جسر موسيقي بين الشرق والغرب

ينسج الفنان التونسي جان بيار سمادج،الأواصر بين موطنه الأول باريس وموطنه الجديد اسطنبول. يعتبر سمادج اليوم أحد أنشط فناني الموسيقى العالمية المنحدرين من أصل عربي. ستيفان فرانتسن تحدث مع الفنان حول آخر مشاريعه.

ينسج الفنان التونسي جان بيار سمادج الأواصر بين موطنه الأول باريس وموطنه الجديد اسطنبول، متنقلا لفترة قصيرة الى اليمن. يعتبر سمادج اليوم أحد أنشط فناني الموسيقى العالمية المنحدرين من أصل عربي. ستيفان فرانتسن تحدث مع الفنان حول آخر مشاريعه.

​​قضى جان بيار طفولته المبكرة في تونس، وأتى صغير السن مع عائلته إلى باريس. بيد أنَّ والديه وأقرباءه اصطحبوا الموسيقى واللغة العربيتين معهما وكذلك العادات الاحتفالية، لذلك لا مجال للحديث عن الاغتراب لدى سمادج. ومع ذلك اهتم الشاب اليافع في البداية بموسيقى الفولك والجاز والبوسا نوفا.

ويقول سمادج مسترجعًا ذكرياته: "في الواقع أهدتني عائلتي آلة العود في عيد ميلادي الثالث عشر. عندها اكتشفت شغفي بها. كنت أعرف تسجيلات ربيع أبو خليل وأنور براهم فحاولت أثناء العطلة المدرسية أنْ أتدرب على العزف بمساعدة هذه الاسطوانات".

شراكة الإبداع

وجد سمادج بعد بضع سنوات في شخص الجزائري مهدي حداب المعلم المناسب. وغدا حداب في نفس الوقت شريكه في فرقة ثنائي العود DuOuD، مشروعه الرئيس في السنوات الأخيرة. علَّمه حداب عازف العود البارع مهارات العزف على الأوتار، في حين أطلع سمادج شريكه على أسرار البرمجة الالكترونية للصوت.

هذا ما دعاه بعد أنْ أصبح مولعًا بآلات الإيقاع والباص وبهندسة الصوت إلى تأسيس شركة الإنتاج الموسيقي لايبل بلو Label Bleu، و تشهد ألبوماته الثلاثة الفردية على موسيقى اثنولوجية الكترونية ذكية.

برع ثنائي العود DuOuD في المزاوجة بين أنغام العود التقليدية مع البيت والبايت Bits & Bytes في البرمجة الرقمية للصوت. وغدت باكورة أعمالهم "السيريناد الوحشي" إعلانًا هائلاً لموسيقى العود الحديثة، وصدر الآن قسمها الثاني مع تحول رائع.

وعندما أُعلنت مدينة صنعاء عاصمةً للثقافة العربية لعام 2004، دعا المركز الثقافي الفرنسي رواد العود للعزف هناك كفنانين مقيمين. هذه الإقامة أدت إلى شراكة طويلة مع المغني وأستاذ العود عبد اللطيف يعقوب، ونشأ معه ومع عازفين آخرين - مزمار وإيقاع - الألبوم "Sakat" (إنتاج لايبل بلو/روف تريد).

موسيقى يمنية تقليدية في شكل جديد

ويذكر سمادج عن الألبوم: "فيه قطع موسيقية يمنية تقليدية، لكننا قمنا بتغيير بنيتها بشكل كامل. واقتصرت وظيفتنا على دور المصفاة لهذه الموسيقى. الناس المحليون تعرفوا على موسيقاهم مباشرة وتقبلوها بشكلها الجديد بصدر رحب، حيث رقصوا على أنغامها في حفلاتنا الموسيقية في صنعاء وعدن. ولم تأت الانتقادات سوى من بعض الأكاديميين الغربيين الذين يعيشون في اليمن".

هدف سمادج من ألبوم "Sakat" هو اطلاع الأوربيين على ثقافة اليمن الموسيقية التي تكاد أنْ تكون مجهولة للغاية. ويخبر بافتتان عن طريقة عزف العود المميزة، وعن الشاعرية القديمة السامية المفعمة بالزهو. وترتعش الجوارح حقَا بفعل فن أداء يعقوب الصوتي القوي مع الطابع "المزمجر" المميز.

يأمل الفنان أيضًا بالانفتاح على الغرب من خلال مشاريعه التركية التي يعمل عليها راهنًا بكل جوارحه من اسطنبول حيث يعيش الآن بسبب حبه. ويقول سمادج بهذا الصدد: "يوجد الكثير من الموسيقيين الأتراك الجيدين، الذين لا يوجهون عملهم للخارج.

باني الجسور

شخصيًا، أقف في الوقت الحاضر ثقافيًا بين فرنسا وتركيا وأعتقد أنني أستطيع العمل على بناء الجسور. كان تفكيري بعد أنْ نصبت خيامي هنا الآن، أنْ أبدأ مشروعًا تحت إدارتي. هكذا نشأ ثلاثي إس أو إس"SOS". (ظهرت اسطوانة من إنتاج دوبل مون/روف تريد). من المشاركين عازف الكلارينيت الغجري سافاش زورناجي وعازف البزق الذي نشأ وترعرع في اليونان أورهان عثمان.

اشترك الثلاثي بالعزف في عدة حفلات لموسيقى الجاز في أحد المقاهي في اسطنبول، وهم يحافظون على التواصل مع بعضهم البعض. في غضون ذلك شرع سمادج كعربي في تأليف الموسيقى "التركية"، ويقول هنا: "تعمقت في دراسة الموسيقى المحلية بشكل واسع على مدى ثلاث سنوات. وأنشأت من العناصر التي أعجبتني قطعا خاصة. كنت أسعى لإعادة رسم طريقة غناء الآلة للّحن، لربطها بالدولاب الموسيقي، فضلا عن كثيرً من التقاسيم بواسطة خلفيات الكترونية".

ويروي مقرًا أنه كان قلقًا بعض الشيء، فيما إذا كان الأتراك سيتقبلون طريقة عزفه لموسيقاهم، وهذا الخوف ليس بلا أسباب. "فقسم من الآلات الموسيقية مشترك بين العرب والأتراك، والمقامات (السلالم الموسيقية) لا تختلف عن بعضها البعض إلا في تفاصيل دقيقة.

إلا انني لاحظت أنَّ الجمهور التركي يعرف أنواع الموسيقى المحلية على اختلافها بشكل مدهش، ويستطيع الغناء مع كل القطع، لكنه لا يتقبل كثيرًا التأثيرات الخارجية عادةً. بينما نُقبِل نحن العرب بشكل تام على الموسيقى التركية في المقابل، لأننا نلاحظ بالتأكيد مدى حيوية أوساطهم الموسيقية أيضًا، وكيف يتم توريث الموسيقى للجيل الناشئ، في حين أنَّ الحال لدينا مختلف –كما أخبرني الأساتذة في تونس- حيث الغبار يتراكم على المعاهد العالية للموسيقى والتي تبدو في طريقها إلى الزوال".

ربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الجرعات التجديدية المشابهة لسمادج، وإلى المزيد من التبادل بين البوسفور والعالم العربي. فمن المؤكد أنَّ هذا الفنان الدائم النشاط والمتعدد البراعات سيدفع بعض الأبواب ويشرعها من اسطنبول.

ستيفان فرانتسن
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية.