رحلة عبر الزمن إلى بغداد الخلافة العباسية

 صورة شاشة من لعبة الفيديو "أساسنز كريد ميراج" Screenshot aus Assassins Creed Mirage Bagdad Foto Ubisoft
إصدار لعبة الفيديو "أساسنز كريد" الجديد عام 2023 ينقلنا إلى بغداد القرن التاسع في العهد العباسي. Foto Ubisoft

سلسلة ألعاب "أساسِنْز كْرِيد" من أكثر ألعاب الفيديو شعبية بالعالم فهي تنقل اللاعبين عبر عصور ماضية وتأخذهم بإصدار عام 2023 الجديد إلى بغداد القرن التاسع في عهد العباسيين. كريستينا رايمان شنايدر تعرفنا باللعبة.

الكاتبة ، الكاتب: Kristina Reymann-Schneider

سلسلة ألعاب "أساسنز كريد" Assassin's Creed تعيد اللاعبين منذ عام 2007 إلى الماضي. فقد سافروا في جزئها الأوَّل عبر الزمن إلى القرن الثاني عشر واستكشفوا القدس، وأبحروا في إصدارات أخرى عبر منطقة البحر الكاريبي على متن سفن شراعية رائعة، وشهدوا في باريس التحوُّلات الاجتماعية التي أحدثتها الثورة الفرنسية، وشاهدوا الأهرامات في مصر القديمة، وحاربوا في اليونان القديمة ضدَّ الأثينيين والإسبرطيين، وتقمَّصوا أخيرًا دور رجال الفايكنغ -أو بحسب الاختيار دور نساء الفايكنغ- من أجل غزو إنكلترا.

تم دائمًا اختيار المدن والمناطق والبلدان والعصور كلها بسبب شعبيتها لدى الكثير من الناس على الرغم من كونها في الوقت نفسه بعيدة عنهم مكانيًا وزمانيًا.

والآن تأخذ سلسلة ألعاب "أساسنز كريد" لاعبيها إلى موقع جديد كان يمثِّل حتى الآن في الثقافة الشعبية مجرَّد ظاهرة هامشية: بغداد في القرن التاسع الميلادي. لقد كانت في تلك الفترة مدينة بغداد -التي يطلق عليها سكَّانها أيضًا اسم مدينة السلام- مدينةً مزدهرةً تحت حكم الخلافة العباسية.

وكانت مركزًا للحكَّام الأقوياء الدنيويين والمتديِّنين وللفنانين المعاصرين والتجار الفَهْلَوِيِّين والفلاسفة المتحمِّسين والعلماء الفضوليين. وكان يعيش في ذلك العصر خمسمائة ألف شخص على الأقل من مختلف الديانات والمذاهب في هذه المدينة الواقعة على نهر دجلة والتي تعتبر اليوم عاصمة العراق.

صورة شاشة من لعبة الفيديو "أساسنز كريد ميراج" Screenshot aus Assassins Creed Mirage Bagdad Foto Ubisoft
تأخذ سلسلة ألعاب "أساسنز كريد" لاعبيها إلى موقع جديد كان يمثِّل حتى الآن في الثقافة الشعبية مجرَّد ظاهرة هامشية: بغداد في القرن التاسع الميلادي. لقد كانت في تلك الفترة مدينة بغداد -التي يطلق عليها سكَّانها أيضًا اسم مدينة السلام- مدينةً مزدهرةً تحت حكم الخلافة العباسية. وكانت مركزًا للحكَّام الأقوياء الدُّنيويِّين والمتديِّنين وللفنانين المعاصرين والتجار الفَهْلَوِيِّين والفلاسفة المتحمِّسين والعلماء الفضوليين. Photo Ubisoft

رحلة عبر الزمن إلى عصر العباسيين الذهبي

يولي دائمًا مطوِّرو لعبة "أساسنز كريد" أهمية كبيرة للأصالة عند إعدادهم عوالم الألعاب التاريخية. ويتم توجيه اللاعبين لاكتشاف مواقع تاريخية معيَّنة في عالم اللعبة وإطلاعهم أيضًا على حياة الناس اليومية وتعريفهم بشخصيات تاريخية. ويلتقون مثلًا في لعبة "أساسنز كريد ميراج" بالعالم علي بن محمد الذي كان من معارضي الحكم العباسي، وكذلك بالإخوة بني موسى، وهم ثلاثة إخوة علماء ومخترعون موهوبون.

ومع ذلك فإنَّ هذه الألعاب غير دقيقة مائة بالمائة من الناحية التاريخية، ولكن من غير الضروري أن تكون كذلك أيضًا، مثلما أكَّد المؤرِّخ الدكتور لوكاس هاسيس في حوار مع دويتشه فيله. وهو باحث مختص في الألعاب والتاريخ في جامعة أولدنبورغ الألمانية ويُقدِّم ألعاب الفيديو كوسائل تعليمية في الجامعات والمدارس. ويقول إنَّ الأمر الحاسم من أجل الشعور باللعبة هو أن تبدو هذه اللعبة جديرة بالتصديق.

