الولايات المتحدة تواجه أزمة علاقات عامة في العالمين العربي والإسلامي

وزير الخارجية الامريكي بلينكين خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي.
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" داخل مجلس الأمن الدولي ضد محاولة الفلسطينيين الحصول على الاعتراف بدولتهم. الصورة: Timothy Clary /AFP/Getty Images

باحثة أكاديمية أمريكية تتساءل: ماذا يمكن أن تكون العواقب على السياسة الخارجية للولايات المتحدة إذا كان هناك تحول سلبي واسع في كيفية النظر إلى الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي؟

كيف تؤثر الحرب بين إسرائيل وحركة حماس على الآراء في الولايات المتحدة بالمجتمعات العربية والإسلامية على مستوى العالم؟ هل هناك اختلاف في الرأي بين القادة الإقليميين والشعوب؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تخفف من الضرر؟

هذه التساؤلات طرحتها الأكاديمية الأمريكية فرح بانديث في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية بحثا عن إجابات لها للوقوف على ما يمكن أن تؤول إليه العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وسط التحسن النسب،  الذي حققته بعد موجة من التدهور الملحوظ في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر2021 على الولايات المتحدة.

وقالت بانديث إنه في أعقاب الهجوم، الذي شنته حركة حماس على مواطنين إسرائيليين في 7 تشرين الأول/أكتوبر، اشتعل معظم أنحاء العالم بخطاب معادي للولايات المتحدة، وخاصة في المجتمعات المسلمة والعربية. 

ويرىالكثيرون في الشرق الأوسط أن ثمة علاقة كبيرة بين تصرفات إسرائيل والولايات المتحدة. وساهمت تصريحات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن "الولايات المتحدة تدعم إسرائيل" وإعادة تأكيدها على "الالتزام الصارم" للولايات المتحدة بأمن إسرائيل في تعزيز هذا التصور، على الرغم من حقيقة أن بايدن قد انخرط بقوة مع مجموعة متنوعة من المجتمعات الدينية.

وبشكل عام، كان القادة والشعوب سريعين ومتحدين في الدعوات لوقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة. و لم يكن هناك الكثير من الانتقادات لحماس. ومع ذلك، فإن بعض القادة ينخرطون بشكل هادف مع الولايات المتحدة. ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي يتفاوض مع حماس لإطلاق سراح رهائنها، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يعمل مع إدارة بايدن لإرسال مساعدات إنسانية إلى غزة.

تباين في العلاقات العربية مع دولة إسرائيل

 

لكن التزامات القادة العرب وتعليقاتهم تباينت تبعا للعلاقات الرسمية لدولهم مع إسرائيل. واتخذ بعض الموقعين على "اتفاقيات إبراهيم" لعام 2020، التي طبعت العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، موقفا علنيا حازما نسبيا.

وتقول بانديث إنه في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن العديد من القادة في المنطقة موالون للغرب بشكل عام ولديهم علاقات مع إسرائيل، لا تزال شعوبهم تعارض بشدة أي دبلوماسية مع البلاد ولا تزال غاضبة من عملياتها العسكرية في غزة.

ومن المثير للقلق أن الولايات المتحدة في مأزق مماثل لحقبة ما بعد 11/9 ولا تملك السيطرة على الاتجاه العام ولا القدرة من وجهة نظر ما تحمله الرسائل على التعامل مع هذه اللحظة سريعة الخطى والمشحونة عاطفيا. 

وفي خضم الرد الأمريكي الأولي لمكافحة الإرهاب على هجمات تنظيم "القاعدة" عام 2001، كان المسؤولون الأمريكيون مرتبكين بالمثل حول كيفية تهدئة المشاعر المعادية للولايات المتحدة المتزايدة في المجتمعات العربية والإسلامية، ومحبطين من الاضطرار إلى مواجهة ادعاءات التنظيم بأن الغرب كان في حالة حرب مع الإسلام. وفي حين يدعو ميثاق حماس على وجه التحديد إلى تدمير إسرائيل والقضاء على اليهود، فإن رواية تنظيم "القاعدة" بأن الغرب يكره الإسلام هي أساس النظام الذي يمكن رؤية "حماس" للعالم.

وهكذا، فإن فترة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 تقدم دروسا وخارطة طريق محتملة لصانعي السياسة الأمريكيين لتلبية هذه اللحظة.

لقد تعلم القادة الأمريكيون من خلال تلك العملية أن الروايات التي يصعب ابتلاعها الصادرة عن المجتمعات العربية والإسلامية لم يكن من الصعب رفضها فحسب، بل كانت راسخة عبر الأجيال والأجناس والمناطق الجغرافية. وكان رد الولايات المتحدة هو إطلاق مبادرات قوية يقودها البيت الأبيض وآليات جديدة لمشاركة المجتمع المدني.

وعلى الرغم من أن المشاعر جياشة وصاخبة في الوقت الحالي، تعتبر الإدارة الأمريكية بحاجة إلى أن تظل نشطة وواضحة في تعاملها مع هذه المجتمعات.

وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، سيتطلب ذلك لغة دقيقة ومدروسة من مسؤولي الإدارة وقادة الفكر خارج الحكومة. ولتوسيع نطاق المشاركة مع المسلمين والعرب على مستوى العالم، يجب على الإدارة الأمريكية تحديد مجالات الأرضية المشتركة للتواصل مع "الجيل زد" وجيل الألفية وبناء علاقات مع هذه التركيبة السكانية المهمة للغاية على الرغم من الرافضين.

الولايات المتحدة في مأزق مماثل لحقبة ما بعد 11/9 

وتحتاج الولايات المتحدة أخيرا إلى تحويل انتباهها إلى عمل ثقافة التأثير بطريقة حقيقية. إن زيادة ميزانية الدبلوماسية العامة بشكل عام وإعادة تشغيل مركز المشاركة العالمية وتكثيف الشراكات مع خبراء القطاع الخاص في الجيل زد وجيل الألفية وإيجاد طرق جديدة للجمع بين الأصوات الحقيقية ستكون بداية. وسيتعين على إدارة بايدن توسيع تفكيرها حول القوانين التي تحظر على الجماهير المحلية استهلاك البرامج التي تنشئها للجماهير الخارجية.

وتقول بانديث إنه يتعين على الإدارة أيضا معالجة بيئة وسائل التواصل الاجتماعي المزدحمة حيث ينتج الأشخاص العاديون المحتوى ويؤججون المشاعر ويحافظون على الروايات على منصات متنوعة مثل "تيك توك" و"إكس" و"واتساب". إن قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على نشر المعلومات والمعلومات المضللة بسرعة عبر المنصات ستؤدي إلى آثار متتالية أسرع وأكثر شرا من هذه الحرب، مع إمكانية زيادة الخلاف الاجتماعي وتعقيد عملية صنع السياسات.

ويجب على الحكومة الأمريكية أن تطالب المنصات الاجتماعية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها باتخاذ تدابير صارمة لفرض شروط الخدمة الخاصة بها والحد من انتشار أيديولوجية الكراهية، ويجب أن تواصل الضغط على المنصات الأجنبية لفعل الشيء نفسه.

ويحتاج قادة الولايات المتحدة أيضا إلى التفكير فيما وراء هذه الأزمة وتطوير استراتيجية متعددة الأبعاد تلتزم ببناء علاقات طويلة الأمد مع المجتمعات العربية والإسلامية. وتحتاج البلاد إلى رؤية متجددة للشرق الأوسط تأخذ في الاعتبار الحقائق والإمكانيات الجديدة لصانعي القرار والسكان الأصغر سنا. ودور القوة الناعمة هنا مهم، وسوف يكون وقت الولايات المتحدة وأموالها واهتمامها المكرس مهما في الدبلوماسية والحوار والتنمية.

الوضع في غزة سيعقد جهود السياسة الخارجية

واستنادا إلى قدرة الولايات المتحدة على الصمود في وجه التصعيد السابق في الشرق الأوسط، من غير المرجح أن تكون هناك عواقب اقتصادية أو دبلوماسية خطيرة وطويلة الأجل على الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية الأخرى، لكن الوضع في غزة سيعقد جهود السياسة الخارجية.

كما أن أعداء الولايات المتحدة في المنطقة لديهم الآن غطاء سياسي أكبر لمعاداة الولايات المتحدة. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت هناك هجمات متعددة على القوات الأمريكية في العراق وسوريا. وبينما يتطلع البعض إلى إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، من الأهمية بمكان أن تضاعف الولايات المتحدة ارتباطاتها وألا تترك فراغا خطيرا يمكن أن تملأه الصين أو روسيا أو جهة فاعلة خطيرة ليست بدولة.

وتخلص بانديث إلى أن كل هذا يمكن أن يؤثر على الانتخابات الرئاسية لعام 2024 وبالفعل، أدى هذا الصراع إلى تفاقم التوترات بين الأجيال بين إدارة بايدن والشباب الأمريكي، الذين يشكلون كتلة تصويت رئيسية للديمقراطيين ويميلون إلى أن يكونوا أكثر انتقادا لإسرائيل، حتى أن بعض طلاب الجامعات يصفون مقاتلي حماس بأنهم مقاتلون من أجل الحرية. ويمكن أن تثير الصور والقصص المروعة القادمة من الشرق الأوسط المزيد من ردود الفعل العنيفة المناهضة لبايدن بين المجتمعات الدينية والشتات فيالولايات المتحدة، والتي يتركز الكثير منها في الولايات المتأرجحة.

ومع تطور هذا الصراع، فإن على الإدارة الأمريكية واجبا أخلاقيا واستراتيجيا لبذل المزيد من الجهد لمواجهة الكراهية المعادية للمسلمين، والكراهية المعادية للعرب ومعاداة السامية. ومن شأن القيام بذلك أن يساعدها على تحقيق أهداف سياستها الخارجية والداخلية على حد سواء. (د.ب.أ)

 

 

المزيد من مقالات قنطرة التحليلية: 

قطيعة بين الغرب والعالم الإسلامي بسبب حرب غزة؟

اختلال توازن الخطاب الألماني حول حرب غزة

ما بعد الجحيم - خمسة سيناريوهات لمستقبل غزة 

تحليل: هجوم إسرائيل على جنوب غزة يضع المدنيين في مرمى النيران