العودة من الحرب

مختارات شعرية تغطي خمسين عامًا من الزمن وتحتوي على أعمالٍ لأكثر من أربعين شاعرًا ينتمون لأجيالٍ متباينة. بقلم فولكر كامينسكي

​​

الكتاب عبارة عن حجر أساس، عن خلاصةٍ وافية، ويضم ما يقارب سبعمائة صفحة (باللغتين، العربية والألمانية). كتابٌ يدعو القارئ لتصفحه من حينٍ لآخر أو للإلمام بالشعر العراقي على امتداد نصف قرن.

لا ينطلق عنوان المختارات الشعرية "العودة من الحرب" من حالة الحرب القائمة في العراق في الوقت الحالي وحسب. فالعنف والحرب يسودان العراق باستمرار منذ الانقلاب العسكري في عام 1958. أما العنوان فيُعبِّر عن المواضيع المشتركة بين جميع الشعراء: الدمار، الحرب، الحرمان من الحقوق، التهجير، وفقدان الوطن.

هذه التجارب لا زالت قائمة حتى اليوم (حرب العراق) مع أن معظم الكتَّاب لا يعيشون في العراق أو أنهم قد غادروه. لذا تأتي "العودة من الحرب" في كثيرٍ من الأشعار محض خيال، حيث يلتفت الكثيرون بحسرةٍ بالغةٍ إلى أيام الطفولة ليشكوا من الخسارةِ والفقدان المحزنين.

هذه الذكريات يمكن قراءتها في قصيدة "مشهد قديم" لهاشم شفيق التي جاءت على النحو التالي:
" كانت لأمي/شجرة دفلى/وساحة بط منقطة بالشعير/ومزرعة للخيار والفلفل/كان لها/عسل أشهب راكد في القفير"

إلا أنَّ المشهد يتجهم في الأبيات الأخيرة فجأةً ويتجلى فقدان الوطن:
"كنا صغارا/ولكنني الآن حين صحوت هنا/شاب شعري/وأعشت رؤاي/ولم أالق شيئا

وكثيرًا ما تؤدي العودة الفعلية إلى خيبة مريرة وفقدان للبوصلة كما هي الحال عند خالد المعالي:
عدت توا/عابرا كل دروب، مناديا أشجاري/هناك كانت الأفعى تستريح/ووحدي، كنت بلا عذر/لهذا، ركضت بعدما لاحت/الأوهام خلفي كجيش/حتى غامت الرؤيا، وبدا أن/الظلام حل وحان لي أن أستريح//

عدت من المنفى لكي أمضي/عابرا في طريق ركام السنين/ناسيا أشجاري وأنهاري التي اختفت/باحثا عن الذكرى/عن الوهم، عن الدرب الترابي الصغير./لكني تهت، عندما عدت من المنفى/اكي أمضي/عكازي اختفى والظلام حل/وما عدت أدري أين الطريق

ولا يتم الحديث بوضوح عن موضوع العودة وفقدان الوطن في العديد من القصائد. إلا أن هذه الأشعار تتسم أيضًا بهيمنة أجواء الحزن والحسرة عليها كما نقرأ عند سعدي يوسف:

غيمة في الضحى تتدحرج ... /لو كنت طفلا/لأمسكتها بيدي/ثم ألقيتها في الحديقة/كرة .../ودخلت الكرة/وأمرت الكلاب: انبحي ... كي أطير

وتأتي في مقابل مواضيع العودة مواضيع تخيلات الهروب –الرغبة في الإفلات من الظروف المحيطة. في قصيدة "صوت اللؤلؤ" لحسين مردان على سبيل المثال.

هناك أمثلة لأشعار سياسية بامتياز، تروي عن العنف والموت، كما في أشعار سركون بولص الذي كتب عن الجلاد الذي:
عندما/نصب الجلاد خيمته/فارشا آلات شرابه/على الأرض/في حديقتنا الصغيرة/مستعدا للإحتفال بالنصر/بعد نهاية المذبحة/رأينا الأزهار تنطفئ/والنجوم تعمى.

يؤكد الناشر على أنَّ كل النصوص المختارة تنتمي للشعر العربي الحديث الذي بدأ ينتشر بعد الحرب العالمية الثانية، وكان يطمح للابتعاد عن أسلوب الخطابة التقليدي وعن بحور الشعر الكلاسيكية وقد يتأثر في لغته وأساليبه بالشعراء الأوروبيين والأميركيين الحديثين مثل ايليوت، إزرا باوند، بابلو نيرودا ووالت وايتمان.

الشعراء الأكبر سنًا ولدوا في عشرينيات القرن الماضي وهم في الوقت عينه مؤسسو الشعر العراقي الحديث. أما الشعراء الأصغر سنًا فولدوا في الستينيات والسبعينيات ويعيش جزءٌ منهم في العراق بينما يتوزع جزءٌ آخر على المنافي، على سبيل المثال على الدول الاسكندينافية أو ألمانيا.

ينعكس الابتعاد عن الأسلوب التقليدي عبر إتباع شكلٍ لغويٍ بسيط لدى الجميع تقريبًا، حيث تبدو القصائد كالنثر أحيانًا –مجرد ملاحظات في أسطر– بينما تتخذ أحيانًا أشكالاً ملحميةً فعلية، لكننا لا نجد لعبًا متكلفًا ولا تكثيفًا لغويًا ولا تفننًا يغرب المعاني في الكلمات أو اللغة إلا فيما ندر. وقد يبدو هذا وكأنه فقر في الشاعرية أحيانًا، لكن بالطبع لا بد من نأخذ بعين الاعتبار أنَّ الترجمة تترافق غالبًا مع فقدان مؤثرات الإيقاع والموسيقى أو اللغة الفردانية.

بقلم فولكر كامينسكي
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007

العودة من الحرب، الشعر العراقي الجديد، تحرير وتقديم خالد المعالي، ترجمها عن العربية خالد المعالي وهريبرت بكر، 2007

قنطرة

"حاولت أن أجد إمكانية أخرى للتعبير عن ذاتي"
أسس الشاعر والناشر العراقي خالد المعالي منشورات الجمل في مدينة كولونيا قبل عشرين عاماً. وبمناسبة هذه الذكرى أجرت معه قنطرة Qantara.de هذا الحوار وتحدثت معه عن الصعوبات التي تواجهها دار نشر عربية وعن رواج الأدب الألماني في الدول العربية

التبادل الأدبي الألماني - العربي
يعتبر الأدب دوما أحد الوسائل الرئيسية في حوار الحضارات، وغالبا ما يتمثل هذا في شكل أنشطة صغيرة تعمل في الخفاء: المترجم والناشر مثلا اللذان يعيشان على حافة الكفاف، ويقتاتان من العمل في التعريف بالثقافة الغريبة المحبوبة. ونقدم هنا مبادرات ألمانية وعربية