عشر سنوات على "ثورات الربيع العربي" ...انتفاضات في مواجهة انتفاضات

ضرورة فهم السياق العربي الخاص: موريس عايق يكتب عن صعوبة رسم صورة واضحة للانتفاضات العربية ويحاول البحث في الأسباب التي تحول بيننا وبين رسم تلك الصورة العامة.

Von موريس عايق

مضى أكثر من عقد ونحن نحاول قراءة الانتفاضات العربية والبحث عن سياق يفسّر الأحداث وينظمها، خصوصاً فيما يتعلق بأهداف المنتفضين، وما كانوا يسعون إلى تحقيقه. 

طُرحت العديد من المقاربات صدرت عن أطراف متنازعة لاستكشاف ما قصّر فيه المنتفضون أو ما غاب عنهم، لكنّها كانت مقارباتٍ جزئية ومتناقضة، لا يمكنها أن ترسم بمجموعها صورة عامة تساعدنا على فهم ما جرى.

لا يسعى هذا النص إلى تقديم صورةٍ عامةٍ أو تفسيرٍ جامعٍ لأسباب إخفاق الانتفاضات العربية، بل على العكس من ذلك، إنها مجموعة من الملاحظات حول صعوبة الإتيان بهكذا تفسير، ومحاولة للبحث في الأسباب التي تحول بيننا وبين رسم تلك الصورة العامة.

صور كثيرة.. أسماء كثيرة 

اعتمدت السرديات التي تم طرحها تسميات مختلفة للانتفاضات العربية، أكثرها مركزية كانت تسمية الربيع العربي التي استندت إلى فكرة الديمقراطية والنضال من أجل الحريات. 

كانت سردية الربيع العربي تحيل إلى تجارب سابقة متنوعة بدءاً من ربيع شعوب أوروبا 1848 إلى ربيع الديمقراطية المرافق لانهيار دول الاشتراكية الواقعية، أو إلى الانتفاضات التي أنهت الديكتاتوريات العسكرية في دول أمريكا اللاتينية. 

وفي نسخة أكثر جذرية للتسمية نفسها، كان الحديث عن ثورات عربية يُحيل هو الآخر إلى مخيلة ثورية عريقة تعود إلى الثورة الفرنسية، وأحياناً، إلى مخيال ثوري يجد مصادره في الثورة الإسلامية الايرانية.

في مقابل تلك السرديات الإيجابية حضرت أخرى مناوئة للانتفاضات، كانت تعتبر التحركات الشعبية مؤامرات دولية أو ثورات إسلامية (هذه المرة كوصفٍ سلبي) أو حروباً بالوكالة

وبمعزل عن تفاوت جودة السرديات المقترحة، والخلفيات السياسية التي صدرت عنها، فإن غالبيتها رصدت جانباً مهماً مما حصل، لكنها كانت تصمت عن الباقي، الذي لا يمكن شرحه ضمن إطارها، وبذلك ظلت عاجزة عن تقديم صورة عامة.

فالانتفاضات العربية (باستخدام أكثر كلمة محايدة ممكنة) كانت انتفاضات من أجل الحرية في مواجهة أنظمة سلطوية واستبدادية، وهذا صحيح، لكنها كانت انتفاضات شكل الاسلاميون مادتها الأوسع والأصلب. فقد كان الإسلاميون الأكثر حضوراً ورسوخاً اجتماعياً في مواجهة الأنظمة خلال العقود الأخيرة، مع الأخذ بالاعتبار علاقتهم الإشكالية مع الحرية والديمقراطية، تلك العلاقة التي تبدأ بالالتباس وتنتهي بالعداء الصريح. 

لا يمكننا أيضاً أن نتجاهل الحروب الأهلية التي مثّلت جانباً من سيرورة الثورات، وهنا لا نتحدث عن الحروب الدائرة مع النظام وحسب، بل عن حروب الأهل، الطوائف والعشائر والمناطق. 

ومثلما حضرت الروح الوطنية إلى جوار الهوية العربية والإسلامية، فقد حضرت أشكال التبعية وحروب الوكالة مع تطور الحروب الأهلية، وكانت التبعية تسوّغ نفسها بالإحالة إلى هوياتٍ عابرةٍ للوطنية أو حتى مناهضةٍ لها.

من هم المنتفضون؟

لو حاولنا تقديم صورة متسقة ومحددة للمنتفضين فلن يكون هذا سهلاً، فالانتفاضات العربية فتحت المجال العام المغلق منذ زمن طويل على مصراعيه، وفي سيرورتها تقدّم فاعلون اجتماعيون مختلفون لشغل المجال العام. 

 

 

كان المتتفضون أبناء طبقات وسطى أو وسطى مهددة بالتراجع، بعضهم يحمل قيماً حديثة ومعولمة وآخرون منهم يحملون قيماً محافظة وتقليدية. كانوا أيضاَ أبناء هوامش وأحياء فقيرة، أبناء ريف انتفض على إهمال طويل الأمد وتزايدت حدته خلال العقود الاخيرة، كان منهم أبناء عشائر، كل هؤلاء، وجدوا لهم مكاناً في الانتفاضات وعلى مراحل مختلفة من تطورها.

وانطلاقاً من معضلات السرديات التفسيرية تتجلى صعوبة الإجابة عن سؤال الفشل، فهل فشل الربيع لغياب الفاعل السياسي (الحزب الثوري) الذي يجمع ويوحّد المنتفضين؟ آصف بيات عالم السياسة الإيراني-الأمريكي في كتابه ثورة بلا ثوار"،  يقول ربما شيئاً من هذا القبيل.

لكن هل كان ممكناً لحزب ثوريّ أن يوجد مع كل هؤلاء الذين انتفضوا وحضروا إلى الميادين؟ أو هل كان من الممكن إيجاد تنظيم أقلّ من حزب لكنه أكثر من حالة التشرذم العام؟ مرة أخرى، هل هناك حقاً ما يجمع كل هؤلاء الذين انتفضوا؟

محاولة تفسير الهزيمة من خلال تقدّم الثورة المضادة تبقى محدودة في قيمتها التفسيرية، فالثورة المضادة لا تنفع في تناول ما حصل في ليبيا أو اليمن مثلاً.. والإحالة إلى الثورة المضادة أمست في غالب الوقت جزءاً من النزاع على “الشرعية الثورية” بين الثائرين أنفسهم.

ولا يبدو من السهل أيضاً تحميل الإسلاميين وحدهم مسؤولية الهزيمة (مثلما يقول خصومهم)، فصحيح أن النزاع حول موقع الاسلام كان مسألةً حاسمةً في كل مكان تقريباً هُزمت فيه الانتفاضة، وأنه لا يمكن تقديم أي تفسير للهزيمة دون الاحالة إليه، لكن الدور الكبير الذي لعبه هذا النزاع في الهزيمة يشير إلى وجود نزاعات أخرى تقسم المجتمعات العربية، لا تقل عمقاً عن النزاع مع النظام العربي الذي حصلت الانتفاضات بسببه.

 

 

بحثاً عن تفسير

بالإضافة إلى النزاع حول موقع الإسلام، ظهرت انقسامات أخرى مثل الانقسام الطائفي في المشرق، وهو انقسام متداخل ومتراكب مع الانقسام حول الإسلام. 

ففي سوريا، لم تكن الانقسامات بين الإسلاميين محض انقسامات عقدية وايديولوجية، بل سارت أيضاً وفق خطوط الانتماءات والنزاعات القبلية (مثلاً بين مناصري الدولة الإسلامية ومناصري جبهة النصرة). وقد رأينا انقسامات أخرى قبلية أو جهوية في اليمن وليبيا، وهي بدورها في أحيان عديدة كانت تتداخل مع انقسامات إيديولوجية. 

هذا قد يعني مرة أخرى أننا أمام نزاعات أشد عمقاً مما يفترض أنه نزاع أساسي للانتفاضة، مما يجعل السردية المتمحورة حول انتفاضة شعب ضد الأقلية الحاكمة المستبدة والفاسدة لانتزاع حريته وديمقراطيته سرديةً ضعيفة في مقاربتها لما حصل.

لكن استبدال هذه السردية بتمركز آخر حول ثورة إسلامية أو طائفية يعاني بدوره من معضلات تفسيرية. فالمنتفضون لم يكونوا إسلاميين حصراً، ولم تلعب حركات الإسلام السياسي في البداية دوراً مركزياً او حاسماً في الانتفاضات، والمسالة الطائفية لم تكن محصورة على المنتفضين، بل تولت الأنظمة نفسها رعاياتها وتغذيتها في مواجهة المنتفضين.

ربما لا تكمن المشكلة إذن في ضعف النظريات وأدواتها التفسيرية وبأن علينا البحث عن سردية أشمل وأفضل، إنما تكمن الصعوبة في مدى تعقيد الظاهرة نفسها. فهناك سمتان موضوعيتان تجعلان تقديم نظرية شاملة لتفسير ما حصل مسألة صعبة، الأولى هجانة الواقع العربي، والثانية تعدد الانقسامات الأساسية في المجتمعات العربية.

 

طبقات الزمن حين تتداخل

يمكن تهجين نوعين من النبات أو الحيوانات لإنتاج نوع آخر يحمل سمات مشتركة من النوعين الأصليين. وبالطبع قد يكون التهجين مثمراَ أو عقيماً، أو بلغة تحيل إلى الأنظمة الفكرية، قد يكون التهجين توليدياً مبدعاً أو توفيقياً متناقضاً. 

