الجسد والوعي والخيال

كيف نصل إلى الشخصيات التى نرغب فى تمثيلها؟ هذا هو السؤال الذي طرحته المخرجة الألمانية زيغريد هرتسوك في ورشة العمل التي أشرفت عليها في الإسكندرية بدعوة من معهد غوته. جرجس شكري تابع الورشة عن قرب.

زيغريد هرتسوك، الصورة: من الأرشيف الخاص
كيف فكرت سيدة المسرح القادمة من جنوب ألمانيا وكيف تعاملت مع مجموعة العمل المصرية؟ موضوع الورشة وعنوانها الرئيسي "الممثل".

​​

حين ذهبت إلى الإسكندرية لحضور الورشة المسرحية التى أقامها معهد غوته بالتعاون مع المؤسسة الدولية للإبداع والتدريب i-Act تحت إشراف منظمة المخرجة الألمانية زيغريد هرتسوك، شاهدت الممثلين وقد انتشروا فى الحديقة، يتسلقون الأشجار أو يقفون على الأسوار وبعضهم صامت لا يتحرك يواجه ممثلا آخر.

في الداخل وجدت مجموعة أخرى تتصارع فوق الدرج. وفى النهاية رأيت سيدة تضرب خادمة وممثلا يؤدي دور شرير يضحك. ومع هذه المجموعات مصور يلتقط ما يحدث ويذهب كل ممثل إلى آلة التصوير لمشاهدة اللحظات التى سجلت.

وكانت زيغريد هرتسوك تتجول فيما بينهم، تتحدث قليلا، تشاهد وتعود هي أيضا إلى آلة التصوير.

وبعد أن تجولت فيما بينهم حاولت أن أشاهد ماذا احتفظت الآلة وشعرت أنها احتفظت بالزمن فى صورة لقطات. وهنا انتهى المشهد الأول بالنسبة لي وهو مشهد الدهشة.

المشهد الثاني

كانت الورشة التى امتدت أسبوعا فى يومها الخامس. وقد أحسنت صنعاً بالحضور في هذا اليوم للتعرف على طريقة الأداء والعمل الذي تم بنفس الطريقة فى الأيام السابقة.

كيف فكرت سيدة المسرح القادمة من جنوب ألمانيا وكيف تعاملت مع مجموعة العمل المصرية؟ موضوع الورشة وعنوانها الرئيسي "الممثل".

وللتعرف على طريقة الأداء وأسلوب العمل سوف نتعرض للبرنامج اليومي مع الاحتفاظ بالمشهد الأول (الأساس بالنسبة لي) وعلاقته بالمشهد الأخير، أي النتيجة التي تم عرضها لمجموعة قليلة من الجمهور.

كان العمل يبدأ في الورشة، ابتداء من العاشرة صباحا ولمدة ساعتين بعملية الإحماء، ليس فقط لجسد الممثل ولكن أيضا لوعيه وخياله. فهناك التمارين التقليدية بالإضافة إلى تمرينات الممثل مع الأشياء مثل العصا والكرسي.

وفى الفترة الثانية يبدأ العمل على الموضوعات والشخصيات التي يختارها الممثلون. وقد اختار كل ممثل حيواناً يناسب الشخصية المراد تمثيلها مع مراعاة وجود مشترك ما بين هذه الشخصية والحيوان، مع أفكارها أو مشاعرها حيث يضيف عمقاً للشخصية.

وكان كل يوم يتم العمل على تطوير هذه الفكرة. وبالفعل كانت فكرة صائبة من زيغريد هرتسوك، فى محاولة لكي يكتشف هؤلاء عوالمهم المختلفة ومفرداتها.

ويمكن أن نقرأ دلالة اختيار الحيوان المناسب لهذه الشخصية وأيضا الأشياء التي تم استخدامها فى المشهد. ويمكن أن نلاحظ كيف وظف هؤلاء ملامح حيوان ما ليشكل جزءاً من قاموس الشخصية الإشاري.

فهى محاولة للعمل على الجانب الإنساني في شخصية الممثل واكتشاف مساحة اللعب داخله، والعمل على تحرير الجسد، من خلال اكتشاف مساحات المتعة داخل الإنسان حين يفكر في علاقة الشخصية وتاريخها وعلاقتها بالحيوان الذي اختاره لها.

لنأخذ مثلاً ممدوح مداح واختياره لشخصية سيد درويش واختيار القرد كحيوان مناسب لها. هذا الموسيقار الذى خلق موسيقى مصرية خالصة تعتمد في ظاهرها على المقامات الشرقية ولكنها تنبع من الشارع المصري، من معاناة الشعب وأفراحه وأحزانه ومن المأثور الموسيقي الذي كان يردده الشعب بكافة طبقاته وطوائفه. فما العلاقة بينه وبين القرد؟

هل رأى هذا الممثل فى القرد التعبير عن معاناة هذا الفنان، هل كان يرمى إلى انهيار الموسيقى المصرية الآن؟ ربما لا يهم كثيراً أن نصل إلى السبب الحقيقي للعلاقة ولكن لنا أن نقرأ المشهد وأداء الممثل الذي استعار شخصية القرد وسلوكه لتقديم هذا الموسيقار، حيث راح يشحذ على الربابة وبدأ ينشد ويغنى الغناء القديم وهو يتسول فى الشوارع.

ولنأخذ مثلاً آخر وهي عزة الحسينى وشخصية أنتيغونه مع الحيوان/الجمل. وقالت لي حين سألتها عن سبب الاختيار:

الجمل حيوان شديد التحمل رغم رقة شكله الخارجي (وإن كنت أنا لا أرى الجمل رقيقا في شكله) ولكنها تعتقد ذلك.

وأيضا أنتيغونه عاشت مشاكل متعددة وحياة بائسة برحيل الأب وانتحار الأم ، ومع هذا اتخذت قراراً خطيراً بمعارضة الملك بهدف تحقيق العدالة للجميع ومن أجل هذا الهدف ضحت بنفسها، وهى تشبه الجمل الذي ينقذ القبيلة بالماء الذي يحتفظ به فى بطنه. وربما كانت المقارنة بسيطة ومباشرة ولكن لا تخلو من دلالة وخاصة فيما يرمز للقوة والتحمل.

وكما ذكرت بالإضافة إلى الموضوع "الشخصية والحيوان" هناك القصة التي سوف يتم تجسيدها من خلال مجموعة من الصور الصامتة ويؤدى كل قصة شخصيتان.

وقد اختارت نفس الممثلة عزة مع عواطف إبراهيم العمل على تيمة السيدة والخادمة واختارت عزة السيدة وهذا يتفق ويختلف أيضا مع اختيارها أنتيغونه والجمل. يتفق في منطق القوة ولكن يختلف في أن الضحية المقهورة أصبحت ظالمة مستبدة.

ولكن موضوع القصة يأتي فى المرتبة الثانية، وما يأتي أولاً هو اكتشاف الإيقاع الفردي والإيقاع الجماعي وتحقيق الاتصال البصري. فالأداء كان صامتاً، فقط تحقيق مساحة لحرية المشاعر والخيال.

وحاولت زيغريد هرتسوك من خلال ما سبق طرح مفهوم المسرح مع المشتركين في الورشة على أنه أسلوب حياة ونمط تفكير بالنسبة للمثل وإمكانية تحقيق هذا من خلال مساحة الحرية المتروكة للممثل في الاختيار والتخيل ليبرز كل الطاقات الكامنة بداخله.

المشهد الثالث

ونأتي إلى النتيجة أو المشهد الثالث في حضور عدد من المسرحيين ومدير معهد غوته في الإسكندرية شتيفان فينكلر. وشرحت زيغريد للحضور كيف تم العمل على مدى خمسة أيام وقالت:

جعلت المجموعة تتعارف حتى يحدث التواصل، وكانت نقطة الانطلاق من حياتنا ومن الشخصيات التي نعرفها، وكان السؤال كيف نصل إلى هذه الشخصيات التي نرغب في تمثيلها وماهي الوسيلة المثلى لذلك.

