محاولات فاشلة لكسب أنصار جدد؟

من المعروف عن حزب الجبهة الوطنية بزعامة جان ماري لوبين تنظيم حملات دعائية عنصرية ضد المهاجرين في البلاد، رغم ذلك تشير بعض التقارير إلى تنامي الدعم لهذا الحزب بين المهاجرين المسلمين الفرنسيِّين. بقلم غوتس نوردبروخ

زعيم الجبهة الوطنية لوبين، الصورة: أ ب
زعيم الجبهة الوطنية لوبين

​​

"مسجد بحجم كاتدرائية في مرسيليا؟ لا لبناء هذا المسجد الكبير!" ورد هذا الكلام في منشور قامت بتوزيعه الجبهة الوطنية اليمينية في مدينة مرسيليا الواقعة في جنوب فرنسا. حذَّر حزب الجبهة الوطنية الذي يتزعَّمه جان ماري لوبين من ازدياد وتنامي نفوذ المنظَّمات والجمعيَّات الإسلامية في البلاد، وذلك نظرًا إلى مشروع بناء "مسجد كبير" في مدينة مرسيليا التي يقيم فيها حوالي مائتا ألف مسلم.

يتصيَّد حزب الجبهة الوطنية أصوات الناخبين منذ عقود من الزمن بسيناريو "التأثير البالغ للأجانب" في البلاد. حقَّق حزب لوبين نجاحًا في مرسليا والمناطق المجاورة لها بالذات. إذ أنَّ جان ماري لوبين حصل في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر نيسان/أبريل من العام 2002 على نسبة 23,34 بالمائة من الأصوات.

حملات عنصرية

منح أكثر من 13 بالمائة من الناخبين في مرسيليا أصواتهم إلى جان ماري لوبين، الذي يعتبر أحد المحاربين القدماء الذين حاربوا في الجزائر، على الرغم من حدوث انخفاض واضح في الانتخابات التي أُجريت في شهر أيَّار/مايو السابق.

تزداد شهرة حزب الجبهة الوطنية منذ مطلع السبعينيَّات من خلال حملاته الدعائية العنصرية. كثيرًا ما كان أعضاء في حزب الجبهة الوطنية مسؤولين عن اعتداءات وحشية ضدَّ بعض المهاجرين. نتيجة لذلك من المدهش جدًا أنَّ تشير بعض التقارير إلى تنامي وازدياد الدعم لحزب الجبهة الوطنية بين المهاجرين المسلمين الفرنسيِّين.

حسب تقديرات وزارة الداخلية الفرنسية التي تحدَّثت عنها صحيفة لوكانار إنشينيه Le Canard Enchaîné أثناء التحضيرات للانتخابات الرئاسية، فقد كان حوالي ثمانية بالمائة من الفرنسيِّين المهاجرين من ذوي الأصول المغاربية مستعدِّين لانتخاب المرشَّحين اليمينيِّين المتطرِّفين. كان يدور الحديث في تقارير أخرى عن حالة الغضب التي اجتاحت الضواحي الفرنسية من الأحزاب القديمة العريقة، هذه الغضبة التي دفعت الكثير من المهاجرين إلى معسكر جان ماري لوبين.

لا تعتبر مثل هذه التقارير مفاجئة بالنسبة إلى فريد سماحي، عضو المكتب السياسي لحزب الجبهة الوطنية، الذي حارب والده الجزائري في الحرب العالمية الثانية مع الجيش الفرنسي. يقوم فريد سماحي منذ عدَّة أعوام بالدعاية بين المسلمين والمهاجرين لهذا الحزب، الذي صار مشهورًا بحربه الكلامية ذات اللَّهجة القوموية وبشعارات تطالب بقوانين أكثر صرامة.

يقول فريد سماحي إنَّ الذين يظهرون إهتمامًا بسياسة حزب جان ماري لوبين هم بالدرجة الأولى مسلمون ومغاربيّون من أبناء الطبقة الوسطى، ولكن كذلك يزداد عدد الطلاَّب المهتمِّن بسياسة حزب الجبهة الوطنية. ويتابع إنَّهم يدركون أنَّ الأحزاب التقليدية لم تفعل أيَّ شيء من أجل تحسين أوضاع المهاجرين، على الرغم من كلِّ الخطابات الرنَّانة.

وحتَّى الشبَّان المتعلِّمين من أبناء العوائل المهاجرة "لا يستطيعون إيجاد وظيفة في آخر المطاف إلاَّ خلف البار في مطاعم الماكدونالدز. لقد أَبعدوا الشبَّان إلى الضواحي"، على حدِّ قول فريد سماحي: "ووضعوا العقبات والعراقيل في طريق هؤلاء الشبَّان - أو أنَّهم وضعوا بأيديهم مكنسة لتنظيف الشوارع" بدلاً من إعطائهم نفس الفرص.

تقديم الوعود إلى الفرنسيين في الضواحي

استخدم جان ماري لوبين في شهر نيسان/أبريل الماضي عبارات مشابهة أثناء ظهوره المفاجئ في ضاحية أرجنتوي Argenteuil الباريسية في المعركة الانتخابية من أجل كسب أصوات الناخبين. حيث صرَّح لوبين لمستمعيه في هذه الضاحية الباريسية التي تعتبر بؤرة اجتماعية ملتهبة، قائلاً:

"نحن نود مساعدتكم من أجل الخروج من ضواحي الغيتو، التي ركنكم فيها السياسيّون الفرنسيّون - بينما يريد أشخاص معيَّنون "استخدام منظِّفات الضغط العالي" ضدَّكم من أجل عزلكم في هذه الضواحي".

يتفاءل فريد سماحي في أنَّ المهاجرين الذين يحملون الجنسية الفرنسية يشعرون بأنَّ مثل هذه الوعود تهمَّهم. من الممكن أن يؤيِّد أيضًا كثير من المهاجرين الفكرة الأساسية القائلة بالـ"أفضلية لأهل الوطن" préférence nationale، أي الأفضلية للفرنسيين:

"إنَّ الذين لا يقذفون الحجارة في بئرنا ويشعرون بانتمائهم للأمَّة هم فرنسيون"، حسبما يؤكِّد فريد سماحي ويتابع قائلاً: "لقد سئم الشباب الناشئون من الاهتمام المبالغ به بالذين لا يملكون أوراقا رسمية، في حين لا تزال الأوضاع في الضواحي تزداد سوءً".

لهذا السبب يعارض منتدى "العروبة والفرنسية" Arabisme et Francité القريب من حزب لوبين والذي يعمل فريد سماحي رئيسًا له ازدواج الجنسية معارضة شديدة. يقول سماحي: "مثلما يوجد لدى المرء أمٌّ واحدة فقط، يوجد لديه كذلك وطنٌ واحد". لا بدّ للمهاجرين من الاختيار، من أجل تجنُّب صراعات الولاء. لا يتصدَّر هذا الاختيار الأصل أو الدين، بل الإقرار بالتبعية للأمة الفرنسية العلمانية.

لهذا السبب لا يوجد بالنسبة لفريد سماحي تناقض ما بين الحملة الدعائية ضدّ مشروع بناء المسجد في مرسيليا وبين الدعاية من أجل كسب أصوات الناخبين المسلمين. يقول سماحي بصفته وطنيًّا فرنسيًّا مسلمًا إنَّه لا يكترث كثيرًا ببناء "مسجد عند كلِّ محطة باص. فالأجدر أن يهتم الناس بالتعليم وبالرعاية الصحية".

حضور لوبين في الإعلام العربي

بيَّن لوبين بنفسه هذه المساعي أثناء التحضيرات للانتخابات من خلال ظهوره أكثر من مرَّة في بعض وسائل الإعلام العربية. أكَّد لوبين في حوار أجرته معه قناة العربية الفضائية على رفضه للحرب على العراق وعلى نقده لسياسة فرنسا تجاه إيران. كذلك أبدى لوبين في الماضي استعدادًا لدعم صدَّام حسين.

أمَّا جمعية "نجدة أطفال العراق" SOS Enfants d’Irak المقرَّبة من حزب لوبين، والتي تأسَّست في وسط التسعينيَّات من قبل زوجته لوبين السيِّدة جان ماري باشوس، فقد عبَّرت عن هذا الدعم بشكل مؤثِّر في الرأي العام.

يُعقد الأمل مع مثل هذه المواقف التي يتمّ اتِّخاذها في أزمة الشرق الأوسط على استجابة الناخبين المسلمين. يأمل حزب الجبهة الوطنية في كسب مجموعات جديدة من الناخبين، وذلك من خلال العرض الذي يعرضه على الأقلِّ على المهاجرين الذين لا يعبؤون بخواصهم ومميِّزاتهم الثقافية والدينية - ليعاملوا معاملة المواطنين الفرنسيين بنفس الحقوق وبنفس الواجبات. هذا ما يأمله على الأقلِّ "المجدِّدون" في الجبهة الوطنية، الذين يحاولون تخليص حزب الجبهة الوطنية من صورة الماضي الأزلي.

خلاف داخل الحزب اليميني المتطرف

تبدو هذه الإستراتيجية في آخر المطاف فاشلةً، على الرغم من الاستجابات المنفردة التي قوبل بها لوبين قبل كلِّ شي لدى بعض المهاجرين المقيمين منذ فترة طويلة في البلاد. توصًّل إلى هذه النتيجة عالم السياسة جان يفيس كامو من معهد العلاقات الخارجية والإستراتيجية "IRIS"، الذي يتابع منذ سنين المنظَّمات والجمعيَّات المتطرِّفة والإسلاموية في فرنسا.

يقول جان يفيس كامو إنَّ هناك خلافًا حادًا في حزب الجبهة الوطنية بالذات حول الانفتاح الإيديولوجي للحزب على المسلمين. ويتابع كذلك لا توجد تقريبًا إشارات تشير إلى أنَّ هذا الانفتاح الشكلي على الناخبين المسلمين قد حقِّق هدفه.

فهكذا حصل المرشَّحون المسلمون الذين تمَّ ترشيحهم من قبل حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على أقلِّ من 2 بالمائة من الأصوات في الدوائر الانتخابية التي يوجد فيها الكثير من الناخبين المسلمين. يقدِّر جان يفيس كامو عدد أصوات الناخبين المسلمين التي فاز بها مرشَّحو الجبهة الوطنية في الانتخابات الرئاسية بمثل هذه النسبة المنخفضة.

بيد أنَّ هذا لا يشكِّل سببًا لاطلاق صفًّارة الأمان. فمن الممكن أن يسهم تودُّد السياسيِّين اليمينيِّين إلى الناخبين المسلمين لدى الرأي العام في تقوية وتعزيز الصورة المشوَّهة عن تطرُّف المسلمين الفرنسيِّين.

يحذِّر جان يفيس كامو من أنَّ الحملة الدعائية لحزب الجبهة الوطنية يمكن أن تعزِّز الانطباع بوجود "نوع من الإسلام السياسي اليميني المتطرِّف، الذي يدعم لوبين بسبب معاداته للسامية وماضيه الذي عرف فيه بإنكاره للمحرقة".

"من الممكن لبعض المراقبين أن يُدَعِّموا من خلال ذلك ادِّعاءهم القائل إنَّ جزءً مهمًا من الجالية المسلمة سوف يزداد تعصُّبًا ومعاداةً للسامية وسيحاول الاتِّحاد مع متطرِّفين آخرين. باختصار: إذا كان يوجد شيء مثل "تأييد من قبل المسلمين" لحزب لوبين، فعندها سيكون هذا التأييد دليلاً على وجود "نظام إسلام فاشي" و"تحالف بين المسلمين والقوميِّين". بيد أنَّ الحال ليست على هذا النحو". يتجلَّى هذا بوضوح من خلال فشل المرشَّحين اليمينيِّين المتطرِّفين.

أمَّا سماحي فيقدِّر المستقبل تقديرًا مختلفًا تمام الاختلاف. إذ أنَّه يعتقد أنَّ أكثرية الوطنيِّين الفرنسيِّين سوف تكون أصولهم في المستقبل من أبناء العوائل المهاجرة. إلاَّ أنَّ نتائج الانتخابات تتناقض مع ما يقول. لا يزال هناك وقت طويل لكي تنتشر هذه الوطنية لدى أغلبية المسلمين الفرنسيِّين.

بقلم غوتس نوردبرخ
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

"فرنسا تتغافل عن وجهها الحقيقي
رغم أن الحكومة الفرنسية قد أقرت ثلاث شخصيات من المنحدرين من فئة المهاجرين إلى مصاف المسؤوليات العليا، فإن مجمل الطبقة السياسية مازالت لا تعد سوى شخصيات قليلة من أبناء المهاجرين. حوار مع كريم الزريبي المستشار السابق لدى وزير الداخلية جون بيير شيفانمون

معارضة من ضواحي المدن الفرنسية
بينما كانت تعبئة غالبية المهاجرين المسلمين في ضواحي المدن الفرنسية ضد نيكولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة الأخيرة قوية للغاية يجدها المرء قد ضعفت في الإنتخابات التشريعية الجديدة بصورة واضحة. تقرير من برنارد شميد حول أسباب ذلك