من مظاهر الإسلام داخل الأدب الغربي المعاصر

ُعد مقولتا (الشرق) و (الغرب) من المقولات الأساسية في حوار الحضارات، بكل ما تحمله من إشكاليات وتناقضات وسوء فهم، لاسيما فيما يخص الاسلام في مثل هذا الحوار. وفي هذا المقال يحاول إندرياس بفليتش أن يستعرض بعض جوانب هذا الإشكال من خلال قراءة بعض النتاجات الأدبية التي صدرت في السنوات الأخيرة.

لوحة للفنان جون ليون جيروم

​​ت

كانت نظرتنا إلى الشرق على الدوام وكأنها نظرة في مرآة. حيث من خلالها نظر الغرب إلى نفسه وإلى هواجسه ورغباته المكتومة ومخاوفه الدفينة.

وكما كان الشرق الشبقي الخليع المطبوع بميسم صور الحريم والحمّام التركي وشتى الغرائب التي تفرزها المخيلة الرجالية يمثل صورة نقيضة لكنها مرغوبة بالنسبة لأنكلترا الفيكتورية المطبوعة بالحياء المتكلف، كذلك صارت الهند الروحانية - الصوفية وجنة المخدرات الموعودة تمثل، بعد قرن من الزمان، ملاذا للهيبيين الفارين من جمود وتكلس مرحلة ما بعد الحرب.

صور متعاكسة

مع مرور الزمن حصل انتقال موضعي للمواقع في هذه الصور المتناظرة. فبينما كانت الصورة المتخيلة عن الشرق في ما مضى تشكل الصورة الأخلاقية النقيضة لأخلاق البرجوازية الأوروبية المتزمتة، غدا المسلمون الذين يعيشون اليوم داخل مجتمعاتهم التقليدية يثيرون مخيلاتهم من خلال وهمهم عن ما يدعى بالغرب المتحلل.

والتصور الذي تجذر لدى الغرب منذ العصر الوسيط عن الإنسان الشرقي الشهواني كمقابل للمسيحي المشبع بالفضيلة هو ما يناظر اليوم صورة الإسلام المتزمت والمعادي للمتع الذي يقف نقيضا للثقافة الشعبية الغربية، بؤرة التهتك الموغلة في الإباحية.

وهناك عدد غير قليل من مسلمي وقتنا الحاضر ممن ينحى إلى تعميم هذه الظاهرة على مجمل الغرب - من الرافضين له أو من المنبهرين به سرا على حد سواء -، تماما كما كان الناس في الغرب من قبل يعممون على مجمل الشرق صور رقص البطن وتعدد الزوجات والخليلات ويرفعها إلى مستوى الحلم المشتهى أو الصورة المجسدة للخطيئة. لقد تغيرت المواقع ، بينما ظل العنصر الثابت هو ذلك النزوع إلى التفكير في نمطية النماذج المثالية المضادة .

انحطاط بلا حدود في طهران وسياحة جنسية في تايلاندة

يصور كريستيان كراخت في رواية له بعنوان 1979 الصادرة سنة 2001 شخصيات تحيي داخل أجواء من الضجر النخبوي والانحطاط اللامحدود سهرات مخدرات في فيلا طهرانية عشية الثورة الإسلامية. بعدها وفي مشهد لاحق يصب صاحب مقهى جام نقمته على "الهيمنة الأميركية" الشاملة متنبئا:

"هناك شيء واحد يمكنه أن يقف في وجه هذا الأمر، شيء واحد له ما يكفي من القوة من أجل ذلك، هو: الإسلام. وكل ما عدا ذلك فسيكون مآله الفشل." ثم يواصل بحركات توعّد كارثي: " كل الآخرين سيكون مصيرهم الغرق داخل بحر مزبد من الكورن فلاكس والبيبسي كولا ومظاهر الحذلقة."

في روايته Plateforme الصادرة سنة 2001 هي الأخرى يصف ميشال هوالباك دخول رجل فرنسي وصديقته إلى عالم السياحة الجنسية في تايلاندة، ليدفع بالقصة من بعد إلى ذروتها القصوى. في النهاية يدخل ثلاثة إرهابيين إسلاميين يصفهم الكاتب بطريقة مقتضبة وبأسلوب يفتقر إلى التميز كـ "ثلاثة رجال معممين يمسكون برشاشات في أيديهم"، ليضعوا حدا لتلك التجربة عن طريق عملية "من أكثر العمليات التي عرفتها القارة الآسيوية دموية على الإطلاق"، وليتركوا الراوي من بعدها مشحونا بمشاعر الانتقام.

