كيف غيَّرت حربُ الأيَّام الستة البلاد

يعدُّ المؤرِّخ الإسرائيلي توم سيغيف في عداد الـ"مؤرِّخين الجدد"، الذين يعنون بتقييم جديد لتاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل. يوسف كرواتورو قرأ كتابه الأخير حول حرب 1967.

جزء من غلاف الترجمة الألمانية لكتاب توم سيغيف عن حرب ال67
جزء من غلاف الترجمة الألمانية لكتاب توم سيغيف عن حرب ال67

​​يعدُّ المؤرِّخ الإسرائيلي توم سيغيف في عداد الـ"مؤرِّخين الجدد"، الذين يعنون بتقييم جديد لتاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل. يوسف كرواتورو قرأ كتابه الأخير حول حرب 1967

يُحافظ الكثيرون في إسرائيل على ذكر أسطورة الدفاع عن الذات فيما يخصّ حرب الأيَّام الستة، مع أنَّ الإسرائيليِّين كانوا هم من ابتدأ بالهجوم. يتحدَّث المؤرِّخون العسكريّون في مثل هذا السياق عن حرب وقائية، بيد أنَّ هذا المصطلح الذي ينمّ عن تلطيف للمعنى لم يُستخدم في إسرائيل ولو لمرَّة واحدة.

لكن أكثر من ذلك لقد اعتُبرت الحرب التي خاضتها إسرائيل في العام 1967 حربًا خاطفة عادلة ومجيدة، عملت حسبما يُزعم على انقاذ الدولة اليهودية الناشئة حديثًا من خطر الزوال الذي كان يتهدَّدها وعلى إظهار تفوُّقها على الأعداء العرب.

لقد حالت عملية التمجيد العامة والتصويرات المنحازة والتذكير بأهم صانعي القرارات في إسرائيل من سياسيِّين وعسكريِّين طيلة سنين عديدة دون خوض حوار نقدي. لم يبدأ هذا الحوار إلاَّ في التسعينيَّات على نحو مدهش، كما وصل إلى ذروته في الألفية الجديدة.

اقتباسات مفصًّلة

لا يُوثِّق هذا الكتاب وقائع وعمليَّات الحرب بعينها بقدر ما يُوثِّق الحالة التي كانت سائدة لدى الإسرائيليِّين وسلوكهم وكذلك لدى قيادتهم العسكرية والسياسية، إبَّان وبعد الانتصار. من الملفت للنظر أنَّ هذا الكتاب يجمع الكثير من الاقتباسات التي يقتبس بعضها على نحو مفصَّل جدًا من مذكِّرات ويوميَّات وبروتوكولات اجتماعات حكومية، تُعرض لأوَّل مرَّة في هذا الكتاب.

يسعى المؤلِّف من هذا التفصيل الذي يكاد يكون مملاًّ في بعض المواضع أيضًا إلى التعويض عن أنَّ المواد الأرشيفية المهمة، التي تتعلَّق مثلاً بالاحتلال الإسرائيلي والشؤون الذرية وكذلك بنشاطات أجهزة المخابرات الإسرائيلية في الداخل والخارج، لا تزال تخضع للسرية المطلقة - مثلما يتأسَّف المؤلِّف شخصيًا على ذلك في خاتمة الكتاب.

عرض مؤثِّر للكيان الإسرائيلي

لكن على الرغم من ذلك فإنَّ توم سيغيف استطاع أن يُقدِّم عرضًا مؤثِّرًا للكيان الإسرائيلي وتحوُّله المدهش في هذه الحرب المصيرية - مثلما يشدِّد على ذلك مرارًا وتكرارًا. وصلت الحالة المعنوية في إسرائيل قبل الحرب إلى مستوًى تاريخي منخفض، ولكن انتشرت بعد ذلك حالة من نشوة النصر - إذ كانت البلاد وكأنَّها ولدت من جديد.

غلاف الطبعة الإنكليزية الأصلية من كتاب توم سيغيف عن حرب ال67
غلاف الطبعة الإنكليزية الأصلية من كتاب توم سيغيف عن حرب ال67

​​يُبيَّن سيغيف ذلك من خلال تحليل بعضه موضوعي وبعضه اجتماعي، يعرض صورًا حيَّةً لكلٍّ فئة من فئات المجتمع المختلفة في تلك الحقبة من تاريخ إسرائيل - من نخبة اليهود الأشكناز إلى اليهود المشرقيِّين الضعفاء اقتصاديًا والذين تمَّ دمجهم بشكل سيِّء وحتَّى العرب الإسرائيليِّين، الذين كانوا يعيشون حتَّى العام 1966 تحت إدرارة عسكرية.

تراجع الاستيطان اليهودي تراجعًا واضحًا لأوَّل مرَّة منذ تأسيس دولة إسرائيل، إذ ارتفع عدد الإسرائيليِّين الذين كانوا يغادرون إسرائيل أكثر مما كان عليه في السابق. أضيف إلى ذلك الكساد الاقتصادي والهوَّة المتنامية ليس فقط ما بين اليهود الأوروبيِّين واليهود المشرقيِّين الذين زاد عددهم كثيرًا إبَّان عقد واحد من الزمن، بل كذلك ما بين القيادة القديمة جدًا والتي كانت في الغالب من يهود ذوي أصول يهودية شرقية وبين أبناء الجيل الذي وُلد في فلسطين أو إسرائيل.

تهميش دعاية الإبادة العربية

كان يبدو أنَّ الحلم الصهيوني لن يتحقَّق: كانت الثقة في القيادة القديمة وفي اليهود الذين كانوا يعتبرون مستقلِّين بالنسبة للكثيرين تتناقص بصورة متزايدة. يظهر المؤلِّف القليل من التعاطف مع الحالة المعنوية لأبناء بلده في تلك الفترة.

إذ يبدو بالنسبة له أنَّ الأزمة كانت متنبَّأة في معظمها، مع أنَّها يمكن أن تكون قد نشأت في جوهرها من الخوف الوجودي الذي يمكن استيعابه من هجوم يشنُّه كلُّ العرب - بيد أنَّ هذا الجانب بالذات لا يرد لدى سيغيف باعتباره أمرًا حاسمًا إلاَّ بشكل مقتضب جدًا. يقوم سيغيف في هذا الكتاب بتهميش الاعتداءات العربية الكبيرة والصغيرة على إسرائيل ودعاية الإبادة العربية، التي سبقت حرب العام 1967 طيلة أعوام عديدة.

تبدو القيادة العسكرية الإسرائيلية الشابة نسبيًا، من دون هذه المقدِّمات التاريخية، كمجموعة من الضبَّاط الانفعاليِّين المتحمِّسين للحرب - مجموعة كانت تستحقُّ هذا الوصف من دون شكّ، حتَّى وإن كان مدى انفعاليَّتهم وحماستهم يختلف من حالة إلى أخرى؛ مجموعة فرضت إرادتها في آخر المطاف على القيادة السياسية القديمة والرزينة.

شكِّلت هذه الضربة الوقائية بالنسبة لإسرائيل أهمية وجودية، والدليل القاطع على ذلك كما كان يُزعم لم يكن يتجلَّى من وجهة نظر العسكريِّين فقط في تشكيلات وزحف القوَّات المصرية في سيناء، بل كذلك في الطائرات الحربية المصرية، التي كانت تحوم قبل الحرب بفترة قصيرة فوق المفاعل النووي الإسرائيلي في منطقة ديمونا الجنوبية.

عملية الضمّ البطيئة والخفية

إنَّ أفضل ما يميِّز سيغيف هو أنَّه يوضِّح أيضًا أنَّ حرب الأيَّام الستة هي تعويض - من وجهة نظر إسرائيلية - عن التقصيرات العسكرية في الحرب الإسرائلية العربية في العام 1948، حتَّى ولو كان بإمكانه أن يصيغ ذلك بشكل أكثر تعبيرًا. إذ كان يبدو للكثير من الإسرائيليِّن - الذين شهدوا تلك الحقبة - أنَّ "الأوضاع العادية" الإقليمية القديمة التي سادت في فترة الانتداب البريطاني قد أُعيدت إلى طبيعتها، بما في ذلك المنفذ المفتوح على القدس الشرقية والضفة الغربية.

لقد أوجد هذا الوضع بالإضافة إلى التحمُّس الديني الزائف أو حتَّى شبه المطبوع بطابع انتظار المسيح المخلِّص - التحمُّس للعودة إلى مناطق أرض إسرائيل التوراتية - تفسيرًا إضافيًا وجديدًا للبديهية وكذلك للحمية، اللتان اندفع من خلالهما الإسرائيليّون إلى القيام بدور المحتلِّين. ثمَّ تحوَّل أيضًا احتلال المناطق الفلسطينية في بضعة أشهر فقط من مسألة عسكرية بحتة إلى مسألة سياسية، بحيث كان يتمُّ تنظيمه بشكل متزايد باستمرار من قبل العديد من اللجان الوزارية.

كانت تتمّ التغطية بشكل مقصود على عملية الضمّ البطيئة والخفية وعلى وجه الخصوص ضمّ القدس الشرقية والمناطق المجاورة لها من خلال خداع وسائل الإعلام. صحيح أنَّ القيادة الإسرائيلية كانت تسعى من أجل إجراء محادثات مع ممثِّلي الفلسطنيِّين ومع الملك الأردني حسين ومع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، إلاَّ أنَّها كانت تقف موقف المنتصر المتكبِّر وقد وضعت في آخر المطاف من خلال مطالبها المتطرِّفة إلى أقصى حدّ نهايةً للمساعي الهادفة من أجل إحلال السلام.

يقوم كتاب توم سيغيف بتوثيق هذا التطوّر بوضوح وجلاء. وهو كتاب جدير على أيَّة حال بأن يخصِّص له القارئ شيئًا من وقته.

بقلم يوسف كرواتورو
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

الحرب بالأساطير!
يعمل الكاتب الإسرائيلي يوري أفنيري منذ عقود من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وقيام دولتين. حاورته سيلكا بارتليك حول مشكلة مركزية في صراع الشرق الأدنى المستمر: إختلاق الأساطير من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين

"ما بعد الصهيونية"
هل انتهى تيار "ما بعد الصهيونية"؟ منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية وصوت هذا التيار المنتقد للسياسة الإسرائيلية آخذ في الخفوت. فماذا حدث لهذا التيار؟ بقلم جوزيف كرويترو