نعم للاقتصاد الحر!

يرى فريدريش ريشتر أن حركة الإخوان المسلمين بمصر لا تملك برنامجاً اقتصادياً متكاملاً، وإنما تتجه أكثر إلى دعم الشركات الصغيرة الأهلية والمشاريع الاستثمارية. ويستدل في ذلك على نشاط أعضاء الحركة في قطاعات اقتصادية متنوعة، واستثماراتها في الخارج.

الصورة، أ ب
على الرغم من تشكيل حركة الإخوان المسلمين كتلة برلمانية واضحة، إلا أنهم يفتقدون برنامجاً اقتصادياً شاملاً

​​يرى فريدريش ريشتر أن حركة الإخوان المسلمين بمصر لا تملك برنامجاً اقتصادياً متكاملاً، وإنما تتجه أكثر إلى دعم الشركات الصغيرة الأهلية، وكذلك إلى دعم المشاريع الاستثمارية. ويستدل في ذلك على نشاط أعضاء الحركة في قطاعات اقتصادية متنوعة، كما يستدل على استثمارات الحركة في الخارج .

يجلس حازم فاروق في عيادته المتواضعة لطب الأسنان الكائنة في حي شبرا. فوق المنضدة، هناك مجموعة من الأوراق التي صاغ فيها طبيب الأسنان - بخط يده - بعض الأفكار التي تراوده حول الرؤية الإسلامية للاقتصاد المصري. هذا يعود لكون فاروق ليس طبيب أسنان فقط، بل أيضا لكونه نائباً في مجلس الشعب المصري.

كانت حركة الإخوان المسلمين - التي ينتمي إليها فاروق - قد فازت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الخريف الماضي بـ 88 مقعدا برلمانياً؛ والآن يتعين عليه أن يشارك في سن القوانين وفي تحديد الهوية الاقتصادية لمصر. يقول فاروق: "علينا أن نبلور أفكاراً صادرة منا ومن محيط حركتنا ومجتمعنا". كان حي شبرا والأحياء الواقعة شمالاً منه في الماضي مركزاً لصناعة الغزل والنسيج في مصر. أما اليوم، فقد صار حي شبرا مُكبلاً بمعدلات البطالة المرتفعة والبنى الصناعية التحتية المتخلفة.

كتلة نيابية دون برنامج متكامل

أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية بأن حركة الإخوان المسلمين هي أكثر التيارات السياسية شعبيةً في مصر. منذ ذلك الحين، بدأ المستثمرون الدوليون ورجال الأعمال المصريون والأجانب يطرحون السؤال التالي: "ما الذي سيحدث في حالة تولي حركة الإخوان المسلمين السلطة في يوم ما أو على الأقل عند مشاركتها في الحكم؟". هذا وتُشكّل حركة الإخوان المسلمين الآن في البرلمان ما يمكن تسميته - ولو إلى حد ما - بالكتلة النيابية.

لكن الحركة لا تملك برنامجاً اقتصادياً متكاملاً، حيث تقتصر تصوراتها في هذا الصدد على مجموعة ضئيلة من المبادىء الأخلاقية لا أكثر. يشدد الإخوان المسلمون على القيم المرتبطة بأداء العمل في حد ذاته وبأخلاقية العمل؛ كما يشددون على ضرورة التعامل النزيه مع الأموال العامة، ويعترضون على أنظمة الاحتكار وطرق المنافسة المبنية على قواعد غير نزيهة. وقد سبق للإخوان المسلمين أن طالبوا في غضون الثمانينيات - أي قبل أن تعمد الحكومة إلى تطبيق برامج الخصخصة التي أجبرت عليها بحكم ضغوط خارجية - بتحرير الاقتصاد من قبضة الدولة، وبتشجيع إنشاء الشركات الصغيرة الأهلية؛ أي أن حركة الإخوان المسلمين تتبنى مفهوم الاقتصاد الحر للسوق.

الإخوان: الفساد الإداري سبب المحنة الاقتصادية

من خلال المنطلق الأخلاقي للإخوان المسلمين، هناك نقطتان تتبوآن محور تفكيرهم في المجال الاقتصادي، وتشكلان في حقيقة الأمر صلب محنة الاقتصاد المصري: أولا المعدل العالي للبطالة وثانياً الفساد الإداري. بناء على إحصائيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تبلغ نسبة البطالة في مصر 17 %. يقول في هذا السياق ضياء رشوان - المحلل البارز لدى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية في القاهرة: "ظاهرة البطالة هي في نظر الإخوان المسلمين مشكلة سياسية أكثر منها اقتصادية"؛ حيث يرون بأن عامل البطالة كفيل بتهديد تماسك وبنيان المجتمع المصري على نحو خاص.

لكن رشوان لا يرى مؤشرات بكون الإخوان المسلمين يملكون الحل المقنع لهذه الأزمة. وهو عجز لا يقتصر على الحركة، بل يشمل كافة القوى السياسية في البلاد. وبناء على رؤية الإخوان المسلمين، يشكل الفساد الإداري واسع الانتشار في مصر السبب الرئيسي لكل المحن التي تواجهها مصر.

ويقول فاروق في هذا الصدد: "ينبغي علينا أن نكافح كل أشكال الفساد الإداري من خلال تقوية الإيمان الديني في نفوس الناس والعمل على تطبيق القوانين السائدة بروح نزيهة صادقة". إلا أن الإخوان المسلمين يطرحون مطلب التغلب على الفساد الإداري بشكلٍ مُبسط، كما لو كان ذلك سيحل كافة مشاكل الدولة. فهم يعتقدون بأن تحقيق النمو الاقتصادي لا يتم إلا بالقضاء على ذلك الفساد الإداري، كما يرون بأن القضاء عليه يؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة.

الإخوان يُشجعون الشركات الصغيرة

يعمد الإخوان المسلمون تقليدياً إلى إعطاء الشركات الصغيرة قروضاً؛ وبحكم تاريخ هذه الحركة - التي وإن تقبلتها الدولة في الأغلب على مضض ومنعتها في نفس الوقت رسمياً مما جعلها تعمل سراً - فقد عمد الإخوان المسلمون إلى جعل نشاطهم يقتصر على قاعدتهم الشعبية، وعلى القيام بعدد كبير من المشاريع الاجتماعية الصغيرة.

لهذا فإنهم يعتبرون دعمهم للشركات الصغيرة والمتوسطة مفتاحاً في إطار جهود مكافحة البطالة. وهذا المثال هو من أحد الأمثلة القليلة التي يتضح عبرها وجود خط اقتصادي محدد للحركة. ورداً على سؤال حول الشكل العملي المحدد لمثل هذا البرنامج المبني على تقديم قروض صغيرة، أجاب فاروق قائلاً: " يتضح هذا الأمر بعد أن نكون قد كافحنا ظاهرة الفساد الإداري".

الغزالي يؤيد الدعم والاستثمار معاً

يعطي عبد الحميد الغزالي في هذا السياق إجابات تتسم بوضوح أكثر؛ وهذا بحكم اعتباره أستاذاً للاقتصاد في جامعة القاهرة، بعد تلقى دراسته في كلية لندن للدراسات الاقتصادية، وحيازه على درجة الدكتوراه في جامعة ادينبرا؛ الأمر الذي يُرشحه ليكون الخبير الاقتصادي الأول في صفوف حركة الإخوان المسلمين. ويقول الغزالي معبراً عن أفكار قيادة الحركة: "لا توجد فروق تستحق الذكر بين برنامجنا وبرامج القوى السياسية الأخرى".

ويضيف بأن الحركة تؤمن بإمكانية دفع عجلة النمو الاقتصادي قدماً من خلال تقديم الدعم المنهجي المدروس لقطاعات السياحة والزراعة والشركات متوسطة الحجم. ويعتبر الغزالي الاستثمارات ضرورة، لكونها ستوجد فرص عمل جديدة في القطاعات الصناعية التي تتطلب وجود عمالة مكثفة.

كما يطالب بتحسين توفير المواد الأساسية والغذائية للسكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، معتقداً بأن ذلك سيتحقق عبر دعم قطاع الإنتاج في مجال السلع الأساسية كالمواد الغذائية والملابس واقتصاد البناء. ويضيف الغزالي بأن ذلك لا يعني على الإطلاق التقليل من أهمية المنتجات القائمة على التكنولوجيا المتطورة أو المتعلقة بإنتاج الكماليات؛ مستطرداً بأن حركته ما زالت ترحب بالمستثمرين الغربيين.

مشكلة فوائد البنوك ما زالت دون حل

أما أكبر قلق يساور الإخوان المسلمين، فقد يتعلق بالقطاع المصرفي، نظراً لكون الفوائد محظورة في النموذج الإسلامي للاقتصاد. والذي يحدث هو أن المصارف الإسلامية تقترض أموالاً، ثم يتم بعد ذلك تقسيم أرباح الاستثمار المعقود أو الخسائر الناجمة عنه بالتضامن بين المُقترض ومُقدم القرض. فما الذي سيفعله الإخوان المسلمون بقطاع البنوك المصري الذي قامت الحكومة المصرية مؤخراً بفتحه على نحو موسع حيال المستثمرين الأجانب؟

هنا تأتي إجابات الغزالي وغيره من أعضاء قيادة الحركة مفتقدة إلى الوضوح؛ حيث يقول الغزالي - في محاولة منه لامتصاص المخاوف التي قد تساور المستثمرين الأجانب حيال التغييرات غير المحسوبة في هذا السياق - "بغض النظر عما سنتخذه من إجراءات، فإننا سنسير وفقاً لمبدأ العمل خطوة بعد خطوة".

من المؤكد أن الإخوان المسلمين سيعمدون إلى زيادة نسبة المصارف الإسلامية بين مجموع المصارف ، لكن السؤال يبقى عالقا عما إذا كان سيظل مسموحاً لبنوك غير إسلامية بفتح فروع لها في مصر أم لا. من المؤكد أيضاً، أن الإخوان المسلمين سيُدخلون فريضة الزكاة الإسلامية - التي تشكل 2.5 % من دخل الفرد السنوي - في النظام الضريبي الإلزامي لموازنة الفروق الشاسعة القائمة في المجتمع المصري إزاء المعدلات الاقتصادية. هذا مع العلم بأن النظام السائد حاليا في مصر - فيما يتعلق بالضرائب ودعم الأسعار - لا يكاد يوازن بين تلك الفروق القائمة.

الإخوان بين التأثير واللاتأثير

وعلى الرغم من أن جبهة الإخوان المسلمين داخل مجلس الشعب تتسم بمقدار من التضامن والالتزام يفوق كثيراً الحال لدى نواب الأغلبية البرلمانية - المؤلفة من الحزب الديموقراطي الوطني الحاكم الذي يجمع في صفوفه تيارات تفتقد كثيراً إلى التجانس - إلا أنه لا يتوقع أن يكون للإخوان المسلمين تأثير يستحق الذكر على عملية التشريع.

من الناحية الأخرى، قد يفرز العمل النيابي لحركة الإخوان المسلمين شيئا من قبيل البرنامج الحزبي. هذا ويعتقد ضياء رشوان بأن الفوز الذي أحرزته حركة الإخوان المسلمين كان له وقع الذهول حتى في نفوس أعضاء الحركة أنفسهم، مضيفاً بأن نواب الحركة سيعملون على تطوير عملهم ونهجهم. يقول رشوان: "من الآن فصاعداً، سوف توجه للأعضاء أسئلة حول تقييمهم لهذه المسألة ولتلك".

الجدير بالذكر أن بعض الإخوان المسلمين كانوا - منذ تأسيس الحركة - يعملون في قطاع التجارة الحرة. ويقول عصام العريان المتحدث باسم الحركة: "بعض الأعضاء أصحاب شركات، لكن الحركة نفسها لا تملك شركات خاصة بها". وقد ينشط أعضاء الحركة في قطاعات اقتصادية معينة كمقاولات البناء ومجالات المعلومات وصناعات الغزل والنسيج والمطاعم. ويقال أيضاً بأن الحركة استثمرت بالإضافة إلى ذلك ملايين من الدولارات في منطقة الخليج، كما وظّفت أموالا في اليابان وكوريا الجنوبية؛ الأمر الذي يؤكد عدم وجود مصلحة لحركة الإخوان المسلمين في ممارسة سياسة معادية لقطاع الاقتصاد الحر.

فريدريك ريشتير
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

فريدريك ريشتير: صحافي ألماني مُقيم بالقاهرة، مختص بقضايا الاقتصاد

قنطرة

الديمقراطية في مصلحة الأخوان المسلمين
قد يساهم وجود الأخوان المسلمين في البرلمان المصري في ارساء الديمقراطية، اذا تمكن النظام من إيجاد طريقة للتوفيق بين شعبية حركة الأخوان ومطالب الاصلاح السياسي. تعليق ناتان براون وعمرو حمزاوي

مكافحة الرشوة تخدم المصالح الفردية قبل كل شيء!
الرشوة متفشية في مصر في كافة المجالات بحيث لا يسع لأحد أن يتجنبها. وهي جزء متمم للاقتصاد والحياة اليومية. بالتالي فالجميع مشاركون، والكثيرون مستفيدون. هل هناك إذن مصلحة لأي طرف في محاربة الرشوة؟ تقرير فريدريك ريشتر