جدار فاصل حول أوروبا

بدلا من أن يرى الاتحاد الأوروبي في الهجرة إلى دوله فرصة سانحة له فإنه يجعل المضمون الأمني جوهر سياسته، نتيجة ذلك: تعزيز الآليات العسكرية على حدوده ونقل مراكز حماية اللاجئين من دول الاتحاد إلى الخارج. شتيفاني تسايلر توضح الخلفيات.

بدلا من أن يرى الاتحاد الأوروبي في الهجرة إلى دوله فرصة سانحة له فإنه يجعل المضمون الأمني جوهر سياسته. نتيجة ذلك: تعزيز الآليات العسكرية على حدوده ونقل مراكز حماية اللاجئين من دول الاتحاد إلى الخارج مع ما يرافق ذلك من تزايد تيارات العداء للأجانب. شتيفاني تسايلر توضح الخلفيات.

يلجأ الاتحاد الأوروبي في سياسته المتعلقة بالهجرة إلى نهج التنفير. وهو يضمن توفير اهتمام كبير بأنشطته من قبل أجهزة الإعلام طالما تعلق الأمر بإجراءات مثل بناء الأسوار الشائكة المضاعفة وممارسة الرقابة عن طريق استخدام نظام الاتصالات الفضائية وتقديم المعونات المالية لسكان مخيمات اللاجئين داخل حدود الدول الأصلية للاجئين.

لكن هذه الإجراءات التي يتخذها الاتحاد لا تمس المهاجرين المقيم أغلبهم في أوروبا مسبقا دون حيازة هوية شرعية أي الأشخاص الذين ما زالوا يقيمون في إحدى الدول الأوروبية رغم نفاذ مفعول تأشيرات دخولهم. أما الأشخاص الذين لم يحصلوا بعد على تأشيرات دخول فإنهم لا يكترثون على نحو يذكر بمثل هذه الإجراءات الأوروبية المتسرعة.

كتاب أخضر حول الهجرة

لكن مواطني دول الاتحاد الأوروبي أنفسهم يشعرون بالطمأنينة حيال اتخاذ مثل هذه الإجراءات العسكرية الضخمة. فبحكم وجود بطالة في دول الاتحاد يبلغ معدلها 8،5 بالمائة فإن مسألة الهجرة تثير مشاعر الخوف لدى مواطني الاتحاد تجاه المهاجرين كمنافسين لهم في أسواق العمل.

لا يعبأ أحد في ظل هذه الأجواء القائمة بالتنبؤات الواردة في "الكتاب الأخضر" الصادر عن المفوضية الأوروبية حول سياسة الهجرة. وقد جاء في الكتاب بأن ظاهرة تهرم المجتمعات الأوروبية ستتسبب في خلق نقص بمعدلات العمالة مقداره 20 مليون شخص لعام 2030.

لهذا فقد أوصى مؤلفو الكتاب باتخاذ إجراءات لتنظيم وتسيير الهجرة مستقبلا، بحيث يصبح من حق الحاصلين على عقود عمل والقادرين على إثبات احتياجهم للعائد الاقتصادي للعمل حيازة الأذون اللازمة للإقامة. وشدد مؤلفو الكتاب بصورة خاصة على السماح بهجرة أصحاب الكفاءات العالية مشيرين في نفس الوقت إلى أخطار "هجرة العقول" الناجمة بالنسبة للدول الفقيرة عن هجرة هؤلاء الأفراد من أراضيها.

64 مليون مهاجر في أوروبا

هذه بعض العوامل الهامة المؤدية إلى ارتفاع معدلات الفقر في دول المهاجرين الأصلية في كل من أفريقيا وآسيا. حيث يبلغ عدد المهاجرين اليوم 64 مليون شخص يعيشون في الدول الأوروبية كما تفد أعداد كبيرة منهم يوميا إلى أوروبا.

يدرك هؤلاء الأشخاص بأن بوسعهم الحصول على عمل في أوروبا في غضون أسابيع قليلة. وأصبحت عدة قطاعات مثل الزراعة والبناء والمطاعم والفنادق والخدمة المنزلية والرعاية المنزلية للمرضى الطاعنين في السن تستفيد عمليا من نشاط هؤلاء المهاجرين الذين يتم التسامح مع صفة إقامتهم غير الرسمية ولا يقومون بتأدية الضرائب السائدة، علما بأنهم يفتقدون إلى الحقوق السائدة ويكسبون أضأل الأجور.

هذا إذن هو الوجه الآخر للسياسة المبنية على إغلاق بوابة أوروبا في وجه الراغبين في الهجرة والذي يساهم وفقا لمعلومات خبراء الاقتصاد بمقدار 25 بالمائة من مجموع الناتج القومي للدول الواقعة جنوبي حوض البحر الأبيض المتوسط.

هجرة في عصر العولمة

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 عمد الاتحاد الأوروبي إلى تهميش فكرة خلق منطقة تهيمن عليها معطيات الحرية والقانون ووضع معيار الأمن مركزا جوهريا لسياسته المتعلقة بالهجرة. ففي البرنامج الصادر في مدينة لاهاي الهولندية بشأن سياسة الاتحاد الأوروبي حول الهجرة وإدماج الأجانب للفترة الواقعة بين 2005 و2010 يلاحظ بأن الاتحاد يربط اليوم ويخلط بين الهجرة والاندماج والحق في اكتساب اللجوء السياسي من جهة وبين تجارة الرقيق والجريمة المنظمة والمتاجرة بالمخدرات وممارسة الإرهاب من جهة أخرى.

كما تصب 17 بالمائة من المقترحات الصادرة عن المفوضية الأوروبية في هذا الاتجاه. لكن هذا الخلط بين مواضيع مختلفة يشدد بما لا يقبل التأويل وبصورة درامية على عنصر الإشكالية الاجتماعية لقضية الهجرة اليوم من في عصر العولمة.

جدار مجهز برادارات

أسبانيا على سبيل المثال رفعت في العام الماضي وبتمويل من الاتحاد الأوروبي الجدار الحدودي الفاصل ليصبح ارتفاعه ستة أمتار. هذا الجدار مجهز برادار للمسافات البعيدة وبكاميرات الصور الحرارية وأجهزة للرؤية في الظلام وبالأشعة تحت الحمراء. بالإضافة إلى ذلك تم إدخال نظام بنك للمعلومات مختص ببصم الأصابع إلى الاتحاد الأوروبي وإنشاء وكالة حماية الحدود المسماة "فرونتيكس" المخولة بحرس الحدود من قبل قوات أمن وطنية لا سيما على امتداد حدود ساحل البحر الأبيض المتوسط.

ومن المقرر في الوقت الراهن تطوير نظام لتنظيم الحراسة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي كما يدرس حاليا مشروع لتطبيق نظام للمراقبة مدعم من الأقمار الصناعية لمنطقة البحر المتوسط وجعل ما يسمى فرق المهام الفورية مهيأة للعمل من ساعة إلى أخرى.

سيصبح بالإمكان تعبئة 250 من حراس الحدود والمترجمين الفوريين وفرق الإسعاف في خلال عشرة أيام فقط في حالة تصعيد معدلات الهجرة غير الشرعية. والفكرة من وراء ذلك هي ليست في المقام الأول تقديم الحماية للاجئين بل تفعيل عملية إبعادهم في أقرب وقت ممكن.

لهذا السبب فقد تم عام 2005 تغيير لوائح طرق منح حق اللجوء السياسي بما يسمح بالتالي بإبعاد اللاجئين بأبسط الطرق إلى المناطق الواقعة خارج أوروبا. من الأمثلة الراهنة على ذلك التعاون القائم بين الاتحاد الأوروبي وكل من المغرب وليبيا مع ملاحظة بأن ليبيا لم تصادق حتى على اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية اللاجئين.

رتبة "مساعد شريف" للمغرب

نزح في السنوات الخمس الماضية قرابة مليوني شخص من أفريقيا بطريقة غير شرعية من بلادهم إلى المغرب برا أو من خلال التوجه إلى أسبانيا عن طريق البحر. وفي عام 2003 سن المغرب قانونا جديدا ينص على فرض عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاما على كل من يساعد اللاجئين على الفرار عبر الأراضي المغربية.

وطالب الاتحاد الأوروبي هذه الدولة في خريف العام الماضي بتشديد المراقبة على حدودها الخارجية. بهذا المضمون أصبح المغرب بمثابة "شريف مساعد" لأوروبا. لهذا فقد حدثت تغييرات في مسالك الفرار إلى أوروبا، فأصبحت موريتانيا تحتل في هذا السياق المرتبة الكبرى كما باتت قوافل الفرار تتحرك في الآونة الأخيرة من السنغال وغينيا بيساو أيضا.

وقد وصل في العام الجاري وحده أكثر من 27000 لاجئ إلى جزر الكناري، وكانت وسيلة نقلهم قوارب قديمة غير مؤهلة للرحلات البحرية الصعبة. بناء على معلومات الاتحاد الأوروبي وصل 14500 منهم إلى الأراضي الإيطالية فيما وصل أكثر من 1600 شخص آخر أراضي جزيرة مالطة. ولقي في هذا السياق العديد من اللاجئين حتفهم غرقا.

ثمن التعاون الإفريقي

من الأولويات القصوى للاتحاد الأوروبي إلزام دول الأصل ودول الترانزيت بالمشاركة في السياسة الرامية إلى صد المهاجرين إلى أوروبا. هذا ولا يحدو اليوم الدول الأفريقية أدنى اهتمام بإعادة احتضان المهاجرين غير الشرعيين.

فوجودهم خارج بلادهم يخفض من جانب أول معدلات البطالة في الداخل ، كما أن التحويلات المالية للمهاجرين المقيمين في أوروبا إلى بلادهم باتت تشكل أحد المصادر الهامة للدخل العام هناك. حيث جاء في تقرير لخبراء للأمم المتحدة بأن مجموع تحويلات المهاجرين يبلغ ثلاثة أضعاف المساعدات الإنمائية المالية التي تنالها تلك الدول.

