توقعات نمطية أيضا في الغرب من السينمائيات العربيات

مشهد من فيلم " ماشطات" للمخرجة سونيا بن سلامة عُرِضَ في مهرجان مراكش في دورته العشرين. Bild Sonia Ben Slama /Marrakech Film Festival A woman in a blue headscarf puts the finishing touches to a bride's make-up; the bride looks unhappy
مشهد من فيلم " ماشطات" للمخرجة سونيا بن سلامة عُرِضَ في مهرجان مراكش في دورته العشرين. Bild Sonia Ben Slama /Marrakech Film Festival

تحظى مخرجات ومنتجات الأفلام من البلدان العربية بالاعتراف والتكريم والتشجيع، لكن أفلامهن تواجه بعض الأحكام والتوقعات والتصورات المسبقة وبالذات في الغرب، ويُنتظر من هذه الأفلام أن تعالج قضايا نمطية معنية. استكشاف كاثرين شير ومحمد فرحان.

الكاتبة ، الكاتب: Cathrin Schaer

في مهرجان مراكش الدولي للفيلم استغلت صانعات أفلام عربيات ومن دول عربية الفرصة لعرض أفلامهن في المهرجان، الذي يعد من أشهر المهرجانات في المنطقة خاصةً الأفلام التي تتناول المساواة بين الجنسين، حيث يقول النقاد إن أداء صانعات الأفلام من الدول العربية ربما أفضل من نظيراتهن ونظرائهن في الدول الغربية.

ومثل المهرجان في نسخته العشرين فرصة لمخرجات عربيات أو من دول عربية للاحتفاء بأفلامهن.

وانطلقت الدورة العشرون للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بمشاركة 75 فيلما من 36 دولة واستمر حتى الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2023.

وفي مقابلة مع دي دبليو قالت المخرجة التونسية-الفرنسية سونيا بن سلامة "ليس من قبيل الصدفة أن يكون هناك المزيد والمزيد من المخرجات في المنطقة، لأن القصص النسائية ظلت لسنوات طويلة يسردها ويرويها الرجال، لذا كانت هناك حاجة ماسة إلى أن نروي نحن النساء قصصنا ونستعيد أصواتنا في السينما".

ويعد الفيلم الوثائقي "ماشطات"، الذي أخرجته سونيا وعرض في مهرجان مراكش -مثالا على ذلك- حيث سُردت قصة ثلاث نساء يمارسن الموسيقى التقليدية الحاضرة بقوة في الأعراس الشعبية في تونس.

ووفر الفيلم نظرة ثاقبة حول حياة النسوة الثلاث وحياتهن المهنية والشخصية المضطربة.

 المخرجة التونسية-الفرنسية سونيا بن سلامة ترغب في كسر الصورة النمطية لأفلام النسائية العربية Bild Sonia Ben Slama /Marrakech Film Festival Headshot of French-Tunisian director Sonia Ben Slama
المخرجة التونسية-الفرنسية سونيا بن سلامة ترغب في كسر الصورة النمطية لأفلام النسائية العربية. Bild Sonia Ben Slama /Marrakech Film Festival

تشجيع الأفلام النسائية العربية

لكن في المقابل يقول النقاد إن هناك عوامل عدة تجعل المخرجات العربيات والمخرجات من الدول العربية، أكثر ظهورا ونجاحا في الوقت نفسه.

فعلى سبيل المثال تنفق منصة "نتفليكس" الكثير على إنتاج الأفلام التي تنطق بلغة الضاد لمخاطبة الجمهور العربي، وتدعم المنصة بشكل خاص النساء ماليا ولوجستيا، فضلا عن عرض أفلامهن خاصة مع تسارع عدد المشتركين في المنصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أرتفع من حوالي 5 ملايين عام 2017 إلى 21 مليون عام 2022.

وفي السياق ذاته، تدخل الأفلام العربية في المنافسات الرئيسية في كبرى المهرجانات السينمائية في العالم مثل مهرجان كان، ومهرجان فينيسيا (البندقية) ومهرجان برلين، فيما تزايدت وتيرة الأفلام العربية التي تنتج بالاشتراك مع صناع الأفلام في أوروبا.

ويُضاف إلى ذلك تكريس العديد من مهرجانات الأفلام في الشرق الأوسط ومنصات الإنتاج المحلية الكثير من الجهد لتحقيق المساواة إذ جرى إنتاج العديد من الأفلام النسائية.

الجدير بالذكر أن مهرجان القاهرة السينمائي أصبح أول مهرجان سينمائي عربي يوقع على ميثاق دولي للمساواة بين الجنسين والذي يُعرف اختصارا بـ "5050" وذلك عام 2019، فيما تخصص مؤسسة الدوحة للأفلام بانتظام ما يقرب من نصف المنح الإنتاجية للنساء.

وفي الدورة السادسة لـ "ورشات الأطلس" مهرجان مراكش، شاركت 11 مخرجة سينمائية بينهن 4 مغربيات، فضلا عن 12 منتجة.

 صورة مع عائلة المخرجة المغربية أسماء المدير بعض عرض فيلمها الوثائقي "كذب أبيض" في مهرجان مراكش Bild Pascal Le Segretain/Getty Images Director Asmae El Moudir (in gold) and her family line up for a photo on the red carpet at the Marrakesh Film Festival
صورة مع عائلة المخرجة المغربية أسماء المدير بعض عرض فيلمها الوثائقي "كذب أبيض" في مهرجان مراكش. Bild Pascal Le Segretain/Getty Images

وقد أدت كل هذه العوامل إلى زيادة الأفلام التي تقف وراءها المرأة سواء أكانت مخرجة أم ممثلة أم منتجة فيما نجم عن ذلك تدفق كبير للأفلام النسائية مقارنة بالماضي.

وفي هذا السياق أشارت فاطمة حسن الرميحي، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الدوحة للأفلام، في مقال لمركز ويلسون البحثي ومقره واشنطن، إلى أن "26% من صُناع الأفلام العربية المستقلة من النساء، مقارنة بـ 4% في الدول الغربية"، مضيفة "تشكل المخرجات في المغرب وتونس ولبنان حوالي 25% من إجمالي المخرجين الجدد. أما في قطر، فإن ما يقرب من 60% من صُناع الأفلام الجديدة هم من النساء".

يشار إلى أن فيلم "كفرناحوم" والذي رُشح للفوز بجائزة الأوسكار لعام 2019 عن فئة الفيلم الأجنبي، يعد الفيلم العربي الأعلى ربحا فيما تقف وراءه المخرجة اللبنانية نادين لبكي.

وكان الفيلم قد فاز بجائزة التحكيم في مهرجان "كان" عام 2018.

أحكام نمطية مسبقة

ورغم النجاح الذي حققته النساء العربيات والنساء من الدول العربية في مجال السينما إلا أن هذا لا ينفي أن أفلام صانعات الأفلام في الدوال العربية تواجه بعض الأحكام النمطية المسبقة، وينطبق ذلك إلى حد كبير على الأفلام العربية عموما أيضا. 

ففي مقال قال الناقد السينمائي والمبرمج المصري جوزيف فهيم، إنه على مدى العقدين الماضيين، "كانت الأفلام العربية الأكثر نجاحا تجاريا في أوروبا يغلب عليها سرد قصص الإرهاب والفقر واضطهاد النساء؛ أي الأفلام التي تتوافق مع تصورات المشاهد الغربي عن العالم العربي".

وفي هذا السياق، تلفت المخرجة التونسية سونيا بن سلامة الانتباه إلى أنه عندما جرى عرض فيلمها "ماشطات" للجمهور، فقد أحدث حالة استغراب بسبب الطريقة التي صور بها المرأة.

وحول ذلك قالت "شعرت أنهم ينتظرون أن ينحصر دور المرأة في أدوار الأمهات الصالحات أو ضحايا، وغيرها من الصور النمطية الأخرى. ربما لم يتفاعلوا بالطريقة التي كنا نتوقعها. وهذا مهم لأنه يعكس تصورهم". وأضافت أنه لا يهم هل القصة مرتبطة بتونس أو أوروبا، قائلة: "الجميع يتفاعل بعضه مع بعض".

جرى اختيار فيلم "أنيماليا" للمخرجة صوفيا العلوي للمنافسة في المسابقة الرئيسية في مهرجان "ساندانس" السينمائي. Bild Marechal Aurore/ABACA/picture alliance Film director Sofia Alaoui in a red silk dress with elaborate embroidery, against a black background with a gold and white design
جرى اختيار فيلم "أنيماليا" للمخرجة صوفيا العلوي للمنافسة في المسابقة الرئيسية في مهرجان "ساندانس" السينمائي. Bild Marechal Aurore/ABACA/picture alliance

القصص الجيدة تصل للعالمية

واتفقت في هذا الرأي المخرجة الفرنسية-المغربية صوفيا العلوي، قائلة: "الأمر يتعلق بإنتاج أفلام ذات جاذبية للعالمية".

وعرض خلال مهرجان مراكش فيلم أخرجته صوفيا وهو "أنيماليا" الذي يمزج بين الخيال العلمي والفلسفة.

في تعليقها قالت صوفيا إن السينما العربية  "لم تكن مصدر إلهامي"، مضيفة "كانت الأفلام التي أفضلها آسيوية أو دنماركية أو فنلندية. لذا فإن ما أحاول فعله هو تقديم السينما التي أعشقها لكن بطريقة عربية".

وعلى غرار المخرجة سونيا بن سلامة، واجهت صوفيا مشكلة تتعلق بالأحكام المسبقة. وعن ذلك قالت: "البعض انتقد الفيلم لأنه لم يركز على المشهد المغربي أو سكان القرى كما كانت أفلامها القصيرة السابقة. الأمر يبدو وكأن بعض قطاعات من الجمهور خاصة من يعيشون في أوروبا تفضل مشاهدة النسخة الغربية للعرب على الشاشة الكبيرة".

من جانبها شددت تانيا الخوري، منتجة فيلم "ماشطات"، على أن هذا الأمر يمثل مشكلة، قائلة "تحقق الأفلام العربية نجاحا جيدا في دور السينما أو في المهرجانات، لكن من الصعب توزيعها على نطاق كبير خاصة إذا كانت تتناول قضية تزعج الجمهور العربي أو تمثل مفاجأة للجمهور الأوروبي. وفي هذه الحالة قد تتوقف عجلة نجاح الفيلم".

وقالت: "رأيت مخرجات يتعرضن لانتقادات من الجمهور الأوروبي لأن بطلات أفلامهن نساء مستقلات ويعيشن بحرية ما يعني أنهن يختلفن عما يتوقعه الجمهور من صناع السينما من الشرق الأوسط".

بدورها قالت المخرجة السينمائية المغربية أسماء المدير إن "السينما المغربية باتت أكثر ديناميكية وتروي قصصا محلية"، مضيفة: "لدينا صداقات (مع صناع السينما الغربية)، لكننا مختلفون ولدينا طريقة عمل مختلفة لذا يجب قبول ذلك".

وخلال مهرجان مراكش، عُرض فيلم "كذب أبيض" الذي أخرجته أسماء المدير، حيث لاقى ترحيباً، خاصةً وأن الفيلم قد رُشح لجائزة الأوسكار  عن فئة "الفيلم الأجنبي". 

من جانبها، قالت المخرجة الفرنسية-المغربية صوفيا العلوي إنها تشعر في بعض الأحيان "أن صناعة السينما الأوروبية ترغب في لعب دور الوصي وكأنهم يقولون هناك مهرجان سينمائي يُنظم في الشرق الأوسط، لذا يتوقع سرد قصص عن التحرر".

وأضافت: "أجد ذلك بالأمر الممل، لأنه في منطقنا يتم إنتاج أفلام كثيرة وهناك الكثير من الخيارات والكثير من المخرجين والمخرجات، لذا يتعين على العالم أن يقبل أننا أكثر تنوعا عما يعتقده".

في الأخير تجدر الإشارة أيضا إلى أن صانعات أفلام كثيرات من الدول العربية حصلن على تشجيع ودعم وتمويل من حكومات ومؤسسات ثقافية غربية، وأفسحت مهرجانات دولية لهن، مثل مهرجان برلين الدولي "البرلينالة"، المجال لعرض أفلامهن، بعض تلك الأفلام كان غير مسموح بعرضها في بلدانهن الأصلية.

 

 

كاثرين شير / محمد فرحان

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

Qantara.de/ar