ركوب حافلة المدرسة معاً في القدس

بوجود تفاعل محدود بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يبحث خالد دياب، الصحفي المصري البلجيكي كيف يمكننا منع الأصوات المتطرّفة من الكلام بالصوت الأعلى



بلغ انعدام الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين درجة أن كل تصرّف تقريباً من قبل الطرف الآخر يُنظَر إليه عبر منشور الشك والريبة. خذ على سبيل المثال خط قطار القدس الخفيف. عندما يبدأ هذا القطار عمله قريباً، سوف يصل غرب المدينة اليهودي مع شرقها الفلسطيني. ينظر العديد من الفلسطينيين، الذين ينتابهم القلق حول التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المستمر، إلى القطار الجديد على أنه جزء من خطة إسرائيلية لإحكام القبضة على مدينة القدس بأكملها، وليس كخدمة نقل مفيدة. بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فإن فكرة مشاركة الفلسطينيين كركّاب هي احتمال يثير الخوف والبغضاء.

ويعود ذلك جزئياً إلى أنه بوجود اتصال شخصي محدد بين الجانبين، فإن أصوات المتطرفين هي الأعلى. ويعتبر تجنب الوصول إلى هذا الوضع النهائي من انعدام الثقة رحلة طويلة يجب أن تبدأ مبكراً بقدر الإمكان في الحياة. قد يكون إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين أن يصبحوا زملاء في ركوب الحافلة المدرسية، على سبيل المثال، واحداً من أكبر التحديات التي تواجه هؤلاء الذين يسعون لتحقيق مستقبل من التعايش المشترك. تهدف شبكة "يداً بيد" التعليمية الثنائية اللغة إلى توفير فرصة كهذه بالضبط. تتكون الشبكة التي تأسست عام 1997 من قبل عامل اجتماعي إسرائيلي أمريكي، هو لي غوردون ومعلم فلسطيني إسرائيلي هو أمين خلف، من أربع مدارس يستطيع فيها اليهود والفلسطينيون الإسرائيليون الدراسة معاً باللغتين العربية والعبرية. وتقع أكبر المدارس، والتي تضم 500 تلميذ في مدينة القدس.

 

تشجيع روح الحوار

الصورة د ب ا
السلام يبدأ من القاعدة بعيدا عن الأيديولوجيا

​​

تمشّياً مع هدف المدرسة بتشجيع المساواة التامة بين العرب واليهود، لا يعرف التلاميذ أحياناً بل لا يهمهم عرقية زملائهم في المدرسة. "لا ينظر التلاميذ في المدرسة إلى بعضهم بعضاً كيهود أو عرب، بل يستخدمون معايير خاصة بهم" يشرح أيرا كيريم العامل الاجتماعي الأمريكي، ودليلي هذا اليوم. "الأمور التي تهمهم هي أمور مثل: هل هذا الشخص مادة لصديق جيد، هل هذا التلميذ جيد المعشر، هل يجيد لعبة كرة القدم؟"

"نتعلم أن نحب الناس لشخصيتهم وليس للمكان الذي يأتون منه أو لدينهم." تقول روث، وهي تلميذة يهودية. رغم ذلك، ورغم أفضل جهود المدرسة فإن عدم المساواة يزحف إلى المعادلة. نظرياً يجب أن يضمن توجيه المدرسة ثنائي اللغة أن يصبح جميع الطلبة على كفاءة متساوية في العبرية والعربية، تشرح إيناس ديب، المسؤولة عن البرامج التعليمية في المدرسة. "إلا أن التلاميذ العرب بشكل عام يتكلمون العبرية بصورة أفضل مما يتكلّم التلاميذ اليهود اللغة العربية"، تقول السيدة ديب. "العبرية هي اللغة السائدة ... يتكلم التلاميذ العرب العبرية خارج المدرسة، بعكس معظم التلاميذ اليهود ]الذين لا يتكلمون العربية[".

رغم هذه الفروقات اللغوية، التي تعمل المدرسة وأهالي الطلبة على التعامل معها، يؤكد التلاميذ على الشعور العام بالمساواة والثقة. "لا توجد فروقات هنا بين التلاميذ اليهود والفلسطينيين. بعكس الوضع خارج المدرسة، نشعر هنا بالمساواة" يوافق مؤيد وجوهان، وهما مراهقان فلسطينيان يدرسان في المدرسة. ولكن واقع المدينة المقسّمة ليس بعيداً أبداً عن بوابات المدرسة. عندما أصرّيت على سؤال التلميذين الصغيرين عما إذا كانا يتفاعلان اجتماعياً مع أصدقائهم اليهود، أجابا بالإيجاب، ولكنهما أشارا إلى أن الجيران اليهود والفلسطينيين ليسوا دائماً متسامحين ومتفهّمين.

 

مشروع مدرسة "يدا بيد"

الصورة د ب ا
ثقافة السلام ي بدلا من ثقافة العنف..........

​​

تفعل مدرسة "يداً بيد" كما يشير اسمها، ما بوسعها لتشجيع الحوار الصادق والاحترام المتبادل بين التلاميذ والأهالي على حد سواء، يقول كيريم، "ندرّس أن سفك الدماء لن يحل النزاع أو يحقق السلام"، تضيف السيدة ديب. ورغم أن ذلك يدعو إلى الثناء، فإن السؤال حول الفرق الذي حققه بضعة ألاف من الأطفال درسوا "يداً بيد" وغيرها من المدارس المماثلة هو سؤال مثير للمشاعر. "ليست لدينا مشاعر زائفة بأن هذه المدرسة سوف تحقق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين" يعترف أحد الآباء اليهود الإسرائيليين لي. "ولكن يتوجب عليك أن تفعل شيئاً، وكل شيء مهما كان صغيراً يحقق فرقاً. ويتوجب عليك أن تبدأ بنفسك".

"توفر هذه المدرسة بصيصاً من الأمل للمستقبل، ولأجل أطفالنا، نحتاج لأن نوفر لهم كل قدر ممكن من الأمل"، أضافت صديقته الحميمة، وهي أم فلسطينية. ولكن حتى يتسنى الإبقاء على هذا الأمل منيراً، وربما المساعدة على زيادة جذوة اشتعاله فإننا نحتاج للدعم. تعتمد "يداً بيد" في ثلث تمويلها على الأقل على التبرعات الدولية الخاصة، التي تأثرت كثيراً بالتباطؤ الاقتصادي. إذا فشلت في الحصول على المزيد من الأموال فقد تضطر للحد من نشاطاتها. رأي كاتب هذا المقال أن "يداً بيد" لا تستحق المساعدة فحسب، ولكن هذا النوع من التعليم ثنائي اللغة يجب أن يتوفّر بشكل عالمي أكثر حتى يتسنى مساعدة الأجيال المقبلة على تعلّم العيش معاً.



خالد دياب
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011


خالد دياب صحفي وكاتب مصري بلجيكي يعيش في القدس ويكتب حول مجال واسع من المواضيع، بما فيها الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والإسلام والعلمانية والتعددية الثقافية وحقوق الإنسان. له موقع عنوانه www.chronikler.com.