناس علي زيدان، وهي شابة عمرها تسعة وثلاثون عامًا وتعمل في مجال التوظيف لقطاع صناعة السيارات. وتقول: "الأيَّام الأولى صعبة قبل أن ندخل إلى حال الاعتياد. لكن هذا وقت ثمين يعود فيه المرء إلى نفسه عقليًا وجسديًا ويُتوجَّه كليًا إلى الله وأسلوب الحياة الجيِّدة". والصيام لثلاثين يومًا يُعتبر -بحسب تعبيرها- عملًا "رياضيًا جدًا" ولكنه يجعل قضاء الأمسيات مع العائلة والأصدقاء أكثر قيمة.

وهي تتمنَّى أن يصبح رمضان أكثر وضوحًا في المجتمع الألماني. وحول ذلك تقول: "نحن عددنا هنا في ألمانيا خمسة ملايين وستمائة ألف مسلم ونصفنا تقريبًا يصومون ولذلك سيكون جميلًا عندما لا نضطر كلَّ عام إلى شرح إيماننا من جديد". وهي تلاحظ بصفتها مديرة للموارد البشرية كيف تتعامل الشركات مع موظفيها المسلمين وتقول: توجد هنا اختلافات كبيرة.

"لقد قامت بعض الشركات ذات الطبيعة الأكثر تنوُّعًا بتجهيز غرف للصلاة وصارت تتمَّنى لموظفيها بشكل رسمي شهر ’رمضان مباركاً‘ - مثلما تتمنى للموظفين في أوقات أخرى من العام عيد ميلاد سعيدًا وعيد فصح مجيدًا"، كما تقول مضيفةً أنَّ هذا عمليًا هو التنوُّعُ ويعزِّز الشعور الجماعي.

صورة من: Catherina Hess - إيناس علي زيدان شابة مسلمة في ألمانيا.  Inas Ali Zeidan aus Garching ist Managerin in der Personalbeschaffung.
إيناس علي زيدان شابة مسلمة تعمل مديرة للموارد البشرية في مدينة غارشينغ بالقرب من ميونخ. وهي تتمنَّى أن يصبح شهر رمضان أكثر وضوحًا في المجتمع الألماني. صورة من: Catherina Hess

وبحسب رأيها فإنَّ أهمية مثل هذه المبادرات تزداد باستمرار في وقت تعاني فيه ألمانيا من نقص العمالة المتخصِّصة. ولكن توجد أيضًا شركات أخرى ما تزال تنتظر من موظفيها المسلمين الحضور للمشاركة في تناول الغداء حتى في شهر الصيام، كما تقول وتضيف أنَّ وجود "المزيد من المرونة سيكون مفيدًا حقًا. كما أنَّ الصيام العلاجي أصبح موضة شائعة حاليًا ويمكن أن يقدِّم أيضًا مادة لحوار يتجاوز الحدود الثقافية أو الدينية".

تطهير القلب

يعتبر محمد حمزة عرقسوس باحثًا في العلوم السياسية ولديه شركة سيارات أجرة ويعمل إمامًا لمسجد الأحبة في مدينة ميونِخ الألمانية وهو عضو في المجلس الإسلامي في ميونخ. ويقول إنَّ شهر الصيام يُمثِّل فرصة "من أجل تجديد المرء صلته بالله". وهذا يتعلق باستعادة سيطرة المرء على أسلوب حياته الذي ربَّما يكون قد خرج قليلًا عن مساره خلال العام. وعلى أية حال يجب على المرء في هذا الوقت أن يفعل الخير ويتبرَّع للمحتاجين وأن "يُطهِّر قلبه - وهذا شيء معروف أيضًا في الديانتين المسيحية واليهودية".

ويقول الشاب محمد حمزة - البالغ من العمر واحدًا وثلاثين عامًا والمولود في مدينة كيل الألمانية - إنَّه يشعر بقربه من الدين والإيمان منذ طفولته. ووالده نصف سوري ونصف ألماني وأُمُّه سورية. ولكن محمد حمزة الذي يعمل اليوم إمامًا قد عاش حقبة في حياته اضطربت خلالها علاقتُه مع الله، كما يقول: وذلك عندما تم تشخيص إصابته بمرض مزمن.

