مصر والأردن في عين العاصفة

صورة من: Alaal Al Sukhni/REUTERS - في قطاع غزة: صبي جالس في حالة من اليأس أمام كومة من الأنقاض.  Gazastreifen ein Junge sitzt verzweifelt vor einem Haufen Trümmer
في قطاع غزة: صبي جالس في حالة من اليأس أمام كومة من الأنقاض. صورة من: Alaal Al Sukhni/REUTERS

حرب إسرائيل على حماس في غزة جعلت مصر والأردن فعلياً على خط المواجهة وهو تدهور قد ينتهي بفرار أعداد كبيرة من الفلسطينيين عبر حدود البلدين الجارين. تقصِّي الصحفية الألمانية بيرغيت سفينسون من عمَّان والقاهرة لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Birgit Svensson

في البداية لم يكن من الواضح إنْ كان الهجوم الطائرات المُسَيَّرة على القوات الأمريكية قد حدث بالفعل على الأراضي الأردنية، أم على الأراضي السورية. غير أنَّ ما كان واضحاً على الفور مقتل ثلاثة أمريكيين وإصابة أكثر من ثلاثين. وقد كانت هذه الوفيات الأمريكية الأولى بعد شهور من هجمات الجماعات المسلحة -المدعومة إيرانياً- على جنود أمريكيين في أنحاء الشرق الأوسط.

أعلنت جماعة مسلحة عراقية مسؤوليتها عن الهجوم، قائلةً إنها شنَّت هجمات على أربع قواعد عسكرية أمريكية، ثلاث منها في سوريا. ويحدُّ الأردن في الشمال والشرق كلاً من العراق وسوريا. كما يُطلق اسم "المقاومة الإسلامية" على تحالف من الجماعات المسلحة الموالية لإيران والتي تستهدف الدول التي تدعم إسرائيل في حربها ضد حماس في غزة.

حتى الآن نجح الأردن في خلق توازن بين الأطراف المتعادية المشاركة في هذه الحرب. ويبذل الملك عبد الله والملكة رانيا كل ما بوسعهما لمنع تصاعد الوضع في بلدهما. وهما يعكسان هذا التوازن: فالملك عبد الله أردني والملكة رانيا فلسطينية.

صورة من: Alaal Al Sukhni/REUTERS - أردنيون محتجون أمام السفارتين الإسرائيلية والأمريكية في عَمَّان ضد الحرب الانتقامية الإسرائيلية في قطاع غزة.  Jordanier protestieren vor der israelischen und amerikanischen Botschaft in Amman
أردنيون محتجون أمام السفارتين الإسرائيلية والأمريكية في عَمَّان ضد الحرب الانتقامية الإسرائيلية في قطاع غزة. صورة من: Alaal Al Sukhni/REUTERS

"الملك عبد الله يفتقر إلى الفطنة السياسية"

تتمركز قوات أمريكية وألمانية في الأردن، وتعمل من هناك على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

كانت البلاد إلى حد كبير بمنأى عن إرهاب وحروب جيرانها في الماضي. إذ لم يتمكن تنظيم القاعدة قَطُّ من الحصول على موطئ قدم في الأردن ولم يرتكب تنظيم داعش تجاه الأردن سوى عمل وحشي واحد حين أحرق طياراً مقاتلاً شاباً في الجيش الأردني حياً.

ولم يحدث أي شيء آخر. وإن سألت في عَمان كيف تحقَّق هذا التوازن الرائع فسيكون الجواب مراراً وتكراراً أنَّ قوات الأمن الأردنية لعبت دوراً مهماً في هذا. إذ أنَّ شبكتهم أكثر شمولية من أي دولة أخرى في المنطقة.

عامر السبايلة -باحث في النزاعات وأستاذ في الجامعة الأردنية وخبير أمني- يشهد على المعرفة العسكرية الواسعة للملك. إذ يركِّز الملك عبد الله على الأمن والاستقرار، كما يقول الناقد المطلوب في حوارات وسائل الإعلام الأردنية والدولية. بيد أنَّ السبايلة ينتقد افتقار الملك إلى الفطنة السياسية. فلم يقم العاهل الأردني بزيارة إسرائيل ولا مرة -على سبيل المثال- على الرغم من أنَّ الأردن كان الدولة الثانية بعد مصر في توقيع معاهدة سلام في عام 1994 مع إسرائيل المجاورة له.

صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO - معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة. Nur wenige Lastwagen mit Hilfsgütern können täglich den Grenzübergang bei Rafah passieren.
معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة: إذا استمر القتال في خان يونس بهذه الشدة فلن يكون أمام الناس سوى طريق واحد للهرب: الحدود مع مصر. ولكن ماذا ستفعل مصر إنْ اقتحم مليون فلسطيني فجأة المعبر الحدودي؟ صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO

الإمارات تتولى التواصل مع إسرائيل

ولهذا السبب يقول السبايلة إن الأردن لم يشارك في البحث عن حل للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، على الرغم من أنه ينبغي للبلد المشاركة في ذلك. "إذا أراد الملك التحدُّث مع أحد من الحكومة الإسرائيلية فإنه يدعو الإمارات إلى التوسُّط".

ومنذ توقيع إسرائيل ما يُسمى باتفاقيات إبراهيم (أبراهام) -مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب في أيلول/سبتمبر 2020- اكتسب عرب الخليج المزيد من النفوذ على إسرائيل. بينما تأثير الأردن ضئيل للغاية. غير أنَّ الوضع الحالي يجعل السبايلة متوتراً: "إذا استمرت الأمور على هذا النحو مع فلسطين فستكون هناك فوضى في الأردن".

يُعتبر الأردن دولة على خط المواجهة في الحرب بين إسرائيل وحماس. وبينما تتركز التغطية الإعلامية الآن على غزة، يستمر الوضع في الضفة الغربية بالتفاقم مع تصاعد الهجمات التي تشنها جماعات المستوطنين المتطرفين المسلحة على المزارعين الفلسطينيين. ومن المفهوم أن الأردن قلق للغاية بشأن التصعيد المحتمل على عتبة بابه. إذ أنَّ الضغط يتزايد على حدوده مع تصاعد الوضع في الضفة الغربية.

استقبل الأردن -البالغ تعداد سكانه 10 ملايين نسمة- مؤخراً أكثر من مليون فلسطيني إضافي، بعد أن شهد بالفعل فرار مئات الآلاف إلى الأردن خلال عملية التهجير الأولى في عام 1948 يحمل جميعهم الآن الجنسية الأردنية.

ومَنْ أُجبِروا على الفرار خلال حرب الأيام الستة في عام 1976 قد جُنِّسوا أيضاً. ولكن بعد ذلك انتهى الأمر. لم يستطع الأردن التعامل مع المزيد ولا يريد ذلك. والفلسطينيون الذين يصلون منذ ذلك الحين يحصلون على تصاريح إقامة مؤقتة. وقال مؤخراً وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مقابلة مع بي بي سي: "إذا انفجرت الضفة الغربية فسنواجه كارثة أكبر من كارثة غزة".

Here you can access external content. Click to view.

المزيد من العنف في الضفة الغربية

وصل أحمد قطيش للتو إلى عمَّان من طولكرم عبر جسر أَلِنْبِي "أللنبي" (جسر الملك حسين) فوق نهر الأردن. وكان الجيش الإسرائيلي قد حاصر البلدة لمدة 44 ساعة، منفِّذاً مداهمات من منزل إلى منزل.

كما انتقل الجنود إلى بيت لحم وجنين ونابلس وأريحا، أي إلى كل مدينة تقريباً في الضفة الغربية. أفاد أحمد عن مقتل سبعة أشخاص في بلدته، ولكنْ لم يُحصِ أي أحد المصابين.

للوصول إلى عمَّان كان على الشاب الفلسطيني البالغ من العمر 25 عاماً المرور عبر عدد لا يُحصى من نقاط التفتيش التي تديرها قوات الأمن الإسرائيلية، على الرغم من أنه كان في الواقع يسافر عبر الأراضي الفلسطينية.

"إنهم يعذبوننا، يعتقلوننا بشكل تعسفي، ويضربوننا، ويهينوننا كمل يحلو لهم". يأخذ رشفة من القهوة التركية المُقدَّمة في فناجين صغيرة هنا كما هو الحال في بقية الشرق الأوسط وإما أن تكون حلوة للغاية أو خالية من السكر تماماً.

يقول أحمد: "المستوطنون هم الأسوأ"، وأحمد قد تخرج من جامعة فلسطين التقنية في طولكرم. لا يوجد حالياً عمل في الضفة الغربية وأغلب المحلات التجارية مغلقة. وتُعتبر منصة تيلغرام الوسيلة الوحيدة الآمنة للتواصل بين الفلسطينيين في الضفة الغربية في الوقت الحالي.

كل وسيلة تواصل اجتماعي أخرى -مثل فيسبوك أو واتس آب- تراقبها إسرائيل. يقول أحمد بمرارة: "يعتزم المستوطنون طردنا، كما أصبحوا عدوانيين بشكل متزايد. إنهم يهاجموننا، غالباً بالأسلحة والذخيرة الحية، بينما قوات الأمن تراقب ببساطة".

الوضع حَرِج أيضاً بالنسبة لمصر

يتوافق ما ذكره قطيش مع المعلومات التي جمعتها الأمم المتحدة. حتى قبل المجزرة التي ارتكبتها حماس كان عام 2023 أكثر الأعوام دموية في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية (2000-2005). ووفقاً لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تفاقم الوضع منذ هجمات حماس. طُرِد آلاف الفلسطينيين من منازلهم في الضفة الغربية حين احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967.

وعلى نقيض ما حدث في قطاع غزة -حين سحبت إسرائيل قواتها من هناك في عام 2005 وأخذت معها 9000 مستوطن من القطاع الساحلي- تقوم الحكومة الإسرائيلية بشكل ممنهَج ببناء المستوطنات في الضفة الغربية.

كما يزداد الوضع حرجاً بالنسبة لمصر. إذ تتشارك مصر الحدود مع غزة، ومعبر رفح هو المعبر الوحيد الذي يمكن من خلاله وصول المساعدات إلى المدنيين في قطاع غزة.

وبينما دار القتال في بداية الحرب في شمال المنطقة المكتظَّة بأكثر من مليوني نسمة صار الجيش الإسرائيلي يقصف بشكل متزايد الجنوب حول مخيم خان يونس للاجئين.

وهو المكان الذي يفترض أن يكون فيه يحيى السنوار وهو العقل المدبِّر خلف المذبحة التي ارتكبتها حماس وراح ضحيتها أكثر من 1200 إسرائيلي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. يُقال إنَّه أعطى الأمر وأعطى إشارة البدء باحتجاز الرهائن. وإذا استمرَّ القتال في خان يونس بهذه الشدة فلن يكون هناك سوى طريق واحد أمام الناس للفرار: الحدود مع مصر. ولكن ماذا ستفعل مصر إنْ اقتحم مليون فلسطيني فجأة المعبر الحدودي؟

القاهرة في حيرة من أمرها

في القاهرة الناس إما في حيرة أو مترددون في إعطاء إجابة. فإطلاق النار على الفلسطينيين سيكون غير وارد لأسباب أخلاقية. كما شهدت مصر مظاهرات متكررة لصالح "إخواننا وأخواتنا في قطاع غزة".

ولكن بمجرد سماع أصوات أثناء الاحتجاجات تطالب الحاكم العسكري عبد الفتاح السيسي بالتنحي حُظِرت جميع المظاهرات على الفور. ومنذ ذلك الحين يحاول النظام المصري التفاوض مع حماس وإسرائيل لتأمين تبادل الأسرى والرهائن. وبدرجة معينة من النجاح.

وفي هذه الأثناء انعقد في القدس مؤتمر لسياسيين إسرائيليين حول عودة استيطان قطاع غزة. وكان من بين الحاضرين وزير الأمن اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الذي طالب بعودة المستوطنين اليهود إلى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

 

Here you can access external content. Click to view.

وقد دعا إلى "تشجيع السكان الفلسطينيين على الهجرة إلى بلدان أخرى في العالم"، في أعقاب دعوة مماثلة من قبل زميله اليميني المتطرف في الحكومة بتسلئيل سموتريتش.

استُقبِلت هذه المطالب بانتقادات من الدول العربية ومن الولايات المتحدة الأمريكية، حليف إسرائيل الأكثر أهمية. ولكن يبقى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مصمماً على ضمان "حرية العمل في قطاع غزة" لجيشه من أجل القضاء على أي "تهديد" محتمل في مهده.

لذا في حين أنَّ مسألة ما ينبغي القيام به بشأن قطاع غزة لا تزال قيد المناقشة يركِّز الجيش على العمل ويدفع المزيد والمزيد من الفلسطينيين باتجاه الحدود مع مصر.

 

 

بيرغيت سفينسون

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar