حفظ التراث والهوية الثقافية

يحتفل المعهد الألماني للآثار هذه السنة بالذكرى ال 175 لتأسيسه. ولا ينشط المعهد في مجال البحث العلمي فحسب، بل يسعى خلال السنوات الأخيرة إلى لعب دور في مجال الحوار مع العالم الإسلامي. تقرير سونيا فالنيكار

الصورة: المعهد الألماني للآثار

​​

تم إنشاء المعهد في 12 أبريل 1829 في روما بهدف البحث والإعلان عن الاكتشافات الأثرية في عهد الإغريق القديم والرومان، وقد عايش العديد من الأنظمة السياسية والعقائدية لكي يحقق مهمته العلمية.

يمثل المعهد اليوم شبكة عالمية ضخمة للآثار يتكون من ثمانية أقسام وثلاث لجان ومائة عالم ومائتين وخمسين عاملا، بالإضافة إلى علماء آثار في مواقع أثرية منتشرة في معظم القارات.

يقع المعهد – الذي تم نقل مقره إلى برلين عام 1833- في ضاحية داليم الراقي في العاصمة الألمانية بين مجموعة صغيرة من المنازل الكلاسيكية المتناثرة.

أكدت عالمة الآثار الكلاسيكية آستريد دوستيرت في جولة لنا في أروقة المعهد على الدور المتنامي للمعهد في العالم العربي والشرق الأوسط: " أصبح الجانب السياسي الثقافي للعالم العربي أكثر أهمية في السنوات القلائل الأخيرة، على الرغم من الامتداد الزمني الطويل لأنشطتنا في المنطقة".

تكثيف الحوار مع العالم الإسلامي

في السنوات الأخيرة وبالتحديد بعد الاعتداءات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، ضاعفت وزارة الخارجية الألمانية جهودها لبدء الحوار مع العالم الإسلامي عن طريق شبكة مؤسساتها الخارجية. والمعهد الألماني للآثار، الذي يُمول من الوزراة الخارجية، منخرط بدوره في هذا النشاط.

تقول مارغريتة فان إيس- المديرة العلمية لقسم الشرق الأدنى: "إن مهمة علماء المعهد المسؤولين عن تنقيب الآثار في الدول العربية والشرق الأوسط هي حفظ تراث المنطقة وهويتها الثقافية ومواصلة الحوار وتبادل الآراء".

وتتابع فان إيس قائلة: "يساهم علم الآثار مساهمة فاعلة في فهم الثقافات المختلفة وهذا ما يحدث تحديدا في الدول العربية الغنية بكنوزها الأثرية والتاريخية".

هل علم الآثار أكثر تأثيرا من الدبلوماسية؟

أشارت فان إيس إلى أن علم الآثار فاق الدبلوماسية في كسب العقول والقلوب: " يقوم علماء الآثار عادة بمشاريع طويلة المدى، فهم غالبا ما يقيمون لفترة طويلة في المنطقة ليتعرفوا عليها جيدا، وبالتالي يصبح كسب ثقة الناس المحليين والإداريين والسياسيين الذين يلتقون بهم في مواقع التنقيب عن الآثار من الأمور الميسورة لهم، وقد أدت جهودهم إلى جعلهم حلقة وصل بين الطبقات الاجتماعية المتباينة في البلاد".

التنقيب في العالم الإسلامي

لقد قام المعهد في السنوات الأخيرة بالتنقيب في العالم الإسلامي بالتعاون مع علماء الآثار والباحثين المحليين. ويشمل هذا إعادة بناء حديقة المغول باجيبابور في كابول، بالإضافة إلى عمليات التنقيب في مدينة مأرب القديمة بشمال اليمن وفي تيما بالمملكة العربية السعودية وغيرها.

وقد استعانت اليونسكو- المنظمة الثقافية لهيئة الأمم المتحدة- بخبراء المعهد الألمانية للآثار في تقييم الضرر الذي لحق بالعراق بعد الحرب. بالإضافة على ذلك، قام المعهد بالتوقيع على مشروع يمتد لمدة عشر سنوات مع الجهات المعنية في الدائرة الثقافية في إيران في العام الماضي، وبهذا يغدو هذا المعهد أول منظمة تشارك في التنقيبات الأثرية في إيران بعد الثورة الإيرانية.

تضاءل المورد المالي

بالرغم من هذه الإنجازات، فان الذكرى الخمس والسبعين بعد المائة لن تكون مجرد احتفال وحسب، بل ستلقى الضوء على التراجع المالي لميزانية المعهد. وتقول أستريد دوستيرت بأنه من الضروري على العاملين التكيف مع نقص الموارد الذي تعاني منه أيضا وزارة الخارجية.

"لقد تقلصت فرص التوظيف ولكننا نعمل على تحديد المشاريع التي سيكتب لها الاستمرار على المدى الطويل، كما انخفضت معظم عمليات التنقيب في الخارج".

تبلغ ميزانية المعهد لهذا العام 21.3 مليون يورو، وهو تقريبا نفس المبلغ المخصص لميزانيتها في العام الفائت ولكن النسبة مقارنة بالسنوات الماضية قلت بما يعادل 15% وذلك حسب ما ذكرت دوستيرت.

اهتمام علماء الآثار بالعراق

يشكل الوضع غير المستقر في العراق مصدر قلق للمعهد، فقد تخلى فرع المؤسسة في بغداد عن الكثير من مهامه نظرا لتزايد العنف. وتقول فان إيسا إن المئات من المدن التاريخية المهمة يتم تدميرها في العراق بشكل منتظم في سبيل البحث عن الآثار القيمة لبيعها في السوق السوداء للأثريات.

وحذرت من أنه إذا لم تتخذ إجراءات فورية للحد من تدمير الآثار، فإن ما يعرف بـ "بلاد الرافدين القديمة" سيدمر كليا في غضون أشهر معدودة.

سونيا فالنيكار، قنطرة 2004
ترجمة زينة الحارثي

المزيد عن المعهد الألماني للآثار هنا