يقول الدكتور لوكاس هاسيس إنَّ اللاعبين "يحصلون على انطباع عن عصرٍ ما لا يمكنهم الحصول عليه بأية طريقة أخرى. ولا توجد وسيلة أخرى يمكنها فعل ذلك. يحصل اللاعب على شعور بعصرٍ ما ويستطيع الانغماس في الجو، وهذا يؤدِّي باللاعب إلى تطوير اهتمام ربَّما لم يكن بوسعه تطويره بطريقة آخرى".

ويذكر لوكاس هاسيس أنَّ العديد من الطلاب الذين يدرسون التاريخ الآن اختاروا هذا التخصص لأنَّهم أرادوا معرفة المزيد عن الماضي بعدما لعبوا لعبة "أساسنز كريد". ويضيف أنَّ الألعاب توفِّر أيضًا الفرصة لدمج أحدث نتائج أبحاث المورِّخين والمساهمة بالتالي في ثقافة التذكير. وذلك لأنَّ الماضي كان أكثر تنوُّعًا بكثير مما نتصوَّره اليوم في أغلب الأحيان.

صورة شاشة من لعبة الفيديو "أساسنز كريد ميراج" Screenshot aus Assassins Creed Mirage Bagdad Foto Ubisoft
بطل اللعبة باسم ليس رجلًا قويًا، ولذلك يجب عليه أن يعمل من الظل -أو بشكل أكثر تحديدًا من كومة قش أو شجيرات- حتى يتمكن من التسلل خفيةً إلى القصور أو مناطق العدو. ولكن عندما يتم اكتشافه يكون الهروب خياره الأفضل. وهو يتحرَّك من خلال الوثب برشاقة فوق أسطح المدينة مستخدمًا عددًا لا يُحصى من حواف الجدران والعوارض الخشبية والبكرات والصناديق المكدَّسة وكذلك الحبال المشدودة من أجل الهروب بسرعة. واكتظاظ المدينة بالمباني مناسب للقفز والوثب. Foto Ubisoft

مؤرِّخون يساعدون مطوِّري الألعاب

لقد شارك دائمًا في تطوير ألعاب "أساسنز كريد" مؤرِّخون أيضًا؛ وفي لعبة "أساسنز كريد ميراج" ساهم باحثون ومؤرِّخون مشهورون بخبراتهم - مثل غلاير أندرسون من جامعة إدنبرة، وهي باحثة في الفن والعمارة الإسلامية في عصر الخلافة (650-1250)، وكذلك الباحثة فانيسا فان رينتيرغام المتخصِّصة في تاريخ بغداد الاجتماعي والحضري.

وبالإضافة إلى ذلك فقد تعاون أستوديو تطوير اللعبة بشكل وثيق مع بعض المتاحف. وحول ذلك يقول لوكاس هاسيس: "أعتقد أنَّه من المهم جدًا أن ينفتح المزيد من المؤرِّخين على الألعاب. وذلك لأنَّ الألعاب موجودة لتبقى وتزداد أهميَّتها".

والألعاب تعتبر ببساطة جزءًا من واقع الحياة بالنسبة للشباب بالذات، كما يقول لوكاس هاسيس؛ ولذلك فهو يرى فرصة كبيرة في الألعاب التي تتناول التاريخ، ويقول: "يجب علينا تشجيع الشباب على الاهتمام بالتاريخ. ويجب علينا في الوقت نفسه تدريب وجهة نظرهم النقدية". ويجب أن يتعلم التلاميذ والطلاب التعامل مع الألعاب بطريقة كفؤة وناقدة لوسائل الإعلام حتى يتمكَّنوا من معرفة أين وصل خيال مطوِّري الألعاب وأين تكمن حدود التجربة الرقمية.

وذلك لأنَّ: "ما يتم عرضه في اللعبة هو في النهاية مجرَّد خيال مقصود لرحلات عبر الزمن، وهو مع ذلك إعادة بناء يقوم بها مطوِّرو اللعبة"، كما يوضح لوكاس هاسيس.

لم يبقَ أي شيء تقريبًا من مدينة بغداد الأصلية التي تأسَّست في الثلاثين من تمُّوز/يوليو سنة 762، ونمت من رمال الصحراء خلال عقود قليلة. من المعروف أنَّ تصميمها كان دائري الشكل وفي وسطه قصر الخليفة. ومن أجل اللعبة، فقد مكَّنت قلة المصادر الخاصة بالمدينة المطوِّرين من العمل بشكل أكثر إبداعًا أثناء إعادة بنائها في اللعبة. وقد شكَّل مصدر إلهام بالنسبة لهم كتابُ الباحث المستشرق الإنكليزي جي لو سترينغ (1854-1933) حول بغداد في عهد الخلافة العباسية وكذلك بعض تقارير السفر المعاصرة والاكتشافات الأثرية.

