الحضارات ليست كائنات سياسية

التقت قنطرة برضوان السيد أحد أبرز المثقفين العرب أثناء اشتراكه في مؤتمر الثقافة العربية الذي عقد أخيرا بالقاهرة. وتمحور لقاؤنا حول مبادرات الحوار الجارية بين العالم الإسلامي والعالم الغربي وردود فعل المثقفين العرب على الاحتلال الأمريكى للعراق.

الحضارات ليست كائنات سياسية

التقت شبكة قنطرة بالدكتور رضوان السيد أحد أبرز المثقفين العرب أثناء اشتراكه في مؤتمر الثقافة العربية الذي عقد بالقاهرة في بداية شهر يوليو/تموز، تحت عنوان " نحو خطاب ثقافي جديد، من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل". وتمحور لقاؤنا حول مبادرات الحوار الجارية بين العالم الإسلامي والعالم الغربي وردود فعل المثقفين على الاحتلال الأمريكى للعراق و حالة الإفلاس التي يعيشها المثقف العربي حاليا وعن ما إذا كان هناك أمل في تغيير الأوضاع الحالية في العالم العربي.

هناك العديد من المبادارات بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لدعم الحوار بين العالم الإسلامي وأوربا. ما نوع الحوار الذى ترونه مناسبا للتقريب بين الحضارتين؟

رضوان السيد: ليس هناك صراع أو حوار بين الحضارات، فالحضارات ليست كائنات سياسية وأنا أرفض مثل هذا الكلام، والكلام المنطقي فى رأيى أن هناك مشاكل سياسية واقتصادية وثقافية بييننا و بين الأمريكيين والأوربييين ونناقشها باعتبارها كذلك وليس باعتبارها مناقشة بين الحضارة الإسلامية والغربية.

من الملاحظ أن ردود فعل المثقفين العرب على الوضع السياسي والاجتماعي الراهن بعد سقوط نظام صدام حسين ضعيف جدا، فلم يحدث اكتشاف المقابر الجماعية على سبيل المثال استنكارا يذكر من طرف المثقفين؟

السيد: بالعكس أنا ألاحظ أن استجابات المثقفين العرب لأحداث العراق و فلسطين ذات وتيرة عالية وصارخة إلى حد أنه لم تعد هناك حدود للموضوعية أو حتى تفكير في البدائل، بمعنى أنه ليس هناك تفكير لدى المثقفين العرب الآن إلا بضرورة النضال ضد الأمريكيين والإسرائيليين لإخراجهم بالقوة من أراضينا و لو بالهجمات الانتحارية وغيرها من السبل، فالمقاومة المسلحة هي الطريقة التي يؤمن بها الآن أكثر من 80 بالمائة من المثقفين العرب. ومن هنا استجابتهم هائلة وكبيرة إلى حد أن هذا الغضب الأعمى يحجب الرؤية عن الوظيفة الأخرى للمثقفين التي لا تقل أهمية وهي مراجعة السائد ومحاولة إيضاح البدائل التي يمكن أن تؤدي إلى هذه الأهداف النضالية بأساليب مختلفة عن الأسلوب الذي يمارس حاليا.
وأنا رأيي أن زملائي من المثقفين العرب لديهم الحماس الزائد و ليس العكس ولذلك لا يمكنني القول بأنهم غضوا الطرف عن المذابح الجماعية. فأكثر المثقفين العرب و لنقل 70 فى المائة منهم لم تكن مع صدام حسين وكنا نعلم بأمر المقابر الجماعية وكنا ندينها و نتحدث عنها منذ عام 1981 أثناء الحرب العراقية الإيرانية وكنا نتحدث عن مظالم النظام العراقى ومصائبه ونقول إن هناك أنظمة عربية أخرى لا تقل عنها إجراما. أما وجود الاحتلال الأمريكى فيجعل المثقف الذي يدعو لمناهضة هذا الاحتلال لا يمتلك الفرصة لتكون له الأولوية لإدانة المجازر او المقابر الجماعية لنظام صدام حسين بسبب الاحتلال الأمريكى والأولوية الآن لمناضلته.

