نحن أيضا من الشعب!

أكثر من أربعين مثقَّفا من كبار مثقَّفي عرب إسرائيل طالبوا في بيان الدولة الإسرائيلية بمعاملة الأقلية الفلسطينية بإنصاف ومساواة في عمليات صنع القرار الديموقراطية في البلاد. التفاصيل من يوسف كروايتورو

يثير منذ عدَّة أسابيع مثقَّفو إسرائيل العرب في البلاد موجة من الاضطرابات. إذ نشروا في نهاية العام الماضي وثيقة أساسية، لم يصروا فيها على مساواة الأقلية الفلسطينية في الحقوق فقط، الأمر الذي لا يزال معدومًا حتَّى الآن في إسرائيل؛ وانما احتوت وثيقتهم هذه أيضًا على قائمة من المطالب الموجَّهة إلى الدولية الإسرائيلية.

العنوان الذي حمله هذا البيان الأساسي، الذي صاغه أكثر من أربعين مثقَّفا من كبار المثقَّقين الفلسطينيين في إسرائيل ونشر في الصحف اليومية الإسرائيلية بصورة موجزة ، فهو "رؤية لمستقبل العرب الفلسطينيين في إسرائيل". وهو عنوان يعلن سلفًا عن فشل المحاولات التي تقوم بها الدولة اليهودية منذ عقود، من أجل طمس تبعية الأقلية العربية للشعب الفلسطيني - مثلاً من خلال تسميتهم رسميًا باسم "العرب الإسرائيليين".

ثمة من بين الموقِّعين على هذا البيان قبل كلِّ شيء مدرسون جامعيون يعملون في جامعات وفي معاهد مستقلة للأبحاث. منهم على سبيل المثال المؤرِّخ عزيز حيدر من الجامعة العبرية في القدس، الذي أجرى دراسة عن المعاملة غير العادلة التي يعاني منها العرب في الاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك علماء ومدرِّسون جامعيون عرب أخرون، يعنون بتاريخ وثقافة الفلسطينيين في إسرائيل.

جزء من الأمة العربية

بالإضافة إلى ذلك شارك أيضًا في التوقيع على البيان ناشطون من أجل حقوق الإنسان وممثِّلون عن منظَّمات وجمعيات عربية-إسرائيلية غير حكومية. لكننا نجد كذلك في قائمة الموقِّعين على البيان بعض رؤساء البلديات في المناطق العربية - مثل الشيخ هاشم عبد الرحمن رئيس بلدية أم الفحم أو عوني توما رئيس مجلس كفر ياسيف. يعتبر كاتبو هذا البيان أنفسهم بالدرجة الأولى عربًا فلسطينيين، أي حسب تعبيرهم: "جزءا من الأمة العربية ومن الفضاء الثقافي العربي".

يذكر كاتبو البيان أنَّ الجنسية الإسرائيلية فُرضت عليهم من قبل الدولة اليهودية، وذلك بسبب الخسارة التي مني بها الفلسطينيون في الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية في العام 1948، مما أدَّى إلى جعلهم من قبل الأكثرية اليهودية أقلية في وطنهم الأصلي، فلسطين التاريخية.

في فقرة طويلة يتم انتقاد معاملة دولة إسرائيل للأقلية الفلسطينية. إذ يدور الحديث في هذه الفقرة عن عمليات تمييز منظَّمة، عن عمليات مصادرة للأراضي وعدم العدالة في توزيع أموال الدولة والمصادر الأخرى التابعة لها.

يؤكِّد الذين صاغوا البيان على أنَّ الدولة اليهودية لم تتمكَّن على الرغم من كلِّ محاولات "التهويد المطبوع بطابع استعماري": من جعل الفلسطينيين يتخلّون عن هويتهم القومية والثقافية من خلال عمليات الدمج القسري ومنحهم الجنسية الإسرائيلية.

يحرص كاتبو هذا البيان الأساسي على أنَّ الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل هم جزء من المجتمع الإسرائيلي وسيبقون مواطنين إسرائيليين. بيد أنَّهم يربطون ذلك بمجموعة من الشروط. إذ أنَّهم يطالبون بمشاركة حقيقية وعادلة في عمليات صنع القرار الديموقراطية في البلاد.

ينبغي لهذه المشاركة أن تضمن للفلسطينيين في إسرائيل - بالمقارنة مع اليهود - المحافظة على هويَّتهم القومية والثقافية. يتحدَّث البيان عن بدء "عصر جديد" يجب أن تنصّ فيه القوانين على حقوق الفلسطينيين بالمحافظة على هويتَّهم حسب مقاييس القوانين الدولية المعمول بها في يومنا هذا وأنَّ تعتبر هذه الحقوق حقوقا تتمتَّع بها الأقلية.

المطالبة بتعريف جديد للدولة

لا يرى المتحدِّثون باسم الأقلية الفلسطينية أيَّ مستقبل لهم في البلاد من دون مراجعة شاملة لصفة الدولة التي تنحصر في اليهود، هذه الدولة التي يصفها البيان بالـ"عرقية". لهذا السبب فهم يطالبون الدولة بوضع تعريف جديد لها - وعلى وجه التحديد ليس مثلما يتم تعريفها حتَّى الآن باعتبارها "وطنًا قوميًا لليهود"، بل باعتبارها "وطنًا مشتركًا" لليهود والعرب الفلسطينيين.

كما ورد في البيان أنَّ موعد تعديل النظام التربوي تعديلاً شاملاً قد حان منذ عهد طويل؛ هذا النظام الذي لا يؤدِّي بشكله الحالي إلاّ إلى ابتعاد المواطنين العرب عن ثقافتهم وتاريخهم.

وبذلك ينبغي أيضًا أن يشرع في تغيير الشعارات الرسمية. فعلى الرغم من أنَّ الباحث الاجتماعي أسعد غانم من حيفا - أحد كاتبي البيان - مع الاستمرار بالاعتراف للأكثرية اليهودية بحقِّها في استخدام شعاراتها الصهيونية التي لا تزال تستخدمها كشعارات للدولة حتَّى الآن؛ بيد أنَّه يعارض أن تُفرض هذه الشعارات على المواطنين العرب في البلاد.

نشيد وطني بديل

كذلك قام الشاعر العربي-الإسرائيلي سليمان مصالحة بتأليف نشيد وطني بديل لدولة إسرائيل. إسم هذا النشيد على عكس النشيد اليهودي "هاتيكفا" (الأمل) هو ببساطة "نشيد للبلد". يُذكِّر هذا النشيد بسفك الدماء في الماضي وبالسلام القادم ما بين "أبناء بلاد العرب، أبناء الناصرة وإبراهيم" - وبذلك لم يعد النشيد الوطني يتحدَّث عن "اليهود".

ومع أنَّ هذا البيان الصادر عن بعض المثقَّفين والذي شاركت فيه أيضًا منظَّمات مركزية للعرب الإسرائيليين لم يتحدَّث بوضوح عن حكم ذاتي أو استقلال، إلاّ أنَّ بعض المراقبين اليهود يعتبرون ذلك هدفًا من الممكن ملاحظته في البيان الأساسي.

"فلسطنة" العرب الإسرائيليين؟

يبدو بالنسبة للكثير من اليهود أنَّ ما كان يخشاه مجتمع الأغلبية اليهودية-الإسرائيلية لفترة طويلة بدأ يحدث من خلال هذا البيان: أي ما يسمَّى بـ"فلسطنة" العرب الإسرائيليين كأثر جانبي لتأسيس دولة في المناطق الفلسطينية.

ولذلك لا عجب في قرع اليمين السياسي في إسرائيل لنواقيس الخطر، حيث يعتبر هذا البيان الأساسي بالنسبة لهم بمثابة دليل على أنَّ عرب إسرائيل يشكِّلون طابورًا خامسًا وأنَّهم على وشك إشعار الدولة اليهودية بتخلِّيهم عن ولائهم لها.

أمَّا المراقبون الذين يتَّجهون أكثر نحو اليسار فقد رحَّبوا في المقابل بمبادرة الفلسطينيين الإسرائيليين، حتَّى وأن كان هذا الترحيب يلوِّح بالقلق من نزعة انفصالية قومية لدى العرب الإسرائيليين - وبالخوف من أن يتعلَّق الأمر بعد فترة قريبة بشيء يشبة "البرلمان العربي".

عمل إعلامي مكثف

تسعى غيداء ريناوي-زعبي التي تعتبر المحرِّك الدافع لهذه المبادرة إلى إزالة مثل هذه الهواجس من خلال القيام بعمل إعلامي مكثَّف. فقد صرَّحت هذه الشابة البالغة من العمر 34 عامًا والتي تعمل حاليًا في المنظَّمة المركزية الخاصة بالبلديَّات العربية في إسرائيل لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قائلةً: "تختلف هذه المبادرة عن المبادرات السابقة في أنَّ العرب هذه المرَّة يُسمعون كلمتهم".

ولكن لا يزال يتوجب عليهم، حسب تعبير غيداء ريناوي-زعبي، أن يفعلوا هذا بشكل ملموس - كما يجب أيضًا على الإسرائيليين اليهود أن يستعدوا لسماع المواطنين العرب.

بقلم يوسف كروايتورو
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007