قتل في بيت دعارة - ريا وسكينة و17 امرأة مدفونة

صورة من: Screenshot/YouTube - قاتلتان مرتكبتان لسلسلة جرائم قتل في مصر: الجميع في مصر يعرف المسرحية الكوميدية التي تحكي عن ريا وسكينة، وكذلك المسلسلات والأفلام والكتب عنهما.  Mordfall Raya und Sakina in Ägypten
قاتلتان مرتكبتان لسلسلة جرائم قتل في مصر: الجميع في مصر يعرف المسرحية الكوميدية التي تحكي عن ريا وسكينة، وكذلك المسلسلات والأفلام والكتب عنهما. صورة من: Screenshot/YouTube

شقيقتان قوَّادتان تحولتا في الإسكندرية إلى أيقونتين للشر وأعدِمتا عام 1921 بتهمة قتل بائعات هوى وأخذ أساورهن الذهبية. لكن بعد أكثر من 100 عام تنتشر تفسيرات مختلفة للقضية. متابعة حنة الهيتاني من الإسكندرية لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Hannah El-Hitami

الـ"خواجة" -الأجنبي- كانت له طلبات خاصة وإلا لظلت الجثث ربما مدفونة تحت الأرض لفترة طويلة. في نوفمبر / تشرين الثاني 1920 أراد السيد القادم من إيطاليا أن يستقر مع عائلته في المنزل الموجود في الإسكندرية. وكان المؤجرون -أصحاب البيت- قد طردوا السكان السابقين لأنهم كانوا يجمعون هناك "اللصوص وتجار البغاء وبائعات الهوى" و"حولوا المنزل إلى بيت للدعارة". وأرادوا الآن أن يجدوا مستأجرًا محترمًا للطوابق الثلاثة للبيت رقم 5 في شارع ماكوريس. وإذا أراد "الخواجة" تركيب صنابير للمياه في المطبخ والحمام، فيجب أن يحصل على ما أراد.

في يوم الإثنين -15 نوفمبر / تشرين الثاني 1920- تعيّن على أحمد مرسي -الذي كان الجميع يطلقون عليه "المعاق" أو "الأعمش" بسبب ضعف بصره- البحث تحت أرضية المنزل عن مواسير الصرف الصحي. فقام بتكسير بعض الألواح الحجرية من الأرض وحفر في الطبقة الجيرية وطبقة الحصى الموجودة تحتها، وتعجب من مدى رخاوة الأرض.

وقد اصطدم المعول (الفأس) بجسم صلب، فهل كان هذا ماسورة مياه؟ انبعثت من الفتحة رائحة كريهة فظيعة. وعندما تحسس مرسي الحفرة، أحس بملمس لحم وعظم. ثم أمسك بشيء في يده، وقربه إلى عينيه شبه العمياء - وكان ذلك ذراع إنسان.

كما اتضح لاحقًا كانت الذراع التي عُثِرَ عليها تعود لامرأة اسمها نبوية بنت علي كانت مفقودة منذ ثلاثة أشهر. وتحت الغرفة التي كانت تسكنها سابقا سكينة علي همام، عُثِرَ على جثتين إضافيتين. ثم عُثِرَ على 14 جثة في مكان قريب ومعظم هذه الجثث تحت شقة ريا شقيقة سكينة.

صورة من: Hannah El-Hitami - كشك "بازار ريا وسكينة" – مصر. Der Kiosk Bazar Raya wa Sakina in Labban Alexandria
كشك "بازار ريا وسكينة": افتتحه سعيد محمد مع شقيقه منذ تسع سنوات، في نفس المكان الذي كان يتواجد فيه سابقا قسم الشرطة. عاشت سكينة في الجهة المقابلة مباشرة، بينما عاشت ريا على بعد بنايات قليلة. أراد محمد أن يجعل هذه القصة المذهلة متاحة للسياح. صورة من: Hannah El-Hitami

هل كانت ريا وسكينة الجانيتين الرئيسيتين فعلاً؟

كانت سبع عشرة امرأة -جميعهن تقريبًا من بائعات الهوى- قد اختفين قبلها في حي اللَّبّاَن في الإسكندرية، وشوهدت بعضهن لآخر مرة مع إحدى صاحبتَيْ بيت الدعارة، وهما سكينة وريا. وكانت صديقة من صديقات نبوية بنت علي قد لاحظت أن سكينة كانت ترتدي ملابس صديقتها. واستدعت الشرطة الشقيقتين للتحقيق عدة مرات. ولكن لم تبدأ عملية الكشف عن واحدة من أكثر جرائم القتل تسلسلاً في تاريخ مصر إثارة إلا مع بداية البحث عن مواسير المياه.

النسخة المشهورة من القصة تقول: كانت الشقيقتان ريا وسكينة علي همام تديران عدة بيوت للدعارة في الإسكندرية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. وفي الفترة بين عامي 1919 و1920، قامتا بقتل 17 امرأة، وسرقة حليهن الذهبية ودفنهن. وفي عام 1921 حُكم عليهما بالإعدام، لتصبحا أول امرأتين في مصر يصدر ضدهما حكم بالإعدام.

ومثلما كان الأمر مع "جاك السفاح" في أوروبا أصبحت الشقيقتان "أيقونتين للرعب" في العالم العربي؛ وبالإشارة إلى قصتهما يحذر الآباء أبناءهم من الخروج إلى الشوارع في الظلام. لكن قصتهما وجدت طريقها أيضًا إلى الثقافة الشعبية: فالجميع في مصر يعرفون المسرحية الكوميدية التي تحكي عن ريا وسكينة، بالإضافة إلى العديد من المسلسلات والأفلام والكتب.

لكن هل كانت مديرتا بيت الدعارة تقتلان ضحاياهما من زميلات العمل حقاً من أجل بضعة أساور ذهبية؟ وهل كان من بينهن صديقات مقربات؟ وماذا كان دور الرجال الأربعة الذين حُكم عليهم بالإعدام برفقتهن؟ الأوضاع السياسية في مصر التي كانت تحت الاستعمار آنذاك وتعطش وسائل الإعلام لترويج الأحداث المثيرة وظهور تفسيرات جديدة باستمرار في صناعة الترفيه – كل هذا جعل من البحث عن الحقيقة أمرًا صعبًا. وحتى بعد مرور قرن على الجرائم، لا تزال محاولات الكشف عن الحقيقة مستمرة.

صورة من: Hannah El-Hitami - جدار المنزل الذي عاشت فيه سكينة -  الشقيقتان ريا وسكينة علي همام أدارتا عدة بيوت دعارة في الإسكندرية أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى – مصر. Hauswand des Hauses, in dem Sakina lebte
الشقيقتان ريا وسكينة علي همام أدارتا عدة بيوت دعارة في الإسكندرية أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى. وفي الفترة بين عامي 1919 و1920 قتلتا 17 امرأة وقامتا بسرقة حليهن الذهبية ودفنهن. وفي عام 1921 حُكم على الشقيقتين بالإعدام، لتصبحا أول امرأتين في مصر الحديثة يصدر ضدهما حكم بالإعدام. في الصورة يمكن رؤية جدار المنزل الذي عاشت فيه سكينة. صورة من: Hannah El-Hitami

بعد مرور قرن من الزمان

يستغرق الوصول سيراً على الأقدام إلى حي اللبّان من محطة القطار الرئيسية في الإسكندرية وكذلك من الميناء 20 دقيقة. ونظرًا لموقعه المناسب كان الحي مكتظا بالسكان في عام 1900، وكان يمثل نقطة جذب لكل من كان يبحث عن رفيقة للفراش أو عن المال السريع أو زجاجة من النبيذ المخدر. كانت الأسواق تعج بباعة جائلين وبائعات هوى، وكانت الحانات مليئة بجنود بريطانيين وعمال من مصر أو مالطا أو اليونان. في الشقق ذات الإيجار الرخيص التي كانت تؤَجَّر غرفة بعد أخرى، وكان يتزاحم اللاجئون من شرق أوروبا أو سوريا.

وكانت الإسكندرية في ذلك الوقت مشهورة بأنها بؤرة للدعارة. وحاولت حكومة الاستعمار البريطاني إخضاع المجال لقواعد أكثر صرامة من أجل حماية جنودها من الأمراض المنقولة جنسيا. لكنّ عددا كبيرا من المشتغلين بالجنس تحولوا إلى العمل غير القانوني، مثل ريا وسكينة اللتين افتتحتا العديد من بيوت الدعارة وأجَّرتا غرفتيهما الخاصتين لبائعات الهوى.

