إلغاء عمل فنّي لموتسارت في دار الأوبرا الألمانية

أثار قرار مديرة "دار الأوبرا الألمانية" في برلين كيرستن هارمس بإلغاء الإخراج المسرحي لعمل موتسارت الموسيقي "أيدومينيو" بسبب مخاطر أمنية ضجة كبيرة في أوساط السياسيين والمثقفين والمسلمين في ألمانيا. تقرير بقلم حسين الموزاني

​​

بررت مديرة دار الأوبرا كيرستن هارمس في مؤتمر صحفي بأن هناك تحذيرات من قبل وزير داخلية ولاية برلين، ايرهارت كورتنك، وهو من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تتعلق بوجود مخاطر أمنية فيما لو عرض هذا العمل الممسرح.

لذلك قررت مديرة الأوبرا هارمس إلغاء هذا العمل المختلف عليه والذي أخرجه هانس نوينفلز. وأضافت هارمس بأن الحظر سيشمل في البدء أربعة عروض كان من المزمع عرضها خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لكنها لم تقل فيما إذا سيتم عرض هذا العمل بعد ذلك. واعتبرت أن المجتمع هو المعني بهذه التطورات وليس الأوبرا وعليه أن يعالجها بنفسه.

وكان المخرج نيونفلز قد اتبع أسلوباً "استفزازيا" من وجهة نظر البعض، لأنه يظهر رؤوس محمّد وعيسى المسيح وبوذا وبوسيدون مقطوعةً ثم يضعها ممثل ثيابه منقوعة بالدماء على كراسي مجاورة، والدم يقطر منها.

وكانت أوبرا موتسارت هذه قد عرضت عام 1781 للمرّة الأولى، وكان آخر عرض لها عام 2003. وهي تتحدث عن عن الملك الكريتي أيدومينيو الذي عاد من حرب طروادة بعد تيه دام سنوات طويلة، ثم يجد نفسه مضطراً للتضحية بابنه إلى إله البحر عند الإغريق بوسيدون. لكنه تراجع عن ذلك بعد أن سمع النداء الإلهي بقرب النجاة، فتخلى حينئذ أيدومينيو عن عرشه لابنه.

ردود الفعل

وأثار قرار منع العمل المسرحي ضجة كبيرة في مختلف الأوساط السياسية والثقافية في ألمانيا، ووصفه وزير الداخلية الألماني فولفغانغ شويبله بالقرار "الجنوني" وغير المقبول. وذلك قبل يوم واحد من انعقاد "المؤتمر الإسلامي" الأوّل في برلين برئاسة شويبله نفسه.

وانتقد وزير الدول للشؤون الثقافية بيرند نويمان هذا الإجراء وقال إذا كان الخوف من الاحتجاج يقود إلى "الرقابة الذاتية" فإن التعبير عن الرأي سيتعرض إلى الخطر. وعلى الفنّ ووسائل الإعلام الكشف عن التناقضات في المجتمع. وأدانت المستشارة الألمانية ميركل نهج الرقابة الذاتية هذا واعتبرته أمراً لا يطاق.

وعلّق فولغانغ بورنزن، وهو من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ومختص في الشؤون الثقافية، بأنّ هذا الإجراء "سيضر بحريّة الفن"، إذ أنّ الفنّ يحتاج إلى حريّة التعبير ليمارس النقد والاستفزاز، وهذه الخطوة هي عبارة عن "ركوع أمام المتطرفين الإسلاميين". وانتقد نائب رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي في "البوندستاغ" بوسباخ هذه "الرقابة الذاتية" التي بدأت تتوغل في الدولة الألمانية شيئاً فشيئاً. وهي تشكل على حدّ تعبيره "مقص الرقيب في الرأس".

ولم يقتصر النقد الموجه إلى قرار الحضر على ممثلي الاتحاد المسيحي، إنما شمل أيضاً ممثلي الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشترك في الائتلاف الحاكم. فاعتبره فولفانغ تيرزه Thierse "علامة مقبضة على الخوف". فقد بلغ الأمر حدّاً باتت معه حرية الفنّ مهددة.

وأضاف تيرزه بأن التعامل مع الفنّ سيكون محكّ اختبار للمسلمين. وعبّر حاكم ولاية برلين كلاوس فوفورايت Wowereit عن امتعاضه لهذا القرار، وبالأخص فيما يتعلّق بتصرف وزير داخلية ولاياته الذي اعترف بأنه اتصل بمديرة الأوبرا وأبلغها بالمخاطر المحيطة بالعرض المسرحي، لكنه ترك اتخاذ القرار النهائي لها وحدها، على حدّ قوله.

واقترحت مديرة دار الأوبرا وضع عمل آخر من أعمال موتسارت أو من أعمال فيردي بدلاً من الأوبرا الملغاة. وفي تصريح لجريدة "دي فيلت" أبدى المخرج نوينفلز عدم رضاه على قرار الإلغاء الذي اتخذته مديرة الأوبرا رافضاً الرضوخ للتهديد. وقال إنّه كان يتمنى لو أنها تصرفت بلا خوف وبأسلوب خال من السلبية، بل باندفاع لتبلغ الرأي العام بما آل إليه الأمر. وذكر بأنه شهد في عام 1981حالة مشابهة بعد إخراجه لأوبرا "عايدة"، فكان هناك إبلاغ بوجود قنبلة، لكن المعنيين لم يخبروا أحداً، إنما فتشوا المكان قبل بداية العرض.

موقف المسلمين

وحدث أنقسام في ردود بين أوساط الجالية الإسلامية في ألمانيا عشية انعقاد "المؤتمر الإسلامي"، فأعرب كنعان كولات ممثل الجالية التركية، وهي من أكبر الأقليّات ذات الأصول الإسلامية في ألمانيا، عن أسفه على ضياع فرصة جديدة للجدال، واصفاً قرار الحظر بالعار. ونصح جميع المسلمين بقبول بعض الأشياء المعينة، لأن الفنّ إبداع حرّ ولا يجوز أن يخضع للرقابة.

لكنّ رئيس المجلس الإسلامي في ألمانيا علي كيزيلكايا رحّب بقرار الإلغاء واقترح إدخال تعديلات على الإخراج، لأن "عرض النبي محمّد، وبدون رأس يمسّ مشاعر المسلمين"، وبهذا المعنى فلابد من إظهار "قدر أكبر من المراعاة" إزائهم.

ومع أن هذا العمل الفنّي لم يتعرض إلى النبي محمّد وحده، بل إلى المسيح وبوذا أيضاً - مستثنياً موسى -، لكن لم تكن هناك مخاوف من أن يقوم اتباع الديانة المسيحية أو البوذية بأعمال عنف، إنما اقتصرت التحذيرات من ردود فعل المسلمين.

بقلم حسين الموزاني
حقوق الطبع قنطرة 2006