الحجاب والصليب

تدعو أولريكه فرايتاغ، مديرة مركز الشرق الحديث في برلين، إلى تجديد علم الدراسات الإسلامية في ألمانيا وذلك تماشيا مع المتطلبات العصرية لهذا التخصص. كتبت فرايتاغ هذا النص بمناسبة عيد ميلاد فريتز شتيبارت الثمانين، مؤسس مركز الشرق الحديث.


بقلم أولريكه فرايتاغ

لماذا يجب على الدراسات الإسلامية اليوم الاهتمام بترجمة الثقافات

أوشك عالم الدراسات الإسلامية البرليني، فريتز شتيبارت أن يناهز من العمر 80 عاماً. وقد سبق له العمل كبروفيسور في معهد الدراسات الإسلامية بالجامعة الحرة في برلين من 1969 وحتى 1990، ويعتبر هو الذي مهد الطريق للدراسات الشرقية التي تعني بالحاضر المرتكزة على قاعدة تاريخية في الوقت نفسه. ويعد شتيبارت وسيطاً بين الثقافات: شغل أوائل الستينات منصب رئيس معهد غوته في القاهرة، وعمل مفتشاً لوزارة التربية المصرية لشئون تعليم اللغة الألمانية، وعبد الطريق بعد تقاعده لتأسيس مركز الشرق الحديث. وتهدي مديرة المعهد الجديدة، أولريكه فرايتاغ، مقالها لشتيبارت تدعو فيه إلى تجديد الدراسات الإسلامية.

اكتظت القاعات الدراسية الخاصة بالدراسات الإسلامية في الجامعات الأوربية والأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وبدأ أكثر من مائة طالب في الفصل الدراسي الشتوي الماضي وحده دراسة اللغة العربية في برلين، وهي دراسة تعد صعبة بداية بسبب طبيعة الخط غير المألوفة. ولا يمكن تبريرهذا الإقبال المتزايد بمجرد الاهتمام بالأحداث السياسية اليومية فقط، إذ أن هناك طلب كبير على المختصين في الدراسات الإسلامية منذ وقوع الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وأصبحت خبرة هؤلاء المختصين فجأة موضع تقدير وزارة الخارجية والجهات الأمنية ومؤسسات تقديم الاستشارات السياسية ووسائل الإعلام.

إن الإقبال المتزايد على الدراسة الجامعية في هذا "الحقل النادر" والضغط على الجامعات طلباً للتحديث هما السبب في طرح التساؤلات بشأن تحديد الواجبات العصرية لعلم وبحوث الدراسات الإسلامية. إننا بحاجة لعلم الدراسات الإسلامية اليوم في زمن تختلط فيه ثقافات مختلفة ببعضها البعض مباشرة أكثر من أي وقت مضى، من خلال ملايين المهاجرين والتشابك العالمي في مجالات التجارة والاتصالات، من أجل ما يسمى بالترجمة الثقافية قبل كل شيء. إلى أي حد يمكن مقارنة حجاب المعلمة الأفغانية في ألمانيا مع الصلبان التي تعلق في فصول مدارس ولاية بفاريا الألمانية بموجب أمر حكومي؟ أم أن الحجاب هو شأن شخصي في اختيار اللباس، حتى وإن كان له دلالة دينية؟ وهل كان نداء صدام حسين بالتضامن الإسلامي في القتال ضد الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى ارتباط بتنظيم القاعدة الإرهابي؟ هل لا يمكن حقاً الفصل بين الدين والدولة في الإسلام، كما يعرض كثير من الإسلاميين من جهة وغيرهم من مراقبي الإسلام الغربيين من جهة أخرى؟ يشارك علماء الدراسات الإسلامية في "الحوار مع العالم الإسلامي" أيضاً، وتتمثل إحدى الواجبات الهامة في هذا الصدد، في تناول الاختلافات (كما في قضايا حقوق الإنسان مثلاً) لأن النزعة إلى توافق الرأي السطحي تؤدي إلى عوائق هامة في الاتصال بين الطرفين أكثر من المناقشة الصريحة للمشاكل الفعلية.

التوجه نحو الشرق الأدنى

على خلاف الحال في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أحجم علم الدراسات الإسلامية طويلاً، خاصة في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، عن تلبية هذه الحاجة العامة إلى التنوير، بل حتى من الانشغال بالقضايا ذات التوجه الحاضر.

إن علم الدراسات الإسلامية الحديث يجب أن يجمع بين قضايا علم اللغة العربية وآدابها مع مداخل علوم الدين والتاريخ وانفتاح تجاه المسائل الاجتماعية. فهذا يسمح بوجود علم لا يقتصر على تعاليم الإسلام بشكل أساسي، وإنما يختص بالمجتمعات والآداب ذات الصبغة الإسلامية. ويشكل الاتصال المبكر قدر الإمكان مع سكان المناطق الإسلامية التي تتناولها الدراسة جزءاً من متطلبات هذا النوع من التعليم. ويمكن أن يتحقق هذا على أمثل وجه في شكل دراسة خارج ألمانيا، تسمح للطلاب أيضاً التعرف على وجهات النظر والقضايا المطروحة هناك في مجال التخصص الذي يهمهم بشكل خاص.

يسيطر التوجه نحو الشرق الأدنى العربي، كما كان الحال في السابق أيضاً، على هذا التخصص الجامعي من خلال المنحى التقليدي لتناول علم اللغة وأصول الدين، وكذلك من خلال التقاليد العلمية الإقليمية. ولا يُنظر إلى دول أخرى سوى تركيا وإيران كمجال عمل "معترف به" لعلماء الدراسات الإسلامية. وتقع أكثرمن أربع دول ذات أغلبية أو نسبة عالية من السكان المسلمين (أندونيسيا، وباكستان، وبنغلاديش، والهند) خارج هذه المنطقة، هذا إضافة إلى الدول الإسلامية في وسط آسيا وتلك الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى. يجب في البداية طبعاً أن يُطرح السؤال: إلى أي حد يمكن اعتبارالإسلام قوة موحَدة مُؤثِرة، وإلى أي حد أثرت فيه وغيرت منه التقاليد والتاريخ المحليين. ويمكن للدراسات المقارنة أن تتيح إجابة على هذا السؤال. علاوة على ذلك فهناك أيضاً حاجة إلى علماء الدراسات الإسلامية الذين يهتمون بالمجتمعات الإسلامية الواقعة خارج منطقة الشرق الأدنى.

يجب على علم الدراسات الإسلامية، رغم التفهم التام لحاجات المجتمع وسوق العمل، أن يحذر من الوقوع تحت سيطرة السياسة، أو أن يراعي فقط الإقبال المتزايد عليه في الوقت الحاضر، من أجل تجنب نفس الخطأ الذي وقعت فيه الكثير من المؤسسات البريطانية والأمريكية: أي إهمال الأسس اللغوية والأدبية والفقهية التي كانت نواة هذا العلم لردح طويل.

ترجمة حسن الشريف

تم نشر النص بالاتفاق مع صحيفة در تاغسشبيغل البرلينية، الذي صدر فيها بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2003

موقع الشرق الحديث التابع لجامعة برلين الحرة في الإنترنت:
www.zmo.de