وفي أحد أيام الأحد من شهر نوفمبر / تشرين الثاني بعد قرن من الزمان تخيم السحب الرمادية على مدينة الإسكندرية ويعبق الهواء برائحة الغبار والبحر، وتغطي برك أمطار كبيرة بنيَّة اللون شوارع حي اللبّان المزدحمة بالمارة. وفي الأكشاك يبيع الباعة الحقائب ذات العلامات التجارية المقلدة والحلي الرخيصة وجبال من الباذنجان. يتقاسم الله قطار الشوارع -الترام المتهالك- الشارع الرئيسي الضيق مع عربات الكارو التي تجرها الخيول وشاحنات النقل والتكاتِك التي تنبعث منها أصوات الموسيقى الصاخبة.

وفي ساحة فسيحة مزروعة بأشجار نخيل كبيرة عُلِّقت على جدران منزل طويل -بين نوافذ خشبية قديمة- صورٌ لريا وسكينة بالإضافة إلى صور لزوجيهما ورجل الشرطة المسؤول آنذاك. يدخن ضيوف المقهى المجاور الشيشة، يشربون الشاي ويلعبون الدومينو. وتحت صور بائعات الهوى من عشرينيات القرن الماضي تجلس فتاة تحمل حقيبة مدرسية وردية اللون بجوار والدها.

صورة من: Hannah El-Hitami - مقهى في حي اللَّبَّان بالإسكندرية  - مصر. Café in Labban, Alexandria
مقهى في حي اللَّبَّان بالإسكندرية: نظرًا لموقعه المناسب كان هذا الحي مكتظا بالسكان في حوالي عام 1900، وكان يمثل نقطة جذب لكل من كان يبحث عن رفيقة للفراش، أو عن المال السريع، أو زجاجة من النبيذ المخدر. صورة من: Hannah El-Hitami

"الرجال كانوا مجرد أتباع"

سعيد محمد هو من أقام المعرض في الهواء الطلق، وهو من مواليد حي اللبّان ويرتدي حذاء جلديًا مدببًا وعلى جبينه ابتسامة لئيمة. وقام هو وأخوه بفتح كشك يحمل اسم "بازار ريا وسكينة" قبل تسع سنوات على حافة الساحة وتحديدًا في المكان الذي كان فيه قسم الشرطة سابقًا. كانت سكينة تقطن مباشرة في الجهة المقابلة وريا على بعد بنايات قليلة. ويقول محمد -البالغ من العمر 32 عامًا- إن بعض السكان يشعرون على الأغلب بالإزعاج عندما يتم الحديث معهم عن تاريخ حيهم المظلم. كان محمد يرغب في جعله متاحًا للسياح.

يقول محمد: "الشيء الصادم هو أنهم دفنوا الجثث في منازلهم. كيف أمكنهم النوم فوق الجثث؟ الرائحة الكريهة وحدها كانت لا تطاق، فاستخدموا البخور لتغطيتها". من وجهة نظره كانت ريا وسكينة هما الجانيتان الرئيستان. فماذا عن رجالهما؟ يرد محمد قائلا: "لقد كانوا تابعين للمرأتين، وقاما بدفن الجثث فحسب".

انتشر خبر اكتشاف الضحية الأولى بسرعة هائلة في الإسكندرية عام 1920. وتم الاشتباه في حوالي 20 امرأة ورجلا ولكن الصحف سارعت على الفور في استهداف ريا وسكينة. وقام شخص ما بطباعة صورهما وبيعها في المدينة.

كتب صلاح عيسى في كتابه"رجال ريا وسكينة": "لقد نُقشت أسماؤهم في ذاكرة الناس، بأحرف دامية تدور حولها الألسنة وتعجز الشفاة غالبا عن ترديدها". 

وفي نهاية الألفية كان الصحفي المصري صلاح عيسى -الذي توفي فيما بعد- أول من بحث بشكل مفصل في سيرة حياة الشقيقتين وفي تفاصيل التحقيقات باستخدام سجلات الشرطة والمحكمة. وكانت قناعته أنه تم التعامل مع المرأتين على نحو غير عادل من خلال تحويلهما إلى "أيقونتين للشر" وسلب شخصيتهما وتاريخهما.