الهجانة المعنية هنا، هي التداخل بين تقاليد مختلفة وطبقات زمنية مختلفة مع كل ما تحمله من مخيلات ومنازعات ولغات خاصة بها، في ذات اللحظة التاريخية، مما يجعل من الصورة الناشئة توفيقاً بين صورٍ عديدة تعود إلى مستويات زمنية وتقاليد مختلفة.

يمكن تقديم شكلين يتجلى بهما هذا التداخل أو الهجانة، الشكل الأول يتعلق بتداخل الحقب المختلفة والإشكاليات التي كانت تُطرح في كل حقبة، فتكون جميعها حاضرة في آن واحد، ويظهر الواقع وكأنه تعايش لعوالم مختلفة وجدت نفسها محشورة إلى جانب بعضها البعض. 

لنفكر بأنموذج كلاسيكي نبدأ فيه مع ثقافة أمية شفاهية لا تعرف القراءة والكتاب إلا في أضيق الحدود يرافقها تصورات سحرية عن العالم، ثم تليها ثقافة كتابية مع انتشار الطباعة وتعميم الكتاب وانحسار نسب الأمية، ثم يظهر التلفزيون والراديو، وأخيراً يظهر الانترنت. وكل تحول في وسائل التواصل الجماهيري سوف يستدعي ثقافة مختلفة ونمط مغاير للإدراك. 

 

[embed:render:embedded:node:42972]

 

لننتقل الآن للمستوى العربي حيث تسود حالة هجانة، وسنرى تداخلاً بين كل هذه الوضعيات دفعة واحدة، فهناك نسب أمية عالية مع وجود للجامعات والجرائد والتلفزيون واستخدام كثيف لشبكة الانترنت والهواتف الذكية. 

لا يقتصر التداخل هنا على حضور كل وضعية في المجال العام على حدى، بل تتداخل هذه الوضعيات فيما بينها، مثل استخدام الأميين وشبه الأميين للانترنت، وما يتيحه من إمكانيات تعتمد وسائل شبيهة بالتي اعتمدتها الثقافة الشفهية. 

في مثالنا هذا تُطرح قضايا محو الأمية إلى جوار قضايا المجتمعات الرقمية، وفي حالات عديدة يكون المستهدفون بمحو الأمية هم أنفسهم جمهوراً لوسائط رقمية (اعتمدت الأنظمة العربية سابقاً على راديو الترانزستور لتحشيد وتعبئة جمهور الأميين الذين لا يمكنهم قراءة الجريدة والمجلة).

هكذا نجد أنفسنا أمام مجال تظهر فيه تقاليد وأسئلة وإشكاليات انتمت لمراحل مختلفة، ولكنها أيضا لا تُقدم كتقاليد متجاوزة إنما متداخلة، فنعثر في آن واحد على نزاعات هوية تحيل إلى القبيلة وأخرى إلى بناء الأمة وثالثة إلى الجماعة الدينية ورابعة إلى مجتمع الميم. 

ربما تقدم القضايا النسوية في السنوات الأخيرة مثالاًَ أبرز لهذه التداخل لأنها تُطرح بين حدود قصوى، من حق التعليم الأدنى وحق الخروج من المنزل وارتداء المرأة لما تشاء (أي تحررها الأولي من كونها إنسان أقل قيمة) إلى حريتها في اختيار هويتها الجنسانية مثلاً.

ففي وقت واحد تُطرح قضايا تنتمي إلى ماقبل العصور الحديثة إلى جانب قضايا تواجه النخب الآن في نيويورك أو أمستردام.

ترجمة.. بمعجم جديد

لئن كان الشكل الاول للهجانة يحيل إلى تداخل الحقب الزمنية المختلفة، فإن الشكل الثاني يحيل إلى هجانة التقاليد نفسها التي يعتمدها الناس عند تقديم تصورات كبرى عن عوالمهم. 

فالتقاليد التي تقدم نفسها اليوم بوصفها تقاليد أصيلة أو جذرية هي في الحقيقة نتاج تهجين ناشئ عن تجاورها وتداخل اللغات الخاصة بكل منها، ومن جهة أخرى هي نتاج الأسئلة الجديدة والمغايرة التي يطرحها الواقع على هذه التقاليد، فيفرض عليها الاستعانة بمعجم مختلف كي تعيد ترجمة نفسها.

إذا ما أخذنا الإسلام السياسي مثالاً، خصوصاً أنه التقليد الذي يرفع لواء الأصالة والهوية في وجه مناوئيه، فسنجد أنه قد تشكل في سياق حديث، هو سياق بناء الدولة الحديثة بدءاً من فترة التنظيمات العثمانية، وما طرحته هذه الدولة من إشكاليات جديدة على العالم التقليدي للمجتمعات الإسلامية، وعلى النظام التقليدي للشرعية والسلطة الذي اعتمدته هذه المجتمعات (نظريات السياسة الشرعية ومفاهيمها ودور الفقهاء ).

هجانة ظاهرة الإسلام السياسي هنا تحيل إلى إعادة تخيل (أو اختراع) التقليد على أرضية مغايرة ومختلفة تماماً عن تلك التي نشأ وتبلور هذا التقليد على أساسها. 

إعادة التخيل هذه تحصل في سياق تنازع مع تقاليد أخرى حول الشرعية والمكانة والهيمنة، وهذا تحديداً ما يسهل استعارة مصطلحات وإشكاليات التقاليد المنافسة لتضيفها إلى معجمها الخاص. 

 

 

لغة لا تقول شيئاً 

أمام هذه الأسئلة المستجدة وما يرافقها من مفاهيم حديثة وجديدة، قام الإسلام السياسي بإعادة تأويل اللغة التقليدية للشرعية الإسلامية بما يسمح لها بالتعاطي والتفاعل مع المفاهيم والأسئلة الطارئة. 

فما حصل كان إعادة تأويل جذرية، دخلت عليها مفاهيم وتصورات حديثة لم تعرفها اللغة التقليدية مسبقاً، مثل مفهوم “الدولة الوطنية” و”الديمقراطية” و”الحرية”.

تعددت الاستراتيجيات المرافقة لهذه الاستعارة، من أسلمة هذه المصطلحات من ناحية أو إعادة إنتاجها من داخل التقاليد الإسلامية نفسها وكأنها جزء منها (مثل مماهاة الديمقراطية بالشورى).

وفي حالات أخرى، كانت هناك إعادة تشكيل للتقليد ذاته، من خلال صياغة إشكاليات لم يعرفها سابقاً العالم الذي نشأ فيه التقليد الإسلامي (مثل التصورات عن الدولة والأمة والمواطنة)، أي الإشكاليات النظرية والترتيبات السياسية والتشريعية الواقعية الحديثة. 

ومع كل إعادة تأويل، كانت تظهر لغة هجينة، تنحلّ معها الشريعة في القانون، والحكم في الدولة.                     

يؤسس هذا الشكل من الهجانة لالتباس داخل اللغة الخاصة بكل تقليد، والتي لا تعود قادرة على قول شئ واضح تماماً، فالكلمات تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. 

فالديمقراطية لا تحيل إلى معنى مفهوم ومحدد، من ناحية يتعين معناها جزئياً من قبل التقليد الذي يصدر عنه المتحدث (مثلا مساعي الاسلاميين لربط الديمقراطية بالشورى وبالتالي فإن فكرة الديمقراطية صارت تتعين من خلال فكرة الشورى)، ومن ناحية أخرى من قبل التقليد الأصلي الذي صدرت عنه الفكرة نفسها. 

هكذا تصبح الديمقراطية مفهوماً ملتبساً، بين الشورى في التقليد الإسلامي والديمقراطية في التقاليد الغربية. 

يفتح هذا الالتباس باباً لمعضلات عديدة أولها ضعف إمكانية بناء الثقة، فمثلاً يفترض العديد أن ديمقراطية الإسلاميين ليست إلا قناع لأن ما يعنونه بالديمقراطية لا علاقة له بالديمقراطية ويحيل إلى ما يناقضها. بالمقابل ينظر الإسلاميون إلى خصومهم باعتبارهم يخونون مبادئهم. 

التيارات الأكثر راديكالية تكفر الأقل راديكالية من الذين قبلوا الديمقراطية كونهم قدّموا حكم الناس على حكم الله (تظهر التيارات السلفية أكثر اتساقاً من غيرها كونها تسعى للحفاظ على لغتها سليمة على الأقل لجهة الشكل).

زمنان.. خطي ودائري

بالطبع لا يمكن تناول مسألة الهجانة معزولة عن فكرة الزمن، فتجربة الزمن ومعايشته (الزمن النفسي أو الثقافي، أي الزمن كما يعيشه الفرد أو الجماعة) تختلف من ثقافة (حضارة) إلى أخرى. 

في الزمن الخطي والتطوري تنتظم الأحداث بشكل متتالي وتطوري، من الأقل تقدماً إلى الأكثر تقدماً، وبالتالي انتقالنا في الزمن هو حركة باتجاه واحد، للأمام، حيث القادم دوماً أكثر تقدماً مما مضى. في مقابل تصور دائري للزمن، حيث لا يوجد ما هو جديد حقاً، فالأحداث مهما تنوعت تعيد في النهاية أنماطاً أساسية وثابتة. 

فمثلاً، استبطنت نظريات التحديث والتنمية التي سادت علوم الاجتماع زمناً طويلاً تصوراً خطياً وتطورياً عن الزمن، فعرضت الانتقال من الأمية إلى الكتابية إلى الراديو فالتلفزيون وأخيراً الانترنت باعتباره انتقال تطوري يحصل مع استنفاذ كل مرحلة لامكاناتها يتم معه الانتقال إلى مرحلة أكثر تطوراً (لا يعني الإحلال هنا إلغائها، فوسائط الاتصال الأقدم لم تلغ دوماً مع قدوم الجديدة، لكن تم إعادة تعريف دورها في شبكة أوسع). 

وبهذا يتم تجاوز المعضلات التي تميز كل مرحلة عند الانتقال إلى مرحلة أعلى، فالأمية انتهت مع الكتابة والطباعة ولم تعد لاحقاً أمراً مطروحاً للنقاش. 

بينما تعارض تصورات الزمن المضادة للتطور فكرة استبدال ثقافة بأخرى أكثر تقدماً، إذ تقدم كل ثقافة تمثّلاًَ للعالم خاصاً بها لا يمكن مقارنته مع ما تقدمه أي ثقافة أخرى، فالثقافات مختلفة ومتكافئة.

حضر الزمن التطوري في نظريات التحديث والتنمية (وبشكل سابق في فلسفة التنوير كجذر تأسيس)، في المقابل فإن فإن التقاليد الرومانسية والمعارضة لتراث التنوير اعتمدت على تصور ضد-خطي للزمن.

 

 

البحث عن زمن مغاير

لتوضيح الهجانة ربطاً بالزمن الخطي، لنأخذ مثلاً آخر، هو التاريخ الاوروبي الذي قدم لنا اللغة السياسية كما العالم السياسي الذي نحيا فيه.

يمكن وضع خطاطة تاريخية للعالم الحديث، تبدأ من الإصلاح ومعه الحروب الدينية (مرافقة لسؤال الشرعية القائم على الدين، ومدينة الله التي يجب تحقيقها). وفي مواجهة الحروب الدينية، ظهرت الملكية المطلقة التي تضع الشرعية السياسية مباشرة في يد الملك الذي أخذها عن الله، بوصفها حلاً لمعضلة التنازع حول تأويل مقصد الله (الملك وحده يملك هذا الحق)، وبهذا يتم مبدئياً جعل الديني شأناً شخصياً. 

لاحقاً مع ظهور البرجوازي واحتكامه للعقل فإن الشرعية باتت تُعّرف باعتبارها تعاقداً بين البشر (علمنة مصادر الشرعية) وليست من مصدر خارجي (الله). وبهذا تصير الشرعية متعلقة بشكل التعاقد بين المواطنين. 

ولكن من هم المواطنون؟ الإجابة عن هذا السؤال رافقت النضال من أجل توسيع حق الاقتراع ليلحقه السؤال حول إمكانية الفصل بين الحق السياسي والحق الاجتماعي، المسألة التي فصلت بين الليبراليين والاشتراكيين

إن المشاكل هنا نراها مرتبة تاريخياً، كل فترة تقدم أسئلتها ومعضلات ومعها تصورات محددة للشرعية والسيادة والنظام السياسي، وبحلها ننتقل إلى شكل آخر بمشاكل أخرى.. وهلم جرّا.

إذا حاولنا التفكير بخطاطة عربية مقابلة فسنرى جميع هذه الأسئلة مطروحة علينا دفعة واحدة في سياق واحد وليس في إطار ترتيب تاريخي ننتقل فيه من أسئلة إلى أخرى (نتجاوز ما يجب تجاوزه). 

فهناك نزاع حول مدن الله (المدن التي تخضع لنظام الله وشريعته) يعبر عنه النزاع بين التيارات الإسلامية المتباينة، ونزاع حول طبيعة السيادة، أهي من الله أم علمانية، وأسئلة حول الشعب والمواطنين، فهل هم موجودون أصلاً، وفي حال وجودهم من هم وأين هي الحدود التي تحدهم؟ وهل تتعين الجماعة بالدين أم بالأرض أم باللغة؟

بل إن بعض الطبقات تبدو مرتبة بشكل مقلوب، حيث تتبنى السلطات المستبدة في العالم العربي خطاباً تحديثياً علمانياً (هو انعكاس لآخر مرحلة من تطور الفكر الغربي)، وإن تكن الأنظمة نفسها تعتمد شكلاً من الحكم المطلق (دون فكرة الشرعية الإلهية وهذا يجعله استبداداً حيث تلعب الشرعية دوراً هامشياً).

في المقابل يحيل المنتفضون إلى لغة تستخدم من ناحية فكرة الحريات وحقوق الإنسان، ولكنها من جهة أخرى لغة تعود إلى “مدن الله”، أي الحقبة المبكرة من التاريخ الاوروبي، حقبة الإصلاح الديني والحروب الدينية. 

هنا نرى منازعات مثيرة للاهتمام، الأنظمة تتحدث لغة تقدمية وتحديثية متماهية مع لغة الثورات الكلاسيكية أكثر من لغة الثوار أنفسهم. لكنها بالطبع لغة تدافع عن استبداد النظام وتشرعنه، وثائرون يستخدمون لغة لا تعرف الديمقراطية أو الحرية، وحتى إن استخدمت الحرية، فإن المعنى المقصود بها ملتبس أو مشكوك فيه.

ليست المسألة بالتدرج أو إعادة طرح المسائل بترتيب تاريخي، وهي مسائل صارت بدورها متجاوزة. فاليوم لم يعد ممكناً مناقشة تحرير المرأة خارج قضايا الجندر، لا لشيء إلا لأننا نعيش في نفس زمن نيويورك أو أمستردام أو بكين. 

ولن تٌطرح مسألة التدرج في حق التصويت (كما كان الحال في أوروبا حيث يرتبط الحق بالتصويت بالنصاب الضريبي) حتى يتم بناء اجماع وتكوين أمة. 

لهذا فإننا بحاجة لإعادة تفكير في زمانية مغايرة، تتجاوز الزمن الخطي أو الدائري.. إلى تصور مبتكر للزمن يسمح بفهم أفضل للمسائل المطروحة علينا دفعة واحدة.فضاء من الثقة الهشّة

تجعل هذه الهجانة من تقديم صورة للواقع مسألة معقدة إلى حد بعيد، إذ تتجاور مشكلات تنتمي لتقاليد وأزمنة مختلفة بحسب غالبية النظريات. 

ويظهر الفاعلون في هويات عديدة، لا يميزها تنوعها وحسب، إنما إحالتها إلى تقاليد وعصور وتجارب مختلفة تماماً، من القبيلة إلى الطبقة إلى الأمة إلى الدين إلى الجندر إلى الفرد. 

بالإضافة إلى هذا التعقيد الذي تضفيه الهجانة على النظرية وعلى صف الواقع، فإنها تسبب التباساً لدى الفاعلين تجاه أنفسهم وتجاه الاخرين.. فما الذي علينا أن نفهمه من ديمقراطية الإسلاميين أو ديمقراطية العلمانيين مثلاً؟ 

هذا الالتباس، بترافقه مع تاريخ حافل بالمواجهة، يجعلنا نعيش في فضاء من الثقة الهشة، ثقة لا غنى عنها للوصول إلى حد أدنى من التوافقات والتسويات. 

ربما تقدم سوريا واحدة من أكثر الحالات تطرفاً حول هذا الالتباس الحاضر في اللغة، ففيها يغدو من اليسير إضفاء معاني خفية على أي كلام، ومن اليسير اتهام أي أحد بأنه طائفي إذا أحال إلى الطوائف أو إذا نقد أي دين (حتى لو قدّم كلامه بوصفه نقداً للدين). 

فعلى سبيل المثال، تم نقد آراء أدونيس تجاه الإسلام السني خصوصاً واحتفائه بشكل ما بالتقاليد المضادة، الشيعية أو الخارجية، بوصفها موقفاً طائفياً. 

الطريف بالأمر أن هذه الآراء، وربما بشكل أكثر تطرفاً من أدونيس، مثلت خلال الستينات والسبعينات موقفاً عاماً لليسار العربي في تناوله للتراث من سوريا والعراق إلى مصر (كان من بينهم مثلاً المؤرخ المصري محمود اسماعيل).

 

 

انتفاضات طواها النسيان

من بين انتفاضات الربيع العربي، كان هناك موجات منسية قوبلت بالتجاهل من المنتفضين أنفسهم في البلاد الأخرى، مثل الانتفاضة الشعبية في البحرين والاحتجاجات المتواضعة في الإحساء والقطيف. 

المسألة التي واجهت هذه الانتفاضات، وكانت سبباً في التجاهل وحتى العداء الذي واجهته، هي المسألة الطائفية. ففي البحرين ذات الغالبية الشيعية كانت غالبية المنتفضين من الشيعة، والأمر نفسه في الإحساء والقطيف حيث الغالبية شيعة (لكنهم أقلية في السعودية). 

في الحالتين كان التمييز والاقصاء من البداية يستند إلى الطبيعة الطائفية للنظامين البحريني والسعودية. 

ففي البحرين حكمٌ سنيّ لا يستعين بالشيعة في معظم مؤسساته وخاصة العسكرية والأمنية التي تولاها حتى زمن قريب ضباط بريطانيين (بقايا العقد الاستعماري) ولاحقاً مجنسون باكستانيين وبشتون. أما النظام السعودي فيستند في مرجعيته إلى الوهابية، مما جعله معادياً للشيعة منذ بداية نشوئه. 

لكن هناك الانقسام الطائفي الذي يقسم المشرق من عقود، تحديداً مع قيام الثورة الايرانية والانقسام السني-الشيعي الذي تبلور وتشدد خلال العقدين الأخيرين.

تشابه الانتفاضة البحرينية الانتفاضة السورية في مسارها الأولي بشكل ملفت، فقد جمعت طيفاً واسعاً من البحرينيين من كافة التيارات والفئات والطوائف. كان هناك تيار اسلامي شيعي معارض إلى جوار تيارات يسارية وقومية عبَر من خلالها السنّة إلى المعارضة

 

 

كانت التجمعات الأولى عابرة للطوائف وأحالت إلى الوطنية البحرينية. لكن لاحقاً تبلورت الهوية الشيعية في الانتفاضة وبرزت بشكل أكبر. 

ويعود ذلك إلى الطائفية في تركيبة النظام (بوصفه حكم سني في مواجهة الشيعة وبالتالي في مواجهة خطر شيعي يتهدد السنة البحرينيين، يضاف إليه المخيال الخاص بالصفويين) أو لهيمنة التيار الإسلامي الشيعي على المعارضة البحرينية وحضوره الأكبر مقارنة بالتيارات السياسية الأخرى القومية واليسارية التي تراجعت هيمنتها خلال عقود. 

ومع القمع وتعمق النزاع، حصل تحول في مواقف العديد من أبناء التيارات القومية واليسارية المنحدرين، خصوصاً المنحدرين من خلفية سنية، مبتعدين عن الانتفاضة لأنها أصبحت انتفاضة شيعية، وفي بعض الأحيان انقلبوا ضدها. 

ومع مغادرتهم زاد اللون الشيعي للمنتفضين بشكل أكبر، وصار من الأسهل على النظام البحريني تقديم الانتفاضة كانتفاضة طائفية شيعية تهدد السنة والعرب والخليج (للاستزادة يمكن مراجعة كتاب “الخليج الطائفي والربيع العربي الذي لم يحدث" لتوبي ماثيسن). 

يشبه هذا المسار بشدة الحالة السورية والانقسامات الطائفية التي عاشها المجتمع السوري والموقف من الانتفاضة بالنسبة للعديد من السوريين. 

فالانتفاضة السورية بدورها كانت انتفاضة غالبية سنية. لكن هل كانت انتفاضة سنية أم انتفاضة سورية؟

عداوة بين انتفاضتين 

أدى هذا التشابه في المسار العام إلى عداء حاد بين الانتفاضتين، فالانتفاضة السورية المتماهية بشكل متزايد مع هوية سنية رأت نفسها في نفس المحور السني، وبالتالي محور النظام البحريني والسعودي في قمعهما للانتفاضة البحرينية. 

في المقابل حازت الانتفاضة البحرينية الدعم التام من حزب الله وايران اللذان لعبا أدواراً حاسمة في قمع الانتفاضة السورية (والعراقية لاحقاً). 

في كل انتفاضة كان الخطاب عن الحرية والديمقراطية وضد الاستبداد والقمع، لكن عند الانتقال لتحديد موقف من الآخرين (موقف السوريين من البحرينيين وموقف البحرينيين من السوريين) لعبت المسألة الطائفية دوراً حاسماً.

بالرغم من ذلك، لا يجب أن ننسى محاولات مهمة لكنها محدودة الأثر، لتقديم موقف متسق ينطلق من قيم وخطاب الانتفاضات نفسها باعتبارها ثورة ضد الاستبداد، مثل موقف الشيخ نمر باقر النمر من الانتفاضة السورية كانتفاضة ضد نظامٍ مستبد. 

يشير الانقسام الطائفي إلى الالتباس المرافق لهذه الانتفاضات ومسألة وصفها، إلا أن الانقسامات لم تقتصر على المسألة الطائفية، بل حضرت مسائل أخرى كالانقسامات القومية (الاكراد والأمازيغ مثلاً) والانقسام حول فلسطين. 

وهذه الانقسامات كانت بدورها باباً للحروب الأهلية، سوريا والعرق وليبيا واليمن، والتهديد بها أو بشبحها كما في لبنان وحتى مصر.الثورة لم يسرقها أحد 

كانت الانتفاضات العربية لتحرير المجال العام من سطوة وسيطرة الأنظمة التي قمعت أي تعبيرات سياسية وقمعت أي محاولة للعمل الجماعي، حتى لو لم تكن سياسية.

يصدق هذا على النقابات أو على التنظيمات الدينية بل حتى على الحملات الطوعية لتنظيف الشوارع، خوفاً من أن تتحول إلى مكان تنبثق منه معارضة ممكنة تتحدى هذه الأنظمة. 

وكان عمل الأنظمة يتلخص بقمع أي تعبيرات عن الذات أو الدفاع عنها، لكن أيضاً منع التعبير عن أي من الاختلافات، بما يسمح لاحقاً بتطوير أشكال تحاورية لإدارة الخلافات وتنظيمها. 

 

 

ومع سقوط الأنظمة أو تضعضع سطوتها، اندفع الجميع للتعبير عن أنفسهم وانفجرت أشكال هائلة وتنظيمات عديدة للتعبير عن الذات، وهنا ظهرت الانقسمات الكبرى العاملة في المجتمعات العربية دفعة واحدة، سواء انقسامات اثنية أو طائفية أو حول حضور الاسلام في الحياة العامة، وغيرها.

هنا أيضاً تظهر صعوبة رسم لوحة محددة للانتفاضات العربية، فهي وإن لم تكن انتفاضات اثنية أو طائفية أو إسلامية، إلا أنها كذلك على نحو ما.

فقد صارت هذه النزاعات جزءاً أساسياً في المجال العام (وفي انهياره أيضاً) وجزءاً من الحركة التاريخية للانتفاضات العربية، كونها انتفاضات تهدف إلى تأسيس المجال العام وتحريره من سطوة الانظمة. 

لهذا ليس من الممكن الاكتفاء بجزء من تاريخ الانتفاضة والوقوف عنده، لحظة ميدان التحرير أو “الشعب السوري واحد”، فهذه اللحظات نفسها هي التي فتحت مجالاً عاماً ظهر فيه السني والكردي والعربي والعلوي، العلماني والإسلامي، بكل نزاعاتهم وخشيتهم وقلة الثقة فيما بينهم. 

هذه الخلافات وتحولها إلى مناط منازعات سياسية كانت (وستكون مستقبلاً) جزءاً من تاريخ الانتفاضة ومن تاريخ تحرير المجال السياسي. 

وطالما أن هناك انقسامات وتمييز اجتماعي وطائفي وأهلي وقومي، فإن النزاعات على هذه الأسسس ستبقى حاضرة في أي عملية تثوير بكل تبعاتها ورهاناتها. 

فأي انتفاضة بحرينية سيكون الشيعة متنها، وأي انتفاضة سورية سيكون السنة متنها، وأي سؤال تحرر سوري يستدعي سؤال تحرر الأكراد.

لم يسرق أحد الربيع أو الثورة، لكن الثورة أو الانتفاضة بعد لحظتها الأولى لم يكن في جعبتها ما يسمح لها بتحييد المجال العام من خلافات تاسيسية وثقيلة ينهار تحت وطأتها.

ولم يكن في جعبتها تسويات تأسيسية تسمح بإبعاد الخلافات الكبرى حول أشكال الحياة والقيم الكبرى عن المجال العام (أي تخصيصها، بردها إلى المجال الشخصي للأفراد) وتقديم ضمانة تأسيسية للجميع من الجميع.

أفق للتثوير العربي

إن هذه المقالة كانت محاولة لتقديم ملاحظات عن أسباب الصعوبة الكامنة في رسم صورة عامة للانتفاضات العربية وما يلازمها من صعوبة في تقديم إجابة عن السؤال السياسي المرافق، لماذا فشلت الانتفاضات وذلك بالإحالة إلى سمتين أعتقد أنهما تساعدان في فهم السياق العربي الخاص بهذه الانتفاضات.

السمة الأولى متعلقة بهجانة في الواقع وفي إدراكه، وما يرافقها على مستوى العمل من التباس وانعدام ثقة، بما يجعل من العسير جمع المنتفضين في أطر سياسية عامة من ناحية أو الوصول إلى اتفاقات تأسيسية تكون بمثابة إرساء لقواعد عامة يتم التأسيس عليها والاجماع حولها بما يسمح بالاستمرار والتقدم إلى الامام في مواجهة السلطة.

السمة الثانية هي تعدد النزاعات الاساسية في المجتمعات العربية، وهي نزاعات تم قمعها من قبل الأنظمة السلطوية (وليس حلها) وهي بدورها ستحضر بكل قوتها مع أي فتح للمجال العام وتحريره، بل إنها جزء من عملية التثوير الضرورية لفتح المجال العام عنوة. بهذا فإن مسار الانتفاضات العربية هو أيضاً مسار تثوير هذه النزاعات وإدارتها وحضورها في المجال العام. 

فيما يتعلق بالسؤال السياسي، أدى ضعف القدرة في إلى الوصول إلى اتفاقات تأسيسية حول إدراة هذه الخلافات (خصخصتها أو حماية المشاركين في المجال العام عبر ضمانات تأسيسية) إلى انهيار المجال العام تحت وطأة هذه الخلافات.

أعتقد أنه من اللازم لدى التفكير في الانتفاضات العربية، الآن ومستقبلاً، الانطلاق من هاتين السمتين وما يلزم عنهما، بطرح مسائل تستدعي تفكيرا مختلفاً، براغماتياً، يسمح بالوصول إلى تسويات واتفاقات حد أدنى بين تصورات هجينة وشديدة التباين. 

لهذا فالتفكير بالانتفاضات العربية في جزء منه هو تفكير بالهجانة وبالحرب الأهلية بوصفهما أفق توقع ملازم للتثوير العربي.

 

االكاتب: موريس عايق

حقوق النشر: khatt30.com