الأراضي الفلسطينية من دون رؤية مستقبلية

عقدت مؤسسة هاينريش بول الألمانية ندوة في برلين تحت عنوان "التحوّل الفلسطيني"، وفي هذه الندوة تبادل الخبراء المشاركون الآراء حول تاريخ الفلسطينيين منذ قيام دولة إسرائيل في العام 1948 وأفاق التوصل إلى تسوية سلمية تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. بيتينا ماركس تلقي الضوء على بعض محاور هذه الندوة.

الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، الصورة: د.ب.ا
بعد مرور اثنين وستين عامًا على قيام دولة إسرائيل واستمرار سياسة الاحتلال الإسرائيلي تبدو الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية مقسَّمة سياسيًا واجتماعيًا وجغرافيًا

​​ "النكبة" هي الكلمة العربية التي يتم استخدامها للدلالة على الكارثة - والفلسطينيون يعتبرون قيام دولة إسرائيل في العام 1948 كارثة بالنسبة لهم. وذلك لأنَّهم فقدوا نحو ثمانين في المائة من وطنهم، أي أنَّهم فقدوا معظم الأراضي التي تقع بين البحر الأبيض المتوسِّط ونهر الأردن.

ولكن مع ذلك فإنَّ الأرض التي ما تزال في حوزتهم حتى يومنا هذا تعاني من انقسام عميق، حسب رأي الباحث في العلوم السياسية ناثان براون من جامعة جورج واشنطن، إذ إنَّ "هناك فجوة عميقة اتَّسعت بين الضفة الغربية وقطاع غزة". وهذه الفجوة لا تفصل فقط بين الطرفين الحاكمين، أي بين حركتي فتح وحماس، بل تفصل أيضًا وبصورة متزايدة بين الأهالي المقيمين في شطري الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي الفترة بين عامي 1994 و2000، أي فيما يعرف باسم عملية السلام ومفاوضات أوسلو، التأمت حسب قول بروان منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة مع بعضهما بعضًا على المستوى الإداري والمؤسَّساتي والثقافي والسياسي. وكان هدفهما إقامة دولة فلسطينية موحَّدة. ولكن على الرغم من ذلك تم القضاء على هذا الهدف من خلال انتخاب حركة حماس في العام 2006 ومن خلال فرض حماس سيطرتها بصورة عنيفة على قطاع غزة بعد ذلك بعام واحد.

عملية انقسام مبكِّرة

الباحث في العلوم السياسية ناثان براون من جامعة جورج واشنطن، الصورة: هاينريش بول الألمانية
"هناك فجوة عميقة اتَّسعت بين الضفة الغربية وقطاع غزة"، على حدّ قول الباحث في العلوم السياسية ناثان براون من جامعة جورج واشنطن

​​ ولكن هذا الرأي قوبل بمعارضة الباحثة الألمانية هيلغا باومغارتن التي تعمل مدرِّسة جامعية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية. فقد قالت إنَّ عملية الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة بدأت قبل ذلك بكثير، وحتى قبل التوقيع على اتِّفاقية أوسلو بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ففي ربيع عام 1993 وقبل التوقيع على اتِّفاقية أوسلو الأولى، قام الجيش الإسرائيلي - على حد قول باومغارتن - بقطع المواصلات بين قطاع غزة والضفة الغربية. ومنذ ذلك الحين لم يعد بإمكان الفلسطينيين السفر بحرية بين شطري بلدهم. "وهذا يعني أنَّ عملية الفصل هذه بدأت على يدّ قوَّات الاحتلال الإسرائيلية وليس بسبب الصراعات السياسية بين الفصائل الفلسطينية"، مثلما ذكرت باومغارتن.

والاحتلال الإسرائيلي يعتبر العامل الحاسم في حياة الفلسطينيين، مثلما أكَّد الدكتور علي الجرباوي، وزير التخطيط والتنمية الإدارية لدى السلطة الفلسطينية في رام الله. فالاحتلال الإسرائيلي لم يقم فقط بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، بل لقد قام أيضًا بتجزيء كلِّ جغرافيا فلسطين.

والسياسي علي الجرباوي الذي ولد في مدينة جنين يقول: "عندما أسافر من رام الله إلى جنين مسافة مائة كيلومتر، يتحتَّم عليَّ اجتياز ثلاثة أو أربعة حواجز دائمة". ويضيف قائلاً إنَّ تجزئة الضفة الغربية أصبحت تعتبر في هذه الأثناء حقيقة واقعية، مثلما هي الحال مع فصل القدس عن الضفة الغربية والفصل بين غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.

آفاق مستقبلية معتمة

وعلي الجرباوي لا يعتبر فقط وزيرًا للتخطيط والتنمية الإدارية، بل هو أيضًا باحث فلسطيني بارز وأستاذ العلوم السياسية والإدارة العامة في جامعة بيرزيت. وكان كذلك المدير العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن؛ وبالإضافة إلى ذلك تولى أيضًا في الفترة بين عامي 2002 و2004 منصب المدير التنفيذي للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية.

وقد وصف الجرباوي معاناة الفلسطينيين من الاحتلال بقوله: "نحن الفلسطينيين نحاول منذ النكبة الحصول على استقلالنا وحرِّيتنا. ونحن نحاول أن نصنع من هذا الوضع غير المتوازن وضعًا متوازنًا، ومن هذا الوضع غير الطبيعي وضعًا طبيعيًا. لكن هذا لا يتم، وذلك لأنَّنا شعب يرزخ تحت نير الاحتلال".

​​ والخبراء الذين دعتهم مؤسَّسة هاينريش بول إلى برلين من أجل المشاركة في هذه الندوة لم يكونوا يحملون أي رسائل تبشِّر بمستقبل مفعم بالأمل. وطيلة يومين كانوا يتناقشون حول الأوضاع المهدَّدة بالانفجار في منطقة الشرق الأوسط، وحول انقسام المجتمع وتجزئة البلاد وتقطيع أوصالها، وحول تقويض الديمقراطية الفلسطينية وفقدان التعدّدية السياسية. ولكن في نهاية الندوة ظلت هناك بعض الأسئلة من دون جواب؛ مثل السؤال عن إمكانية التوصّل إلى تسوية؟ وعمَّا إذا ما تزال هناك فرص لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل؟

وقد أوصى الأستاذ علي الجرباوي قائلاً إنَّه يجب علينا أن نحاول المحاولة الأخيرة. ولكنه أضاف أنَّ "الفلسطينيين لن يقبلوا بدولة تتكوَّن من أجزاء متبقية". وقال إذا لم تتم في السنتين القادمتين إقامة الدولة الفلسطينية، فعندئذ سوف يكون الوقت قد حان لصرف النظر عن حلِّ الدولتين؛ وعندها سوف يتحتَّم على الفلسطينيين أن يدركوا ويجعلوا العالم يدرك أنَّهم لم يعودوا يسعون إلى إقامة دولة خاصة بهم، بل إلى حلّ الدولة الواحدة.

ومن الممكن أنَّ ذلك سوف يعني - حسب قول الجرباوي - أنَّ الفلسطينيين سوف يتنازلون عندئذ عن إقامة دولتهم الوطنية المستقلة، وسوف يطالبون بدلاً عن ذلك بالحصول على حقوق متساوية في دولة إسرائيل. وعندئذ لا بدّ أن تظهر بدلاً عن الدولتين المأمولتين - اللتين من الممكن لهما التعايش والتعاون مع بعضها بعضًا بشكل سلمي، دولة ثنائية القومية تمتد من البحر الأبيض المتوسِّط إلى نهر الأردن ويعيش فيها خمسة ملايين ونصف المليون يهودي وحاليًا خمسة ملايين فلسطيني.

بيتينا ماركس
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

قنطرة

إسرائيل والسياسة الأمريكية الخارجية:
"يجب حماية إسرائيل من قوّتها" "
يرى عالم الاجتماع الإسرائيلي ليف غرينبيرغ أنَّ الساسة الإسرائيليين طالما نظروا بسياساتهم إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية ولهذا السبب بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة في فترة اقتراب تنصيب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة. والآن توجب عليه الضرورة القصوى أن يحمي إسرائيل من قوَّتها.

الاتِّحاد الأوروبي وأزمة غزة:
سياسة الكيل بمكيالين
نادرًا ما فشلت السياسة الأوروبية بشكل واضح مثلما هي الحال في محاولة إنهاء الحرب التي تدور في قطاع غزة. وبدلاً من أن يتحدث الأوروبيون بصوت واحد وبموقف متوازن، انتهج الاتِّحاد الأوروبي سياسة غير متوازنة لا تأخذ مصالح كل الأطراف بعين الاعتبار كما يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ميشائيل لودرز.

حوار مع فولكر بيرتيس:
رياح السلام تهب على الشرق الأوسط
الانفراج في الأزمة اللبنانية من خلال التوافق على رئيس والعمل على تشكيل حكومة جديدة والإعلان عن انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا برعاية تركية يحمل إشارات إيجابية لمنطقة الشرق الأوسط. عبد الرحمن عثمان حاور فولكر بيرتيس، مدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية حول هذه المزاج الجديد في الشرق الأوسط.