نساء داعش الغربيات في سوريا

  نساء وأطفال مِن مَن يُشتَبه بأنهم من مقاتلي داعش - في مخيم روج بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا. صورة من Frauen und Kinder mutmaßlicher IS-Kämpfer im Lager Roj in der nordostsyrischen Provinz. Hasakah Bild: DELIL SOULEIMAN/AFP/Getty Images
نساء وأطفال مِن مَن يُشتَبه بأنهم من أهالي مقاتلي داعش - في مخيم روج بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا. صورة من: DELIL SOULEIMAN/AFP/Getty Images

كيف كان شكل علاقات النساء في تنظيم داعش مع أنفسهن وأطفالهن وأزواجهن وكيف يبدو ذلك بعد القضاء على هذا التنظيم الذي أرهب العالم؟ أماني الصيفي تابعت لموقع قنطرة سلسة حلقات حول ذلك.

Essay von أماني الصيفي

أطلقت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بالتعاون مع هيئة الإذاعة الكندية "سي بي سي" سلسلة Bloodlines "نسل" المكونة من سبع حلقات تُبَث ابتداءً من نهاية شهر أكتوبر / تشرين الأول 2023. تستعرض هذه السلسلة شهادات تتناول حيوات بعض زوجات المتطرفين المنتمين إلى تنظيم داعش وأبنائهن في الفترة التي شهدت نشاط التنظيم وبعد القضاء عليه إلى عام 2019.

هذا المقال يتناول باختصار شكل العلاقات التي عاشتها هؤلاء النساء مع أنفسهن وأطفالهن وأزواجهن في المنطقة التي أرهبت وأرعبت العالم، كما يلقى الضوء على مشاعر -ودور- أهالي المتطرفين الذين يعيشون خارج هذا السياق المكاني والأيديولوجي وعلاقاتهم مع أبنائهم وأحفادهم كما عرضتها الحلقات.

نساء وأطفال داعش

تُقدَّر الأعداد التقريبية للأطفال والنساء القادمين من بلدان غربية بأكثر من عشرة آلاف وفقاً لتصريح بدران جيا كرد المسؤول البارز في الإدارة الذاتية للحكم الذاتي في المنطقة الكردية، والذي أشار إلى أنه تم خلال عام 2022 إعادة 517 توطين سيدة وطفلاً وهو رقمٌ يُعتبر رقماً قياسياً مقارنةً بإحصائيات الثلاث سنوات السابقة. جاء هذا الرقم القياسي للمُرَحَّلين في ظل ضغط متزايد من مؤسسات حقوق الإنسان على حكومات الدول لإعادة رعاياهم. ومع ذلك يرى البعض أن هذا العدد يُعتبر مجرد "غيض من فيض" كما صرحت ليتا تايلر المديرة المشاركة في قسم الأزمات والنزاعات في "هيومن رايتس ووتش.

يعتبر المراقبون أن النساء والأطفال الذين كانوا ينتمون إلى تنظيم "داعش" يشكلون خلية نائمة بعد القضاء على التنظيم في عام 2019. يظل الجدل قائماً بين المدافعين عن براءة هؤلاء الأطفال الذين يفتقدون الحياة الأسرية والعلاقات المجتمعية الصحية وهم كذلك معرضون للعديد من  المخاطر منها الزواج القسري والتحرش الجنسي في هذه المعسكرات المكتظة، كما أن العديد من التقارير تفيد بمحاولات استقطاب الشابات ( الأمهات والزوجات) لعمليات متطرفة في  المستقبل وصلت حد وقوع جرائم قتل مروعة نفذتها نساء تنظيم داعش ضد مجموعة من النساء الأقل تطرفاً، أو من أعلنوا تبرؤهم من أفكار التنظيم. وفي المقابل يرى آخرون أن هؤلاء الذين انتموا لهذا التنظيم وممارساته الوحشية يشكلون جميعا قوة قتالية جديدة لا تقل خطورة عن آبائهم وأزواجهم ويتمسكون برفض خروجهم من هذه المعسكرات وإعادة استقبالهم مجتمعياً.

في هذا السياق السياسي والاجتماعي والنفسي المشحون، تأتي سلسلة حلقات "Bloodlines" كنافذة تسليط الضوء على  مصير هؤلاء الأطفال والنساء في هذه المعسكرات. انطلقت الرحلة في نوفمبر / تشرين الثاني 2021 حيث كانت لا تزال الضربات الجوية التركية متوالية على شمال سوريا بما في ذلك معسكرات "روج وهول" التي تضم عشرات الآلاف أطفالًا ونساءً من تنظيم داعش. انطلقت الصحفية ومقدمة البرامج الآسيوية بونام تانيجا وجوان عبيدي Poonam Taneja & Jewan Abdi في رحلة محفوفة بالمخاطر هدفها البحث عن طفل يسمى "سلمان" كان جده البريطاني (آش) يسعى جاهدًا لمعرفة مصيره بعد تلقيه أنباء عن وفاة والديه في إحدى الغارات التي استهدفت تنظيم الدولة عام 2018. يعبر الجد الإنكليزي بمشاعر مشحونة عن مسؤوليته الأخلاقية  تجاه استرجاع حفيدة قائلًا: "أريد فقط أن أكون جداً طبيعياً له وأن أقدم له الحب والأمان ...فحين  يكون هذا دمك يجب أن تفعل كل شي وأي شي من أجل دمك" وهو ما يضفي على الحديث بُعداً إنسانياً وعاطفياً يجذب المستمعين إلى عمق  المأساة التي  يعايشها أهالي المتطرفين.

An dieser Stelle finden Sie einen externen Inhalt. Sie können ihn sich mit einem Klick anzeigen lassen.

حياة عادية وعلاقات رومانسية بين الجثث

أثناء البحث عن الطفل سلمان تلتقي الصحفية تانيجا بـ "ديور أحمد" وهي صديقة للكندية "عائشة " والدة الطفل "سلمان"، ومن هنا تتمحور اللقاءات حول قصة "ديور أحمد" وعائلتها.

درست ديور والبالغة من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً اللغة الإنكليزية وحضارات  الشرق  الأوسط في كندا حيث ولدت وعاشت كل حياتها قبل أن تذهب إلى سوريا عام 2014  لتنضم إلى زوجها البريطاني الذي التقت به ووقعت في حبه منذ عام 2007. كانت ديور حينها في السابعة عشرة  من عمرها  وكان الشاب الذي التقت به في التاسعة  عشرة من  عمره. تزوجا بعد اللقاء بثلاثة أعوام على الطريقة إلاسلامية و ظلت ديور في كندا لاستكمال دراستها، بينما عاد زوجها إلى إنكلترا - على أن يلتقيا من حين إلى آخر. وديور الشابة  التي يستطيع المستمع أن يميز نبرة صوتها العالية وضحكاتها  المفعمة بالحياة حتى وإن  كانت تتأرجح بين الخوف والأمل في الخروج من هذا  المعسكر في صحراء سوريا تقول: "لا شي أبدا أعدَّني لهذه الرحلة". حتى زوجها الذي لم ترد الافصاح عن هويتة تصفه بأنه كان شخصاً يحب الحب. فقد كان شخص رومانسيا  جدا ...ويعرف كيف يهتم" تستكمل ديور "كان شاباً أوروبياً جدا لم يؤمن حتى بالله". تستكمل ديور "لا بد أن شيئا ما في  بلادهم دفعهم للتطرف".

يتعرف المستمع قرب النهاية على زوج ديور هو شفيع الشيخ المنحدر من أسرة ذات ميول شيوعية  لجأت لإنكلترا للهرب من التطرف الإسلامي في السودان. فشفيع -الذي كان والده يعمل في الخطوط الجوية السودانية-تمت تسميتهُ على اسم القيادي الشيوعي البارز الشفيع الشيخ الذي تم إعدامه إبان حكم جعفر نميري عام 1971. تصفه والدته (مها الجزولي) لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية عام 2016 بأنه كان كسائر الشبان من جيله في لندن من مشجعي فريق كوينز بارك رينجرز وكان يعمل ميكانيكياً في ورشة لإصلاح السيارات دون أن يثير أي مشاكل أمنية. وعندما كان في الحادية عشرة من عمره انضم الى منظمة شبابية تابعة للجيش البريطاني وأمضى فيها مدة 3 سنوات سعيدة بحسب قول الوالدة.

وبحسب تصريح والدته لجريدة بي بي سي عربي في  أبريل / نيسان عام  2022 فإن الأخ الأكبر لشفيع الشيخ أدين بالسجن في عام 2008 على خلفية حيازته لسلاح ناري بغرض الاستخدام . تقول الوالدة: "تغيرت حياة الشفيع مع دخول شقيقه الأكبر خالد إلى السجن. قد شعرا بالضياع بعد أن باتا بعيدين عن بعضهما". فهل كان هذا من أسباب تطرفه؟ ليعيدنا هذا للتساؤل عن معنى هشاشة معنى الانتماء بين مجتمع المهاجرين في  الغرب؟ فقد نشأ الشفيع -وفقًا لشهادة والدته- كأي شخص عادي، حيث كان يتردد على المسجد في الحي نفسه من حين  لآخر لكن علامات التحول في حياته ظهرت عام 2011 حين تعرف على رجل دين متطرف يقيم في لندن. وفي أبريل / نيسان 2012 قرر الشفيع الانضمام إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. ثم انتقل إلى تنظيم الدولة الإسلامية. بعد ذلك طلب من ديور -زوجته- الانضمام إليه في سوريا وبحسب تصريحات ديور فهي كانت تعتقد أنها ستمضي وقتاً قصيراً مع زوجها ثم تعود إلى كندا، دون أن تكون على علم بأي دور يلعبه زوجها في الأحداث الجارية في سوريا.

في الحلقة الرابعة بعنوان "سر دي آيه (ديور أحمد)"، تسأل الصحافية ديور عن إنْ كانت تفتقد الشفيع لكن ديور ترفض الإجابة على هذا السؤال وتكرر الصحافية المحاولة للتعرف على مشاعرها كزوجة خصوصا في ظل ارتكاب كل هذه  الفظائع. تجيب ديور قائلة: "لم يشاركني قَطُّ أخبار ما كان يحدث في سوريا، لم يخبرني بأي تفاصيل حول دوره … أظنه كان يرغب في حمايتي من المسؤوليات التي قد تتسبب في أذيتي في يوم من الأيام". لكن ما هو  الوجه الآخر الذي يعرفه العالم عن هذا الزوج  الرومانسي المسؤول على  حد زعم زوجته السابقة؟

"الشفيع الشيخ"، أو المعروف أيضاً بـ"الجهادي جورج" في وسائل الإعلام الغربية كان قيادياً بارزاً في تنظيم داعش ويحاكم بمسؤوليته عن عمليات اختطاف وقطع رؤوس للعديد من الأمريكيين والبريطانيين واليابانيين. يصفه العديد -ممن اُختُطِفُوا- بأنه كان الأشرس في تعذيب والتنكيل بالمختطفين. يقضي الشيخ حاليا ثمانية أحكام بالسجن مدى الحياة في سجن أمريكي شديد الحراسة. وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد ألقت القبض على الشيخ في يناير / كانون الثاني عام  2018 خلال محاولته الفرار إلى تركيا.

وتروي الحلقات أنه حتى  بعد الطلاق وسجن االشفيع الشيخ ظل يراسل زوجته السابقة عبر محاميه راجيًا منها العفو. هنا تسأللها  الصحفية: "عن  ماذا يريد منك العفو " فترد ديور يريد أن أغفر له أن "الأمور سارت بشكل مختلف عما كان يريده" وهذا يجعل المستمتع في حالة من الذهول: فماذا عن كل من صلبهم وذبحهم؟ وماذا عن أهاليهم؟ أيعقل أن يشعر  بالذنب لأن الأمور سارت  بغير ما يتمنى بينما قد مارس أشد أنواع التعذيب في  ضحاياه بل وشارك في  تعذيب ذويهم بعد إخفاء  جثث الضحايا حتى اليوم؟ وهنا تسأل ديور المذيعة: هل يمكن أن تساعدي في الحصول على معلومات منه؟ ألا زالت لك سيطرة عليه؟ تجيب ديور ضاحكة بطريقة ساخرة:"نعم، أعتقد ذلك. وهذه هي المرة الأولى التي أستطيع أن أقول إني لي سيطرة عليه. فهو يبدو ضعيفاً جداً مجرداً من كل سلطة". تعيد إجابة ديور حول زوجها الإرهابي إشكالية الإرهاب كشكل من أشكال السلطة الرافضة لاحتكار سلطة الدولة للعنف.

الصورة من الأرشيف: امرأة عراقية نازحة أفراد من عائلتها مُتهَمون بأنهم من أهالي مقاتلي داعش. Displaced Iraqi woman who family members are accused of being IS militants. Image: Getty Images/AFP/S. Hamed
تُقدَّر الأعداد التقريبية للأطفال والنساء القادمين من بلدان غربية بأكثر من عشرة آلاف وفقاً لتصريح بدران جيا كرد المسؤول البارز في الإدارة الذاتية للحكم الذاتي في المنطقة الكردية، والذي أشار إلى أنه تم خلال عام 2022 إعادة 517 توطين سيدة وطفلاً وهو رقمٌ يُعتبر رقماً قياسياً مقارنةً بإحصائيات الثلاث سنوات السابقة. في الصورة داخل المقال (من الأرشيف): امرأة عراقية نازحة أفراد من عائلتها مُتهَمون بأنهم من مقاتلي داعش. صورة من: Getty Images/AFP/S. Hamed

طفولة مفقودة ومستقبل مجهول

تقدم الحلقات أيضاً نظرة على موضوع تعدد الزوجات في هذا المجتمع المتشدد دينياً والمتطرف، وكيف كانت ردة فعل النساء الغربيات تجاهه. كانت التعددية منتشرة ولكن -كما قالت "ديور"- لم يكن هناك طريقة للرفض وكان على الكثيرات أن يقبلن بهذا الوضع بالإكراه، سواء كُنَّ كَـ "ديور"  التي يبدو أنها تتمتع بشخصية قوية أو كأخريات لم يشكل تعدد الزوجات لهن أي إزعاج لأنهن "لطيفات واجتماعيات جدا" -مثل "عائشة أم الطفل سلمان"- كما وصفتها "ديور". وعلى الرغم من ذلك وقع الطلاق بين الشفيع الشيخ وديور في عام 2016، و تدعي ديور أحمد أنها حاولت الهرب عدة مرات لكن خيارها الوحيد كان العودة، نظراً لعدم وجود عائلة أو نظام دعم في ظل تنظيم داعش. ومع ذلك نجحت في النهاية في الحصول على الطلاق ولجأت مع أولادها إلى دار استضافة للنساء. وهنا تضيف حكاية "ديور" تعقيداً حول العلاقات بين النساء والرجال في هذا المكان. فلم تكشف "ديور" عن كيفية استمرار إقامتها دون تعرضها للخطر من قبل زوجها الذي كان معروفاً بوحشيته في التعامل مع الغربيين، وكيف نجحت في الطلاق منه على الإطلاق. ألا تزال علاقة الحب تلعب دوراً؟

هربت "ديور" قبل أن تستسلم قوات داعش للقوات الكردية، وانتهت بها الرحلة في معسكر لأهالي داعش. أمضت "ديور" أربع سنوات في هذا المخيم، وأطفالها لا يعلمون شيئاً عن الحياة خارج المخيم، حيث يبدو أن حياتهم تذهب هباءً. عند سؤالها عن علاقة أطفالها بأبيهم تجيب "ديور" قائلةً: "إنهم لا يفهمون حتى مفهوم الأب، حتى أنهم يعتقدون أن والدي نفسه هو والدهم". ومع ذلك تعتقد "ديور" أن أطفالها محظوظون لأنهم على قيد الحياة خاصةً بنظر إلى العنف الذي تعرضت له على يد الشيخ أثناء حملها كما تدعي.

ورغم أن ديور الكندية قد أنهت زواجها وفقاً للطريقة الإسلامية في سوريا، إلا أنه من الجدير بالذكر في هذا السياق أن كندا كانت أول دولة في العالم تسعى للحد من العنف الزوجي من خلال إصدار قانون في عام 1960 يسمح بالطلاق بسبب هذا النوع من العنف. وعلى الجانب الآخر استغرقت فرنسا وإسبانيا عقدين من الزمن بعد كندا لاتخاذ إجراءات مشابهة بعد حوادث عنف مروعة. في الولايات المتحدة يعاني 30% من النساء تجارب العنف. أما في الثقافة العربية فإن انتشار العنف الزوجي لا يزال موجوداً ويتزايد سواء لأسباب اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية وذلك في ظل غياب قوانين فعالة أو عدم جدية في تنفيذ القوانين الموجودة، وحتى في حال احتجت المرأة أو في غياب الوعي لدى النساء بحقوقهن.

عضو في داعش يدرب طفلاً على استخدام السلاح. IS member training child with gun - Image: picture-alliance/dpa/G. Habibi
الصورة داخل المقال من الأرشيف: عضو في داعش يدرب طفلاً على استخدام السلاح. ما هو الوجه الآخر الذي يعرفه العالم عن هذا الزوج الرومانسي المسؤول على حد زعم زوجته السابقة؟ "الشفيع الشيخ"، أو المعروف أيضاً بـ"الجهادي جورج" في وسائل الإعلام الغربية كان قيادياً بارزاً في تنظيم داعش ويحاكم بمسؤوليته عن عمليات اختطاف وقطع رؤوس للعديد من الأمريكيين والبريطانيين واليابانيين. يصفه العديد -ممن اُختُطِفُوا- بأنه كان الأشرس في تعذيب والتنكيل بالمختطفين. صورة من: picture-alliance/dpa/G. Habibi

ديور والعودة للوطن

رُحِّلَتْ ديور أحمد وأبناؤها  في أبريل / نيسان من هذا العام 2023 كجزء من اتفاق أبرمته الحكومة في إطار قضية أمام المحكمة الفيدرالية لإعادة 19 امرأة وطفلًا إلى الوطن ولكنها وُضِعَتْ تحت الاقامة الجبرية حتى صدر قرار المحكمة في  التاسع عشر من  شهر أكتوبر / تشرين الأول  2023 قاضياً بإنهاء فترة وضع أحمد تحت الإقامة الجبرية على أن يتعين عليها الامتثال لحظر التجول من الساعة 10 مساءً حتى الساعة 6 صباحًا. كما يجب عليها أيضًا ارتداء جهاز تتبع بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي. بينما تدعي ديور أنها "لا تسعى فقط إلى تحسين صورتها العامة، بل إنها تتحدث علناً لأنها ممتنة لمنحها هي وأطفالها فرصة ثانية … زاعمةً أن ترك النساء والأطفال في المخيمات السورية "لن يساعد في التغلب على المسار المتطرف" الذي يسلكه الكثير من الناس . هناك العديد من الآراء لعدد من المدعين والتي نشرتها جريدة سي بي سي الكندية  عقب الحكم بإيقاف الحكم بالإقامة الجبرية بأنه يوجد "أساس أكثر من كافٍ" للخوف من أن يمكن لديور أحمد المشاركة في أنشطة إرهابية على الأراضي الكندية" فـ"لقد أظهرت القدرة على إخفاء تحركاتها" وفق ما قال القاضي كورنيليوس. "لقد تعرفت  على أعضاء بارزين في تنظيم داعش داعش. وهناك معلومات تشير إلى أنها قد أثنت علناً على فضائل داعش وأيديولوجيته".

في الواقع تعلق الصحفية تانيجا -التي غطت تقارير عن جماعات إرهابية لأكثر من عشر سنوات- على كون ديور أحمد لم تكن على علم بما يحدث أو دور زوجها في الأحداث المروعة: "خلال تغطيتنا لموضوع داعش على مر السنوات وجدنا أن معظم النساء لا يرغبن في التحدث عن سبب انضمامهن إلى التنظيم أو كيف تورطن فيه. لكل واحدة قصتها الخاصة. بعضهن كنَّ ضحايا للعنف المنزلي وبعضهن تعرضن للخداع أو الاتجار بهن. وجاء بعضهن بطيب نيَّة بحثًا عن المغامرة في حين تبع البعض أزواجهن وأطفالهن، ومنهن مَن جئن أصلا  وهن أطفال. بالطبع كان هناك نساء متطرفات وملتزمات بأيديولوجية داعش، ولكننا في النهاية يظل لدينا شيء واحد مؤكد: إننا أمام أشخاص ضُللوا وضللونا وضللناهم". 

في الختام يبدو جلياً أن الهدف الرئيسي لهذه السلسلة ليس فقط جلب التعاطف مع الأشخاص المتورطين في الأيديولوجيات والأعمال المسلحة، بل إنما توسيع نطاق الحوار حول المسؤولية القانونية والأخلاقية والاجتماعية تجاه هؤلاء، عبر تسليط الضوء على وضع النساء والأطفال الذين يعيشون في مخيمات معزولة تسيطر عليها الأيديولوجيات والأفكار المتطرفة. الغاية هي حماية المجتمع الدولي من تأثيراتهم ما يغفل المعاناة الشديدة التي يعانيها الكثيرون منهم، ولا سيما الأطفال والذين يعيشون بعيداً عن الحياة الطبيعية دون وجود آليات مناسبة لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك تثير هذه السلسلة مجموعة من الأسئلة الهامة حول الهوية والانتماء والمواطنة والتطرف في المجتمعات الغربية، فضلاً عن دور المرأة "المتدينة" وهويتها في المنظمات المتطرفة في العصر الحديث.

 

أماني الصيفي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

Qantara.de/ar