تغطية صحفية ملبدة للأجواء

منذ الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر / أيلول والإعلام يتحدث بنبرة حادة عن المهاجرين. كما تلقى الأحكام المسبقة القديمة والصور الجديدة المشوهة رواجا لدى وسائل الإعلام. مَشاهد من قلب المجتمع الألماني يرويها كريستوف بوترفيجه.

امرأة تركية تمر أمام محلات تجارية في مدينة فرانكفورت؛ الصورة: أ ب
الصور الإعلامية أثرت سلبيا وأعطت الانطباع بأن المهاجرين المسلمين، وخاصة الأتراك، متقوقعون في "مجتمعات متوازية" ويضطهدون نساءهم ولا "يتواءمون معنا".

​​

التغطية التي تقوم بها وسائل الإعلام الألمانية لأوضاع الأجانب المقيمين في ألمانيا الإتحادية لا تختلف عما تقوم به حول الدول الأجنبية، حيث لا تكون إلا في الحالات الاستثنائية ذات طابع مأسوي لافت للنظر.

غالبا ما يتم الربط بين المهاجرين والفوضى والإجرام، مثل مافيا القتل وعصابات السرقة والاحتيال للحصول على اللجوء. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الإعلام الألماني يتعامل مع الموضوع طبقا للمثل الانجليزي القائل: "من الأمور الطبيعية أن تلقى الأخبار السيئة في الغالب استحسانا لدى الإعلام".

يقوم الصحفيون بالحكم على مَن يهاجرون إلى ألمانيا حسب معيارين: أحدهما من ناحية نفعهم للألمان، أو لـ"وضعنا الاقتصادي". والثاني من ناحية أصولهم العرقية. من هذا المنطلق يمكن للهجرة أن تبدو خطرا يهدد المواطنين أو ثروة لهم، ولكن من النادر أن تبدو على أنها من الظواهر الطبيعية في عالم مترابط. ففي الوقت الذي يتجاوز رأس المال كل الحدود في جزء من الثانية تبقى الهجرة من البلدان الفقيرة، على وجه الخصوص، غير مرغوب فيها، اللهم إلا لذوي الخبرة العالية أو العائلات الشابة التي تقوم بسد الفراغ الديموغرافي.

ظاهرة الخوف من الإسلام بعد الحادي عشر من سبتمبر

كانت الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاجون بالنسبة للتغطية الاعلامية حول الهجرة بمثابة نقطة تحول، فمنذ ذلك الحين حل الحديث في غرب ألمانيا – على الأقل - عن المسلم العربي أو التركي محل الحديث عن "العامل الأجنبي" القادم من جنوب أوروبا وعن أولئك الذين يطلبون اللجوء بطرق غير قانونية كنمط عام لكل الأجانب.

يلاحظ في نفس الوقت وجود ثلاثة تغييرات للتغطية الاعلامية عن الهجرة: أولهما أن الجدل حول الهجرة يتداخل مع الجدل حول الجرائم بصورة أكثر مما كان عليه أثناء مناقشة مسألة اللجوء عام 91 /1992. وثانيهما أنه قد أضفي على الجدل حول الجرائم الطابع السياسي الأيديولوجي حتى احتد وصار جدلا حول الإرهاب، ومن ثَم إلى جدل عام حول الحرب من خلال الانتشار الواسع لمصطلح "صراع الحضارات". وثالثهما أن الجدل اتجه إلى "أسْلمة" الهجرة والجرائم، وعلى مستوى السياسة الخارجية لعبت خطط انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي دورا رئيسيا مثل الدور الذي لعبه حجاب المسلمات و"جريمة الشرف" والزواج القسري على مستوى السياسة الداخلية.

وهكذا لم تبهت فقط صورة الإسلام في الإعلام الألماني، بل راجت شعارات السياسة العالمية مثل "صراع الحضارات" (صموئيل هنتنغتون) أو "صراع الثقافات" (بسام طيبي). وقد كتبت جريدة "تسايت" مقالا رئيسيا تحت عنوان "الهدف: حضارتنا، ارهاب كلي وعالمي" في عددها بتاريخ 13 سبتمبر / ايلول 2001 وهو مقال ظهر بصورة ملفتة للنظر وبالخط الأحمر منذرا بحرب ضد الولايات المتحدة.

