هدنة لمائة عام بين الأعداء

ضمن مشاركته في فعالية أقامتها مؤسسة كونراد أدناور في برلين يرى الصحفي والمؤرِّخ الإسرائيلي توم سيغيف أنَّ الأغلبية الكبيرة من المواطنين الإسرائيليين أكثر براغماتية من حكومتهم في مسألة التعاطي مع حركة حماس. أريانا ميرزا تسلِّط الضوء على هذه المشاركة.

المؤرِّخ الإسرائيلي توم سيغيف، الصورة: د.ب.ا
"أبحاث المؤرخين الإسرائيليين الجدد أبطلت مفعول سحر تأسيس دولة إسرائيل"

​​عندما بدأ توم سيغيف أبحاثه التأريخية كانت أساطير أبطال الصهيونية تسيطر على تدوين التأريخ في إسرائيل. راح سيغيف يبحث منذ أواسط الثمانينيات بالاشتراك مع آخرين ممن يطلق عليهم اسم "المؤرِّخون الجدد" في أرشيف دولة إسرائيل التي نشأت حديثًا، حيث عثر هناك على وثائق يكشف بعضها عن حقائق مزعجة.

والآن تم للمرة الأولى إجراء بحث علمي استقصائي ليس عن تشريد الكثيرين من السكان العرب وطردهم من فلسطين وحسب، بل إنَّ "المورخين الجدد" أبطلوا أيضًا مفعول سحر تأسيس دولة إسرائيل ورسموا صورة مختلفة للخطط والإستراتيجيات السياسية والعسكرية التي كانت مُتَّبعة في تلك الفترة.

"الإسرائيليون الأوائل"

يُصحِّح توم سيغيف في كتابه الذي نُشر في عام 1986 بعنوان "الإسرائيليون الأوائل" وصدر الآن للمرَّة الأولى باللغة الألمانية عقائد ومبادئ منها ما يفيد بأنَّه كان يتم استقبال كلَّ اليهود في دولة إسرائيل الحديثة بشكل متساوٍ. فهو يشير في هذا السياق إلى وثائق تثبت أنَّ اليهود اليمنيين كانوا يضطرون إلى البقاء في المخيَّمات، بينما كان يتم إنزال اليهود البولنديين بصفة خاصة في بيوت العرب الذين هربوا من منازلهم أو حتى في فنادق.

كذلك تشكِّك دراسة سيغيف في أسطورة عودة اليهود الطوعية وحتى السعيدة بعد ألفي عام من شتاتهم إلى إسرائيل. "معظم الإسرائيلين الأوائل لم يكونوا راغبين قطّ بالذهاب إلى فلسطين". لم يتبق لدى ضحايا الاضطهاد وأعمال القمع التي تعرَّض لها اليهود مخرج آخر سوى الهجرة إلى فلسطين أو فيما بعد إلى إسرائيل، حسبما يرد في كتاب توم سيغيف.

​​والمبدأ الأساسي الذي يتَّبعه المؤرِّخ سيغيف يقول: "أن يعرف المرء كيف كانت الأمور في الواقع أفضل من السعي خلف أساطير". لقد مضى قرنان منذ أن أراد ورفاقه توطيد وعي جديد للتأريخ في إسرائيل. كذلك وجدت المعلومات الجديدة التي كشف النقاب عنها "المؤرِّخون الجدد" مدخلاً إلى الكتب المدرسية الإسرائيلية من خلال تناول بعض البرامج التلفزيونية لنتائج أبحاثهم ودراساتهم وعرضها في فترة التسعينيات.

يقول توم سيغيف مبتسمًا إنَّ "ما يتم عرضه في التلفاز يحظى بأهمية أكثر مما تحظى به الكلمة المكتوبة". لقد حافظ سيغيف البالغ من العمر 62 عامًا والذي يعتبر ابنًا لمهاجرين ألمان اضطروا عام 1935 إلى الهرب من النازيين إلى فلسطين على ظرافته وطيبة نفسه؛ وذلك على الرغم من أنَّ الكثير من آماله وآمال المثقفين الإسرائيليين الآخرين التي كانوا يعقدونها في العشرين عامًا الماضية لم تتحقَّق.

حديث السلام الموعود

يبدو أنَّ السلام الدائم في المنطقة يعتبر في الوقت الحاضر أمرًا لا يمكن تصوّره، حيث صار حلّ الدولتين أمرًا بعيد المنال. كما أنَّ التطوّرات التي حصلت منذ الانسحاب من قطاع غزة خيَّبت أيضًا آمال توم سيغيف مثلما خيَّبت آمال قطاعات كبيرة من المواطنين الإسرائيليين. يقول سيغيف: "آمالي الآن محدودة أكثر مما كانت عليه قبل عشرين عامًا". وحسب قول سيغيف من الممكن أيضًا في الحياة اليومية ملاحظة أنَّ الجبهات صارت تزداد صلابة أكثر من أن تلين.

يقول هذا الصحفي الذي يكتب لصحيفة "هآرتس" إنَّ المواطنين في إسرائيل صاروا يجدون في هذه الأثناء أنَّ كره الفلسطينيين يعتبر أمرًا مشروعًا. إذ إنَّ الإرهاب المهلك الذي لا يهدِّد دولة إسرائيل على الإطلاق، بل يهدِّد بدلاً عن ذلك ويومًا تلو الآخر الأفراد الإسرائيليين، قد زاد هذا الكره الشخصي لدى قطاعات كبيرة من المواطنين اليهود تجاه كلِّ ما هو عربي، حسب تعبير توم سيغيف.

براغماتية إسرائيلية

لكن من ناحية آخرى يمتاز المواطنون الإسرائيليون بالبراغماتية مقارنة بقيادة دولتهم الحالية - على حدّ قول سيغيف: "سبعون بالمائة من المواطنين الإسرائيليين يؤيِّدون مثلي تمامًا إجراء محادثات مع حماس". وفي هذا السياق قال توم سيغيف في فعالية أقامتها مؤسسة كونراد أدناور في برلين إذا حالفنا الحظ فمن الممكن من خلال المفاوضات التوصّل على الأقل إلى نهاية للإرهاب. وحسب معلوماته فإنَّ "هدنة بين الأعداء تستمر مائة عام" لا تتعارض على الإطلاق مع التقاليد الإسلامية، بيد أنَّ الضرورة تقتضي من أجل التوصّل إلى هذه الخطوة المتواضعة التي تمهِّد طريق السلام العمل على "إدارة الأزمة" بشكل أفضل مما يقدِّمه الطرفان في الوقت الراهن.

أريانا ميرزا
رائد الباش
قنطرة 2008

قنطرة

كتاب توم سيغيف بعنوان "1967 - ولادة إسرائيل الثانية":
كيف غيَّرت حربُ الأيَّام الستة البلاد
يعدُّ المؤرِّخ الإسرائيلي توم سيغيف في عداد الـ"مؤرِّخين الجدد"، الذين يعنون بتقييم جديد لتاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل. يوسف كرواتورو قرأ كتابه الأخير حول حرب 1967

يوري أفنيري حول صراع الشرق الأوسط
الحرب بالأساطير!
يعمل الكاتب الإسرائيلي يوري أفنيري منذ عقود من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وقيام دولتين. حاورته سيلكا بارتليك حول مشكلة مركزية في صراع الشرق الأدنى المستمر: إختلاق الأساطير من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين.

التطهير العرقي في فلسطين"
سياسة متعمدة وعملية تهجير ممنهجة
تناول عدد كبير من المؤرخين الصراع العربي الإسرائيلي بالشرح والتحليل، غير أن المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه الأخير يلقي نظرة جديدة على هذا الصراع وعمليات تهجير فلسطينيي 1948. ووفقا لهذه النظرة فإن عملية تهجير الفلسطينيين كانت تطهيرا عرقيا ممنهجا. مارتينا صبرا تقدم عرضا لهذا الكتاب.