مؤتمر الإقرار بانتصار طالبان!

ينتقد الصحفي الأفغاني، سيد يعقوب إبراهيمي في تعليقه الآتي فساد الحكومة الأفغانية وسياستها الفاشلة، وكذلك إقرار وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي الأربعين بانتصار عدوَّهم في الحرب في أثناء اجتماعهم مؤخرا في العاصمة الأفغانية، كابول.

الصورة د.ب.ا
الإرهاب وسلطة زعماء الحرب والفساد والفقر والمخدرات تهدد مستقبل أفغانستان

​​كان هذا المؤتمر أكبر مؤتمر دولي تم عقده في أفغانستان، حيث جاء إلى كابول أكثر من أربعين وزير خارجية دول مختلفة يوم الثلاثاء 20 تمّوز/يوليو، من أجل التشاور حول مستقبل أفغانستان. ولكن لم ينجح هذا المؤتمر مثلما كانت الحال في جميع المؤتمرات السابقة التي عقدت حول أفغانستان، في تكوين صورة واضحة لمستقبل هذا البلد. فهل ستصبح أفغانستان بعد انسحاب قوَّات حلف الناتو دولة ديمقراطية؟ أم سيكون فيها نظام قبلي من مختلف زعماء الحرب؟ أم ستكون دولة ثيوقراطية يحكمها متشدِّدو طالبان؟ وهذا المؤتمر لم يتطرَّق إلى كلِّ ذلك. فجدول أعماله اقتصر على موضوع انسحاب قوَّات حلف شمال الأطلسي من البلاد وتسليم المسؤولية إلى الحكومة الأفغانية.

وفي هذا الأسبوع تعلَّمنا نحن الأفغان أنَّ وجهة النظر التي ينظر من خلالها السياسيون الأفغان وكذلك السياسيون الدوليون إلى الصراع الدائر هنا تتميَّز بالروتين. وبالتأكيد لا يمكن لمثل وجهة النظر هذه أن تصل بعيدًا جدًا. كما أظهر المؤتمر أنَّ رجالات دول العالم لم يعودوا مهتمين بالمشكلة الأفغانية. ولهذا فهم يبحثون بفارغ الصبر عن أي مخرج ممكن للتخلص من هذا البلد. وكذلك أظهر المؤتمر أنَّ السياسيين الأفغان لا يهتمّون في الواقع بإقامة مشاريع طويلة الأجل لإعادة بناء أفغانستان، بل هم يصرّون على تحويل نسبة خمسين في المائة من أموال المساعدات الدولية إلى ميزانية حكومتهم البيروقراطية الفاسدة من أجل زيادة ثروتهم على هذا النحو.

الأخطار التي تهدِّد أفغانستان

الصورة دويتشه فيله
"لقد سلك المجتمع الدولي في بناء الدولة في أفغانستان الطريق الخطأ وخطأه الأكبر يكمن في امتناعه عن إيجاد القانون والعدالة"

​​

وأمَّا أكبر الأخطار التي تهدِّد أفغانستان، أي جذور عدم استقراره، فتكمن فيما يلي: في الإرهاب وسلطة زعماء الحرب والفساد والفقر والظلم والمخدرات، وكذلك في البنى القبلية غير الديمقراطية. كان لا بدّ لمثل هذا المؤتمر الكبير من الخوض في هذه المشكلات. ولكن عندما ينشغل المؤتمر بدلاً عن ذلك بموضوع تسليم المسؤولية وانسحاب القوَّات العسكرية، فإنَّه لا يساهم في إيجاد الحلّ، بل في إطالة فترة الصراع. ولا يوجد في أفغانستان أي شرط لتنفيذ هذا الاتِّفاق الخاص بوزراء الخارجية.

ومن المستحيل أن يتم تمرير خمسين في المائة من أموال المساعدات بطرق شفافة عبر قنوات الحكومة الأفغانية. فبعد عشرة أعوام من التعاون مع المجتمع الدولي ما تزال الحكومة الأفغانية غير قادرة حتى على صرف ميزانيَّاتها السنوية؛ وفي سنة 2009 نجحت فقط في صرف نصف الميزانية. وفي الوقت نفسه تحتل أفغانستان المرتبة الثانية بعد الصومال في قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم. ولا يمكن لأي شخص في أفغانستان الحصول على توقيع مسؤول على وثيقة ما من دون دفع رشوة. ولذلك لا يمكن لمثل هذا النظام صرف أموال المساعدات الدولية بصورة شفافة.

الطريق الخطأ

كرزاي، الصورة أ.ب
من المستحيل أن يتم تمرير خمسين في المائة من أموال المساعدات بطرق شفافة عبر قنوات الحكومة الأفغانية

​​

لقد سلك المجتمع الدولي في بناء الدولة في أفغانستان الطريق الخطأ. وخطأه الأكبر يكمن في امتناعه عن إيجاد القانون والعدالة وامتناعه أيضًا عن ملاحقة مجرمي الحرب. وبعدما أصبح مجرمو الحرب وزعماء الحرب يشعرون بالأمان، استطاعوا من خلال دفع المال ومن خلال ممارسة نفوذهم الاجتماعي وقوَّتهم العسكرية الدخول إلى داخل الحكومة. وفي هذه الأثناء أصبحت بعض الوزارات المهمة مقسَّمة بين زعماء الحرب وتجَّار المخدِّرات والمافيا الاقتصادية والمتواطئين معها.

وهم يسيطرون على جميع مشاريع التنمية وإعادة الإعمار؛ ويتركون تنفيذها لمنظَّماتهم الخاصة. وفي ظلِّ هذه الظروف لا يمكن مراقبة مثل هذه المشاريع. ولذلك فإنَّ التنازل عن نسبة خمسين في المائة من المساعدات الدولية والموافقة على صرفها بصورة مباشرة من قبل الحكومة الأفغانية، يعني ضخّ مليارات من الدولارات بشكل مباشر في جيوب زعماء الحرب وتجَّار المخدِّرات. ولكن في المقابل لن يستطيع هؤلاء الأشخاص الوصول بسهولة إلى المشاريع الخاضعة بصورة مباشرة لرقابة منظَّمات الإغاثة الدولية.

تسليح القوات القبلية

عناصر من طالبان، الصورة د.ب.ا
"إذا كان المجتمع الدولي يهتم الآن قبل كلِّ شيء بسحب القوَّات التابعة لحلف الناتو فهذا يعني في الواقع أنَّ المجتمع الدولي يقرّ بنصر حركة طالبان وحلفائها الإرهابيين"

​​

والآن لم يكن بوسع أي أحد أن يتوقَّع في الحقيقة أنَّ هذا المؤتمر سوف يدور حول وضع الحكومة الأفغانية. وكيف يمكن توقّع ذلك؟ إذ كان يجلس في القاعة بجانب وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون زعيم الحرب سيئ السمعة، محمد قاسم فهيم بصفته نائب الرئيس - هذا الرجل الذي تتَّهمه منظمة هيومن رايتس ووتش بالارتباط بعصابات وبجرائم حرب منذ فترة التسعينيات.

وفي هذا المؤتمر تمت بصورة غامضة جدًا مناقشة موضوع تسليم مسؤولية الأمن في البلاد إلى الحكومة الأفغانية، التي لم يكن بوسعها أن تبيِّن كيف تريد فرض سيطرتها على البلاد بطريقة ديمقراطية بعد انسحاب حلف الناتو. وكذلك تعتبر مشاريع الأمن الخاصة بالرئيس كرزاي غامضة وغير فعَّالة مثل مصطلح تسليم المسؤولية.

ومن أجل التأكيد على طموحه وسعيه إلى تحقيق الأمن، وافق كرزاي قبل أسبوع واحد فقط من انعقاد المؤتمر على مشروع تسليح سكَّان القرى. وضمن هذا البرنامج الذي يطلق عليه اسم برنامج "الدفاع عن النفس" تقوم الحكومة الأفغانية بتوزِّيع أسلحة على السكَّان المحليين لكي يقاتلوا المتمرِّدين. وتبيِّن مثل هذه البرامج أنَّ قوَّات الأمن الحكومية في أفغانستان غير قادرة على ضمان الأمن. وبغض النظر عن ذلك، لا يوجد أيضًا أي ضمان بعدم انضمام سكَّان القرى إلى صفوف المتمرِّدين بمجرَّد حيازتهم السلاح.

وتسليح قوَّات قبلية محلية يعتبر تجربة غير مفيدة، مثلما عرفنا من فترة نهاية الاحتلال السوفييتي لأفغانستان. وفي تلك الفترة قام أيضًا الجيش الأحمر بتسليح قوَّات قبلية، كان من المفترض أن تدافع عن نظامها العميل في كابول. ولكن حدث بعد ذلك أنَّ هؤلاء الأشخاص فرّوا بسرعة إلى المتمرِّدون وأسقطوا الحكومة المركزية. وبعبارة أخرى: إذا كان المجتمع الدولي يهتم الآن قبل كلِّ شيء بسحب القوَّات التابعة لحلف الناتو وتسليم المسؤولية إلى الحكومة الأفغانية التي تعتبر فاسدة وضعيفة، فهذا يعني في الواقع أنَّ المجتمع الدولي يقرّ بنصر حركة طالبان وحلفائها الإرهابيين.

وفي بداية شهر تموز/يوليو قال المتحدِّث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد لوسائل الإعلام: "نحن المنتصرون في هذه الحرب. والغرباء يرحلون عن أفغانستان. فلماذا إذاً يجب علينا أن نوافق على المفاوضات، طالما أنَّنا نحن المنتصرون؟". وإذا أخذنا تصريحات مجاهد مأخذ الجدّ، فتكون أهم رسالة خرجت من مؤتمر كابول: "نحن أيضًا نهنئ طالبان بانتصارهم"!

سيد يعقوب إبراهيمي
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/قنطرة 2010

سيد يعقوب إبراهيمي يعمل صحفيًا في كابول ويكتب لصالح معهد الحرب والسلام في لندن.

قنطرة

مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان:
المساعدات الدولية ضحية لعنة الفساد وكابوس طالبان
في مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان وعد المجتمع الدولي كابول بمنحها مساعدات سخية يصل حجمها إلى نحو 21 مليار دولار. ومن المقرر أن يتم صرف هذه الأموال في الأعوام الخمسة القادمة بطريقة أكثر شفافية وأكثر توجهًا نحو الأهداف المرجوة مما كانت عليه الحال حتى الآن. الخبير بالشؤون الأفغانية مارتين غيرنر يستعرض هذه الوعود والآمال.

ملية إعادة الإعمار في أفغانستان:
الحاجة إلى المزيد من الشفافية
لا يمكن إنكار الانتعاش الذي حل على البلاد بعد مرور أربعة أعوام على إقصاء نظام طالبان. أما الاقتصاد فمازال متهاونا حيث يتم استيراد كافة الاحتياجات تقريبا هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ (تيمنا بهذا الموقع الكائن بالقرب من مدينة بون) في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا. تقرير مارتين غيرنير.

قابلة مع النائب الأفغاني رمضان بشردوست:
مكافحة الفساد ومراقبة أعمال مجلس الوزراء
"نحن بحاجة الى رئيس برلمان يمسك بزمام الأمور، يتمتع بثقة كل الأعضاء ويعمل لمصلحة الجميع وليس فقط لمصلحة حزب ما أو فئة ما أو مجموعة دينية ما" الدكتور بشردوست، وزير سابق وعضو مستقل في البرلمان الأفغاني، يتحدث عن تصوراته للفترة البرلمانية القادمة وعن ضرورة انتهاج سياسة اقتصادية جديدة، كما ينتقد المنظمات غير الحكومية الناشطة في أفغانستان.