عضوية الاتحاد الأوروبي محرك السياسة الخارجية التركية

أثار التوجّه السياسي الخارجي التركي الجديد نحو الشرق الأوسط مخاوف من احتمال ابتعاد تركيا عن الغرب. ولكن مع ذلك تبقى الولايات المتَّحدة الأمريكية ودول الاتِّحاد الأوروبي الشريك الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا، مثلما يرى في هذه المقالة الدكتور حسين باجي، أستاذ السياسة الدولية في الجامعة التقنية في أنقرة.

أردوغان وبارسو، الصورة أ.ب
الحصول على عضوية الاتِّحاد الأوروبي يبقى أيضًا في عهد إردوغان الهدف الأخير الذي تسعى إلى تحقيقه السياسة التركية، مثلما يرى حسين باجي.

​​ تشهد السياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة الكثير من "المبادرات الانفتاحية" بحيث أنَّّه صار من الصعب وحتى على الأتراك فهم الاتِّجاه الذي تسير فيه السياسة الخارجية في بلدهم. والخطوات التي يقوم بها رئيس الوزراء التركي، رجب طيب إردوغان، تفاجئ الكثير من المراقبين. ولكن من المؤكَّد فقط أنَّ ثقة تركيا بنفسها ازدادت أكثر بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى وأنَّها صارت تنظر إلى نفسها على أنَّها منافس إقليمي وعالمي.

وسياسة "لا توجد مشاكل مع دول الجوار" - السياسة الخارجية الجديدة التي دعا إليها وزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، صارت تأتي بأوَّل ثمارها، ولكنَّها أيضًا تثير بعض المخاوف من أن تركيا يمكن أن تدير ظهرها للغرب. وفي الحقيقة لقد أصبحت تركيا "قِبْلة سياسية" بالنسبة للعالم الإسلامي - وفي الوقت نفسه شريكًا لا يمكن للغرب الاستغناء عنه. وتركيا الراسخة سياسيًا واقتصاديًا وتقنيًا وثقافيًا في الغرب أصبحت تحتل بعد نهاية الحرب الباردة مساحة أوسع لاستخدام نفوذها السياسي الخارجي. وكذلك لم يتمتَّع أي رئيس وزراء تركي من قبل بمثل هذه الظروف السياسية الخارجية المواتية مثلما هي الحال مع رجب طيب إردوغان.

الهدف الأخير عضوية الاتِّحاد الأوروبي

وبالنسبة لمصالح الاتِّحاد الأوروبي الجيواستراتيجية تبقى تركيا ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها، حتى وإن كانت على وجه التحديد فرنسا وألمانيا عاجزتين عن رؤية ذلك. والسياسة التي يتم اتِّباعها تجاه تركيا في هذين البلدين لا تعتبر بنَّاءة ولا تتطلَّع إلى نتائج. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ تركيا لن تنسحب من مفاوضات انضمامها إلى الاتِّحاد الأوروبي.

ويجب على أنقرة أن تستمر في مواصلة عملية الإصلاحات، من أجل تطبيق المعايير الأوروبية. وفي المقابل يجب على الاتِّحاد الأوروبي احترام التزاماته تجاه تركيا. ويجب كذلك تحسين العلاقات القائمة بين الاتِّحاد الأوروبي وأنقرة من الناحية النوعية والكمية. وعضوية الاتِّحاد الأوروبي ما تزال الهدف الأخير الذي تسعى إلى تحقيقه السياسة التركية. ومنذ فترة طويلة لم يعد هناك من وجهة النظر التركية أي شكّ في حصول تركيا على عضوية الاتِّحاد الأوروبي؛ إذ يبدو أنَّ انضمام تركيا إلى الاتِّحاد الأوروبي يعتبر في آخر المطاف أمرًا بديهيًا.

الصورة : أ.ب
استطاعت تركيا من خلال انفتاحها على سوريا وإيران والعراق أن تبرز كمنافس إقليمي جديد في منطقتي الشرق الأدنى والشرق الأوسط.

​​ والإصلاحات التي تم إجراؤها حتى الآن غيَّرت تركيا في الأعوام العشرين الماضية، ولذلك ما يزال الاتِّحاد الأوروبي ضروريًا جدًا كونه عاملاً من عوامل تحديث البلاد. وفي الوقت نفسه فإنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية تبقى أيضًا في المستقبل أهم شريك لتركيا في السياسة الخارجية والأمنية. ولا يمكن أنَّ تحقِّق السياسة الجديدة التي تتَّبعها أنقرة تجاه الأكراد وكذلك الانفتاح على أرمينيا أي نجاح إلاَّ إذا ظلت واشنطن تقوم بدور السلطة الحاكمة. وكذلك هناك دول أخرى لديها اهتمام بتركيا. وبالنسبة لروسيا تعتبر أنقرة شريكًا مهمًا في قطاع الطاقة وكذلك فيما يتعلَّق بالسياسة الإقليمية في منطقة البحر الأسود والقوقاز. وروسيا تعدّ أهم شريك تجاري بالنسبة لتركيا التي تعتبر أيضًا ثاني أكبر مستهلك للغاز الطبيعي الروسي بعد ألمانيا.

وموسكو تدعم كذلك انفتاح تركيا على أرمينيا. وعندما قام وزيرا الخارجية الأرمني والتركي في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر بتوقيع بروتوكولات التقارب، كان وزير الخارجية الروسي لافروف حاضرًا معهما. وعلاوة على ذلك لم يكن الرأي العام في تركيا إيجابيًا إلى هذا الحد إزاء روسيا مثلما هي الحال في يومنا هذا. ولكن مع ذلك فإنَّ موسكو لا تمثِّل بديلاً سياسيًا، بل تعتبر قبل كلِّ شيء شريكًا اقتصاديًا.

وانفتاح تركيا على سوريا وإيران والعراق، وعلى كلِّ العالم الإسلامي، يحوِّل تركيا إلى مركز سياسي في منطقة الشرق الأوسط. ورئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان يعدّ الشخصية السياسية الأكثر شعبية لدى جماهير الشعب العربي، ولكن ليس بالضرورة لدى الأنظمة العربية. وعلاوة على ذلك أصبح رجب طيب اردوغان أبرز منتقدي إسرائيل. وما الأزمة التركية الإسرائيلية سوى أزمة مختلقة عن قصد من قبل إردوغان الذي يستمتع بها.

وأنقرة لن تقوم أيضًا بإنهاء علاقاتها الوثيقة مع إيران، لمجرَّد أنَّ طهران تُقابل في الغرب بالرفض؛ إذ إنَّ إردوغان شخص براغماتي، وإيران تعدّ شريكًا تجاريًا جيدًا. وفي الوقت نفسه تسعى تركيا إلى القيام بدور الوسيط النزيه بين الولايات المتَّحدة الأمريكية وإيران التي تستخدم تركيا من أجل كسر عزلتها السياسية. وتركيا تعتبر بالنسبة لإيران منصة للوثب - وهذا يواجه في تركيا نفسها انتقادات شديدة.

قوة إقليمية في الشرق الأوسط

الصورة أ.ب
"صفقة جديدة" في السياسة التركية تجاه الأكراد - قام أحمد داوود أوغلو في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2009 بأوَّل زيارة لوزير خارجية تركي إلى إقليم كردستان في شمال العراق، حيث اجتمع بالزعيم الكردي مسعود بارزاني.

​​ ويشكِّل العراق والأكراد في شمال العراق مشكلة مشتركة بالنسبة لتركيا والولايات المتَّحدة الأمريكية باعتبارها الدولة الحامية لبغداد. والأكراد العراقيين يستفيدون من السياسة التركية الجديدة الداعية إلى تجنّب جميع المشاكل مع دول الجوار بقدر الإمكان. وقد كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي، داوود أوغلو للأكراد في شمال العراق دليلاً على هذه السياسة الجديدة. وعلى المدى الطويل تعتبر تركيا بالنسبة للعراق أفضل شريك في المنطقة. والاتِّفاقيات التي أبرمتها تركيا مؤخرًا مع سوريا والعراق وإيران لها أبعاد اقتصادية، كما أنَّها تثبت قدرة "القوة التركية الناعمة".

وإعادة رسم السياسة التركية تجاه الأكراد لها بالنسبة لتركيا عواقب سياسية داخلية وكذلك خارجية. وربما هذا يعني نهاية حزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي؛ فعلى أي حال سوف يحصل الأكراد على ثقة جديدة بالنفس. وعلى الرغم من ذلك يظل قيام دولة كردية مستقلة أمرًا مستبعدًا. ولكن جيران تركيا يقرّون بأنَّ الوقت قد حان من أجل التعاون بدلاً من المواجهة. وهكذا يمكن للمرء وبكلِّ تأكيد أن ينظر إلى تركيا باعتبارها رسول سلام في المنطقة.

وفي ذلك تستغل براغماتية أنقرة السياسية كلاً من الإسلام والخلفية الثقافية المشتركة التي تعود إلى الدولة العثمانية. وإلى هذا الاتِّجاه يشير أيضًا النقاش الدائر حول "العثمانية الجديدة". وفي الماضي كان مثقَّفو الدولة العثمانية وسياسيوها يؤمنون برسالة تحديث العالم الإسلامي والشرق الأوسط؛ واليوم يعدّ هذا إرثًا سياسيًا بالنسبة للحكومة الحالية في أنقرة. ومع ذلك فالغرب لا يخسر تركيا، بل على العكس من ذلك. فتركيا تدعو في الشرق الأوسط إلى قيم مشتركة. وتركيا تنظر إلى نفسها كممثِّل للديمقراطية في المنطقة، وتبقى راسخة في الغرب حتى في عهد رجب طيب إردوغان.

حسين باجي
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: نويه تسوريشر تسايتونغ/قنطرة 2010

قنطرة

مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي:
بين دواليب البيروقراطية وعصا المسألة القبرصية
بعد عامين من توقف محادثات الانضمام بين تركيا والاتحاد الأوروبي يؤمل أن يتم خلال العام الجاري إعطاء دفعة جديدة لهذه المفاوضات التي تصطدم بمعوقات كبيرة مثل المسألة القبرصية. دانيلا شرودر في تحليل لهذه المفاوضات.

جدل حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي:
نادي الرجال البيض؟
سوف يفقد الاتِّحاد الأوروبي على مستوى عالمي من مصداقيته إذا لم ينجح في دمج تركيا في الاتِّحاد ومنحها عضويته، حسب رأي شيلا بن حبيب، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ييل الأمريكية.

الجدل حول "القيم الأوروبية":
أيديولوجيا لتحصين أوروبا وعزلها ؟
هل تعتبر القيم التي بنيت عليها حقوق الإنسان خاصية من خواص الحضارة الأوروبية التي تعزل القارة الأوروبية عن مناطق العالم الأخرى؟ تراوغوت شوفتهالر يلقي نظرة ناقدة على آراء مراكز الأبحاث والمؤسسات الأوروبية.