العراقيون في الأردن- نعمة على الاقتصاد ونقمة على المواطن؟

بعد ثماني سنوات من لجوء مواطنين عراقيين إلى الأردن هرباً من الحرب، بدأ الأردنيون يشكون من تولد مجتمع عراقي مصغر داخل مجتمعهم بتفاصيله وعاداته الخاصة به. محمد خير العناسوة من عمان والمزيد من التفاصيل.



لم يقتصر تأثير تواجد العراقيين في العاصمة الأردنية عمّان على انتشار المقاهي والمطاعم والمحال العراقية فحسب، بل أثر ذلك أيضا على الاقتصاد الأردني – إيجاباً من وجهة نظر رجال الأعمال الأردنيين، وسلباً من وجهة نظر محدودي ومتوسطي الدخل. وتقول الكاتبة والصحافية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، مديرة الدائرة الاقتصادية في جريدة الغد اليومية، جمانة غنيمات، في حوار مع دويتشه فيله، إن العراقيين اختاروا الأردن كمكان آمن ومستقر منذ العام 2003 بدافع العلاقات التاريخية التي تربط بغداد بعمّان، حيث كان العراق الشريك التجاري والاقتصادي الأول للمملكة في السنوات التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق.

العراقيون "كبش الفداء" في الأردن

الصورة دويتشه فيله
يلقي بعض الأردنيين باللائمة على العراقيين في ارتفاع الأسعار، بسبب قدرتهم الشرائية المرتفعة

​​وفقاً للأرقام غير الرسمية، يتواجد في الأردن نحو نصف مليون عراقي يقيمون بشكل دائم أو مؤقت على الأراضي الأردنية. وترى غنيمات أن هذا يشكل ضغطاً على البنية التحتية، ويستنزف جزءاً من الخدمات المقدمة، سواء التعليمية أو الصحية، ناهيك عن مساهمة العراقيين في رفع معدلات الطلب في السوق الأردنية الصغيرة، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع والخدمات. وتضيف الصحافية غنيمات أن الأردنيين وجدوا في العراقيين "كبش الفداء" للتعبير عن عدم رضاهم عن أوضاعهم العامة، بسبب تراجع أحوالهم الاقتصادية خلال العقد الماضي، التي ساءت بسبب "نكوص الحكومات الأردنية عن أداء الدور المطلوب منها في محاربة مشكلات مثل الفقر والبطالة، وتركيزها على المشاريع الكبرى التي لم تمس حياة الناس وتحسنها". وتبين غنيمات أن هذا الإحساس لدى البعض ولد شعوراً بعدم الرضا عن الوجود العراقي، خاصة وأن هذا الوجود خلق نوعاً من النهج السلبي لدى مقدمي الخدمات والسلع، والذي يتمثل بتفضيل المستهلك العراقي عن المحلي نتيجة للإمكانيات المالية المرتفعة لديهم.

"معالم العاصمة الأردنية تغيرت"

ومن جهة أخرى، وكما تقول الصحافية جمانة غنيمات، فيرى البعض الآخر من الأردنيين بأن وجود الأثرياء العراقيين جاء بنتائج ايجابية، وتحديداً لرجال الأعمال المحليين، إذ تمكن بعضهم من عقد شراكات مع عراقيين ساهمت بنمو مشاريعهم، "خاصة أصحاب العقارات الذين رؤوا في وجود العراقيين فرصة تاريخية لجني الأرباح الطائلة، لأن الأسعار التي قدموها لهم بلغت أضعاف تلك التي يمكن تقديمها الأردنيين من محدودي ومتوسطي الدخل ... المصالح، إذن، هي المعيار الأول والأخير لوجود العراقيين سلباً أو إيجاباً". وحول حجم الاستثمارات العراقية في الأردن تبيّن غنيمات أنها الأعلى بين الجنسيات الأخرى باستثناء الكويت. لكن هذا الاستثمارات تبدو متواضعة مقارنة بعدد العراقيين المقيمين في الأردن، لأن كثيراً منهم لم يقم مشروعات، بل اتخذ من الأردن مقراً وأقام مشاريعه في دول أخرى مثل مصر ولبنان.

الصورة دويتشه فيله
حتى بعض الشوارع في العاصمة عمان أعيد تسميتها تيمناً بالمدن والمناطق العراقية

​​كما أثر التواجد العراقي بشكل واضح على معالم العاصمة الأردنية، فانتشرت المطاعم والمحال التجارية المخصصة للعراقيين، فيما أعيد تسمية الكثير من شوارع عمّان بأسماء مدن عراقية، ووصل الحال إلى أن أصبحت بعض أحياء المدينة تسمى من قبل العراقيين بأسماء أحياء بغدادية، مثل الكرادة والحارثية وغيرها من الأسماء.

المطاعم والملتقيات نوع من الثقافة الفرعية

وفي هذا السياق يشير الأكاديمي والإعلامي الدكتور حسين محادين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة، لدويتشه فيله إلى أن عمان استقبلت عناصر ثقافية مادية قادمة من العراق، تجلّت في وجود محلات خدماتية خاصة بالعراقيين، فانتشرت أنواع الأطعمة العراقية في معظم قوائم الطعام وأماكن السهر في العاصمة الأردنية. ويضيف الدكتور محادين أن هذه المطاعم والملتقيات شكلت نوعاً من الثقافة الفرعية الناظمة لحياة العراقيين في الأردن، لما فيها من أجواء بغدادية جميلة، أضفاها أصحابها من خلال ديكورات وصور لمعالم بغداد التراثية، إضافة إلى الغناء العراقي الأصيل (المقام)، والأزياء التراثية التي يرتديها العاملون في هذه المطاعم. ويعتبر الخبير الاجتماعي حسين محادين أن هذه الملتقيات شيّدت جسراً وعناوين للتفاعل المتبادل بين الأردنيين والعراقيين بصورة مباشرة. ويرى الخبير الاجتماعي في ذلك تبادلاً للمنفعة الثقافية والمادية بصورة غير عميقة.

ملتقيات للتسامر وتذكر الماضي

الصورة دويشته فيله
بالإضافة إلى تقديم الاكلات العراقية، تشكل المطاعم العراقية ملاذاً لتذكر الماضي والتسامر

​​وبحسب محادين، فإن الأمسيات العراقية في عمّان أدخلت طرقاً جديدة مختلفة عما عهده الأردنيون، سواء في الغناء أو الرقص، وحتى السهر ومصاحباته المختلفة. ويستطرد بالقول إن "هذا باعتقادي لا يمثل سلوكاً سلبياً، وإنما مؤشراً ضمنياً على أن المجتمع الأردني يتمتع بمرونة اقتصادية وترويحية واضحة، لأن مكونات المجتمع الأردني السكاني متنوعة وتحتمل إمكانية استيعاب مظاهر جديدة للعمل الجاد والممارسات الترويحية".

أما حيدر، الذي مر على قدومه من العراق إلى الأردن خمسة أعوام، فيوضح لدويتشه فيله أنه يجتمع مع أصدقائه العراقيين في المطاعم والمقاهي العراقية في عمان للتسامر والحديث في السياسة، وأن محور الحديث عادة ما يكون آخر المجريات على الساحة العراقية، لاسيما مع اقتراب موعد سحب الولايات المتحدة لقواتها هناك نهاية العام الحالي. ويضيف حيدر والدموع تترقرق في عينيه أن أجواء المطاعم العراقية في عمان من غناء وصور تراثية تعود بالذاكرة إلى الأيام الخوالي، بصحبة الأهل والأحبة والأصدقاء في بغداد، مؤكداً على أنه يرتاد أحد هذه المطاعم يومياً للترويح عن نفسه واستعادة ذكريات الماضي، شأنه شأن غيره من المغتربين العراقيين.

 

محمد خير العناسوة – عمان
مراجعة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011