كيف تفسر ظاهرة تضامن الكثير من المثقفين العرب مع رموز النظام السابق، بل و يتحدثون عن "المقاومة العراقية" بكل فخر؟ هل تعكس ردود الفعل هذه حالة الإفلاس التام الذى يعيشها المثقف العربى حاليا؟

السيد: الحقيقة انا أنظر أيضا للمقاومة العراقية بكل فخر ولكننى اعتقد أن من مهام هذه المقاومة الآن أن تبحث بنفسها عن صدام حسين و زبانيته وأن تقتلهم حتى لا يظل عارا على هذه المقاومة وحتى لا يظل الأمريكيون يقولون إن أعوان صدام وبقاياه هم اللذين يقاومون وهذا غير صحيح، فصدام و جماعته لو أرادوا المقاومة بالفعل لقاوموا الغزو الأمريكى للعراق، ولكن الجيش انهار وانهارت الإداراة و هرب البعثيون وهرب صدام و لم يقاوموا على الاطلاق. علينا نحن أن نقتله بأنفسنا لأنه اذا قتله الأمريكيون سيعد شهيدا ولا يجوز أن يحصل أمثال صدام على شرف الشهادة.
أما عن الإفلاس الذى تتحدثين عنه فأنا أقول لك نعم لدينا مشكلة. فالأنظمة العربية لم تعد بحاجة للمثقفين مثلما كانت أيام الحرب الباردة، تحتاج لنا ليصفق البعض منا لأمريكا و البعض الآخر للاتحاد السوفيتى، ولكن بعدما انتهت الحرب الباردة وأصبحوا جميعهم فى قبضة الولايات المتحدة ولم يعودوا بحاجة لنا، فالآن ينظر للمثقف نظرة دونية، فلماذا يحتاجنا الحاكم وهويعرف اين ترقد مواطن السلطة!
والأمر الثانى لحالة الإفلاس التى نعانى منها هو ضعفنا البنيوي كمثقفين لإننا فئة اجتماعية جديدة ليس لها جذور اجتماعية، إذا اختفينا واختفت الجامعات في الوطن العربى لن يفتقدنا أحد لأن الفئات الغنية ترسل أبنائها للدراسة إلى الخارج والطبقات الدنيا، لا احد يهتم بتعليمها في الأصل. من خلال عملي بالجامعة اللبنانية التى يوجد بها 70 ألف طالب أعرف أنه لا يوجد أحد منهم يتعلم تعليما جيدا وهذا ينطبق على جميع جامعات البلدان العربية، فضعفنا البنيوي يأتي من كوننا لا نمتلك وظيفة أساسية في المجتمع. نحن لم نستطع أن نجعل أنفسنا ضروريين للمجتمع.
وهناك ضعف آخر يتمركز فى عدم اهتمامنا بتطوير أنفسنا و تطوير معرفتنا. لابد و أن نكون منفتحين و متفوقين معرفيا فنحن لا ننتج من بطوننا، بل من عقولنا وهذه العقول تحتاج إلى المعرفة.

هل تعتقد أننا نعيش عصر " ثقافة الهزيمة " ام "هزيمة الثقافة"؟

السيد: الثقافة لا تنهزم أبدا، فأكثر عصور الثقافة ازدهارا من الناحية الثقافية هو عصرنا هذا. فهو مليء بالأفكار والكتب والمعارف المتاحة بأسهل السبل ونحن محظوظون بأننا نعيش فى هذا العصر ليس كعرب بل كبشر عامة. فكل ما نحتاجه هو اكتساب الأساسيات مثل امتلاك كمبيوتر وإنترنت وتعلم لغة ووجود حد أدنى من الدخل يمكّننا من شراء الكتب الجديدة.

