التسامح من أجل خدمة السياسة الإماراتية

بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي - الإمارات. Überblick Über das Abrahamic Family House in Abu Dhabi Foto AFH
بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي - الإمارات. Foto AFH

اُفتُتِحَ في مارس 2023 في أبوظبي كنيس يهودي هو الأول المبني بالمنطقة العربية منذ مائة عام. ويقع بمجمع بيت العائلة الإبراهيمية الذي تقدم الإمارات نفسها من خلاله كدولة منفتحة. كلاوديا مينده زارته لموقع قنطرة.

Essay von Claudia Mende

 يتألق بيت العائلة الإبراهيمية بلونه الأبيض مقابل السماء الزرقاء الصافية. يقع هذا المجمع الذي يضم دور العبادة الثلاث المبنية بشكل مكعَّبات مباشرةً أمام موقع بناء متحف غوغنهايم العملاق الجديد وعلى بعدخمسمائة متر فقط عن متحف اللوفر أبوظبي في جزيرة السعديات.

وهذه هي المنطقة الثقافية في أبوظبي وتوجد هنا مساحة كبيرة للمشاريع الثقافية الطموحة في دولة الإمارات العربية المتحدة. نحن في نهاية شهرأيَّار/مايو (2023) ودرجة الحرارة تجاوزت الأربعين درجة مئوية، والحرارة الرطبة تُطبِق على كلِّ شيء ولا أحد يتجوَّل في الخارج إن لميكن مضطرًا.

دور العبادة الكبيرة -التي تبلغ أبعادها 30 × 30 مترًا مربعًا- منصوبة بعضها مقابل بعض مثل مكعبات كلها متشابهة ولكنها مختلفة فيهندستها المعمارية. وتربطها ببعضها حديقة ما يزال يجب أن تنمو فيهاأشجار الرمان والليمون. كما تم استيراد شجرة زيتون يزيد عمرها عنمائة عام من إيطاليا وزُرعت هناك.

صمَّم المهندس المعماري البريطاني الغاني ديفيد أدجاي هذا المجمع المشترك بين الأديان في جزيرة السعديات. لا يعتبر بيت العائلة الإبراهيمية مجرَّد رمز للترابط بين الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى التيتستند جميعها إلى أبي الأنبياء التوراتي [والإنجيلي والقرآني] إبراهيم،بل هو أيضًا نموذج للهندسة المعمارية الدينية الحديثة البنية بشكل مُقْنِعتم فيه تنفيذ القواسم المشتركة والاختلافات بوضوح.

زيارة إلى المسجد في بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي - الإمارات. Abrahamic Family House Moschee Besuchergruppe in Abu Dhabi Foto Claudia Mende
مجموعة من الزوَّار في مسجد أحمد الطيب في بيت العائلة الإبراهيمية: يقول الإمام المصري محمود نجاح أحمد فرج خلف: "نعم، كانت توجد أحكام مسبقة في وسائل التواصل الاجتماعي. ونشر المتطرِّفون أنَّه سيتم في بيت العائلة الإبراهيمية دمج ثلاث ديانات في دين واحد، وأنَّ أتباع الديانات المختلفة سيصلون معًا ويديرون دور العبادة". وهذا كله خطأ، كما أكَّد عدة مرات: "أنا أقول دائمًا لجميع المنتقدين: لماذا لا تزوروننا وتشاهدون بأنفسكم ما نفعله هنا. مسجدنا مسجد عادي جدًا". Foto Claudia Mende

ضدّ الكراهية والتطرُّف

التقى في عام 2019 في أبوظبي البابا فرنسيس بالممثِّل الأعلى للإسلام السنيأحمد الطيب - شيخ الجامع الأزهر في القاهرة. ووقَّعا على وثيقة أعربا فيها عن دعمهما لحرِّية الدين ومعارضتهما العنف والتطرُّف باسم الله. وقد تقرَّر في هذا اللقاء بناء بيت العائلة الإبراهيمية المشترك بين الأديان ويمكن مشاهدة توقيعيهما على حجر في مدخل قاعة المركز.