صورة من: Hannah El-Hitami - متحف الشرطة بالقاهرة يخلد ذكرى جرائم القتل المتسلسلة بالإسكندرية. Polizeimuseum in Kairo
متحف الشرطة بالقاهرة يخلد ذكرى جرائم القتل المتسلسلة بالإسكندرية. كل مصري وكل مصرية يعرفون القصة: جميع المصريين والمصريات يعرفون هذه الحكاية. صورة من: Hannah El-Hitami

التحديات الاقتصادية - آنئذٍ وحالياً

جاءت الشقيقتان من جنوب مصر، هربتا من الفقر هناك وكانتا تسافران دائمًا على طول نهر النيل في اتجاه الشمال: "بحثًا عن لقمة يمكن أن تطفئ الجوع القاتل" حتى وصلتا إلى الإسكندرية، حيث توجد غرف "ضيقة" مظلمة في أزقة أضيق يلتف بعضها حول بعض كالثعابين، وتهب منها رياح البؤس ورائحة العفونة"، كما وصفها عيسى بلغة منمقة.

يعتمد مسلسل تلفزيوني عُرِض في عام 2005 على كتاب عيسى -حيث تظهر ريا كامرأة بسيطة حامل باستمرار- تضع خيوطاً بدلاً من الحلق في أذنيها ومخلصة لزوجها الكسول المجرم. وبسببه تعيش على نفقة أختها الصغرى سكينة التي كانت مدمنة على الكحوليات وعيونها محاطة بالهالات السوداء، والتي حاولت مع زوجها البقاء على الطريق الصحيح.

لكن مصر شهدت أوقاتًا عصيبة: فخلال الحرب العالمية الأولى احتكرت قوات الاحتلال البريطاني الطرق البحرية وبالتالي منعت التجارة التي كانت توفر فرص عمل. بعدها عاد الرجال الذين تم تجنيدهم في اقتصاد الحرب بدون وظائف. وفي الوقت نفسه تضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الفول والعدس بين عامي 1919 و1920.

ويتعين على المصريين اليوم أيضاً أن يتعاملوا مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأزمة الاقتصادية التي تبدو وكأنها لا نهاية لها. وقد أثار كتاب عيسى والمسلسل التليفزيوني التعاطف مع الأختين من خلال الكشف عن البؤس الذي دفع عائلة علي همام إلى عالم الجريمة. 

وفي ملفات التحقيق التي تكونت من 2220 صفحة اكتشف الكاتب أمورًا مذهلة: إذ لم تجرِ إدانة ريا وسكينة إلا كمتواطئتين، بينما جرى اتهام زوجيهما بتهمة القتل وبأنهما الجانيان الرئيسيان، إلى جانب رجلين من موظفي الأمن في بيت الدعارة. وأفادت الشقيقتان أيضًا بأن الرجال أجبروهما على المشاركة.

صورة من: Hannah El-Hitami - في هذا المنزل بحي اللَّبَّان بالإسكندرية عاشت ريا. وتم العثور على الجثث الـ 17. Das haus im Stadtteil Labban, in den Raja lebte und wo 13 Leichen gefunden wurden.
في هذا المنزل بحي اللَّبَّان بالإسكندرية عاشت ريا. وتم العثور على الجثث الـ 13 هنا في وقت لاحق. وكانت الشقيقتان قد جاءتا إلى الإسكندرية من جنوب مصر بحثًا عن حياة أفضل. صورة من: Hannah El-Hitami

على سبيل المثال سلط عيسى الضوء على إحدى جرائم القتل وهي قصة: نازلى أبو الليل، الضحية الثانية من بين 17 ضحية. كانت نازلى خياطة، لكنها عملت أيضًا بشكل متكرر في بيت الدعارة الذي كانت تديره ريا وسكينة. ونظرًا لغياب الكثير من الرجال بسبب الحرب كانت نساء الطبقة المتوسطة يحصلن أحيانًا على أموال إضافية من خلال العمل بالجنس. نازلى -24 عاماً- كانت صديقة مقربة للشقيقتين وعشيقة لأحد حراس الأمن.

ووفقا لملفات المحكمة فقد جرى استدراجها في 4 يناير / كانون الثاني 1920 بحجة ما إلى شقة ريا، حيث كان الرجال ينتظرونها. مزيج قوي من الويسكي والكونياك والنبيذ والعرق كان كفيلا بجعل نازلى سهلة الانقياد. وبينما كانت تحاول المغادرة أمسكها الرجال وضغطوا بقطعة قماش مبللة على فمها وأنفها. غادرت ريا الغرفة غير قادرة على تحمل المنظر. وظلت سكينة في حالة صدمة بل وتبولت على نفسها.

