الآمال معقودة على درس التاريخ

شهدت ألمانيا الكثير من الفعاليات التي أقيمت خلال العام الماضي إحياءً للذكرى الـ60 على انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن كيف يتعامل الشبان من أَبناء المهاجرين في أَلمانيا مع التاريخ الأَلماني؟ حوار مع المختصة بالعلوم التربيوية والمشرفة الاجتماعية فيولا غيورغي.

إحياء الذكرى الستين لانتهاء الحرب العالمية الثانية في معسكر الاعتقال أوشفيتس في بولونيا، الصورة: أ ب
الكثير من الشبان يربطون ما بين التمييز الذي يعانونه في بلد المهجر أَلمانيا وتجارب الضحايا في أَلمانيا إبان الحكم النازي.

​​شهدت ألمانيا الكثير من الفعاليات التي أقيمت خلال العام الماضي إحياءً للذكرى الـ60 على انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن كيف يتعامل الشبان صغار السن من أَبناء المهاجرين في أَلمانيا مع التاريخ الأَلماني وكيف يتم إيصاله إليهم؟ حوار مع المختصة بالعلوم التربيوية والمشرفة الاجتماعية فيولا غيورغي.

السيدة غيورغي، لقد تناولت في كتابك "ذكرى مستعارة" التصوّرات التاريخية لدى الشبان الصغار من أَبناء المهاجرين والذين يعيشون في أَلمانيا، وتوصلت الى نتائجك من خلال استفتاءات وحوارات أَجريتها عبر سنين مع مدرسين وتلاميذ حول مواضيع مختلفة. فماذا لاحظت من خلال ذلك؟

فيولا غيورغي: لقد أَبرزت أَربعة أَنواع من التصوّرات التاريخية. وصفت النوع الأَوّل بالتصوّر المقارن. ولاحظت هذا النوع لدى الشبان الصغار الذين يربطون ما بين التمييز الذي يعانونه في بلد المهجر أَلمانيا وتجارب الضحايا في أَلمانيا إبان الحكم النازي.

فعلى سبيل المثال أَثارت طفلة مسلمة سؤالاً مفاده، هل يفترض بها أَنْ تقبل الجنسية الأَلمانية ولكنها تساءلت من بعد إذا ما كانت كمواطنة أَلمانية تعتنق ديانة أخرى ستتعرّض أَيضًا في يوم ما لخطر الاضطهاد.

أَما النوع الثاني فيتمثّل في استعارة وجهات النظر الخاصة بالمجتمع الأَلماني، وبتحديد الهوية الذاتية من خلال هذا المجتمع قدر الإمكان. على سبيل المثال عن طريق تفكير البعض الذي يعبّر عنه بسؤال: كيف سأَتصرّف إذا ما كنت جنديًا أَلمانيًا؟ ولكن ثمة أَيضًا أَساطير تروى عن النازية.

إذ روى لي شاب صغير من أَصل إيراني، أَنّ أَسوأ جريمة ارتُكبت في الحرب العالمية الثانية هي قذف مدينة دريسدن الأَلمانية بوابل من القنابل. وقد أَهمل المحرقة إهمالاً تامًا. وهنا يجد المرء ما يدفعهم إلى إيجاد شرعية لهم من خلال تقمّص دور الضحايا، لكي يتحقّق لديهم الشعور بالتبعية للمجتمع الأَلماني.

والنوع الثالث من التصوّرات التاريخية، وهو الذي يعنى بشدة بالمجتمع العرقي الخاص وبالقدر. تهيمن على هذا النوع قصة اللجوء الخاصة أَكثر مما يهيمن فيه التاريخ الأَلماني. وهذا النوع موجود لدى شبان، عاشت عوائلهم قصة اضطهاد. وهم يشعرون بأَنّه يجب عليهم أَنْ يرووا قصّتهم الخاصة معتمدين على المحرقة، لكي تتم مراعاتهم في أَلمانيا بصورة عامة.

أُطلق على النوع الرابع اسم »أُفق ما بعد القومية«. حيث لا تلعب الأصول بالنسبة للشبان الذين يشكّلون هذا النوع أَي دور، فهم لا يعتبرون أَنفسهم خلفاء لضحايا أَو مجرمين، بل يقولون إنّ مرتكبي تلك الجرائم كانوا بشرًا.

إذن يوجد لدى أَبناء المهاجرين الكثير من الرؤى التذكارية المتنوّعة. لكن كيف يتم تعزيز ومناقشة هذه الرؤى في الدروس المدرسية الكلاسيكية؟

غيورغي: يتوقّف هذا على درس التاريخ. إذ أَنّ الدروس الكلاسيكية التي يراد منها أَنْ تكون وسائل لإيصال هوية وطنية، لن تحقّق هذا الهدف. ولن تؤسس ثقافة تذكارية مشتركة.

أَعتقد أَنّنا يجب أَنْ نتساءل، آخذين التطوّر بعين الاعتبار وكوننا أَعلننا مع قانون شؤون الهجرة أَنّنا مجتمع يؤوي المهاجرين، عما حدث في الواقع بوسائل تدريس التاريخ. إنّ درس التاريخ مطلوب الآن أَكثر بكثير من ذي قبل، بغية التوجّه بصورة متعددة الآفاق ومن أَجل إيجاد خطط - بالنظر أَيضًا إلى دمج تربية متعددة الجنسيات وثقافة حقوق الإنسان، التي لا يزال نموها قليلاً جدًا في أَلمانيا.

إذن لا تُتاح في المدرسة للشبان الصغار ذوي الأصول المختلفة أَي فرصة لكي يعنوا بالتاريخ وبشكل بنّاء؟

غيورغي: مع الأَسف هذا صحيح. لكن ليس فقط بالنسبة لهؤلاء الشباب، إنما كذلك بالنسبة للتلاميذ الأَلمان، الذين لديهم قابلية للتوّجهات اليمينية المتطرّفة. تعرّفت أَثناء إجرائي هذا البحث على أَنْ موضوع التطرّف اليميني والنازية والمحرقة لم يكن يُطرح في المدارس الابتدائية والاعدادية. وخاصة في الصف الثامن والتاسع. بيد أَنّه لا يمكن القول، إنّ النقص في الاطلاع يؤدي آليًا إلى توجهات يمينية متطرفة.

لكن من المحرج أَنْ يتم في بعض المقاطعات الأَلمانية الاتحادية مناقشة استبدال درس التاريخ بالجغرافيا. وبشكل خاص بالنسبة للتلاميذ من أَبناء المهاجرين والذين لا يمكننا أَنْ نتوقّع، أَنّ أَحاديثهم مع عائلاتهم تتطرّق لموضوع تاريخ أَلمانيا إبان الحكم النازي.

ما هي البوادر الموجودة لتغيير ذلك؟

غيورغي: ثمة الكثير من المؤسسات التي تسير في هذه الطريق: مدارس تعمل في إطار مشاريع مثل »ممارسة وتعليم الديموقراطية«. كما اهتم المعهد الأَلماني لحقوق الإنسان في برلين بوضع خطط وبرامج، وكذلك بإقامة بعض النصب التذكارية. لكن حتى الآن لا توجد خطط عملية متكاملة. إذ لا يزال هذا الموضوع في حالة تجريبية. ومع أَنّه توجد بوادر جيدة منفردة، لكنّها تكاد تخلو من التنظيم والتنسيق، وذلك بسبب قلّة الارتباط والتنسيق ما بين المنظمات والمؤسسات.

ما هو العمل الذي أَديته من خلال كتابك؟

غيورغي: إنّ كتابي في الواقع هو الدراسة النوعية الأولى، التي تحتوي على حوارات طويلة مع شبان، تناولت فيه تاريخ هجرتهم. كما يعرض الكتاب أَنواع التصورات التاريخية الموجودة، والتساؤلات الموجودة لديهم حول التاريخ، وإذا ما كان التاريخ الأَلماني مهمًا لتكوين هويّتهم ولماذا، مثلاً في حال كونهم حاصلين على الجنسية الأَلمانية أو إنْ كانوا يريدون الحصول عليها. أَسئلة كانت ولا تزال من مواضيع الساعة، وذلك لأَنه ليس ثمة حتى الآن دراسات مشابهة، بل فقط استفتاءات ذات طابع احصائي.

أَجرت الحوار بيترا تابلينغ
ترجمة رائد الباش
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006

فيولا غيورغي، الصورة: The Internation Network for Education, Democracy and Human Rights and Tolerance.

​​فيولا غيورغي مؤلّفة مشاركة في دراسة حالية حول موضوع "الثقافة التاريخية والسياسية في مجتمع الهجرة". تم إعداد هذه الدراسة بتكليف من صندوق "ذكرى ومستقبل" وهي تُقدّم نصائح لما يجب فعله لانجاح عملية اندماج واشراك المهاجرين الشبان.

قنطرة

ضغط متزايد على الأقلية المسلمة
شهدت المناقشات حول الإسلام والمسلمين في ألمانيا خلال العام المنصرم تحولا جذريا، حسب رأي الصحفي المختص بشؤون المهاجرين إبرهارد زايدل، وبات موقف أوساط ألمانية عديدة حيال الإسلام أشبه ما تكون بحالة هستيريا.

تتدريس مادة الديانة الإسلامية في المدارس الألمانية
تشهد أكثر من مائة مدرسة في مقاطعة نوردراينفستفالن مشروعا نموذجيا لتدريس الديانة الإسلامية. في الحوار التالي يتحدث الباحث ميشائيل كيفر عن مدى نجاح هذه التجربة وعن الصعوبات في إيجاد تمثيل رسمي للجالية المسلمة في ألمانيا.

الإندماج والتعليم
هناك الكثير من مشاريع تقوية المستوى اللغوي لدى أطفال الأسر المهاجرة، ولكن لم تحظ الأمهات الأجنبيات بعروض مماثلة، مما كان له تأثير سلبي على اكتساب اللغة الألمانية لدى الأطفال. بيترا تابلينغ عن مشروع "حقيبة الظهر للأمهات"