دور ميليشيات موالية لإيران في حرب إسرائيل وحماس

مسلحون حوثيون في اليمن Jemen Huthi-Rebellen Foto Reuters
مسلحون حوثيون في اليمن

هجمات على قواعد أمريكية بالعراق وسوريا زادت مخاوف توسع حرب إسرائيل وحماس إلى دول أخرى. فهل تشكل الجماعات المدعومة من إيران بالعراق واليمن تهديدا للسلام أم أن هذا مجرد قعقعة سلاح؟ استقصاء كاثرين شير.

Von Cathrin Schaer

يبدو أن الرسالة كانت واضحة: الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تم إطلاقها على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا مؤخراً تعني أن أعضاء الميليشيات العراقية والمتمردين الحوثيين في اليمن لم يكونوا راضين على ما يبدو عن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن الجيش الأمريكي نفذ الخميس (26 أكتوبر/تشرين الأول 2023) ضربات ضد منشأتين في شرق سوريا يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني وجماعات يدعمها، رداً على الهجمات ضد القوات الأمريكية. وذكر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في بيان "هذه الضربات الدقيقة للدفاع عن النفس هي رد على سلسلة من الهجمات المستمرة وغير الناجحة في معظمها ضد أفراد أمريكيين في العراق وسوريا من قبل ميليشيات مدعومة من إيران والتي بدأت في 17 تشرين الأول/أكتوبر" 2023. 

وأمر الرئيس جو بايدن بتنفيذ تلك الضربات. وقال أوستن في البيان "هذه الهجمات المدعومة من إيران ضد القوات الأمريكية غير مقبولة ويجب أن تتوقف". وأضاف: "إذا استمرت هجمات وكلاء إيران ضد القوات الأمريكية فلن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات اللازمة لحماية شعبنا".

منذ الهجمات القاتلة التي شنتها حركة حماس الإسلامية المسلحة على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قام الجيش الإسرائيلي بقصف قطاع غزة المكتظ بالسكان، فضلاً عن منع دخول المواد الغذائية والمياه والوقود والإمدادات الطبية إلى القطاع. أدى الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007 على غزة إلى تقييد الواردات إليها ومنع معظم الناس من المغادرة.

وقالت الحكومة الإسرائيلية إن أكثر من 1400 إسرائيلي قتلوا في هجمات حماس وفي غزة، وقُتل أكثر من 8000 شخص منذ ذلك الحين بسبب القصف الإسرائيلي الانتقامي، وفقاً للسلطات الصحية التابعة لحماس. ولا يمكن التحقق من الأعداد الدقيقة بشكل مستقل، لكن عدد القتلى في غزة مستمر في الارتفاع مع استمرار القصف والحصار الإسرائيلي.

أحد أفراد الحشد الشعبي في العراق - بغداد. Irak Bagdad - Einheit der PMF Foto AP
أصبح "الحشد الشعبي" في العراق أكثر قوة مع مرور الوقت. تختلف أيديولوجيات الميليشيات المنضوية تحت "الحشد الشعبي"، وبعضها لديها أجنحة سياسية في البرلمان العراقي. ويحظى العديد منها بدعم مالي وتكتيكي من قبل إيران. Photo AP

من هي تلك المجموعات؟

أصبح المزاج السائد متوتراً لدى الجماعات المسلحة في العراق واليمن التي تعتبر نفسها حلفاء لحماس.

وقال محللون سياسيون في مؤسسة الأبحاث "The Century Foundation" والتي مقرها الولايات المتحدة، في تعليق في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2023: "إن التدخل الإسرائيلي الواسع في غزة يهدد بتصعيد من قبل حلفاء حماس فيما يسمى بمحور المقاومة (محور الممانعة)، وهو تحالف إقليمي تقوده إيران ويضم أيضاً حزب الله اللبناني ومختلف الفصائل شبه العسكرية العراقية وحركة الحوثيين في ​​اليمن".

وتحكم حماس، التي شنت الهجمات القاسية على إسرائيل، قطاع غزة، وتُصَنَّف كمنظمة إرهابية من قِبَل الاتحاد الأوروبي ودول من بينها الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة.