بدأنا نشاهد الجميع في دائرة. كل ممثل يعدو فى اتجاه الآخر ويحاول تغيير مكانه في الدائرة وألقت زيغريد هرتسوك بكرة صغيرة في منتصف الدائرة وفهمنا أنها من المفترض أن لا تلمس الأرض وقد حدث، مع أحاديث هلامية غير مفهومة.

ويبدو أن هذا كان للإحماء البدني والعقلي أيضاً. ثم بدأت الشخصيات تتقدم إلى الفضاء المسرحي وكل يقدم شخصيته في إطار الحيوان الذي اختاره لها.

فهناك من قدم شخصية إنسان متأمل يبحث عن الحقيقة وأخرى تجسد امرأة تطلب الطلاق من زوجها أو امرأة تبيع الدجاج، أو ممثلة تقدم بها العمر وابتعدت عن الأضواء وها هي تجسد لنا عزلتها أو الشخصيات التاريخية أو المشهورة مثل أنتيغونه وسيد درويش.

ويشعر المشاهد أن ثمة علاقة بين هذه الشخصيات التي خرجت من أزمنة وأمكنة مختلفة، خلقها الفضاء المسرحي، وكأننا أمام عرض مسرحي صامت على الرغم من أن كل واحد منهم يؤدى شخصيته بمعزل عن الآخر.

جلست أنتيغونه إلى جوار بائعة الدجاج، وراح سيد درويش يتسول ويزف على ربابته للممثلة التي تجتر ذكرياتها. وهكذا تخليت أن هذه الشخصيات تلتقي في الحياة وتبعث في الفضاء المسرحي.

ثم جاء دور الصور أو الدراما المصورة ليتأكد من خلالها كيف تعامل هؤلاء مع المسرح على أنه أسلوب حياة ونمط مهم من أنماط التفكير من خلال القصص التي تم تجسيدها واحتفظت بها آلة التصوير.

وتنوعت الدراما المصورة بين التراجيديا والكوميديا وتناولت موضوعات متعددة ولكنها اتفقت جميعا في السخرية السوداء من الواقع. وهنا تذكرت المشهد الأول في الحديقة فكل هذا الصخب والمشاهد المتنافرة والمتناثرة هنا وهناك تحولت إلى بناء درامي محكم على هيئة صور صامتة ولكنها معبرة من خلال الحركة وأيضا المشاعر التي تجسدت على وجوه هؤلاء واحتفظت بها الكاميرا، لأن العمل كان طيلة خمسة أيام على كيفية إبراز الطاقات المعطلة وتحرير الجسد وعمل المخيلة، ليتجسد كل هذا من خلال الصور.

وقد تمت هذه الورشة بالتعاون بين معهد غوته فى الإسكندرية ومؤسسة I.C.T التى يشرف عليها محمود أبو دومة.

جرجس شكري
حقوق الطبع قنطرة 2005

زيغريد هرتسوك مخرجة ألمانية وأستاذة إخراج مسرحي في مدرسة أوتو فالكنبرغ في ميونيخ.
جرجس شكري شاعر وصحفي مصري

قنطرة

"الكعب العالي"، فرقة مسرحية مغربية جديدة
لم يكن الشاعر الإسباني لوركا يظن أن المسرحية التراجيدية التي كتبها عن جارته الغرناطية بيرناردا ألبا ستتحول ذات يوم إلى كوميديا على الضفة الجنوبية للمتوسط. تقرير ياسين عدنان عن عرض فرقة "الكعب العالي" المغربية في الرباط.

فرقة مسرحية ألمانية – سورية تقوم بعرض إحدى مسرحيات سعدالله ونوس
في دمشق تعرض فرقة ألمانية-سورية لأول مرة مسرحية "طقوس الإشارات والتحولات" للمسرحي السوري الكبير سعد الله ونوس، والتي لم تعرض من قبل لأسباب رقابية. تقرير كاترين غيسلاين

ناتان الحكيم يوجه رسالة تسامح للجمهور المصري
مسرحية "ناتان الحكيم" للكاتب الالمانى غوتهولد افرايم ليسنغ عرضت على مسرح الجمهورية فى القاهرة لاول مرة وقدمتها فرقة المسرح المتمرد وذلك في إطار المهرجان الألماني.

www

معهد غوته في القاهرة والإسكندرية
منظمة i-Act