شهرة محلية ودولية

في التاسع عشر من شهر آب/أغسطس الجاري2006 توفي المغني الكبير وشيخ الموسيقى العربية الكلاسيكية صبري مدلل في مدينة مولده وإقامته حلب. سليمان توفيق عن الفنان والموسيقار العريق.

صبري مدلل، الصورة: www.alkindi.org
الموسيقاروالفنان الحلبي صبري مدلل

​​

يعتبر صبري مدلل من أعلام الموسيقى العربية الكلاسيكية، وهو من القلائل الذين أعادوا إلى الموسيقى التقليدية شعبيتها من جديد. وفي مسار اهتمامه بالموسيقى الكلاسيكية العربية ركز بالأساس على الموسيقى التقليدية السورية وبصفة أخص على موسيقى مدينته حلب المعروفة بحياتها الموسيقية المتنوعة.

وقد حاول مدلل أن يطور هذه الموسيقى مع الحرص على عدم المس من طابعها الأصيل وتقاليدها العريقة. وهكذا عرفت الموسيقى التقليدية السورية على يديه حيوية جديدة، حتى أنه غدا اعتبر صاحب مدرسة موسيقية أو ما يسميى بمدرسة صبري مدلل للموسيقى الكلاسيكية العربية.

تعليم ديني وفني

ولد صبري مدلل سنة 1918 في حلب وقد تلقى منذ أيام صباه المبكرة تكوينا متينا في مجالي الانشاد الديني وتجويد القرآن بحسب القواعد التقليدية المتداولة التي يتوارثها الناس في مدينته. وعلاوة على الجانب الديني والروحاني لهذا التعليم كان التلميذ يلقَّن أيضا قواعد النطق الجيّد. وهي تمارين أساسية والأكثر أهمية في تكوين المغني الذي يطمح إلى مسيرة فنية ناجحة.

ثم أوكل بتعليمه إلى الملحن الشهير عمر البطش الذي تمكن على يديه من توسيع أفق معارفه في مجال الموسيقى العربية الكلاسيكية. كما تعلم عنه أيضا فن الموشحات. والموشح صنف موسيقي قادم من الأندلس، وهو لون موسيقي غنائي عربي يتميز باعتماده على النص الشعري وبأسلوبه الموسيقي الخاص. وليس هناك من لون موسيقي تجسدت فيه بصفة متينة الذائقة العربية الميالة إلى الرهافة مثلما تجسدت في الموشحات.

وقد كان عمر البطش يعتبر إلى جانب أحمد قباني أكثر الملحنين أصالة وأغرزهم إنتاجا في مجال الموشحات. وتحت تأثير أستاذه عمر البطش وجه مدلل اهتمامه بصفة مركزة إلى الموشح بصنفيه الديني والدنيوي وأنتج لائحة عريضة من أغاني الموشحات.

اعتراف دولي

في البدء حظي مدلل بتقدير عال بصفة أساسية لدى جمهور حلب المعروف بولعه بالموسيقى، بينما لم يكن يعرف له إسم تقريبا خارج إطار مدينته آنذاك. في سنة 1949 شرعت إذاعة حلب في بث أغانيه، وفي الآن نفسه حصل مدلل على رتبة مغنّي ثابت للإذاعة، وهكذا غدا شيئا فشيئا معروفا في كامل البلاد السورية. وفي سنة 1954 أسس بالاشتراك مع حسن حفار، الذي سيؤسس فيما بعد فرقته الخاصة، مجموعة للإنشاد الديني.

إلا أن المنعرج الحاسم في مهنته الفنية قد حصل عن طريق بعض العروض الموسيقية التي قدم فيها مقطوعات "مؤذن حلب" في باريس سنة 1975 بمعية فرقته الرباعية. وابتداء من تلك الآونة بدأت تتكون له شهرة خارج حدود بلاده، وقد أصبح منذ ذلك الوقت يتلقى دعوات للعروض في الخارج بما في ذلك في ألمانيا أيضا.

ولم يثن مدلل سنه المتقدم عن مواصلة تدعيم مسيرته الفنية، وقد أولى عناية واهتماما خاصين بلون الوصلة. و مثلت أناشيد مدائحية من نوع "أحمد يا حبيبي" أو "يا إلهي" أشهر عناوين أغانيه التي لحنها بنفسه والتي ما فتئ يعاد تسجيلها باستمرار.

صبري مدلل يستطيع بصوته المرسل النقي ومتنوع النبرات أن يستولي على المستمعين كليا ويسحرهم. وأسلوبه في الغناء يعد بالنسبة للكثيرين ضربا من مكاشفة الوحي. وإنه على المرء أن يكون قد عايش ذلك بنفسه كي يدرك كيف ينجح هذا المغني ذي الهيبة الكاريزماتية عبر إنشاده لوحده في وضع مستمعيه في حالة وجد صوفي تقريبا.

بقلم سليمان توفيق
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

فرقة الكندي
من باريس الى حلب، ومن الموسيقى الكلاسيكية والباليه الى التخت العربي، ومن جوليان الى جلال الدين. إنها رحلة الموسيقي الفرنسي الذي عشق الموسيقى العربية واعتنق الإسلام. سليمان توفيق يقدمه لنا.

عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية