مناقشات حامية في الجليد

في أولى أيام العام الجديد انطلقت مجموعة من الفلسطينيين والإسرائيليين في حملة استكشافية في منطقة القطب الجنوبي لعرض إمكانية التفاهم بين الطرفين تحت ظروف قاسية. آريانا ميرزا راقبت الرحلة عن بعد

المجموعة الفلسطينية-الإسرائلية

​​

يناير/كانون الثاني عام 2004. من الممكن لقوى الطبيعة أن تتسم بالقسوة. في ممر دراكه الذي يربط أقصى الأطراف الجنوبية لقارة أمريكا الجنوبية بالقطب الجنوبي تشتد سطوة العواصف. استنفذت الرحلة التي تستغرق خمسة أيام بالقارب الشراعي كل ما لدى المجموعة من طاقة، وكلفتهم الجريحة الأولى وهي ألفت حيدر مدرسة تربية رياضية من حيفا، حيث تطوحت فوق ظهر المركب وحدثت لها عدة كسور بالعظام، مما أعاق مشاركتها في المسيرات التي دامت أيام طويلة في الصحاري الجليدية ضمن البعثة الاستكشافية "كسر الجليد Breaking the ice"

وهذه الفلسطينية الشابة البالغة من العمر 33 عاما، هي إحدى سيدتين شاركتا ضمن مجموعة من ثمانية أفراد من الناشطين من أجل السلام في هذه الرحلة. منذ مطلع العام انطلق أربعة من الإسرائيليين وأربعة من الفلسطينيين في رحلة إلى القطب الجنوبي تحت شعار "كسر الجليد Breaking the ice" من أجل أن يضعا هناك سويا اسما لأحد الجبال.

"لا بد من إيقاف حمام الدم"

وبهذا العمل الاستعراضي يريدون لفت أنظار أهل بلادهم والرأي العام العالمي إلى مطالبتهم بتحقيق السلام. ويعد كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة والدلاي لاما والحاصلون على جائزة نوبل للسلام ياسر عرفات وشيمون بيريز وميخائيل غورباتشوف وكذلك رئيس البرلمان الاتحادي الألماني فولفغانغ تيرزه من ضمن المؤيدين لهذه المبادرة.

ويقول الصحفي زياد درويش الذي يشارك في الرحلة أيضا، أن الموضوع قد يبدو ساذجا، لكنه قد انبثق من توصلنا لحقيقة أساسية وهي "أنه لا بد من إيقاف حمام الدم. "إن الرفض القاطع للعنف هو القاسم المشترك الأصغر الذي توصل إليه المشاركون في البعثة الاستكشافية "كسر الجليد Breaking the ice".

سيتم اختبار هذا التضامن الذي توصل إليه أفراد المجموعة مؤخرا، من خلال أصعب الظروف. ويقول رجل الأعمال الإسرائيلي حزقيل ناثانيل "نحن معتمدون على بعضنا البعض من أجل أن نتمكن من النجاة." يعيش ناثانيل منذ عدة سنوات في برلين وقد أنشأ مؤسسة خاصة غير ربحية باسم "مهام سلام شاقة Extreme Peace Missions" وكان الإعداد "للبعثة الاستكشافية "كسر الجليد Breaking the ice" أول نشاطاتها. وناثانيل مقتنع بأن خوض التجارب الشاقة سويا سوف يساعد على التغلب على التناقضات وعلى العداوة.

مناقشات سياسية ساخنة

في حديث عبر تليفون الأقمار الصناعية بدا صوت ناثانيل مجهدا. فليس الإرهاق الجسدي هو السبب الوحيد لمتاعب الرفاق في القطب الجنوبي، بل وأيضا المناقشات السياسية الساخنة التي تدور بينهم والتي من شأنها أن تصعب الرحلة التي ستستغرق 35 يوما في هذه الأرض المحايدة. "نتشاجر كثيرا ولكن ليس في أثناء النهار حيث ننشغل طيلة الوقت بالعمل، يحدث ذلك في المساء حينما نجلس سويا للطعام والمناقشة."

ومن يرقب الأمر من الخارج يكاد يظن أن معجزة قد حدثت، بحيث جعلت هؤلاء الناس بخلفياتهم الحياتية المتضادة يتمكنون من الجلوس للحديث سويا. صاحب المبادرة نفسه حزقيل ناثانيل كان لعدة سنوات مسؤولا عن أمن الإسرائيليين المهددين خارج البلاد. وأخو زياد درويش قُتل في إحدى هجمات الجيش الإسرائيلي.

تجارب شخصية

أما ياردن فانتا اليهودية من أصل أثيوبي فقد فقدت عائلتها كلها تقريبا أثناء المسيرة التي قطعتها العائلة على أقدامها لعدة أشهر من أثيوبيا إلى الوطن الجديد إسرائيل. وقضى الفلسطيني ناصر قواس سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية شأنه شأن سليمان الخطيب الناشط بحركة فتح، الذي حُكم عليه وهو في سن الرابعة عشرة بالسجن عشر سنوات. كم من الجهد سيحتاجه كل من قواس والخطيب مثلا لكي يطوعا أنفسهما على مشاركة رجل مثل أفيهو شوشاني نفس المصير، وقد قضى الأخير أربعة سنوات في فرق الدفاع الإسرائيلي الخاصةIDF ؟

يشرح ناثانيل حزقيل عملية تخطي الذات نحو الآخر والتي مر بها كل أفراد المجموعة، بعبارات مشابهة لتلك التي استخدمها الفلسطيني درويش البالغ من العمر 53 عاما. إن ما دفعهم جميعا إلى المشاركة في هذه البعثة الاستكشافية إلى المجهول هو رغبتهم في تحقيق السلام لشعوبهم، وإدراك أن هذا السلام لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تحقيق السلام مع الآخر.

وإلى جانب ذلك فهناك إمكانية التعارف الشخصي والتقارب بين أفراد المجموعة من الجانبين- وغالبا أن هذا التقارب الشديد لم يكن له أن يتحقق إلا على بعد آلاف الكيلومترات من الوطن: "في هذا الموقف الصعب نقترب من بعضنا على المستوى الإنساني بدرجة كبيرة جدا، بحيث أن شيئا أقرب إلى الصداقة بدأ ينشأ."

إن القرب الدائم والإحساس باعتماد المجموعة على بعضها البعض، يضطر الجميع إلى الثقة ببعضهم دون تحفظات. في اليوم الأول لهبوطهم على يابسة القطب الجنوبي لم يكن لأفراد البعثة أن يتموا مسيرة خمس ساعات على الأقدام لو لم يتماسكوا سويا يدا بيد. فاجأتهم عاصفة وهم في جزيرة اسمها Deception
أي خداع. ضحك زياد درويش عندما سألته إن كان لا يرى في هذا الاسم فألا سيئا. وأجاب بأن ما يهمه شخصيا هو اسم الجبل الذي يريد صعوده مع الآخرين. والاسم المفضل لدى درويش هو "القدس" لأن هذه المدينة هي الرمز للأديان الثلاثة، الإسلام واليهودية والمسيحية ورمز للتطلع المشترك نحو السلام.

لكن ما تزال هناك اقتراحات بأسماء أخرى تتم مناقشتها. ومن الممكن تقديم أفكار واقتراحات مماثلة على موقع الإنترنت الخاص بالبعثة الكشفية. وبفضل التكنولوجيا الحديثة سيتمكن هؤلاء الجوالون المنعزلون في الصحاري الجليدية من الحصول على هذه المقترحات. لكنهم لا يرغبون مؤقتا في سماع أي أخبار سيئة عن العالم. يقول درويش: "لا أريد أن أسمع أن مخيم اللاجئين الذي أسكنه قد تم تفجيره الأسبوع الماضي أو أن أسمع ثانية أن انتحاريا قد أخذ في طريقه إلى الموت عددا من الضحايا. والآخرون لديهم الشعور نفسه. نحن متفقون على ذلك."

www.breaking-the-ice.de

بقلم آريانا ميرزا، قنطرة 2004
ترجمة أحمد فاروق