حزب الله هو ميليشيا كبيرة وحزب سياسي مقره في لبنان. وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأغلبية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".

وفي العراق ظهرت الميليشيات الموالية لإيران بعد عام 2014 عندما تطوع السكان المحليون لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الإرهابي المتطرف. ولهذا السبب تُعرف على نطاق واسع باسم "قوات الحشد الشعبي". تختلف أيديولوجيات الميليشيات المنضوية تحت "الحشد الشعبي"، وبعضها لديه الآن أجنحة سياسية في البرلمان العراقي. ويحظى العديد منها بدعم مالي وتكتيكي من قبل إيران.

وتخوض حركة التمرد الحوثي حرباً أهلية مع الحكومة اليمنية الرسمية منذ عام 2014، وبدأت الحرب بشكل جزئي كرد فعل على النفوذ السعودي المتزايد. ويحظى الحوثيون أيضاً بدعم إيران.

وقد أعرب قادة اثنتين من الميلشيات الكبيرة في العراق عن معارضتهم لما يحدث في غزة. وقال هادي العامري، زعيم منظمة بدر، في تصريح صحفي بعد يومين من هجوم حماس: "إذا دخلت أمريكا هذه المعركة مباشرة فسوف نعتبر كل الأمريكيين أهدافاً مشروعة".

وأعلن جعفر الحسين، المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي -عبر منصة "تليغرام" في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023- أن "الأمريكيين شركاء أساسيون في قتل أهل غزة، وبالتالي عليهم أن يتحملوا العواقب". وأدلى زعيم جماعة الحوثي اليمنية بتصريح مماثل.

جماعات شيعية مسلحة فاعلة في سوريا  Syrien Schiitische Gruppen Foto AP
يقول محللون سياسيون إن "التدخل الإسرائيلي الواسع في غزة يهدد بتصعيد من قبل حلفاء حماس فيما يسمى بمحور المقاومة (محور الممانعة)، وهو تحالف إقليمي تقوده إيران ويضم أيضاً حزب الله اللبناني ومختلف الفصائل شبه العسكرية العراقية وحركة الحوثيين في ​​اليمن". Photo AP

تداعيات قصف المستشفى المعمداني

قبل اندلاع الصراع الحالي كان هناك بعض التوقف في الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة والميليشيات العراقية، والتي دأبت على ترديد أنها تريد خروج الولايات المتحدة من العراق وأطلقت في السابق صواريخ على قواعد أمريكية.

ومنذ قصف مستشفى الأهلي (المعمداني) في غزة في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأت مثل هذه الهجمات من جديد. وأعلنت الميليشيات مسؤوليتها عن حوالي 11 هجوماً بطائرات مسيرة أو صواريخ على قواعد أمريكية في العراق وسوريا. وتوفي أحد الجنود الأمريكيين نتيجة لأزمة قلبية أصيب بها خلال إحدى الهجمات، وأصيب آخرون بجروح طفيفة لكنهم تمكنوا من العودة إلى الخدمة بعد ذلك.

وفي العراق أيضاً أفادت وسائل إعلام محلية عن وجود تحركات عسكرية على جبل سنجار، وهي نقطة مرتفعة تم إطلاق منها صواريخ على إسرائيل في عام 1991 من قبل دكتاتور البلاد السابق صدام حسين. كما شوهد أعضاء كبار في الميليشيات العراقية في لبنان وسوريا، وهي دول أقرب إلى إسرائيل جغرافياً من العراق واليمن.

ومؤخراً تمكنت المدمرة البحرية الأمريكية "يو إس إس كارني" من اعتراض ثلاثة صواريخ وعدة طائرات بدون طيار في البحر الأحمر أطلقتها جماعة الحوثي، رغم ذلك قال الجيش الأمريكي إن أهدافها كانت غير واضحة.

ويعتقد الخبراء أن فرص خوض إيران للحرب بنفسها تظل ضئيلة. لكن وكلاء إيران –مثل حماس وحزب الله والميليشيات في العراق واليمن– قد يتصرفون دون إثارة أزمة دولية فورية.

وأفاد باحثون في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أن العديد من الميليشيات العراقية قد أنشأت منظمة جامعة جديدة تسمى "المقاومة الإسلامية في العراق". وقال الباحثون في التقرير: "بالنظر إلى أزمة غزة واحتمال توسيع نطاق الحرب على المستوى الإقليمي، تريد الميليشيات المدعومة من إيران إظهار الوحدة من خلال دمج أفعالها في علامة تجارية واحدة". وهي بمثابة "إعلان عن واجب"، بحسب الباحثين.

ميليشيا الباسيج الإيرانية Iran Miliz Bassidsch Foto Picture Alliance.webp
يعتقد خبراء أن فرص خوض إيران للحرب بنفسها تظل ضئيلة. لكن وكلاء إيران –مثل حماس وحزب الله والميليشيات في العراق واليمن– قد يتصرفون دون إثارة أزمة دولية فورية. Photo Picture Alliance

ما حجم التهديد؟

وحتى الآن ليس من الواضح إنْ كانت الزيادة في الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا هي أكثر من مجرد قعقعة سلاح.

وصرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للصحفيين أن الولايات المتحدة تعلم أن إيران كانت وراء الهجمات التي نفذها وكلاؤها. وقال كيربي: "نعلم أن إيران تراقب هذه الأحداث عن كثب، وفي بعض الحالات، تسهِّل بشكل فعال هذه الهجمات وتحفز الآخرين الذين قد يرغبون في استغلال الصراع لمصلحتهم أو لمصلحة إيران".

ونفت إيران مسؤوليتها عن الهجمات، قائلةً إن الميليشيات تتصرف بشكل مستقل.

وقال حمزة حداد، وهو زميل زائر في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، إنه -في الوقت الحالي- يمكن اعتبار هجمات الطائرات بدون طيار ومشاركة قادة الميليشيات شبه العسكرية بشكل واضح في الاجتماعات في لبنان كمواقف فردية في الغالب.

An dieser Stelle finden Sie einen externen Inhalt. Sie können ihn sich mit einem Klick anzeigen lassen.

"حان الوقت للحكم السياسي السليم وضبط النفس"

وأشار حداد إلى أن هجمات الطائرات بدون طيار والمشاعر المعادية للولايات المتحدة ليست جديدة أيضاً. وأضاف: "إنهم -في الوقت الحالي- يرسلون رسالة فقط". "لكن نعم، قد تكون هناك عواقب أكثر خطورة إذا بدأنا نرى سقوط إصابات".

وكتب المحللون السياسيون في مؤسسة الأبحاث "The Century Foundation" في تعليقهم أنه لا يوجد دليل على تورط الميليشيات العراقية أو الحوثيين بأي شكل من الأشكال في هجوم حماس على إسرائيل. لكنهم أضافوا أنه "إذا توسعت إسرائيل في عمليتها في غزة -كما وعد المسؤولون الإسرائيليون بذلك- فمن غير المرجح أن يمنع الوجود العسكري الأمريكي فصائل "محور المقاومة" أو "محور الممانعة" -التي تقودها إيران- من الهجوم. وعندها ستكون الولايات المتحدة في مأزق للتدخل لدعم إسرائيل. وهذا بدوره سيؤدي إلى هجمات على أهداف أمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط".

وقال المحللون إنه في أسوأ السيناريوهات يمكن للميليشيات العراقية أن تهاجم القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، بينما يستهدفها الحوثيون في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد يهاجم الحوثيون بشكل مباشر هذين البلدين، اللذين يعتبران حليفين للولايات المتحدة. وخلص المحللون إلى أنه "بما أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في هجومها على حماس فإنه على إسرائيل عدم ارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين الفلسطينيين، كي لا تطلق العنان لحرب أوسع نطاقاً ستكون بمثابة كارثة على الولايات المتحدة والشرق الأوسط".

 

 

كاثرين شير

ترجمة: ز.ك.ب

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

Qantara.de/ar