والكنيس المسمى على اسم موسى بن ميمون هو أوَّل مكان عبادة يهودي يتم بناؤه في العالم العربي منذ مائة عام. وهو من أجمل الكُنُس اليهودية في العالم، كما يقول الحاخام يهودا سارنا، وهو من أصل كندي ويهتم برعاية المصلين في هذا الكنيسويعيش هنا أيضًا مثل الإمام مع عائلته في موقع بيت العائلة الإبراهيمية. أمَّا الكاهن الكاثوليكي فيكون هنا أثناء النهار ولكنه يعيش في المدينة.

وتعتبر واجهة الكنيس رمزًا حجريًا يرمز إلى أشجار النخيل التي يتم نصبها لبناء الأكواخ (بالعبرية "سوكوت") في عيد المظال إحياءً لذكرى خروج بني إسرائيل من مصر؛ وتصميم الجزء الداخلي من مبنى الكنيس يُذكِّر بأكواخ وخيام عيد المظال.

غريب للغاية ولكنه مألوف

يقول الحاخام يهودا سارنا إنَّ المؤمنين البالغ عددهم نحو ثلاثين إلى أربعين يهوديًا-يجتمعون هنا لقضاء السبت- هم في العادة من المغتربين العاملين في الإمارات. ويُقدِّر عدد اليهود الإجمالي بنحو ألفي شخص في دبي (التي لا يوجد فيها أي كنيسيهودي) ونحو ثلاثمائة شخص في أبوظبي. ويذكر أنَّ من بينهم أيضًا بعض الأسر مناليهود العرب، مثلًا من يهود اليمن.

ويضيف أنَّ الزوَّار اليهود بدؤوا بالقدوم من جميع أنحاء العالم: "لقد أصبح هذا الكنيس خلال فترة وجيزة مركزًا مهمًا بالنسبة ليهود العالم". وبحسب تعبيره فإنَّ اليهود يأتون لزيارة بيت العائلة الإيراهيمية من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومن دول عربية أخرى ما تزال توجد فيها طوائف يهودية، مثل المغرب وتونس.

تقدِّم الإمارات نفسها من خلال هذا المركز للحوار بين الأديان كمكان للحوار بين الثقافات والأديان. وقد شهد في الواقع تقرير الحرِّية الدينية الدولي لعام 2022 -الصادر عن الحكومة الأمريكية- على التسامح الاجتماعي البارز في الإمارات تجاه الأقليات الدينية، وخاصة اليهود والمسيحيين. وتقرَّرَ أن يتم في عام 2023 -بعد عدةسنين من أعمال البناء- افتتاح معبد هندوسي من أجل أكثر من ثلاثة ملايين مهاجرمن الهند.

كنيس في بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي - الإمارات. Synagoge im abrahamic Family House Foto AFH
الكنيس المسمى على اسم موسى بن ميمون هو أوَّل مكان عبادة يهودي يتم بناؤه في العالم العربي منذ مائة عام. وهو من أجمل الكُنُس اليهودية في العالم، كما يقول الحاخام يهودا سارنا، وهو من أصل كندي ويهتم برعاية المصلين في هذا الكنيس. ويضيف أنَّ الزوَّار اليهود بدؤوا بالقدوم من جميع أنحاء العالم: "لقد أصبح هذا الكنيس خلال فترة وجيزة مركزًا مهمًا بالنسبة ليهود العالم". واليهود يأتون لزيارة بيت العائلة الإيراهيمية من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومن دول عربية أخرى ما تزال توجد فيها طوائف يهودية، مثل المغرب وتونس. Foto AFH

التسامح كقوة ناعمة

ولكن هذا التركيز الواضح على التسامح يهدف أيضًا إلى التأكيد على أهداف السياسة الإماراتية. وقد اعترفت الإمارات مع البحرين في شهر أيلول/سبتمبر 2020 بدولة إسرائيل كجزء مما يعرف باسم اتفاقيات إبراهيم. وسبقت ذلك سنوات من الاتصالات السرية والتعاون خاصةً في المسائل الاقتصادية. وكان لا بد أيضًا من إيصال هذا التغيير في السياسة داخليًا، وبيتُ العائلة الإبراهيمية -برسالته المشتركة بين الأديان- مناسبٌ من أجل ذلك.

وكذلك تريد دولة الإمارات - التي يستفرد في حكمها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان- مواجهة التيارات المتطرِّفة في الإسلام. وقد تصدَّت الإمارات بشدة منذ الانتفاضات العربية في عام 2011 لجماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي.

ومع ذلك فقد كانت توجد في البداية تحفُّظات من الجانب الإسلامي على هذا المركز الخاص بالحوار بين الأديان.

وحول ذلك يقول الإمام المصري محمود نجاح أحمد فرج خلف: "نعم، كانت توجد أحكام مسبقة في وسائل التواصل الاجتماعي. ونشر المتطرِّفون أنَّه سيتم في بيت العائلة الإبراهيمية دمج ثلاث ديانات في دين واحد. وأنَّ أتباع الديانات المختلفة سيُصَلُّون معًا ويديرون دور العبادة". وهذا كله خطأ، كما أكَّد عدة مرات: "أنا أقول دائمًا لجميع المنتقدين: لماذا لا تزوروننا وتشاهدون بأنفسكم ما نفعله هنا. مسجدنا مسجد عادي جدًا".

عام 2019 في أبوظبي بابا الفاتيكان فرنسيس والممثِّل الأعلى للإسلام السني أحمد الطيب Papst Fanziskus und Grossimam Al-Tayyeb 2019 in Abu Dhabi Foto Imago
التقى عام 2019 في أبوظبي البابا فرنسيس والممثِّل الأعلى للإسلام السني أحمد الطيب - شيخ الجامع الأزهر في القاهرة. ووقَّعا على وثيقة أعربا فيها عن دعمهما لحرِّية الدين ومعارضتهما العنف والتطرُّف باسم الله. وقد تقرَّر في هذا اللقاء بناء بيت العائلة الإبراهيمية المشترك بين الأديان ويمكن مشاهدة توقيعيهما على حجر في مدخل قاعة المركز. Foto Imago

حوار بين الأ‫ديان من دون حرِّية التعبير؟‬

ومن أجل هذا المسجد اختار المهندس المعماري ديفيد أدجاي تصميم المشربية التي تميِّز العمارة الإسلامية وعادةً ما تكون شبكتها المزخرفة مصنوعة من الخشب، بينماهي مصنوعة هنا من الحجر الجيري. يدخل ضوء الشمس جانبيًا عبر الجدران الخارجية إلى داخل المسجد. وتحمل أربعةُ أعمدة الجزء الداخلي من المبنى الذي تعلوه تسعُ قباب.

وهي ترمز إلى الكهوف [المغارات] التي تلقى فيها النبي محمد الوحي القرآن [غار حراء]. وأسلوبها المعماري البسيط أقنع العديد من الزوار. وحول ذلك تقول زائرة من الولايات المتحدة الأمريكية بحماس: "هذه الهندسة المعمارية مذهلة بكلِّ بساطة".

وكلُّ طائفة تحتفل بأعيادها وتؤدِّي طقوسها الخاصة. أمَّا الصلوات المشتركة فهي غير مطروحة للنقاش. أين يكمن إذًا اللقاء بين الأديان باستثناء تقاسم الأرض المقامة عليهادور العبادة الثلاثة واجتماع ممثِّلي الديانات الثلاث أثناء تناولهم الطعام أو التنزُّه فيالحديقة؟ وكيف يمكن إجراء حوار مفتوح في دولة رقابة سلطوية يتم فيها تقييد حرِّية التعبير عن الرأي؟

في هذا الصدد قال الخبير في الشؤون الإسلامية واليسوعي فيليكس كورنر لإذاعة كاتدرائية كولونيا بمناسبة افتتاح المركز إنَّ من بين مشاكل هذه المشاريع بطبيعة الحال"أنَّها تُفرض إلى حد كبير من أعلى، أي من شخصيات قيادة في الدولة والجانب الديني. ولهذا السبب فهو سيقول: "هذه الآن مجرَّد أمنية كبيرة ونجاح قليل".

