لكل حقه في التعليم

تحول الفلسطيني بسام أبو شريف من مقاتل حرب عصابات إلى ناشر لمجلة إخبارية بعد العديد من التحولات التي شهدتها حياته، حيث صار يصدر في رام الله منذ العام 2000 مجلة أسبوعية مستقلة تسمى "الديمقراطي". مقال كتبته رشا خياط.

غلاف مجلة الديمقراطي، العدد 86
حسب قول مديرها زيما ميشيل مزراوي فإن مجلة الديمقراطي هي "أول مجلة إخبارية فلسطينية مستقلة"

​​

في العام الذي يشهد فيه هذا البلد ذكرى "الخريف الألماني" لعام 1977 لا تخلو أجهزة الإعلام من الإشارة إلى بسام أبو شريف أيضا. فقد رافق أبو شريف طوال أعوام ياسر عرفات وكان مستشارا له ثم أصبح بعد ذلك الناطق الصحفي باسم منظمة التحرير الفلسطينية. أما في غضون السبعينيات فقد سلطت الأضواء على أبو شريف باعتباره مقاتل
حرب عصابات.

إرهابي على غلاف مجلة تايم

كان أبو شريف في السبعينيات المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكانت تربطه صلات قوية بلجيش الأحمر الألماني. وقد أثيرت أقوال بكونه كان قد ساهم حتى في التخطيط لعملية اختطاف طائرة "لاندزهوت" في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 1977. ونظرا لاتصالاته بصورة منتظمة في حينه مع "أبو نضال" و"كارلوس" (الثعلب) اللذين كانا أكثر الإرهابيين الذين تم تعقب آثارهم فقد احتلت صورته غلاف مجلة "تايم" الأسبوعية التي وصفته بأنه "الوجه المرئي للإرهاب".

لكن كل هذه الأحداث وقعت قبل وقت طويل مضى. وقد فقد أبو شريف في حادث انفجار قنبلة أربعة أصابع من يده كما فقد تماما حاسة السمع في إحدى أذنيه.

كف أبو شريف عن العمل القتالي بعد أن غادر ياسر عرفات إلى المهجر وأخذ يتنصل علنا من النشاطات التي سبق له أن قام بها في السابق. أصبح قبل فترة طويلة من عودة عرفات إلى فلسطين عام 1994 أقرب المستشارين إليه. وكان أبو شريف أول السياسيين الفلسطينيين الذين طالبوا بتكريس خيار الدولتين بجانب بعض أي إسرائيل وفلسطين. كما أنه كان أثناء تولي عرفات مهام السلطة من أبرز الشخصيات التي ساهمت في عملية السلام في الشرق الأوسط. كما يقال إنه كان الشخص الذي دفع عرفات إلى الاعتراف بدولة إسرائيل علنا عام 1988.

انسحاب أبو شريف من معترك السياسة

ترك أبو شريف معترك السياسة بصورة شبه كاملة بعد وفاة ياسر عرفات. لكنه ما زال يفصح عن آرائه ويقدم تحليلاته حول الوضع في فلسطين ونزاع الشرق الأوسط والسياسة العالمية.

ابتداء من عام 2000 بدأ أبو شريف يصدر ويترأس تحرير مجلة "الديمقراطي" الإخبارية التي كانت قد صدرت في بادىء الأمر كملحق تابع لجريدة الحياة الجديدة ثم أصبحت منذ عام 2005 مجلة أسبوعية قائمة بذاتها وأصبح معدل توزيعها يبلغ في هذه الأثناء 20000 نسخة توزع لا في فلسطين والأردن ولبنان فحسب بل أيضا في دول المغرب العربي ومنطقة الخليج.

تتشابه مجلة "الديمقراطي" من حيث الشكل والمحتوى مع مجلات دولية احتذى بها أبو شريف لإنشاء مجلته مثل مجلتي "تايم" الأمريكية و"دير شبيغيل" الألمانية. ما هي الخاصية التي تتميز بها هذه المجلة التي يصدرها بسام أبو شريف؟

مجلة مستقلة عن الدولة

يقول زيما ميشيل مزراوي مدير المجلة : " مجلة الديمقراطي هي أول مجلة إخبارية فلسطينية مستقلة. نظرا لكوننا لا نتلقى دعما تمويليا من قبل أجهزة الدولة فإن بمقدورنا أن نكتب على نحو موضوعي وشامل كما أنه لا يتعين علينا أن نتعاون مع كتاب لهم عند الدولة سمة الأفضلية في التعامل".

يتابع ميشيل مزراوي بأن مجلة الديمقراطي تسعى لأن يكون لها موقع ريادي لا سيما في قطاعي الثقافة والاجتماع. ويستطرد قائلا: "محنة الصحافة هنا تعود إلى أن الأنباء تتألف بنسبة 90% من الأحداث الجارية في هذه المنطقة. فلا إشارة إلى السياسة الدولية إلا إذا كانت لها صلة بالسياسة الشرق أوسطية. أما نحن فهدفنا أن نصدر مجلة تظهر لنا كفلسطينيين وجه العالم الخارجي. نود أن يعلم أبناء بلدنا ما يجري في كل أنحاء العالم في مجالات الفن والأدب والمسرح وأن يدركوا أيضا على سبيل المثال طبيعة المهمة التي تتولى المستشارة أنغيلا ميركيل أعباءها."

مصدر معلومات بالنسبة للصحافة الدولية

يقول بسام أبو شريف إن وراء فكرة إنشاء "الديمقراطي" هدف رفع مستوى التغطية الإعلامية في المجالين الثقافي والمجتمعي في كل من فلسطين والمنطقة بكاملها ويتابع قائلا "لكل فرد الحق في التعليم. هذه قناعة أكيدة لدي. لهذا أصدرنا مجلة الديمقراطي".

نظرا لأن بسام أبو شريف له تجارب كبيرة بحكم ممارسته للعمل السياسي ثم توليه من بعد إصدار المجلة فإن لذلك انعكاسات جلية. فقد تنبأ أبو شريف في تحليلات وافية كتبها بوقوع اقتتال بين حماس وفتح قبل فترة طويلة من وقوع أعمال العنف بين هذين الطرفين. بعد ذلك عمدت الصحافة الدولية في حالات عديدة إلى الاستناد الى "الديمقراطي" ومقالات أبو شريف كمصادر أولية للأحداث.

تسعى المجلة إلى تكريس اسمها كبرنامج سياسي ليس فقط في سياق تغطيتها للأحداث، إذ يقول ميشيل مزراوي "نتمنى على الأجل المتوسط أن نصبح قادرين على تنظيم حلقات عمل وندوات لأفراد الشعب وطلاب الجامعات وللصحفيين كذلك. ونرغب في الدرجة الأولى في العمل في تعزيز حقوق المرأة وتوسيع حجم النظام التعليمي الوطني".

إمكانات مالية ضئيلة

لكن لاستقلالية الخطاب ثمنها: "لدينا إمكانات مالية ضئيلة للغاية. فنحن لا نملك حتى ماكينات طباعة تابعة للمجلة ويتعين علينا أن نقوم بطبع المجلة في الأردن لأنه لا يسمح لنا باستخدام المطابع التابعة للدولة في رام الله. هناك خطط لدينا بالتعاون مع بعض المنظمات غير الحكومية لكن المحادثات ما زالت في طور البداية."

يأتي بالإضافة إلى ذلك أن ضيق الحالة المالية يجعل من الصعب علينا الدخول في تعاون مع صحفيين مرموقين على المستوى الدولي.

على الرغم من ذلك لا يود بسام أبو شريف التخلي عن رام الله كمكان لإصدار المجلة ولا عن استقلاليتها تجاه أجهزة الدولة: "لا يمكن لنا أن نقدم شيئا للفلسطينيين إلا من فوق أرض فلسطين وما لم نحصل على ثقة الناس هنا".

بعبارة أخرى يكافح أبو شريف من أجل تكريس فلسطين حرة وهو يمضي في هذا السياق في طريق صديقه الحميم ياسر عرفات. الفارق بين أبو شريف اليوم وما كانه قبل 30 عاما أن تصميمه وعزمه على الإنجاز صارا اليوم يتسمان بطابع الهدوء.

كتابة: رشا خياط
ترجمة: عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

الحياة الفنية والثقافية في رام الله
الحياة الثقافية في فلسطين ضحلة للغاية. لكن من يقطن في مدينة رام الله ينال نصيبا أفضل منها، فهذه المدينة تمثل المركز الثقافي الرئيسي في فلسطين، وهي بمثابة واحة في ذلك الفقر الثقافي. تقرير من إعداد زباستيان بلوتْنِر.

رحلة إفتراضية إلى الشرق الأوسط
في لعبة "صراعات عالمية: فلسطين" يجد المرء نفسه يؤدي دور مراسل صحافي في الصراع بين إسرائيل وفلسطين ليخلص في نهاية اللعبة إلى كتابة مقال صحافي بناء على الدور الذي لعبه. هل تُعتبر هذه "اللعبة الجادة" وسيلة تعليمية حقا؟ تقرير من لورنس ماتزات.

كيف غيَّرت حربُ الأيَّام الستة البلاد
يعدُّ المؤرِّخ الإسرائيلي توم سيغيف في عداد الـ"مؤرِّخين الجدد"، الذين يعنون بتقييم جديد لتاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل. يوسف كرواتورو قرأ كتابه الأخير حول حرب 1967