مصطلحات رمزية لصراع الحضارات

بعد الحادي عشر من سبتمبر / أيلول أصبح أسامة بن لادن والقاعدة مصطلحات رمزية لـ"صراع الحضارات" ضد المدنية الغربية. وفي كثير من وسائل الإعلام أصبح الإرهاب والأصولية والتطرف خطرا موجودا في كل مكان يواجهه الناس والرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بأسلوب عدواني.

​​كما تغيرت الروح الأكثر ليبرالية مرة أخرى بخصوص سياسة الهجرة لأن "الخلايا النائمة" أصبحت تحدد معالم صورة المهاجرين المسلمين بعد الحادي عشر من سبتمبر / أيلول. منذ ذلك الحين أصبح المهاجرون يُوصفون أكثر فأكثر بالاجرام والهمجية والرجعية والتطرف الديني والتعصب الأيديولوجي. وحتى بعد مرور وقت طويل على هجمات سبتمبر لا تزال صور البرجين المحترقين والشعارات والأساليب العدوانية تملأ وسائل الإعلام الألمانية.

الأتراك كمشكلة للسياسة الداخلية والخارجية

بعد الهجمات الارهابية في نيويورك بعام نشر هانس أولرش فيلر كضيف في جريدة "تسايت" مقالا بعنوان "المشكلة التركية، الغرب يحتاج إلى تركيا كجبهة ضد العراق على سبيل المثال، ولكن لا يجوز أن ينضم هذا البلد المسلم إلى الاتحاد الأوروبي". هذا العنوان أظهر الاتجاه المعادي للاسلام الذي تنحوه المناقشات بصورة واضحة.

لقد حدد هانس فيلر في ما كتب "الحدود الثقافية" بين أوروبا وتركيا التي تقضي بزعمه أن: "الأقلية المسلمة - على مستوى أوروبا كلها - أثبتت أنها لا يمكن أن تنصهر في المجتمع وهي تتقوقع في ثقافة متوازية. كما أنه من المعروف أن المانيا الإتحادية لا تواجه مشكلة مع الأجانب، بل مع الأتراك فقط".

بعد إقدام الإرهاب على استخدام القنابل في أوروبا في تفجيرات قطارات الضواحي في مدريد في الحادي عشر من مارس / آذار 2004 تعكر المناخ السياسي الخاص بموضوع الهجرة بصورة أكبر. وبعد اغتيال المخرج السينمائي الهولندي تيو فان كوخ في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني 2004 وجد مصطلح "المجتمعات المتوازية" طريقه إلى الإعلام كمصطلح مضاد لـ"المجتمع متعدد الثقافات".

صورة عدائية مستحدثة

وقد وصل الجدل إلى ذروته بالمقال الذي نشره جيل كيبل في جريدة "فيلت أم سونتاج" بتاريخ 21 نوفمبر / تشرين الثاني 2004 تحت عنوان "المعركة حول أوروبا" ومن ثم مقال "الضيوف المخيفون: عالم المسلمين الآخر في المانيا" الذي ظهر في اليوم التالي على غلاف مجلة "فوكوس". بهذا تم ترميم الصورة العدائية للحرب الباردة من ناحية، وتحديثها من ناحية أخرى.

والآن أصبح الرأي العام معبأ ضد المسلمين بصورة علنية. هكذا قوّى الكاتب المسرحي بوتو شتراوس الخوف من أسلمة الغرب عن طريق تذكيره بالحروب الصليبية والحروب التركية واسترداد شبه الجزيرة الايبيرية عندما كتب في مجلة "دير شبيغل" في 13/2/2006 متسائلا: "عما إذا كانت المعارك الدفاعية الناجحة التي خاضتها أوروبا المسيحية ضد هجوم القوى العربية عديمة الفائدة من وجهة النظر الحالية، مشيرا الى أن المواطنين المسلمين الذين سيصبحون أغلبية في أمستردام والعواصم الأخرى لن يحتاجوا بعد إلى تسامحنا".

في الواقع قد يستطيع المهاجرون هناك في المستقبل البعيد تكوين أغلبية، ولكنها لن تمت بأي حال من الأحوال إلى أناس لهم نفس التبعية الدينية، وليس محتملا أن يعتنق جميعهم الإسلام.
والتغطية الاعلامية - ذات الطابع الهجومي – حول "الزواج القسري" و"جريمة الشرف" لا تخلو من نبرات عنصرية. والصور الإعلامية أثرت سلبيا وأعطت الانطباع بأن المهاجرين المسلمين، وخاصة الأتراك، متقوقعون في "مجتمعات متوازية" ويضطهدون نساءهم ولا "يتواءمون معنا"، وأكثر من ذلك أن مكانهم هو العودة من حيث جاؤوا.

مساجد ومآذن ومؤذنون

عندما رفضت قاضية لدى محكمة الأسرة بفرانكفورت في مارس / آذار 2007 طلبا بالحصول على الطلاق المبكر – دون الإضطرار للانتظار لمدة عام - لأن مقدمة الطلب المتزوجة من المغربي العنيف كان عليها أن تضع في الاعتبار قبل الزواج أنه يمارس حقه الشرعي في تأديبها، لم تثر ثائرة وسائل الإعلام للتفسير القرآني المختصر غير المتماشي مع الزمن ولكن لمراعاتها لقانون أجنبي.

وفي عددها الصادر في 26/3/2007 بغلافه المرسوم عليه بوابة براندنبورغ التي يعلوها الهلال التركي بعنوان "مكة الألمانية، الأسْلمة الهادئة" كتبت مجلة "شبيغل" تتساءل: "هل وصلت الشريعة إلينا؟"
أسلوب الحديث في وسائل الإعلام عن الأجانب واللاجئين والأقليات العرقية وكذلك أيضا عن امكانية التعايش المثمر هو الذي سيحدد هل سيزداد تهميش الأجانب حدة في المستقبل أم لا. وسائل الإعلام شريكة في المسؤولية عن انهيار المجتمع أو عن خلق آفاق جديدة لجميع أعضائه. فبعد الملاحقة الاضطهادية لمجموعة من المهاجرين الهنود بمدينة "موجلن" خاصة ينبغي على الصحفيين أن يدركوا مسؤوليتهم في تحقيق الاندماج.

كريستوف بوترفيجه
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع محفوظة: كريستوف بوترفيجه 2007

البروفيسور كريستوف بوترفيجه يعمل مدرسا للعلوم السياسية بجامعة كولونيا، ونشرت كتبه "وسائل الاعلام والهجرة والمهاجرون" و"الهجرة في زمن العولمة" في عدة طبعات.

قنطرة

صخب وتهريج ضد مسلمي أوروبا
هولت مجلة "دير شبيغيل" الإخبارية مؤخرا من أخطار "التزايد الخفي المستتر للتيارات الإسلاموية" في ألمانيا. وفي هامبورغ ثمة مسعى لإنشاء حزب سياسي معاد للإسلام. كما أن بعض الذين تبنوا في السابق أفكارا يسارية يتحدثون اليوم بنبرة اليمين المتطرف. تعليق لروبيرت ميزيك حول هذه الظاهرة التهريجية.

حول الخلط بين العمليات الإرهابية، وبين الإسلام، وكيفية التصدي له
ما هي الاستراتيجيات التي على المسلمين في أوربا وعلى وسائل الإعلام الغربية وعلى الفرد في أوربا اتباعها بعد الإعتداءات في لندن وشرم الشيخ؟ تحليل الباحثة الإعلامية الألمانية سابينه شيفر.

برامج الحوار والمجلات التلفزيونية تحت المجهر
تطغى صبغة العنف على البرامج التلفزيونية في ألمانيا بشكل عام وهذا يشمل أيضاً صورة الإسلام التي تعرضها. وتظهر دراسة أجراها الباحثان كاي حافظ وكارولا ريشتر أن موضوع الإسلام يحتل مساحة كبيرة في محطات التلفزة. تقرير من سابينه شيفر