إحدى الأسباب الرئيسية لتخلف العالم العربي هو النظام الريعي. هل هذا السبب الاقتصادي كاف لشرح التخلف على المستوى السياسي وعدم إقامة الديموقراطية؟

السيد: انا رأيى ان فكرة النظام الريعي أطلقها راشد البراوى منذ وقت طويل ووافق عليها اقتصاديون آخرون غير عرب ولست مع الفكرة على الإطلاق، بمعنى أنهم يقولون إن هذه الدول العربية لا تحقق تنمية لأنها تعتمد على ثرواتها الطبيعية التى يستوردها الأجانب و يصنعونها ونحن نعيش من وراء هذه الثروات دون أن تحدث حركة تقدم و نمو لدينا. هذا ليس صحيحا، فلننظر كيف كنا فى مطلع القرن العشرين وما نحن عليه الآن. كل ما فى الأمر أن البنيان الاجتماعي والاقتصادي الخاص بنا تعرض لتغيرات كثيرة بعضها ايجابي. إلا أن الأنظمة السياسية الآن، بل في الثلاثين عاما الأخيرة تحولت الى عائق فى وجه التطور الاقتصادي والاجتماعي العربي. إذا نظرنا مثلا إلى دول شرق آسيا التي صنعت التنمية الاقتصادية بنفسها أو عن طريق توجيهات سياسية عامة، أما الدولة عندنا فإنها تعوق حدوث تنمية حتى فى القطاع الخاص بالاضافة إلى الفساد القاتل في القطاع العام. فالمشكلة ليست فى القطاع العام أو الخاص، بل أنها تكمن فى الدولة وإدارتها، فإذا كانت الدولة صالحة و شفافة وبها قدر مقبول من الفساد فستحدث تنمية. ولكن عندنا يبقى الحاكم فى السلطة 50 عاما معتمدا على قوة الأجهزة الأمنية في الداخل وعلى الفساد الهائل الذى يخدم بقاءه فى السلطة وفي الخارج يعتمد على الأمريكيين او غيرهم من أجل الاستمرار فى التسلط. لهذا ُنتهم بأننا مجتمعات متخلفة غير قادرة على التنمية.

ما المطلوب إذا من النخبة العربية في الوضع الراهن بالذات؟

السيد: مهمتنا الأساسية هو العمل على التغيير السياسي في الوطن العربي، كل فى بلده. أما كمثقفين عرب فينبغي علينا أن نناضل. وهناك نوعان من النضال، نضال من أجل التحرر من الاستعمار، فى العراق و فلسطين، ونضال من أجل التحرر من الديكتاتورية وهذا النضال الثاني هو مهمتنا الرئيسية.

ما هو تقييمك للبيان الذى توصل اليه مؤتمر القاهرة " نحو خطاب ثقافي جديد، من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل" والذى ألقى باللوم كله على الخطاب الديني الحالي؟

السيد: أنا موافق إلى حد كبير مع أن الخطاب الديني الحالي به عيوب ولكن ليس مع فكرة أن يكون تجديد الخطاب الديني له الأولوية. نعم الخطاب الديني والفكر الديني يجب أن يتغيرا ولكن آليات و طرق التغيير فى المسائل الدينية تختلف عن آليات و مسائل التغيير الثقافية والسياسية والاجتماعية الأخرى. فالإصلاح الدينى لا يتم إلا على المدى الطويل ولابد ألا يلهينا ذلك عن مشكلتنا الأساسية وهي الجمود السياسي والديكتاتورية والإرهاب و فشل التنمية و كلها مشكلات لا علاقة لها بالدين او بالإسلاميين، فمشكلة الإسلام الأصولي هى نتيجة لفشل السلطة والديكتاتورية و ليست هي لب المشكلة.

أجرت الحوار نيللي يوسف

رضوان السيد، مواليد لبنان 1949 درس في الأزهر وحصل على الدكتوراة من جامعة توبنغن/ألمانيا. أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية.