التعتيم على الضحايا غير الأوربيين

تهمّش وسائل الإعلام والاحتفالات الرسمية الأوربية بمناسبة الذكرى الستين لنهاية الحرب العالمية الثانية تجارب سكان المستعمرات السابقة. كتاب جديد يلقي الأضواء على وقائع منسية بعيدا عن المركزية الأوربية. تقرير غوتس نوردبروخ

قائد قوات الجيش الألماني يضع توقيعه على وثيقة استسلام الجيش الألماني في ليلة التاسع من أيار/مايو 1945، الصورة: د ب أ
قائد قوات الجيش الألماني يضع توقيعه على وثيقة استسلام الجيش الألماني في ليلة التاسع من أيار/مايو 1945

​​

بينما احتفل عشرات الآلاف في أوروبا بالذكرى الستين ليوم الاستسلام الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية، قام ما يزيد على عشرين ألف شخص يوم الثامن من أيار/مايو بمسيرة تذكارية في مدينة سطيف الجزائرية. ونظموا العديد من الاحتفالات بذكرى سقوط ما يقارب على أربعين ألف ضحية في الجزائر، قتلتهم الجيوش الفرنسية في مختلف مدن محافظة القنسطنطينية في الثامن من مايو/أيار 1945.

وتقوم الصحف الجزائرية بالتذكير بالأحداث التي وقعت منذ ستين عاما، حيث استجاب الآلاف آنذاك لنداء حركة الإستقلال الجزائرية، ومن ثم احتفلوا بالانتصار على النازية، كما كان الحال في الكثير من مدن العالم.

وقد كان الانتصار على ألمانيا آنذاك – الذي أحرزه الفرنسيون بمساعدة جنود من شمال إفريقيا – لا يعني بالنسبة لحركة الإستقلال الجزائرية نهاية المعارك في أوروبا فقط، فالجزائريون القوميون يرون أن سقوط النازية الألمانية تزامن مع زوال آخر عائق أمام استقلال الجزائر من الاحتلال الفرنسي.

بداية حرب الاستقلال

ومع ذلك انتهت الاحتفالات والمظاهرات آنذاك بمجزرة، لأن المستوطنين الفرنسيين والشرطة استفزوا المتظاهرين مما أدى إلى حدوث أعمال عنف استخدم الفرنسيون فيها الطيران ضد المدنيين.

وبينما صدر الاعتراف الرسمي الفرنسي بتلك المذابح ضد المدنيين لأول مرة في فبراير/شباط 2005، كان الثامن من مايو/أيار 1945 لدى الجمهور الجزائري منذ عقود هو بداية حرب الإستقلال الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي.

إن كتاب "ضحايانا ليسوا من الأهمية بمكان – العالم الثالث أثناء الحرب العالمية الثانية" - الذي صدر في أبريل/نيسان هذا العام لدى دار النشر "Assoziation A" في برلين – سجل العديد من مثل هذه الأحداث التي كانت وما زالت طابعا لذكريات نهاية الحرب العالمية الثانية في المستعمرات السابقة حتى اليوم.

ويفهم الكتاب – الذي قام بنشره مكتب الصحفيين على نهر الراين Rheinisches Journalistenbüro – على أنه ضد الإحتفالات الحالية، ومن ثم فإنه يعتبر نقدا صريحا للحفلات التذكارية الرسمية في ألمانيا وأوروبا.

كما أن هذه المجموعة الكبيرة من الوثائق بتقاريرها العديدة لشهود عيان تدل دلالة واضحة على أن التأريخ الحالي ما هو إلا "تركيز على أوروبا" من ناحية الزمان والمكان.

وهكذا كان الوضع في الكتب والبرامج التلفازية الوثائقية باللغة الألمانية - التي لاحصر لها والتي نشرت وأذيعت بمناسبة الذكرى الستين للثامن من مايو/أيار 1945 – وتدور في الغالب حول معاناة الشعب الألماني.

تعتيم على القتلى غير الأوربيين

وعلى هذا النحو بقي ملايين ضحايا الحرب غير الأوربيين دون ذكر في مثل هذه العروض في إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، في حين أن المؤلفين يذكرون أن عدد القتلى الصينيين الذين سقطوا في الحرب يزيد على قتلى بلاد المحور.

"وكانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت عام 1935 بدخول القوات الإيطالية إثيوبيا في إفريقيا، واحتلال اليابان منشوريا (في شمال الصين) وكوريا وتوسعها في حربها ضد الصين حتى الجنوب عام 1937".

وإذا وضعنا هذه الأحداث في الإعتبار فإننا نجد الحرب العالمية الثانية كانت منذ بدايتها عالمية. وبناء على ذلك قام المؤلفون بالبحث في ثلاثين دولة لإستعادة وقائع وأحداث هذه الحرب في دول "العالم الثالث"، وأجروا أحاديث صحفية - مع شهود على العصر الذين عاشوا الحرب كجنود أو مدنيين في إفريقيا وجزر المحيط الهادي وآسيا وأمريكا اللاتينية –

تصف تلك الأحداث التي لا توجد في الكتب التفصيلية عن الحرب العالمية الثانية، مثل أعمال العنف الدموية التي قام بها الجيش الياباني في مدينة ننكنغ الصينية في ديسمبر/كانون الأول 1937 والتي راح ضحيتها 370 ألف قتيل حسب التقديرات، وأيضا مذبحة القرية الفرنسية شاسيلله التي حدثت في العشرين من أبريل/نيسان 1940 وتم فيها عزل الأسرى الأفارقة عن غيرهم وقتلوا برصاص القوات الألمانية. وبعد انتهاء الحرب أصبحت مقابر الجنود مزارا لأقارب الموتى من الأفارقة.

وعلاوة على هذه الأمثلة توجد في الكتاب معلومات عن خلفيات الوقائع تجعل ترتيب الأحداث في السياق التاريخي ممكناً. فعلى سبيل المثال نجد النظرة إلى الخطط النازية الخاصة بإفريقيا توضح التقاليد التي سار عليها الجانب الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية.

كما لعبت الدول الأفريقية دورا خاصا بالنسبة لفرنسا وبريطانيا العظمى. وكانت مئات الآلاف من سكان المستعمرات الإفريقية قد خدمت كجنود للقوى المستعمرة في الحروب السابقة، وأثناء الحرب العالمية الثانية أصبحوا دعامة أساسية للدفاع وفيما بعد لتحرير فرنسا.

صراع حركات الاستقلال

ومن هذه الناحية لا تكاد الحرب العالمية الثانية تنفصل عن تاريخ الإستعمار الأوروبي، فالحرب – كصراع عالمي - بين قوى المحور والحلفاء حتّم على حركات الإستقلال الدولية أن تتخذ موقفا (تجاه أحد الجانبين)، مما أدى في الغالب إلى الفرقة والشقاق فيما بينها بخصوص هذه المسألة.

وأحد الأمثلة التي أوردها المؤلفون على ذلك حادثة اغتيال رئيس الوزراء المصري، الذي لقي حتفه برصاص المعارضين الموالين لألمانيا بعد إعلان الحرب على ألمانيا في فبراير/شباط 1945 بقليل.

والحادثة المصرية تدل دلالة واضحة على صراع حركات الاستقلال حول المصالح الذاتية، ففي الحرب ضد القوى البريطانية المستعمرة كانت القاعدة العريضة من الشعب المصري ترى في ألمانيا النازية حليفا قويا.

ذكريات إدوار الخراط

وكانوا يرون في زحف القوات المسلحة بقيادة الجنرال إروين روميل 1942 في اتجاه النيل بشارة لاستقلال قريب من الحكم البريطاني، وقد لقيت هذه الحماسة بعض الاعتراضات. وفي سنوات الحرب بقي المثقفون المصريون متمسكين بالتقاليد الليبرالية الديمقراطية، التي كانت متأصلة في الأدب والصحافة المصرية منذ العشرينيات.

كما قام العديد منهم بالتعبير عن رأيهم صراحة تجاه الإيدلوجية النازية. والكاتب المصري إدوار الخراط - الذي كان في السادسة عشر من عمره آنذاك – يتذكر تلك الأصوات في حديثه الصحفي مع المؤلفين ويقول:

"لقد كنت على قدر كاف سياسيا وثقافيا أن أعي أن الأمر يتعلق بتحرير واستقلال بلدنا من ناحية، ومن ناحية أخرى بالترحيب بمحتلين آخرين (...) وكان روميل بالنسبة لي ديكتاتورا وطاغية وينظر إلى العالم نظرة عنصرية، خاصة العالم الثالث".

آمال خائبة

وبمثل هذه الشهادات سجل الكتاب كيف أن شعوب المستعمرات – آنذاك وحاليا - استوعبوا معارك الحرب العالمية الثانية على أنها جزء من تاريخ الاستعمار. ومثال ذلك حروب الاستقلال الجزائرية الفرنسية من 1954 حتى 1962 وحروب كوريا وفيتنام في الخمسينيات والستينيات التي لا يمكن تفهمها إلا بالنظرة إلى آمالهم الخائبة في الإستقلال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

وإذا أمعنا النظر في الربط بين الحرب العالمية والصراعات من أجل الاستقلال فسنجد في الكتاب نقاط ضعف. فالحرب التي بدأتها ألمانيا في الفاتح من سبتمبر/أيلول 1939 تختلف تماما عن الحروب التي سبقتها في أوروبا وفي المستعمرات أيضا، لأنها كانت حرب إبادة ضد الاتحاد السوفيتي وحرب "للقضاء النهائي على اليهود" في الهولوكوست.

وإذا كان من الصواب ألا نقتصر على معالجة الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين الفاتح من سبتمبر/ايلول 1939 حتى الثامن من مايو/أيار 1945 فإنه من الضروري أن نبرز سياسة الحرب الألمانية مقابل الأفكار السياسية الاستعمارية للحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

فقد كانت السياسة النازية هي التي وضعت شعوب المستعمرات أمام الخيار بين التعامل مع قوى المحور أو مساندة الحلفاء. وإذا وضعنا التاريخ الأوروبي الاستعماري في عين الاعتبار، فإن الشهادات التي سجلها الكتاب لبعض المدنيين والمحاربين القدماء من المستعمرات التي ساندت الحلفاء جديرة بالقراءة.

بقلم غوتس نوردبروخ
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

الآلاف من الأفارقة اشتركوا في تحرير فرنسا
اشترك العديد من رؤساء دول إفريقية في احتفالات الذكرى الستين لتحرير فرنسا من الاحتلال الألماني وكانت هذه المرة الأولى التي يحظي فيها قدماء المحاربين الأفارقة الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي باهتمام واسع لدى الرأي العام الفرنسي. تقرير غوتز نوردبروخ

هل كان هناك عرب في معسكرات اعتقال النازية
يتتبع مصير العرب من ضحايا النازية. ليس اليهود وحدهم ضحايا النازية، وانما الغجر والعرب المهاجرين ايضا. غوتس نوردبروخ