صورة شاشة من لعبة الفيديو "أساسنز كريد ميراج" Screenshot aus Assassins Creed Mirage Bagdad Foto Ubisoft
القصة المربكة أحيانًا في ألعاب "أساسنز كريد" تدور دائمًا حول الصراع بين فرسان الهيكل والحشاشين (أساسنز) أو الجماعات السابقة لهم، أي جماعات القدماء والمخفيين. وهذا لا يختلف أيضًا في لعبة "أساسنز كريد ميراج". والألعاب تتميَّز دائمًا بطريقة لعب قوية ولكنها ليست استثنائية. Photo Ubisoft

اِكتشاف تاريخ بغداد عن طريق اللعب

والآن بإمكان اللاعبين استكشاف هذه المدينة الرائعة إمَّا سيرًا على الأقدام أو راكبين على الخيل أو الجمال، وبإمكانهم المشي في شوارعها المظللة والمزدحمة، والتعجُّب من جمال مساجدها ذات القباب الفيروزية التي تتلألأ تحت الشمس، ومعرفة المزيد عن تاريخ بغداد من خلال ما يجمعونه خلال اللعبة من قطع يعثرون عليها وأماكن تاريخية.

والقصة المربكة أحيانًا في ألعاب "أساسنز كريد" تدور دائمًا حول الصراع بين فرسان الهيكل والحشاشين (أساسنز) أو الجماعات السابقة لهم، أي جماعات القدماء والمخفيين. وهذا لا يختلف أيضًا في لعبة "أساسنز كريد ميراج". والألعاب تتميَّز دائمًا بطريقة لعب قوية ولكنها ليست استثنائية. والكثير إذًا يشير إلى أن سلسلة "أساسنز كريد" تحظى خاصةً بسبب إعداداتها التاريخية بشعبية كبيرة ويوجد لديها -بحسب شركة "يوبيسوفت" لتطوير الألعاب- مائة وخمسة وخمسون مليون معجب حول العالم.

ولكن ما هو الشيء الجذَّاب في السفر عبر الزمن؟ يجيب المؤرِّخ لوكاس هاسيس على هذا السؤال كما يلي: "أعتقد أنَّ فينا كبشر نوعًا من الاهتمام الأساسي للتفكير حول المكان الذي أتينا منه، وتجذبنا في الوقت نفسه إلى التاريخ غرابةُ العصور الماضية - وهذا مثل تفاعل مستمر بين القريب والغريب.

ويجمع السفر عبر الزمن في لعبة الفيديو بين المستويين وتجري في الوقت نفسه هذه الرحلات الافتراضية عبر الزمن بشكل طبيعي في مكان محمي ولا يوجد ما يمكن أن نخشاه. وهذا يجعل الغوص في الماضي من خلال الألعاب أمرًا جذَّابًا للغاية".

في أكبر معرض للألعاب الإلكترونية لعبة عالمية لأول مرة بالعربية في كولونيا بألمانيا

Here you can access external content. Click to view.

العمل في السر مفتاح النجاح

إنَّ مَنْ لعب -مثل مؤلفة هذه السطور- كلّ جزء من هذه اللعبة سيشعر على الفور بأنَّه مأخوذ بسلسلة "أساسنز كريد ميراج" -التي صدرت لجميع المنصات في الخامس من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023- وسيجد طريقه بسرعة. ويتولى الآن "باسم" الدور الرئيسي في الإصدار الجديد، بعد أن ظهر كشخصية ثانوية في إصدار "أساسنز كريد فالهالا" (2020).

تم تطبيق العديد من المهام وتقنيات اللعبة من بداية السلسلة، مثل متابعة الشخصيات أو التنصت عليها وكذلك مراقبة مسارات الحراس وحتى عين النسر المفيدة التي تكشف عن الأعداء وصناديق الكنوز. وعند وجود خطر ما، يُنصح اللاعب بالاختباء أو بتمزيق ملصقات المطلوبين عن الجدران.

وبطل اللعبة باسم ليس رجلًا قويًا، ولذلك يجب عليه أن يعمل من الظل -أو بشكل أكثر تحديدًا من كومة قش أو شجيرات- حتى يتمكن من التسلل خفيةً إلى القصور أو مناطق العدو. ولكن عندما يتم اكتشافه، يكون الهروب خياره الأفضل. وهو يتحرَّك من خلال الوثب برشاقة فوق أسطح المدينة مستخدمًا عددًا لا يحصى من حواف الجدران والعوارض الخشبية والبكرات والصناديق المكدَّسة وكذلك الحبال المشدودة من أجل الهروب بسرعة. واكتظاظ المدينة بالمباني مناسب للقفز والوثب.

تدور القصة في العادة حول الصراع الأبدي بين الجماعات السرية القوية وحول البحث عن "شظايا عدن" - التي تعتبر قطعًا أثرية قوية يمكنها أن تسلب الناس إرادتهم الحرة. ولكن هذا البحث بالنسبة لي مسألة ثانوية. أمَّا الأمر الأكثر إثارة فهو انغماس اللاعب - وهو مستريح على أريكته في عصر آخر وانتقاله عبر مدينة مزدحمة وغنية برسومات تتألق بأزهى الألوان. 

 

 

كريستينا رايمان شنايدر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2023

Qantara.de/ar