انتقاد التاريخ

قدّم الكاتب الالماني اوفة تيم، أحد أهم الكتاب الألمان المعاصرين، كتابه الجديد "أخي كمثال" في القاهرة. التقت نيللي يوسف بالكاتب وتحدثت معه عن آرائه حول كيفية معالجة الماضي الالماني ومدى إمكانية نقل هذا الأسلوب على ثقافات أخرى

أوفة تيم

​​

ما هي حسب رأيك أهمية روايتك "اخي كمثال" للقارىء العربي ؟

اوفة تيم: من الصعب الاجابة على هذا السؤال لانني لا اعرف القارىء العربي بصورة جيدة و لكننى استطيع ان أخمن انه سيتعرف من خلال روايتى "اخى كمثال" على التاريخ الالماني والعقلية الالمانية وطريقة تفكيرها وهنا تكمن اهميتها بالنسبة له حيث ان الرواية تتناول التعامل مع الاحساس التاريخى بالذنب في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وهي بذلك تقدم عرضا توضيحيا عن تاريخ المانيا.

هل من الممكن ان يتم نقل الاسلوب الذي عالجت به الماضي الالماني على ثقافات اخرى؟

تيم: بالطبع أعتقد انه من الممكن استخدام نفس الاسلوب او نفس التكنيك الذي يعتمد على سبيل المثال على استخدام السير أو الترجمات الذاتية واستخدام أيضا الخطابات أو اليوميات، مثلما فعلت انا مع هذه الاشياء الخاصة بأخى الاكبر، كنوع من التساؤل والاقتراب من أي مشكلة او اى ماضي. واعتقد انه من الممكن تيطبق ذلك على اي من الثقافات الاخرى، لكي يتساءل الانسان ويقترب بهذه الطريقة من اي مشكلة او اي ماض.

كيف يجب على الفرد الالماني اليوم ان يتناول او ان يعالج الحقبة الفاشية ؟ هل عليه ان يشعر بالذنب لما ارتكبته الاجيال السابقة ؟

تيم: انا عن نفسى لا اشعر بالذنب حيث انني لم اشترك انا او غيري من ابناء جيلي في هذه الحقبة ولكن لابد ان يبقى في التاريخ الالماني والذاكرة الالمانية ان الالمان قد قاموا بعمل شيئ فظيع وغير انساني اطاح بالقمة الالمانية العالية التي كانت تشهدها المانيا كدولة، حتى هبطت فجأة الى هذه الدرجة المتدنية في انسانيتها. الخسائر و المجازر البشرية ادت الى قتل ما يقارب 50 مليون شخص.

و انا ارى انه لا ينبغي على الفرد الالماني اليوم ان يشعر بأي ذنب ولكننا علينا جميعا ان ننقد تاريخنا بأنفسنا نقدا موضوعيا ونعرف ماضينا جيدا. فأنا اردت في روايتى " اخى كمثال" ان اعرف الدوافع التي قادت اخى الاكبر " كارل هاينز " للتطوع في سرب الحماية او totenkopf و ارى انه من الضرورى ان يتعامل الالمان مع تاريخهم بهذه الطريقة النقدية حتى يتعلموا منه ومن اخطاء الماضي حتى لا تتكرر ثانية. الامر لا يتعلق بالذنب بل بالالم القومي الذي نشعر به جميعا حول كيفية تحول المانيا من دولة ذات تراث انساني رفيع الى دولة بمثل هذا المستوى من الوحشية و اللإنسانية.

ما هو ردك على هؤلاء الذين يقولون ان الالمان يبالغون بالشعور بالذنب وان هذه الفقرة في التاريخ قد ولت وانتهت؟

تيم: انا اخالفك الرأي حيث انني أرى العكس تماما وهو ان الالمان لم يشعروا كفاية بالذنب وهذا ما يقوله الآخرون. سافرت الى مختلف دول العالم و خاصة في فرنسا وبريطانيا يقولون ان الالمان لم يتعاملوا جيدا مع ماضيهم. ولذلك ارى ان الحل يكمن في ان نقوم بعمل نوع من النقد الذاتى والموضوعى لماضينا وهذا ما افعله في رواياتي و خاصة في روايتي الأخيرة "اخي كمثال " حيث انني احاول ان افهم عقلية الالماني في هذه الفترة واحاول ان افهم لماذا تصرف بهذه الطريقة.

كلا من الروايتان " مورينغا " و" شجرة الثعبان " تدور احداثهما في العالم الثالث. ما سر اهتمامك بالعالم الثالث وهل تنوي تكرار ذلك في رواياتك القادمة؟

تيم: يعود اهتمامي بالعالم الثالث الى ايام طفولتي. كنت دائما منجذبا الى هذا العالم و خاصة من الناحية السياسية، حيث ان العالم الاول غني للغاية والعالم الثالث فقير جدا وهذه الفجوة في اتساع متزايد. ولابد ان يضع العالم الاول في اعتباره ان هذه المشكلة ستؤدي الى مشاكل اخرى كثيرة ولابد ان يكون هناك نوع من تقسيم جديد للثروة وبالطبع هذه مشكلة صعبة للغاية ولكن لابد ان يضعها العالم الاول في الاعتبار وخاصة المانيا. وهذا ما يجده القارىء في روايتي " شجرة الثعبان ". كما انني متزوج من سيدة ارجنتينية ذات اصول المانية وسافرت معها كثيرا الى الارجنتين ودول اخرى مثل باراغواي و البرازيل.
وأريد ان اقول لك ان الفساد الموجود في العالم الثالث ضخم للغاية ولابد ان يتغير، فهذا الثراء الفاحش لمن يمسكون بمقاليد الحكم والفقر المدقع لعامة الشعب مشكلة اساسية تعوق التقدم ولابد ان يتطرق اليها الادب. وواجب الكاتب ان يتطرق للمحرمات الموجودة في مجتمعه سواء محرمات سياسية او ما شابه ذلك وعليه الا يسير وراء التيار الحكومي.

ماذا تكتب الآن؟

تيم: اكتب الآن الجزء الثالث من ثلاثية كنت قد بدأتها عام 1996 تدور احداثها في المانيا المعاصرة و بالتحديد في برلين.

ماذا تريد ان يعرف القارىء العربي عنك ?

تيم: بالطبع اتمنى ان تترجم بعض اعمالي الى اللغة العربية وخاصة انني احب هذه اللغة جيدا واعشق الخط العربي المزخرف منذ كنت طالبا في الجامعة. اتمنى ان يترجم لي على سبيل المثال رواية " اخي كمثال " او رواية " اللون الاحمر " او " شجرة الثعبان " على وجه الخصوص، لانها تحكي عن الفساد وعن عدم قدرة احد الالمان من تنفيذ مشروع في الارجنتين بسسب هذا الفساد الموجود في العالم الثالث و الذي يهم القراء العرب بشكل خاص الذين يعانون من اعلى معدلات الفساد في بلادهم.

اجرت الحوار : نيللى يوسف قنطرة 2004

تجدون المزيد عن أوفة تيم وعن روايته "أخي كمثال" في موقع ليتريكس

ولد أوفة تيم 1940 في برلين، بدأ مشواره الأدبي والفني في الستينات، يدرّس منذ 1972 في معهد إعداد مدرّسي الفن في مونستر ويعد اليوم من أهم الأدباء الألمان.