وقالت للمحقق فيما بعد: "كانت الفتاة تغرغر وكأن فمها مملوء بالماء أو وكأنها تغرق. أمسكوها حتى توقفت عن التنفس"، وتوفيت نازلى خنقاً، مثل كل الضحايا. ودفنتها العصابة تحت أرضية الغرفة واحتفظت بحليها الذهبية.

ومع ذلك تعتبر نفرتيتي تاكلا أن الاعتقاد بأن الأمر يتعلق فقط بسرقة السلاسل والأساور هو أمر خاطئ. وكتبت المؤرخة في رسالة الدكتوراة الخاصة بها في عام 2016 أن الكثير من النساء الضحايا لم يكنّ يرتدين حليًّا تقريبًا عندما تم قتلهن. وترى تاكلا سلسلة من الدوافع: كانت تقريبًا جميع النساء قد عملن في بيت الدعارة الخاص بريا وسكينة بانتظام من قبل.

وزعمت أن بعضهن خدعن الشقيقتين للحصول على المال أو أنهن أصبحن منافسات غير مرغوب فيهن، وأخريات كانت لديهن علاقات ونزاعات مع رجال العصابة. وقد تكون بعضهن قد تعرضن للاعتداء الجنسي قبل وفاتهن، وهو ما لم يلقَ اهتمامًا كبيرًا في المحكمة.

Here you can access external content. Click to view.

الصحافة تشيطن ريا وسكينة

في 21 ديسمبر / كانون الأول 1921 حُكم على ريا وسكينة بالإعدام شنقًا لتصبحا بذلك أول امرأتين في مصر الحديثة يحكم عليهما بالإعدام، على الرغم من أنهما لم يُدانا كمجرمتين رئيسيتين. "قبل حتى أن تبدأ المحاكمة كانت الصحافة قد شيطنتهما لشهور"، بحسب ما تقول المؤرخة إيلينا تشيتي، التي تبحث في هذه القضية في جامعة ستوكهولم. بسبب لغتهما البذيئة وانجذابهما للكحول والحرية الجنسية أصبحت ريا وسكينة "رمزًا للتدهور الأخلاقي تحت حكم الاستعمار البريطاني".

في مصر بلغت الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار ذروتها في ثورة عام 1919 وكانت مصحوبة بتصورات عن المواطن المثالي، وفقًا لما ذكرته إيلينا تشيتي: "لم تتناسب فكرة وجود نساء مجرمات مع صورة المرأة المصرية الجديدة التي كانت ضرورية لبناء مصر الجديدة".  ووفقا للمصادر الحالية يمكن أن يظهر أن حكم الإعدام لم يكن عادلاً.

عندما وصفت تشيتي ريا وسكينة بالمجرمتين خلال زيارة للإسكندرية قبل سنوات قليلة كان رد فعل بعض الناس ساخطًا، وزعموا أن الأختين -باعتبارهما مناهضتين للاستعمار- وقعتا ضحية مؤامرة من قبل المحتلين البريطانيين، وهو تفسير منتشر على نطاق واسع في مصر اليوم.

ترى إيلينا تشيتي أن السبب هو ثورة عام 2011 التي انتهت باستفرادٍ عسكري بالسلطة بعد عامين: "تنشأ أسطورة قاطع الطريق البطل خاصة عندما يشعر الناس بالقمع وينعدم لديهم أي أمل في الدفاع عن أنفسهم ضده".

وعلى مدار قرن من الزمان تغيرت الصورة: في البداية كانت الشقيقتان رمزا للشر، والآن يُنظر إليهما من قبل أجزاء من الجمهور المصري على أنهما ضحيتان للفقر والظلم، وحتى كمناضلتين مقاومتين للاستعمار.

تقول إيلينا تشيتي: "كل عصر -وربما كل شخص-لديه نسخته الخاصة من ريا وسكينة". من الصعب اليوم توضيح الدور الذي لعبته الشقيقتان حقًا في جرائم القتل. ومع ذلك فإن قصتهما تكشف الكثير عن كل من رواها من جوانب عديدة.

 

 

حَنة الهيتامي

ترجمة: صلاح شرارة

حقوق النشر: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar