احترام الآخر

أصدرت المحكمة الدستورية الاتحادية قرارا يتناول شرعية ارتداء المعلمات للحجاب في المدارس الألمانية. حوّلت المحكمة القرار النهائي إلى الجهات التشريعية في الولايات الألمانية. تعليق بقلم حميدة محققي

احترام الآخر

أصدرت المحكمة الدستورية الاتحادية قرارا يتناول شرعية ارتداء المعلمات للحجاب في المدارس الألمانية. حوّلت المحكمة القرار النهائي إلى الجهات التشرعية في الولايات الألمانية. تعليق بقلم حميدة محققي

أثار الجدل القائم حتى الآن حول الحجاب كثير من النقاش المحمل بالمشاعر والانفعالات. ويفتح قرار المحكمة الدستورية الاتحادية الباب أمام آفاق جديدة من خلال العبارة التالية: "ليس للدوائر الحكومية أو المحاكم اتخاذ قرار في هذا الموضوع، وإنما البت فيه هو من اختصاص الجهات التشريعية." وقد عمت فرحة كبيرة بسبب إلغاء حكم المحكمة الإدارية الصادر قبل ذلك بمنع ارتداء الحجاب في المدارس، ولكن يُخشى في نفس الوقت من الطريقة التي ستبت فيها الجهات التشريعية في كل ولاية، وحسب تقديرها في الموضوع. بدأت الأصوات تُسمع بوضوح فور صدور القرار، من ولاية بادن فورتمبرغ على سبيل المثال، التي تريد بسرعة إصدار قانون ضد ارتداء الحجاب في المدارس. ويبقى الموضوع معلقاً إن كان حجاب إحدى المعلمات في المدرسة شيئاً عادياً، أو سيتم حظره باسم حيادية الدولة. ولا يبقى أمام المرء سوى تمني ألا تتسرع الجهات التشريعية في كل ولاية باتخاذ قرار في هذا الأمر، وإنما بحثه من كافة جوانبه أولاً. وهذا يعني مراجعة كافة الأسباب العديدة والمختلفة لصالح وضد الحجاب بموضوعية، والنظر بعين الاعتبار إلى تعدد أشكال المعيشة القائم بالفعل كحقيقة في هذا المجتمع.

لم يكن يسيراً على القضاة وهم يتناولون هذا الموضوع، من خلال المعلومات، والمبررات والمواد الثبوتية المتوفرة، التوصل إلى حكم قانوني، مع العلم أن حكما كهذا قد يكون له تبعات ضخمة على الحياة المشتركة في المجتمع. ففي النهاية ليس هناك سوى منتصر واحد في هذه القضية: النظام الدستوري الديمقراطي الذي يسمح بعرض موضوع حساس كهذا وإلقاء الضوء على جوانبه المختلفة، ومناقشته.

الخوف من الحجاب

تبرهن المناقشات التي جرت حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة على أن هذا المجتمع مازال بحاجة للوقت قبل قبول التعددية بأشكالها التعبيرية المختلفة. وليس من صالح التعددية أو تشجيع الاندماج أن تظل المظاهر المعبرة عن عادات الأجانب الدينية والعقائدية مطموسة ومختفية. يجب علينا أن نتعلم تحمل "اختلاف" الآخرين واحترامه. وهل هناك مكان آخر أنسب من المدرسة من أجل تعليم الجيل الناشئ نبذ الخوف من "الغربة"، وتعلم التسامح وقبول واحترام البشر الآخرين، حتى وإن كانت "أشكال الحياة الغريبة" هذه تختلف عن السائد، وما يطلق عليه شكل الحياة "العادي"؟

إن القسم الأكبر من المناقشات التي جرت بشكل انفعالي وغير موضوعي حول الحجاب تعكس المخاوف القائمة: الخوف، في زمن استقلال النساء من إعادتهن تحت سيطرة وتعسف الرجال؛ والخوف من انتشار دين، يوجد بين اتباعه من ينزع إلى التطرف والعنف واستغلال الدين في تبرير ذلك؛ والخوف من استقرار نمط حياة دينية ترتبط بتعاليم وأحكام ملزمة، وتحد من الحرية الفردية؛ والخوف من تشريب الأطفال فكراً محدداً، ونشر قيم يُزعم أنها تحد من "الفردية" ومن "الحرية الشخصية" لصالح المعتقدات الدينية.
إنها مخاوف يمكن للمرء تفهمها لو كان الإسلام حقاً ديناً يبشر بالعنف وكبت المرأة، ولو اُعتبر المسلمون فعلاً بشر رجعيين، غير قادرين على قبول قيم الديمقراطية والعالم الحر. إن الوسيلة الوحيدة لتصحيح هذه النظرة المشوهة تتمثل في الصراحة المتبادلة والمشاركة في كافة مجالات الحياة اليومية، وخاصة في نظام التعليم.

الدلالة السياسية للحجاب

مازال يتردد في المناقشات، وأيضاً في القرار الخاص لقضاة المحكمة الدستورية الاتحادية، أن الحجاب هو رمز سياسي، ودلالة على تبعية المرأة. إن حصر مفهوم الحجاب في هذين الدلالتين ما هو إلا تفسير يتفق مع رأي أقلية إسلامية، وهو قذف في حق أغلبية النساء التي ترتدين الحجاب، وتقررن أمور حياتهن بحرية، معتدات بذاتهن ومعتمدات على أنفسهن، وهن نساء تعين مسئولياتهن، قادرات على اتخاذ القرار، ولهن الحق في تحقيق ذاتهن، وترفض وتقاومن أي شكل من أشكال الوصاية.
وتبقى أمنية ألا يُقدم المسئولون عن التشريع على اتخاذ قرار حول الطريقة التي يجب بها على المرأة أن تفهم تدينها، وترتدي ملابسها. إن هذا حق أساسي لكل امرأة: أن يترك لها ذاتها وحسب تقديرها قرار ارتداء أو عدم ارتداء غطاء الرأس.

يجب أن يُفهم مبدأ حيادية الدولة، وبالذات في ضوء مشاكل العولمة، على أنه توفير قاعدة حيادية لتحقيق كافة أشكال الحياة المختلفة في المجتمع، وهنا استناداً إلى القانون الأساسي بالطبع. تؤدي العولمة إلى التقريب بين أشكال الحياة المختلفة. إن التنازل عن القيم الذاتية أو مغبة النفس من أجل الاندماج والحياة المشتركة فيما بين أتباع الأديان والحضارات المختلفة في سلام هو الطريق الخاطئ، ولن يؤدي إلا إلى عدم الرضا والاستياء والمشاكل. إن الاعتراف المتبادل بالآخر وتوفر إرادة الاندماج هي الآن محك الاختبار. وتتمثل مهمة الواعين بمسئوليتهم الآن في التوصل إلى حل سليم الطوية، يتمشى مع أحكام القانون الأساسي، ولا يخضع للضغط السياسي للانتخابات، أو انتهاز الفرصة لفائدة شخصية.

حميدة محققي ناشطة في مجال حوار الأديان، وعضو في مجلس إدارة شبكة النساء "جمعية هدى" HUDA e.V.

ترجمة حسن الشريف