حقوق المواطنة بعد 11 سبتمبر/ أيلول

شهدت المجالات الأمنية في أوربا والولايات المتحدة بعد اعتداءات سبتبمر/أيلول تغييرات جذرية باتت تشكل تهديدا جديا للديموقراطية. ملاحظات كريستيانه شولتسكي-حدوتي

حقوق المواطنة بعد 11 سبتمبر/ أيلول

بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الإرهابية اتفق مسؤولو السياسات الأمنية بسرعة على شيء واحد ألا وهو أن التشريعات والقوانين السابقة لم تكن كافية. وكرد فعل سريع على ذلك قاموا بتغيير قوانين جوازات السفر وقاموا بفحص وتدقيق بنوك المعلومات ووضعوا بنوك معلومات جديدة. وقد خالفوا بذلك بوضوح قانون حماية البيانات الشخصية ولكن دون أية تبعات.

تتيح قوانين جوازات السفر الجديدة للدول في شرق وغرب الأطلنطي إدخال الملامح البيومترية على التأشيرة وفي الجوازات للتعرف على الأشخاص من خلال بصمات الأصابع أو ملامح الوجه. ورغم ذلك فإن فعالية نظام التعرف على الأشخاص من خلال النظم البيومترية ما تزال محل خلاف. وصلت معدلات الخطأ لدى بعض هذه الأنظمة إلى 20%، وهي أيضا ليست محمية ضد التزوير. استطاع عالم رياضيات ياباني في بداية عام 2002 أن يخدع 11 نظاما للتعرف على البصمات بواسطة أصابع مصنوعة من حلوى الجيلاتين. أظهرت الأصابع المطاطية الرطبة بنسبة 32% خصائص فيزيقية مشابهة للأصابع الحقيقية.
واستطاع صحفيو الكمبيوتر بحيل أبسط بكثير أن يخترقوا نظام التعرف على البصمات، بل واستطاعوا كذلك اختراق نظام التعرف على الوجه ونظام مسح القرنية الذي يعد أكثر النظم إحكاما وأمنا. في الوقت الحالي أتاحت الحكومة الاتحادية في ألمانيا والبرلمان الاتحادي للعلماء القيام بدراسات جدوى بخصوص البطاقات الشخصية الرقمية.

الطلاب المسلمون مشتَبهون

قامت دائرة الجنايات الاتحادية بتخزين معلومات حوالي 20000 شخص من بنوك المعلومات أثناء عملية الفحص والتحري التي أجريت على من يسمون "بالخلايا الإسلامية النائمة". وكان الهدف من عملية التحري هو التعرف على" خلايا نائمة" أخرى، لمنع وقوع أي هجمات. ولكن الملامح المستخدمة لعمل التحريات كانت غير محددة المعالم بالقدر الكافي، بحيث تناولت فقط "بيانات كل الطلاب المسلمين الذكور"، من بنوك المعلومات الخاصة بالجامعات ومؤسسات الرعاية وشركات النقل. ولم يتم فحص واختبار مدى توافق طريقة التحري هذه مع الدستور، فحصا جديا. رغم ذلك كان النجاح الوحيد الذي حققته هذه الطريقة حتى الآن هو القبض على الإرهابي رولف هايسلر من جماعة الألوية الحمراء عام 1979. والآن أيضا لم يفض فحص بنوك المعلومات إلى أية نتائج مباشرة. ومع ذلك تريد وزارة الداخلية الاتحادية أن تقنع المجلس الأوروبي بتعميم تحريات بنوك المعلومات في كل أنحاء أوروبا.

ومن المعسكر المحافظ جاءت اقتراحات أخرى بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بفترة وجيزة، فقد طالب الرئيس السابق لهيئة حماية الدستور الاتحادية إيكارت فيرتباخ بتأسيس بنك معلومات مركزي "للإرهابيين الإسلاميين"، تشارك فيه أجهزة الأمن العسكري وشرطة حماية الحدود وشرطة الجمارك الجنائية بمعلوماتها وبياناتها. في البداية لم تلق فكرة فيرتباخ آذانا صاغية. لكن من المفترض أن نظام شنغن المعلوماتي (SIS II) الذي تم تطويره عام 2002، قد بدأ بالفعل في جمع المعلومات البيومترية وأصبح لديه بنك معلومات جديد. وسيتضمن بنك المعلومات بيانات عن "مثيري الشغب" داخل دول اتفاقية شنغن، الذين مُنعوا من السفر بسبب أحداث معينة، وعن التأشيرات للمتظاهرين من دول أخرى، وعن الممنوعين من دخول البلاد والإرهابيين الذين تم التعرف عليهم بالفعل. وسيقوم بنك معلومات شنغن بالربط بين المعلومات عن الأشخاص والأشياء وبهذا يهيئ المجال لفحص وتحري بنوك المعلومات على المستوى الأوروبي.

مراقبة شاملة

تسود في الولايات المتحدة على وجه الخصوص قناعة بأنه كان من الممكن منع وقوع الهجمات الإرهابية، لو كان بالإمكان ربط البيانات المنفردة ببعضها البعض.تستثمر حكومة الولايات المتحدة في تطوير بنوك معلومات شاملة، يتم تقييمها بواسطة نظام لمعالجة البيانات. وتعِد نظم تحليل المعلومات الخاصة بالاتصالات على وجه الخصوص بنتائج مثيرة، فهي تقدم معلومات عمن أرسل فاكسا ومن أجرى مكالمة هاتفية ومن أرسل بريدا إلكترونيا، ومن زار موقعا على الإنترنت وفي أي وقت، وأي موقع كان ذاك. يستطيع مسؤولو التحريات أن يصنفوا هذه المعلومات باستخدام برنامج الكمبيوتر المناسب. وليس لهذا النظام أي معنى إلا إذا ما تبنته عدة دول. لأن المطلوبين يستطيعون إجراء اتصالاتهم عبر عدة دول. ولا تستطيع أجهزة التحري الجنائية أن تفعل شيئا إلا إذا تلقت المعلومات من كل بلد مستهدف. تدور في الاتحاد الأوروبي نقاشات في الدول الأعضاء بشأن طلب من الرئيس الأمريكي لتخزين بيانات الدخول إلى شبكة الإنترنت عن طريق شركات خدمات الإنترنت. لكن مثل هذا القرار لم يدخل إلى حيز التنفيذ حتى الآن بسبب معارضة ألمانيا له. ولذلك من المتوقع أن يكون هذا الموضوع أحد القضايا الرئيسية التي تطرحها الولايات المتحدة في قمة الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول القادم، وتلح في جمع أكبر عدد من التوقيعات على اتفاق المجلس الأوروبي بخصوص جرائم الإنترنت. وسيعني ذلك في هذه الحالة أنه لا يمكن لأحد أن يتصل هاتفيا أو يبحث في شبكة الإنترنت دون أن يكون مراقبا.

أول استخدام ملموس لشبكة المعلومات الشاملة في الولايات المتحدة سيكون عبارة عن نظام جديد لمراقبة المسافرين جوا. ومن المفترض أن يتم التعرف على الإرهابيين في خلال خمس ثوان عن طريق تحليل البيانات وتقدير المخاطرة. وسيتم تخزين المواطنين الأوروبيين أيضا داخل النظام:
منذ مارس/آذار عام 2003 صار لسلطات الجمارك الأمريكية القدرة على الدخول إلى بنوك المعلومات الخاصة بالمسافرين على شركات الطيران الأوروبية. ومن بين المعلومات التي يمكن الحصول عليها اسم المسافر وتاريخ ميلاده وعنوانه ورقم تليفونه وأسماء المسافرين معه وشركة السياحة التي حجز منها رحلته واسم الموظف الذي قام بالحجز. من المعلومات المطلوبة أيضا العنوان الذي ترسل إليه فاتورة الحساب والبريد الإلكتروني ونوع الرحلة. فمثلا عندما يطلب المسافر وجبات "حلال"، يخزن النظام هذه المعلومات.
وافقت المفوضية الأوروبية على نظام استدعاء البيانات، لأن الولايات المتحدة كانت ستسحب من شركات الطيران حق السفر إليها لو لم تتم الموافقة. ولكن وفقا لما توصل إليه مسؤولو حماية البيانات، فإن في ذلك مخالفة لقانون حماية البيانات. وليست هناك أية تبعات لذلك حتى الآن.

تهديد الديموقراطية

تبين هذه الأمثلة مدى خرق ومخالفة الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا عام 1983 والوارد نصا كحق أساسي بخصوص حرية تصرف الأفراد في بياناتهم الشخصية، منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. وتثير هذه الخروقات مخاوف بشأن مصير الديمقراطية وحيويتها. لأنه حين تقرر المحكمة أن "كل من يشعر بأنه غير مـتأكد إن كانت سلوكياته المخالفة تدون دائما وتخزن بشكل دائم في صورة معلومات وتستخدم أو يتم إرسالها لجهات أخرى، سيحاول ألا يكون ملفتا للأنظار من خلال هذه السلوكيات. ومن يأخذ في حسبانه أن المشاركة في اجتماع أو في مبادرة أهلية، سيتم تسجيلها من قبل السلطات وأنه سينجم عن ذلك مخاطر تهدده..."
ينبغي على مكافحة الإرهاب ألا تضر بالمبادئ التي تسعى للدفاع عنها.

كريستيانه شولتسكي-حدوتي، قنطرة 2003
ترجمة أحمد فاروق