"لكن في نهاية المطاف فإنَّ تجارب الحياة الصعبة هذه هي التي تعيدنا لنصبح أقرب إلى الإيمان"، كما يقول مضيفًا أنَّ الصيام يفيده وأنَّ أصدقاءه المسلمين جميعهم تقريبًا يصومون "وحتى الأشخاص الذين لا يُصلُّون أو لا يذهبون إلى المسجد". كما أنَّ لديه أيضًا أصدقاء قد يشربون الكحول في النوادي الليلية عندما تكون لديهم رغبة في ذلك. "ولكنهم بعد ذلك يشاركوننا الصيام في شهر رمضان لأنَّه من الشعائر والطقوس المهمة جدًا بالنسبة للمسلمين".

ويضيف أنَّ الجانب الديني بالنسبة للبعض هو الأهم، بينما يهتم الآخرون بالجانب الثقافي أكثر: "تُعرَض في البلدان الإسلامية مسلسلات تلفزيونية خاصة بشهر رمضان ويجتمع على مشاهدتها جميع أفراد الأسرة في المساء".

  صورة من: privat - محمد حمزة عرقسوس إمام مسجد الأحبة في مدينة ميونخ الألمانية. Mohamed Hamse Iriksous vom Münchner Muslimrat
محمد حمزة عرقسوس إمام مسجد الأحبة في مدينة ميونخ الألمانية وعضو المجلس الإسلامي في ميونخ. ويقول إنَّ شهر الصيام يُمثِّل فرصة "من أجل تجديد المرء صلته بالله". صورة من: privat

زملاء في العمل يراعون بعضهم في رمضان

يحاول ألمير بورنيتش التخلي تمامًا أثناء النهار عن الطعام والشرب. ويقول: "في هذا الوقت أكون أكثر مع نفسي". وهو ممرِّض عمره ثمانية وعشرون عامًا وقد جاء قبل تسعة أعوام من البوسنة والهرسك إلى ميونخ من أجل تكوينه المهني ويعمل الآن كمدير إدارة منزلية في دار سانت ماريا للمُسنِّين والرعاية التابعة لمؤسَّسة ميونخ.

وهو رئيس لفريق عمل مكوَّن من ثلاثين فردًا. وبحسب تقديره فإنَّ نصف موظفيه على الأقل أصلهم من يوغوسلافيا السابقة ويوجد غيرهم من تونس وغرب أفريقيا وكذلك من أجزاء أخرى من العالم. ويقول إنَّ من بينهم الكثير من المسلمين الذين "بعضهم يصومون الشهر كله وبعضهم ينظرون إلى ذلك بتساهل أكثر ويصومون فقط عشرة أيَّام وآخرون لا يصومون على الإطلاق".

وهو يحاول خلال شهر رمضان مراعاة احتياجات الزملاء الصائمين، مثلًا عند وضع جدول العمل. وهذا ليس بالأمر السهل "ولكنه يحتاج فقط إلى خبرة ومهارة حتى يتم بنجاح". فهو يكلِّف الزملاء الصائمين بأعمال تتطلب قدرًا أقل من الإرهاق الجسدي أو يراعي فترة الصيام عند توزيع نوبات العمل.

وحول ذلك يقول: "نحن نُفضِّل خلال شهر رمضان توزيع نوبات العمل الليلية أو المتأخرة على المسلمين، ولكن يجب ألَّا نتساهل كثيرًا، وذلك لأنَّ الصيام يجب أن يُعايش بوعي أيضًا". وبما أنَّ الجميع يعرفون بعضهم جيِّدًا فإنَّ هذا لا يشكِّل في العادة أية مشكلة، كما يقول: "يوجد بين أعضاء فريقنا قدر كبير من الاحترام المتبادل"، ولهذا السبب فإنَّ الزملاء غير المسلمين على استعداد لتولي نوبة عمل خلال شهر رمضان بدلًا عن زملائهم الصائمين. ويضيف أنَّ هذا يشبه العمل ضمن أُسرة واحدة.

وفي نهاية الشهر -عندما يحتفل الناس في جميع أنحاء العالم بعيد الفطر [المعروف لدى الأتراك ومسلمي أوروبا بعيد السُكَّر]- توجد أيضًا في مقصف مؤسَّسة ميونخ مأدبة خاصة: حساء مطبوخ بلحم الخروف وسمك وبقلاوة وحلويات أخرى.

صورة من: Catherina Hess - ألمير بورنيتش مدير إدارة منزلية في ألمانيا. Almir Burnić leitet bei Münchenstift ein Team von 30 Pflegerinnen und Pflegern.
ألمير بورنيتش شاب عمره ثمانية وعشرون عامًا يعمل مدير إدارة منزلية في دار سانت ماريا للمُسنِّين والرعاية ولديه فريق عمل مكوَّن من ثلاثين ممرِّضًا وممرِّضة. صورة من: Catherina Hess

الإفطار على التمر

يُقدِّم كلَّ عام صاحبا مطعم ريفر في مدينة سيندلينغ الألمانية وجبات رمضانية. وقد بدأ أوَّل إفطار هناك في يوم الاثنين الماضي 11 / 03 / 2024 في تمام الساعة السادسة مساءً وتسع وعشرين دقيقة عند غروب الشمس. أولًا يتناول كلُّ صائم حبة تمر، وهذا تقليد من السُّنة النبوية "لأنَّ النبي كان يقوم بذلك على هذا النحو ولأنَّ التمر كما يُقال له تأثير مُطهِّر على الجسم"، كما تقول ميليتا هرنجيكا.

ويوجد بعد ذلك حساء لتدفئة المعدة وتليه الأطباق البوسنية التقليدية مثل الفلفل المحشي أو أوراق الكرنب المحشي والملفوف أو "الرازنجي" (أي كباب منطقة البلقان). وتقول: "لا بدّ من الحجز مسبقًا لأنَّ المطعم يكون مزدحمًا جدًا في هذه الأيَّام".

ويوجد من بين زبائن المطعم عائلات مع أطفال وشباب يجتمعون لتناول الإفطار وكذلك رجال عازبون يريدون تناول طعام لذيذ بعد الصيام في المساء. وتقول ميليتا هرنجيكا إنَّ "الأجوا دائمًا جميلة وهادئة جدًا عندما يجلس الجميع في رمضان مجتمعين على الإفطار بعد غروب الشمس. وهذا يخلق تقاربًا خاصًا".

 صورة من: Catherina Hess - الزوجان نرجيس وميليتا هرنجيكا أمام مطعمهما في ألمانيا. Narcis und Melita Hrnjica vor ihrem Restaurant in Sendling, wo sie ein Ramadan-Menü anbieten.
الزوجان نرجيس وميليتا هرنجيكا أمام مطعمهما في مدينة سيندلينغ والذي يقدمان فيه كلَّ عام وجبات رمضانية. صورة من: Catherina Hess

ويساعد الأصدقاء وأفراد من الأسرة في المطبخ وفي خدمة الزبائن حتى يتمكَّن الزوجان صاحبا المطعم من أخذ قسط من الراحة أثناء المساء. وتقول ميليتا هرنجيكا إنَّ هذا الوقت يمثِّل شيئًا مميَّزًا بالنسبة للأطفال أيضًا: "أطفالنا يتربون تربية منفتحة على العالم، فهم يعرفون من خلال رياض الأطفال والمدرسة عيد الميلاد وعيد الفصح، ثم يضاف إلى ذلك شهر رمضان". ما يزال الأطفال لا يصومون بعد لأنَّ الصيام يبدأ بعد بلوغ سنّ المراهقة. "عندئذ سنترك لهم حرِّية الاختيار بين الصيام أو عدمه"، كما تقول.

ويكُف الوالدان عن الطعام والشراب تمامًا خلال النهار - وهذا ليس بالأمر السهل عندما يعمل المرء في مطعم أيضًا. ولكن الجسم يتأقلم مع ذلك وفي النهاية هذا يتعلق بالمزاج، كما تقول ميليتا هرنجيكا: "أنا أفكِّر كم يوجد في العالم من أشخاص لا يملكون أي شيء وكم نحن محظوظون هنا في ألمانيا. لقد عشنا أنا وزوجي الحرب في البوسنة في فترة التسعينيات وجئنا إلى ألمانيا كأطفال لاجئين. ونحن ممتنون لما يوجد لدينا اليوم. وخلال شهر الصيام يمكننا أن نشعر أكثر بقيمة أنَّنا نستطيع أن نأكل كلَّ يوم طعامًا ساخنًا".

 

 

 

مارتينا شيرْف

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar