الديموقراطية ضمان للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط

يقدم الكاتب والصحفي نويد كرماني تحليلا لما سيتوقعه إيران من فوز المرشح البرغماتي ورئيس الجمهورية السابق هاشمي رفسنجاني أو من فوز المرشح المحافظ أحمدي نجاد الذي يرفع راية الثورة الإسلامية.

الانتخابات الرئاسية في إيران، الصورة: أ ب
قد تكون رئاسة أحمدي نجاد بالنسبة لأوروبا وأمريكا كارثة كبيرة في سياستها تجاه إيران.

​​

علينا أن نتصور مثل هذه الانتخابات في أوروبا، حيث تقول استطلاعات الرأي الأخيرة بتفوق الحزب اليميني بقدر ضئيل على الحزب اليساري الحاكم. وتأتي التقديرات الإستقرائية لصالح اليمينيين أولا ثم لليساريين.

وبعد إغلاق مراكز الانتخابات ببضع ساعات لا توجد هناك مؤشرات لحدوث مفاجأة. وفجأة يظهر في النتائج الأخيرة حزب يميني متطرف، لم يكن له دور في الحملة الانتخابية ولا في الحوار السياسي.

وعندما أعلنت النتيجة الرسمية كان هذا الحزب في المرتبة الثانية بنسبة 20%، ولقي الحزب الاشتراكي الديمقراطي هزيمة جعلته يهبط إلى المرتبة الخامسة.

هذا سيناريو غير واقعي، ولكنه يفسر الصدمة التي عاشها الشعب الإيراني بعد ظهور نتائج الانتخابات في 18 يونيو/حزيران. كيف يخطأ المحللون ومعاهد استطلاع الرأي في طهران والمفكرون والصحفيون الأجانب جميعا إلى هذا الحد؟

الشك في تزوير الانتخابات

كان مهدي كروبي، وهو أحد رجال السياسية القدامى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو أول مَن أعلن رسميا بما كان يجول دائما بخاطر الكثير من الإيرانيين، وهو أنهم قد خدعوا خداعا كبيرا. وفي مؤتمر صحفي اتهم كروبي مجلس صيانة الدستور والجيش ومتطوعي البسيج بتزوير الانتخابات لصالح المرشح الراديكالي المستقل.

ولم يحدد كروبي انتقاداته بالضبط ولكنه صرح بأن في مستطاعه تقديم الأدلة من تسجيلات على الفيديو و محادثات مسجلة. ومع ذلك فكان ما يعنيه كروبي واضحا لكل المراقبين في طهران. وقد شاهد كثير من الإيرانيين كيف كانت الحافلات تنقل الناخبين من مركز اقتراع إلى مركز آخر كي يذهبوا متحدين إلى صناديق الاقتراع.

وكان ذروة غضب مهدي كروبي في إعلانه بأن كل السلطات في إيران تكون في يد واحدة بغض النظر عما ينتخبه الناس، وكان لا يعني سوى قائد الثورة آية الله علي خامينئي. وكان أحمدي نجاد هو المرشح الوحيد الذي كان يرفع راية الثورة ويشير إلى الولاء التام لآية الله خامينئي.

وكان المرشحون الآخرون من المحافظين، لا سيما آية الله هاشمي رفسنجاني قد دخلوا الحملة الانتخابية ببرنامج برغماتي يعِد بالاستمرار في الانفتاح نحو الغرب وبالليبرالية في الداخل. وكان لديهم طموح للقوة السياسية لدرجة كبيرة جعلتهم لا يقبلون هيمنة قائد الثورة دون أية شروط.

وكان الراديكالي أحمدي نجاد - الذي ما زال يعتقد بـ"سلطة الفقهاء" (ولاية الفقيه) بالمعنى الديني الذي يهدف إلى الخلاص – قد يكتفي برئاسة للعلاقات العامة في مكتب قائد الثورة، والنتيجة المنشودة من ذلك قد تكون نهاية الصراعات الداخلية التي سادت الجمهورية الاسلامية بعد موت آية الله الخميني، وهو ما يحدث أيضا بين طبقة المحافظين.

التحذير من خطر بروز "فاشية" في إيران

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يدخل أحمدي نجاد الحملة الانتخابية بشعار "ثقافة الشهداء". ولم تكن الجمهورية الإسلامية بالنسبة لأمثال أحمدي نجاد فقط نتاج ثورة 1979، بل هدف معتقد الخلاص والآلام الشيعي- الإسلامي.

وتفسير هذه النظرية يقوم على مبدأ التقوى الشيعة وهي نظرية تنسب مهمة المهدي المنتظر لأولئك الذين ينتمون إلى الشهداء والمحاربين على مدى أربعة عشر قرنا. وتقوم الجمهورية الإسلامية على الإرادة الإلهية التي تمنح الفقهاء الحق الأيديولوجي والنفسي بتجاهل الإرادة الشعبية عند الشك.

ومن هنا نفهم السبب في أن المرشح الثاني - الذي فشل - من التيار الإصلاحي، مصطفى معين، لم يكرر أيضا تهمة تزوير الإنتخابات فقط، بل حذر أيضا من "خطر الفاشية" في إيران.

نتيجة الانتخاب غير الأكيدة

ومحمود أحمدي نجاد هو مرشح مستقل في الانتخابات الثانية، ولكن الأمل ليس ميئوس منه نهائيا. وآية الله هاشمي رفسنجاني لديه الوسائل المادية والإعلامية الهائلة، وباستطاعته – مقارنة بمنافسه الراديكالي – أن يقوي صورته كرجل برغماتي منفتح على العالم. وهو في نفس الوقت غير محبوب لدى كثير من المواطنين، من مؤيدي النظام ومعارضيه على السواء.

أما أحمدي نجاد فلن يتكلف جهدا في أن يحرّك ناخبيه، ورئاسته قد تكون بالنسبة لأوروبا وأمريكا كارثة كبيرة في سياستها تجاه إيران. ولا يكاد يترك الأوربيون مجالا للشك طيلة شهور عديدة في أن محادثاتهم مع طهران كانت فقط تدور حول إيجاد حل للأزمة النووية.

وقد يكون آية الله هاشمي رفسنجاني هو أكفأ المرشحين الذي يستطيع أن يكفل الضمانات التي يريدها الغرب، ومن ثم قد تنال الجمهورية الإسلامية مساندة إقتصادية وسياسية كمكافأة. أما الديمقراطية أو مساندة حركة الإصلاح – التي لا تتكون من آية الله خاتمي فقط، بل شملت حتى الآن المعسكر العلماني أيضا – فلم تأخذ حيزا من التفكير لدى الأوروبيين.

كما أشارت الولايات المتحدة الأمريكية أخيرا إلى أنها ستنهج نهج الاتحاد الأوروبي وتتعامل مع آية الله رفسنجاني في حالة فوزه في الانتخابات. أما أمل الغرب في أن يتعامل مع النظام في طهران فسوف يتبدد في حالة فوز أحمدي نجاد، وفي المقابل – وإن بدا ذلك متناقضا – فقد يحي الأمل في تطبيق الديمقراطية.

هل من نهاية لعدم المبالاة؟

وأخيرا لم يلق الإصلاحيون نجاحا في كسب الطبقة العريضة من الشعب للمشاركة في التغيير السياسي، وكان معظم الإيرانيين قد قبلوا - على الرغم من عدم ارتياحهم - الوضع الراهن، الذي يبدو في جوهره ليبراليا عن الفترة التي سبقت حكم آية الله خاتمي.

وفي حالة تولي آية الله رفسنجاني الرئاسة فلن يكون هناك مقدرة على الوقوف أمام الفرص الكثيرة للحرية الشخصية، لأنه لا يريد الأيديولوجية وإنما يريد السلطة.

وإذا غامر النظام - بواسطة أحمدي نجاد - بسلب الحريات الإجتماعية التي أحرزها في السنوات الأخيرة، فإن ذلك قد ينتشل الشعب من حالة اللامبالاة.

ولا يستبعد أن يكون هناك خطر لصراع عنيف حول السلطة، وسوف يضطر الغرب أن يتخذ قرارا لتأييد جانب معين، ولعله هنا عليه أن يعترف أن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن التوصل إليه بدون إدخال الديمقراطية حيز التنفيذ.

نويد كرماني
صدر المقال في صحيفة نيوه تسوشر تسايتونغ
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005

نويد كرماني باحث وكاتب وصحفي من أصل إيراني مقيم في ألمانيا.

قنطرة

أين بقي مشروع الديموقراطية الإسلامية؟
أعلن هاشمي رفسنجاني ثاني أقوى شخصية سياسية في الجمهورية الإسلامية عن ترشحه للانتخابات الرئاسية. القاسم المشترك بينه وبين منافسيه هو الافتقاد إلى برنامج انتخابي يجذب الناخبين. تحليل فرج سركوهي

الأسلحة النووية تعارض الدين الإسلامي
من الممكن أن تخسر القيادة الإيرانية في طهران الكثير في لعبة البوكر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. يطلعنا الكاتب والصحفي بهمان نيروماند على الأهداف السياسية التي ترمي إليها إيران من خلال سياسة المماطلة التي تتبعها في الخلاف الدائر حول برامجها النووية