نهج إردوغان إزاء إسرائيل وحماس الفلسطينية

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلقي كلمة أمام البرلمان Turkish President Recep Tayyip Erdogan gesticulates during a speech to parliament
يحرص الرئيس إردوغان على استمالة دائرته الانتخابية، بيد أنّ هناك قوى جيوسياسية أخرى تلعب دوراً. Photo AFP

اتّبعت تركيا بدايةً سياسة متوازنة محاولةً التوسط بين حماس وإسرائيل لكن مع استمرار إسرائيل في قصف غزة تبنى إردوغان موقفاً أكثر صرامة وصارت خيارات صعبة تلوح في الأفق بالنسبة لأنقرة. استجلاء عائشة كارابات.

الكاتبة ، الكاتب: Ayşe Karabat

حين قال الرئيس رجب طيب إردوغان، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إنّ حماس ليست منظّمة إرهابية، بل مجموعة "تناضل لحماية أرضها ومواطنيها"، لم يتفاجأ أحد.

ولكن أصيب البعض بخيبة أمل. لا سيما أولئك الذين اعتقدوا أنّ أنقرة ستستمر على موقفها الأولي بالبقاء على الحياد وضبط النفس وبأن تكون بنّاءة.

في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد أن شنّت حماس هجماتها غير المسبوقة على إسرائيل، قالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها بأنّها "تدين بشدّة وقوع خسائر في صفوف المدنيين"، ودعت الطرفين إلى ضبط النفس، معلنةً استعدادها للمساعدة في تهدئة الوضع.

وفي أعقاب ذلك مباشرة، كانت تركيا تأمل بأن تصبح لاعباً محورياً في حلّ أزمة الرهائن الحالية. وقد شارك وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في بعض الجهود الدبلوماسية المكوكية سعياً للتوصل إلى حل، آملاً في الاعتماد على علاقة أنقرة الفريدة مع حماس.

مع تصاعد الوضع على الأرض في غزة -ومع استمرار مقتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين المدنيين- تغيّر خطاب أنقرة، ولا سيما في أعقاب الانفجار في المستشفى الأهلي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (الصورة: وكالة فرانس برس). Woman grieves following the strike on the Ahli Arab Hospital in the Gaza Strip
مع تصاعد الوضع على الأرض في غزة -ومع استمرار مقتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين المدنيين- تغيّر خطاب أنقرة، ولا سيما في أعقاب الانفجار في المستشفى الأهلي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (الصورة: وكالة فرانس برس). (image: AFP)

إذ أصبحت العلاقات بين الطرفين تدريجياً أكثر قرباً، ولا سيما في أعقاب فوز حماس في الانتخابات في الأراضي الفلسطينية في عام 2006. بيد أنّ هذا الفوز لم يُعتَرف به في الغرب أو من قبل إسرائيل. وفي ذلك الوقت دعا حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه إردوغان، حماس إلى تركيا، ومنذ ذلك الحين، أصبحت تركيا قوة إقليمية نادرة قادرة على ممارسة النفوذ على حماس.

في نزاع  07 / 10 / 2023 الحالي سعى إردوغان إلى تعزيز صورته كزعيم عالمي من خلال تكرار الدور الدولي الذي تمكّن من تبنيه فيما يتعلق بالحرب الروسية في أوكرانيا وصفقة الحبوب.

ولكن اندلع هذا النزاع الأخير بينما كانت تركيا -مدفوعة بالحاجة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر بالنظر إلى اقتصادها المتعثّر- تسعى إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية وإصلاح العلاقات مع إسرائيل والقوى الغربية، وكذلك مع الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر.

وبعد يوم واحد من هجمات حماس كتب السفير المتقاعد -عُمر أونهون- في مقالته الأسبوعية في الموقع الإخباري التركي المستقل  تي أربعة وعشرون T24: "يبدو أنّ الصورة أو الأجواء المعتدلة والبنّاءة التي سعت الحكومة التركية إلى تسليط الضوء عليها بسياستها الخارجية خلال العامين الماضيين تنعكس في هذه الأزمة أيضاً".

