الإقامة والعمل في ألمانيا

عبد الله ضيف، من جمعية جدران في الإسكندرية، اشترك في برنامج "دورات تدريب عبر الثقافات" في مدينة شتوتغارت، حيث تعرف عن قرب على النمط الخاص للحياة في ألمانيا.

كمدينة ذات طبيعة تجارية كانت الحياة فى شتوتغارت بالنسبة لى هى تجربة مختلفة، فإيقاع الحياة المرتبط بحركة المال وإرتفاع و هبوط أسعار الأسهم هو بعيد كل البعد عن إيقاعي الشخصى المرتبط بالحياة الفنية والثقافية، لذلك كنت شغوفاً بالتعرف على مفردات هذا الواقع المختلف.

الوقت – الوقت

فى الصباح يجب أن تنضم إلى قافلة الموظفين التى تنتظر على الرصيف الأضواء الخضراء حتى تستطيع عبور الطريق، وعليك أيضاً أن تدرب عينيك على النظر ما بين ساعة يدك وإشارة المرور تلك، أما إذا كنت من سائقي السيارات فعليك أن تتدرب كثيراً حتى تستطيع أن تدير أسطوانة ما فى مذياع السيارة يكون لها أثر ملطف لتلك الحالة من الانتظار.

كطقس يومى يمكنك أن تتعلم كيف تمشى متثاقلاً فى طريق العودة نحو المنزل في لا مبالاة إعتيادية، غير منشغل بالتفاصيل من حولك، منهمك فى حوار تقليدى عن العمل مع زميل قد ينهى حواره فجأة كنتيجة لرحيله عند أول تقاطع وما عليك إلا أن تجلس بوهن شديد على أرصفة محطات المترو، نحو جولة أخرى من الإنتظار، لا يعتريك أي أسف لتلك المرأة التي سيغلق المترو أبوابه بلا رحمة في وجهها.

الإنتظار – الخوف / الخوف – الانتظار

كإنعكاس لطبيعة بنية هذه المدينة، فإن الخوف والانتظار/الانتظار والخوف ، هما مركبان يتشابكا ليصنعا تاريخك الشخصي، إذا ما أردت أن تكون طرفاً فى تلك المعادلة التى تفرضها المدينة.

انتظار - مشروع - لفرصة قد لا تأتي، وخوف من فقدان فرصة لا زالت فى طور التشكل، خوف من فقدان الاستقرار/انتظار لمزيد من الاستقرار أو استقرار مواز، التشابك يفرض نوعاً ما من اللاتواصل No contact لتجد منظومة تضم

إشارة مرور، الصورة: بيلدربوكس
"فى الصباح يجب أن تنضم إلى قافلة الموظفين التى تنتظر على الرصيف الأضواء الخضراء حتى تستطيع عبور الطريق"

​​الجميع فى تواصل فريد، وفى فردية فريدة هى الأخرى، الكل وحدة واحدة ، والمكونات هى فى ذات الوقت جزر منعزلة، نوعاً من استقلالية الفرد عن المجتمع، واستقلالية المجتمع عن الفرد.

وعند القراءة من مدخل نظرية الكم لبلانك القائلة بإنه لكى تتزن الذرة فيجب أن يكون الكل أكبر من مجموع أجزاءه ، فإنه يمكن تفسير طبيعة تلك الحياة فى ظل هذه المنظومة الحياتية، فإن المركبات الثقافية الاجتماعية لهذا المجتمع إنما تتلخص فى حدود الإبقاء على أشكال ثقافية بسيطة، كتفضيل نوع من الخبز عند الإفطار فى أيام الآحاد وتوصيفه بأن يكون ذو تاريخ شتوتغارتى عتيق.

هذا ما يفتح طرقاً مختلفة نحو إحلال بعض التركيبات الثقافية الاجتماعية من مجتمعات أخرى ذات تاريخ مختلف محل المركبات الثقافية الاجتماعية التى اختفت من هذا المجتمع. فعلى سبيل المثال لا الحصر وهو الشىء الذى آراه حادثاً بالنسبة لتواجد الثقافة التركية كشريك للثقافة الألمانية – الكباب التركي Kebab وهو أشهر الوجبات المحلية.

فقد دفعنى هذا التواجد الثقافى التركي/الألماني الى إثارة عدة تساؤلات – هى فى الأساس شخصية – حول طبيعة هذا المجتمع المنفتح والذى لديه قابلية لقبول الآخر المختلف ومشاركته اختلافه بشكل ملموس داخل المجتمع حتى يستطيع الآخر الحياة وليصبح جزء من الثقافة الألمانية المعاصرة، وكذلك الى أين يمكن أن يتحقق هذا الإنصهار وإلى أين يتجه ؟

تلك التساؤلات التى تلمست الإجابة عليها فى رحلتى لهانوفر حيث الكريشنتاغ / يوم الكنائس البروتستانتية، وأعداد الشباب الضخمة التى جاءت لتشارك فى تلك الفاعلية الكبيرة، والذين تنحصر مشاركتهم فى نطاق العمل التبشيرى ومساعدة الفئات ذات الإحتياجات الخاصة.

مع الأخذ فى الإعتبار ارتفاع متوسط أعمار المجتمع الألمانى الى 45 سنة مع إرتفاع نسبة البطالة بين الشباب، الأمر الذى يتشابه مع الطبيعة التى حكمت ظهور وانتشار التيارات الدينية المتشددة فى منطقة الشرق الأوسط.

وبما قد يعنى ظهور تيارات دينية متشددة فى أوروبا/ألمانيا، بما يتوافق مع قراءة هينتينغتون حول اتجاه أوروبا الى التدين، وهو ما يتوافق أيضا مع نظرية مكوكية المركزيات لإيهاب حسن المترتبة على فلسفة جاك دريدا، فبسقوط المركزية الشيوعية الكبرى فى الأتحاد السوفيتى و شرق أوروبا، ظهرت مركزيات أخرى لديها تشددها الخاص كاليمين المحافظ بأمريكا، وتنظيم القاعدة فى أفغانستان، وكإمتداد لظهور دويلات دينية مسلحة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ( فى الشرق الأوسط ).

كلها تساؤلات تثير تساؤلات أخرى، ولا يسعنى شخصيا سوى اختبار هذا الفرض.

بقلم عبد الله ضيف
حقوق الطبع قنطرة 2005

عبد الله ضيف، يعمل في جمعية جدران في الإسكندرية/مصر، اشترك في دورة تدريبية ضمن برنامج "تدريب عبر الثقافات"

قنطرة

تجربة في الحوار
اسمي عائشة لاول، يبلغ عمري ستة وعشرون عامًا وأُقدّم لكم تحية من شمال نيجيريا. لقد واتتني فرصة للتطبيق العملي ضمن برنامج "تدريب عبر الثقافات"، والتي يشرف على تنظيمها معهد العلاقات الخارجية.

دورات تدريب عبر الثقافات
يقدم مشروع "دورات تدريبية عبر الثقافات" لمعهد العلاقات الخارجية لخريجي الجامعات الشباب والعاملين في مجال الثقافة من البلاد الإسلامية وألمانيا الفرصة للتعرف على نظام الحياة والعمل في أوروبا من خلال قضاء فترة تدريب مهنية في ألمانيا

www

gudran.com