An dieser Stelle finden Sie einen externen Inhalt. Sie können ihn sich mit einem Klick anzeigen lassen.

فضاء جديد وفكرة جديدة

حول ذلك يقول الحاخام يهودا سارنا: "نحن ندخل مجالًا جديدًا. وما نقوم به هنا هوفضاء جديد وفكرة جديدة". ويجب أوَّلًا -بحسب تعبيره- بناء مجتمع يهودي ومسيحي وإسلامي حيوي. وقد تم التخطيط لعقد مؤتمرات حوار حول مواضيع دينية، ولكن يجب قبل كلِّ شيء أن تنمو الثقة المتبادلة.

والعديد من الزوار -ليس فقط على الجانب الإسلامي بل كذلك على الجانب اليهودي- غير متأكِّدين من كيفية تصنيف هذا المركز، كما يقول الحاخام يهودا سارنا: "عندما يسألونني أقول دائمًا إنَّ هذا المزيج بين الأُلفة المتطرِّفة والغرابة المتطرِّفة هو الذي يثيرالارتباك": أُلفة الكنيس وغرابة البيئة العربية التي يفترض اليهود أنَّها بيئة معادية.

لقد اضطر الحاخام نفسه إلى مقاومة مشاعره لفترة عندما جاء إلى الإمارات أوَّل مرةفي عام 2013 حيث تم التعرُّف عليه كيهودي ويرتدي على رأسه الكيباه أو القُبَّعَة اليهودية. وحول ذلك يقول: "لقد قمت بالكثير من أعمال الحوار بين الأديان في الولاياتالمتحدة الأمريكية ومع المسلمين أيضًا، ولكنني لم أكن أدرك كم كان يوجد لدي منصور نمطية متجذِّرة بعمق عن العالم العربي".

وكان يعاني من هذه الصور النمطية في كلِّ زيارة زار فيها الإمارات إلى حدّ أنَّها أصابته بنوبات من الذعر. ويقول متذكِّرًا: "عندما كنت في السوبر ماركت ذات مرة، انتابني فجأة شعور بالخوف: أنا كيهودي وحيد في بلد عربي يمكن أن أُقتل". ولكنهذا الخوف -كما يقول- تضاءل مع مرور الوقت وثبت أنَّ لا أساس له من الصحة. وقدمثَّل له حصوله في عام 2022 على وظيفة الحاخام -في مركز الأُسْرة الإبراهيمية الذي تم افتتاحه حديثًا- تجربة قوية.

ورقة تين من أجل السياسة السلطوية؟

الأب الفرنسيسكاني الهندي مايكل فرنانديز سعيد بوجود دار عبادة أخرى من أجل المسيحيين البالغ عددهم الآن أكثر من مليوني مسيحي في الإمارات؛ وتوجد فيأبوظبي كنيستان أخريان تمتلئان بالمصلين أثناء القدَّاس والصلاة. عمل المهندس المعماري ديفيد أدجاي -من أجل الكنيسة الموجودة في المجمع المشترك بين الأديان- على تصميم خشبي في الداخل يمنح الصليب مكان الصدارة.

ويقول الأب مايكل فرنانديز: "أتمنى أن تأتي مجموعات من المسيحيين من جميع أنحاء العالم كي يروا كيف نتعايش هنا معًا". وهو يرى في بيت العائلة الإبراهيمية نموذجًا للقاءات بين الأديان في أماكن أخرى أيضًا.

لا تُسمَع أية كلمات انتقاد من ممثِّلي الديانات الثلاثة لمضيفيهم. فهل يتم استخدامهم كورقة تين من أجل التظاهر بالانفتاح؟ من المستحيل الحديث حول مثل هذه الأموروذلك بسبب حضور موظفين من العلاقات العامة في المركز بشكل دائم أثناء زيارتي بيت العائلة الإبراهيمية. فالحوار بين الأديان أيضًا يعتبر في دولة الإمارات مسألةتتعلق بالمصلحة الوطنية.



 

كلاوديا مينده

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

Qantara.de/ar