معنى ذلك أن إبرام اتفاقيات مع الدول الأفريقية تنص على استعادتها للمهاجرين (علما بأن ذلك لا يتضمن مواطنيها فحسب بل مواطني دول أخرى أيضا عبروا أراضيها مرورا في طريقهم إلى أوروبا) لا يمكن أن يدخل حيز التنفيذ ما لم تقدم أوروبا للدول الأفريقية المعنية "ثمنا" لقاء ذلك.

"العامل الضيف"

طرحت ألمانيا وفرنسا في نهاية شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي أمام اللقاء الأخير الذي عقد في مدينة ستراتفورد البريطانية وشارك به وزراء داخلية أكبر ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي اقتراحا يهدف إلى حل هذه المشكلة.

تضمن الاقتراح إعادة إحياء صيغة "العامل الضيف" (أي إبرام عقود مع عمال أجانب ذات طبيعة زمنية محدودة) ومنح الدول التي ينزح منها طالبو الهجرة نسبا عالية من أماكن العمل الشرعية والمحددة زمنيا فيما لو أبدت استعدادها للتعاون حيال استرجاع المهاجرين بطرق غير شرعية. لكن هذه الخطط التي تؤيدها كل من بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وبولندا ما زالت تنطلق من حق كل دولة من دول الاتحاد في ممارسة سياسة للهجرة والعمل تكون نابعة في المستقبل أيضا من السيادة الوطنية لكل من هذه الدول.

لهذا السبب لا يسعنا أن نتوقع أبدا أن يلتزم عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي بنسب الهجرة الشرعية المتفق عليها مبدئيا فقط.

يحارب الاتحاد الأوروبي اللاجئين أنفسهم بدلا من أن يسعى لاحتواء الأسباب التي تحدوهم للهجرة. وهنا يضمحل بسرعة وعي الاتحاد بالمسؤولية تجاه المهاجرين من القارة الأفريقية. بالإضافة إلى ذلك فإن سياسة الاتحاد الأوروبي المتعلقة بتدعيم أسعار المنتجات الزراعية الأوروبية تؤدي إلى تدمير أسواق القارة الأفريقية كما أن تصعيد معدلات صيد الأسماك من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي على سواحل غرب أفريقيا يفرز الفقر والجوع هناك.

رؤى جديدة للهجرة

أما المستجدات الوحيدة للجدل الدائر داخل الاتحاد الأوروبي فتقتصر على تزايد الإدراك بكون ظاهرة الهجرة حقيقة واقعة سواء شاء المرء تقبل هذه الظاهرة أم لا. لكن الاتحاد الأوروبي يبقى بعيدا تماما عن توجه طويل الأجل ومتسم بقدر أكبر من الإنسانية، توجه يتمركز على تكريس التطور الاقتصادي والنهوض بالديموقراطية في أفريقيا.

لهذا كانت هناك حاجة ماسة على وجه خاص للتعامل مع ظاهرة الهجرة برؤى جديدة تماما. فبدلا من ربط الهجرة بشعارات طنانة كالإرهاب والجريمة وتجارة الرقيق والمجتمع المتوازي يتطلب الأمر من الاتحاد الأوروبي التشديد على الجوانب الإيجابية للهجرة وخلق مداخل خالية من الأخطار لطالبي الحماية وسن قانون للجوء السياسي متسم بروح ليبرالية.

من خلال ذلك يصبح بوسع الاتحاد الأوروبي إحداث انعطاف في الوعي المجتمعي والتجاوب مع الالتزامات الدولية النابعة من اتفاقيات جنيف حول اللاجئين.

شتيفاني تسايلر
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

شتيفاني تسايلر تعمل صحفية حرة في برلين.

قنطرة

الهجرة غير الشرعية إلى أوربا
الآلاف من الأفارقة يخاطرون بحياتهم من أجل الوصول إلى أوربا، أما أولئك الذين يبعدون إلى أوطانهم فيعانون من سخرية أقاربهم وأصدقائهم. تقرير موريتس بيريند من عاصمة السنغال داكار

الهجرة في العالم - الهجرة إلى أوربا
من التناقضات الصارخة أن يواجه البعض حركات الهجرة بمشاعر مشوبة بالقلق والذعر، متجاهلاً أن هذه الحركات كانت قد شاركت بفاعلية قوية لأن ترتقي أوروبا إلى مصاف أكثر أقاليم المعمورة رخاءً ورفاهية. تحليل فرانك ديفيل

تدفق الفقراء إلى أوربا
يدعو روبرت نويدك، مؤسس منظمة كاب أنامور الإغاثية الألمانية، الأوربيين إلى التعامل مع مسألة المهاجرين غير الشرعيين إلى أوربا بمسؤولية أكبر ويحثهم على التعاون مع بعض الدول الإفريقية

"يجب معاملة اللاجئين كبشر"
كثيرا ما يقع اللاجئون الذين يحاولون التسلل إلى أوربا عبر سبتة ومليلة ضحية لعنف الشرطة المغربية والإسبانية، وهذا ما يثبته تقرير منظمة "أطباء بلا حدود" التي تقدم رعاية طبية للاجئين. حوار مع مدير مكتب طنجة فريدريكو بارويلا