"يمكن للمرء أن يظل على قيد الحياة فقط لمجرد أن يكون مشحونا بمشاعر الانتقام، يلاحظ الراوي، لقد استطاع الكثيرون أن يحيوا على هذا النحو. لقد دمر الإسلام حياتي ، وقد كان الإسلام بكل تأكيد شيئا بإمكاني أن أحقد عليه وأكرهه . خلال الأيام التالية حملت نفسي على الحقد على المسلمين ، وتمكنت من ذلك بشكل جيد."

وسرعان ما راحت مشاعر احتقاره للبشر تتطور باتجاه الفظاعة: "كل مرة سمعت فيها بإصابة إرهابي فلسطيني أو طفل فلسطيني أو امرأة فلسطينية حبلى من قطاع غزة إلا وتخللتني قشعريرة النشوة لمجرد التفكير بأن هناك مسلما أقل على وجه الأرض . أجل ، يمكن للمرء أن يحيا على هذا النحو."

نتؤات الحداثة

إن دفع المخاوف الأوروبية المعتادة إلى مستوى شاذ تعمل هنا وتنشط عبر المبالغة الواضحة كعنصر هدم. فهنا وعن طريق التعبير الاستفزازي يتم تقديم صورة مجسدة عن التفكير المستهتر الذي يقود إلى الوحشية. إن النقد الذي يوجهه هوالباك للإسلام يتجلى تحت مجهر التمعّن الدقيق كنقد للغرب.

والرواية بالنهاية محاكمة للحداثة التي فشلت فشلا ذريعا في الإيفاء بوعودها بتحقيق السعادة للبشر. هكذا توحي الرواية ضمنيا بعكس ما تعبر عنه في ظاهر نصها: كلا، إن المرء لا يستطيع أن يحيا على هذا النحو. وإذا بالروائي يثبت نفسه على عكس المنتظر كداعية أخلاقي.

الكاتبان كلاهما، هوالباك وكراخت ، يتخذان الإسلام الذي يتم اختزاله بشكل كاريكاتوري دور الغطاء لنقدهما نتؤات وأورام الحداثة الغربية . فعندما يتكلمان عن الإسلام فإنهما غير منشغلين بالإسلام في المقام الأول ، إنما يقدمان ديانة متزمتة تبرز من خلفية مشهدها، وبطريقة مؤثرة جدا، المتعويّة المنفلتة من عقالها لمجتمع ما بعد الحداثة الغربية .

مشاغبة من نوع آخر يلتقيها القارئ في رواية Der Mullah von Bullerbü (ملاّ بوللربو) لفيكلاف دروسته و جيرهارد هنشل الصادرة سنة 2000 وكذلك في روايةDer Scheich mit der Hundehaarallergie (الشيخ ذو الحساسية ضد وبر الكلاب) للكاتبة هيلغا شنايدر (2001). في هذين العملين يُدفع بالأفكار المتداولة والنماذج النمطية لصورة الأعداء إلى مستوى العبث.

ففي رواية "ملاّ بوللربو" يقدم خلال "الأسبوع العربي لماك دونالد" أصناف أكلات خاصة تتكون من "أرجل قبطيّة محمّرة وملفوفة في قمصان النوم" و"ألسنة كفّار مملّحة" و"آراميين مشويين في الزيت". إن ما يبدو ركاكات سخيفة من نوع العناوين الاستفزازية التي تظهر على صفحات مجلات الموضة المعروضة في فندق "اليد المقطوعة" مثل "امرأة بلا مرآة" أو "بريجيت في كيس البطاطا" أو "ضدكم أنتم"، يكشف في النهاية عبر المبالغات عن عن عبثية النماذج النمطية التعميمية.

ويبدو أن برنامجي هيلغا شنايدر ومشيل هوالباك الأدبيين متنافران إلى حد ما، ومع ذلك فهما يلتقيان في تقدم الإسلام ككيان مختلف جوهريا وغريب. الإسلام كما كان دوما : الدعوة المضادة الغرب.

أندرياس بفليتش

ترجمة علي مصباح

قنطرة 2004