أضاف أونهون أنّ هذه الصورة المعتدلة قد تتغير في ظلّ ارتفاع أعداد القتلى المدنيين في غزة وبالنظر أيضاً إلى رد فعل إسرائيل على وجود بعض قادة حماس في تركيا.

أشارت التقارير لاحقاً إلى أنّ أنقرة طلبت بأدب من رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، والوفد المرافق له مغادرة تركيا، بعد تداول لقطات له على وسائل التواصل الاجتماعي وهو يصلي احتفالاً أثناء مشاهدته لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على التلفاز، في إسطنبول كما يُزعم.

التحوّلات في الموقف

ولكن مع تصاعد الوضع على الأرض واستمرار مقتل اعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، تغيّر خطاب أنقرة، ولا سيما بعد الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وفي الوقت ذاته لم يُرحَّب بعرض الوساطة التركية، كما استُبعِدت تركيا من زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكِن إلى القوى الإقليمية، إسرائيل ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر. وبينما كان كل ذلك يحدث على الجبهة الجيوسياسية، كان هناك زيادة واضحة في المشاعر المعادية لإسرائيل بين الأتراك.

وفي كلمته في اجتماع نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لم يدافع إردوغان عن حركة حماس فحسب بل واتّهم أيضاً إسرائيل بمهاجمة غزة بشراسة، والتصرف "ليس كدولة" بل "كمنظمة"، وهو الأسلوب المعتاد في الإشارة إلى الجماعات الإرهابية بالتركية.

كما انتقد الدول الغربية بسبب دعمها القوي لإسرائيل وبسبب ازدواجية معاييرها، لعدم إدانتها قتلَ إسرائيل للمدنيين في غزة بالطريقة ذاتها التي أدانت بها قتل روسيا للمدنيين في أوكرانيا. وقال: "من النفاق أنّ أولئك الذين ذرفوا الدمع بالأمس من أجل خسائر الحرب في أوكرانيا لا يرون هذه المذبحة الصريحة في غزة".

جاء الخطاب القاسي بعد إعطاء الضوء الأخضر لطلب السويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)

قبل هذا الخطاب بيوم وقّع إردوغان على بروتوكول انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأحاله إلى البرلمان التركي، في إشارة واضحة إلى استعداده للحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب ومع حلف شمال الأطلسي.

ووفقاً لأستاذ العلاقات الدولية أحمد قاسم هان استهدف خطابه اللاحق الجمهور المحلي أكثر من الدولي. وقال قاسم هان لموقع قنطرة إنّه: "يعلم أنّ بإمكانه الإفلات بفعلته هذه على الساحة الدولية، إضافةً إلى أنّ الأهم بالنسبة له تعزيز قاعدته الانتخابية".

Here you can access external content. Click to view.

كما علّق الصحفي التركي فهيم تاشتكين قائلاً إنّ إردوغان وقّع أولاً على بروتوكول السويد ومن ثم قال لإسرائيل وللغرب: "آسف، سأضطر لإحداث بعض الضجيج".

كما قال تاشتكين: "الغرب معتاد على استراتيجية الضجيج التي يتّبعها إردوغان، وكذلك إسرائيل. لا تأخذ إسرائيل الكلمات بعين الاعتبار، بل الأفعال التي لديها القدرة على تغيير المعادلة في فلسطين. وعلاقات تركيا مع حماس مفيدة للولايات المتحدة ولإسرائيل، بما أنّ وجود قناة بين الأعداء أمر مطلوب". ويُذكّر تاشتكين بأنّ تركيا لم تستدعِ بعد سفيرها من تل أبيب. [في وقت لاحق استدعت تركيا سفيرها لدى إسرائيل للتشاور. وقالت وزارة الخارجية التركية يوم السبت 04 / 11 / 2023 إن تركيا استدعت سفيرها لدى إسرائيل للتشاور بسبب الأزمة الإنسانية في قطاع غزة والهجمات الإسرائيلية المستمرة عليه. وغادرت السفيرة الإسرائيلية لدى تركيا البلاد في الشهر السابق لدواع أمنية بعد اندلاع احتجاجات في أنحاء البلاد دعما للفلسطينيين وقالت إسرائيل لاحقاً إنها استدعت سفيرتها لتقييم العلاقات الثنائية].

وبينما تقترب تركيا من الانتخابات المحلية في مارس/آذار من العام المقبل 2024 وبينما تسعى الأحزاب السياسية إلى إقامة تحالفات جديدة فإن هناك مسعى لحشد الدعم الشعبي من خلال السياسات المتعلّقة بغزة. إذ يدين غالبية الأتراك الحملة الإسرائيلية على غزة.

وفي هذا السياق دعا زعيم حزب الحركة القومية، حليف الحكومة، دولت بهتشلي، إلى تدخّل عسكري تركي في غزة في بيان نُشِر على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وقد أيّدت بعض أحزاب المعارضة دعوته.

ولكن على الرغم من المشاعر المعادية لإسرائيل بين الشعب التركي والتعاطف الكبير مع الفلسطينيين، فإنّ لدى الناس، تاريخياً، وجهات نظر متباينة حول النزاع الحالي.

الأغلبية تريد الابتعاد عن حماس

وكشف استطلاع حديث -أجرته شركة متروبول لاستطلاعات الرأي- أنّ 11.3% فقط من الشعب يريد أن تدعم الحكومة التركية حماس، بينما يفضّل 34.5% أن تبقى تركيا على الحياد، فيما يرغب 26.4% في أن تلعب تركيا دور الوسيط. ويعتقد حوالي 18.1% أنّه ينبغي على تركيا مواصلة دعم القضية الفلسطينية مع الحفاظ على مسافة من حماس.

 

Here you can access external content. Click to view.

كما قوبل التجمع المؤيد لفلسطين الذي نظّمه إردوغان قبل يوم من 29 تشرين الأول/أكتوبر 2023 -الموافق للذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية- ببعض ردود الفعل السلبية من العامة. فمع مواجهة الحكومة لانتقادات مستمرة بسبب رغبتها بتغيير التقاليد القديمة المتعلقة بكيفية الاحتفال بعيد الجمهورية بَرَزَتْ اتّهامات بأنّ التجمع سيطغى على هذا الحدث المهم في التقويم الوطني.

خيارات صعبة في الأفق

ووفقاً لنوراي باباجان -الصحفية والمراقبة المتمرّسة للسياسة المحلية التركية- فقد أثارت تصريحات إردوغان الرعب حتى بين بعض نواب حزب العدالة والتنمية.

وأشارت إلى الانخفاض في قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي والتقلّبات في سوق الأسهم بعد بيان إردوغان. كما قالت باباجان إنّ تعليقات إردوغان قد تضرُّ بدبلوماسية تركيا المكوكية وببحثها عن الاستثمار الأجنبي.

وتبعاً لها يشعر نواب حزب العدالة والتنمية بالقلق أيضاً بشأن احتمال تراجع الدعم الشعبي بسبب موقف الحكومة من حماس.

قد تثير تصريحات إردوغان حول حماس الدهشة في تركيا وفي الغرب، ولكن إن شنّت إسرائيل عملية برية واسعة النطاق ضد غزة فقد يتغير الوضع مجدداً بالنسبة لتركيا. ومن المرجح أن ينتهي الأمر بحكومة إردوغان إلى الشعور بأنها محاصرة بين دعوات التدخّل من جانب مؤيديها وبين الضغوط الغربية.

 

 

عائشة كارابات

حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de