خالد عويس، روائي سوداني مقيم في دبي، 10 مارس/آذار 2005

للحق فإننا كأدباء وكتاب سودانيين نعتب كثيرا على تجاهل السودان في معرض فرانكفورت للكتاب، هذا على الرغم من حيوية الأدب السوداني واثارته قضايا لافتة في العقد الأخير خصوصا. التجاهل ذاته هو الذي نعانيه في العالم العربي، ويدفعنا ذلك لتحسس طريقنا نحو أوروبا بوصفها حاضنة للآداب العالمية ويمكن أن توفر فرصا جيدة لنشر أعمالنا مترجمة إلى اللغات الإنكليزية والألمانية والفرنسية، ويمكن أن تدعم الموسيقى السودانية كما هو حال المسرح والسينما.

ولا يخفى عليكم بالطبع ما يعانيه المبدعون السودانيون منذ 1989، العام الذي تسلمت فيه طغمة الإسلاميين السلطة لتكم الأفواه وتطارد الابداع والمبدعين.
(...)
وربما هي المرة الأولى التي نخاطب فيها جهات ثقافية مستنجدين بها لتسليط الضوء فقط على الابداع السوداني الذي لا زال قادرا على البقاء برغم ظروف تحاصره في الداخل وتحطمه في الخارج.

ولا أعني بهذه الرسالة أن أبحث عن حل شخصي أو رغبة في الهروب "وحيدا" من هذا الواقع، لكن الأمل يملؤني والثقة تزدهر في دواخلي بأن ألمانيا يمكن أن تشكل منطلقا ضخما لتسليط الضوء على الثقافة السودانية ويمكن أن تلعب دورا كبيرا في تأكيد حضور هذه الثقافة التي يراد لها أن تتماهى في مشروع سياسي ضيق الأفق يقوم عليه إسلاميو السودان الذين يطرحون خطابا أحاديا مفاده "إما معهم أو ضدهم".

وفي حين يموت الآلاف في دارفور، وشرق السودان وجنوبه لشتى الأسباب، يبقى الابداع السوداني الذي يمكن أن يفضح هذا الموت المجاني مغيبا ويتم تجاهله وتجاهل دوره وتجاهل اشراقاته السابقة والحاضرة وتجاهل اتجاهاته الرمزية الجديدة شديدة التناغم مع الاتجاهات العالمية للابداع إنما في سياق خصوصية شديدة للثقافة السودانية ناتجة عن تلاقح حضارات إفريقية وعربية تسنى لها أن تشكل ما بات يعرف بالحضارة أو الثقافة "السودانوية".
(...)
يحدوني الأمل في أن تصلح الجهات الثقافية الألمانية التي تجاهلتنا في فرانكفورت خطأها بتخصيص فاعليات ثقافية للثقافة السودانية و"الانسان" السوداني. بمقدورنا انتاج أفلام سينمائية يمكن أن تهز العالم فيما لو رأت النور.

وبالمستطاع ترجمة أعمال شعرية وروائية وشعرية لعباقرة سودانيين يطويهم النسيان وتتلقفهم الزوايا المعتمة والشوارع الباردة حول العالم وهم يهيمون على وجوههم. فليس من وطن بحاله الراهنة يحتمل وجودهم وجنونهم الابداعي وتبشيرهم بقيم الحرية، ولا المنافي هي الأخرى منحتهم بعض الدفء ليواصلوا مشروعاتهم.

ليتكم تشرعون في مشروع كبير مع بقية الجهات الثقافية في أوروبا والعالم الحر من أجل هؤلاء ومن أجل ابداعاتهم. فعالية واحدة تكفي لتسليط الضوء عليهم وعلى انتاجهم وعلى قدراتهم وآلامهم وآمالهم ومشروعاتهم الابداعية الكونية.
أليس غريبا ألا يعرف العالم سوى الطيب صالح و"دارفور"؟

مع خالص محبتي وشكري

قنطرة
معرض فرانكفورت للكتاب 2004
نسلط الأضواء على نتائج المشاركة العربية في معرض فرانكفورت للكتاب في تشرين الأول/ أكتوبر 2004، من خلال تقديم أصوات ومواقف مختلفة