"حذارِ من الاختراقات غير الناضجة"

لدى وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أفضل الفرص لتشكيل حكومة ائتلافية ولتصبح رئيسة الوزراء القادمة في إسرائيل. ولكن يجب على ليفني أن تكون على وعي بالمسؤولية الكبيرة التي تتحملها تجاه مستقبل إسرائيل والمنطقة وأن تتجنب تماماً القرارات المتعجلة وفق تعليق راينر زوليش.

تسيبي ليفني، الصورة: أ.ب
فرص كبيرة أمام ليفني لأن تصبح غولدا مئير الثانية

​​ليس من المؤكد بعد ما إذا كانت امرأة ستتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة. ولكن تسيبي ليفني كُلفت بذلك رسمياً، وهي حتماً لديها أفضل الفرص لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة. غير أن عليها بالطبع أن تنجح في التفاوض من أجل تشكيل الائتلاف، كما أن عليها أن تظهر بعض المهارة التفاوضية وأن تتحلى بقدر عال من الرغبة في السلطة.

على ليفني أن تفرض رأيها داخل كتلة متشابكة من المصالح المعقدة على صعيد السياسة الداخلية وفي المؤسسة التي يغلب عليها الرجال. وهؤلاء الرجال قد يهاجمونها مستخدمين كلمات قاسية، مثلما حدث عندما صرح شخص مُقرّب من رئيس المعارضة بنيامين نيتانياهو قائلاً إن ليفني، وزيرة الخارجية حالياً، تترك أثراً "بائساً" عندما تحاول أن تتصرف "كرجل دولة". إذا تعلق الأمر بقضايا السلطة تصبح نبرة الكلام بسرعة جافة. لا بد أن تتعود عميلة الموساد السابقة على هذا. هذا ما يمنحها القدرة على خوض مفاوضات لاحقة محتملة حول القضايا القومية الأكثر صعوبة.

مسؤولية تجاه مستقبل إسرائيل

التحديات الكبرى في إسرائيل معروفة: يجب على خليفة أولمرت أن تكون على وعي بالمسؤولية الكبيرة التي تتحملها تجاه مستقبل إسرائيل والمنطقة، وفي هذا السياق عليها أن تُظهر صموداً وذكاء في الوقت نفسه. ولا بد من تجنب اتخاذ قرارات متعجلة سواء في قضايا الحرب أو قضايا السلم.

صورة رمزية
الملف النووي الإيراني قنبلة موقوتة قد تفجر الأوضاع في المنطقة

​​على ليفني أن تتجنب تكرار أخطاء جسيمة وخيمة العواقب لكل الأطراف، كحرب لبنان مثلاً (إذا استثنينا حزب الله). إن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران سيكون خطأ طالما أنه ليس هناك دليل على وجود خطر نووي حقيقي صادر من طهران. إن ضربة كهذه لن تأتي بنتيجة سوى بتأليب "الشارع العربي" من جديد ضد إسرائيل.

في الوقت نفسه، وبالنظر إلى تجمد الوضع في المناطق الفلسطينية، ليس هناك ضرورة للتوصل إلى حلول وسط بائسة متسرعة أو قصيرة العمر، لا لشيء إلا لأن الرئيس الأميركي الحالي – الذي لم يحرز نجاحات حتى الآن – يريد أن يتوج فترة رئاسته باتفاقية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. يجب بالأحرى التحلي بالحكمة الهادئة واتباع استراتيجية بعيدة المدى لتمهيد الطريق أمام التسوية التاريخية الضرورية مع الجيران العرب، وخاصة فيما يتعلق بجوهر الصراع مع الفلسطينيين.

الصوت الأعلى للمتعصبين واليائسين

منذ عقود والناس في الشرق الأوسط يعانون من العنف والإرهاب والاحتلال وغياب التنمية. لقد اعتاد كثيرون في كلا طرفي الصراع أن يفكروا بمنطق الثأر والشك في نوايا الآخر، وهم يميلون بسرعة مرعبة إلى محاولات الحل العسكري في أوقات الأزمات أو في حالة غياب آفاق للحل الدائم، رغم أن مثل هذا الحل دائماً ما يؤدي إلى زيادة الوضع سوءاً لكل طرف.

بالنسبة إلى خليفة أولمرت لن تكون هناك حلول سهلة أيضاً، وذلك لعدة أسباب. إن حل جوهر الصراع يبقى صعباً للغاية، ليس هذا فحسب، بل إن الشروط اللازمة لذلك قد ازدادت سوءاً لاسيما فيما يخص الجانب الفلسطيني. فرغم الهدنة السائدة إلى حد بعيد هناك يبقى الوضع متفجراً، إذ إن الصوت الأعلى في الأراضي الفلسطينية هو للفقراء واليائسين والمتعصبين. كما أنه من المعروف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يملك أي نفوذ على قطاع غزة، وأنه قد يفقد الضفة الغربية على المدى المتوسط لصالح حركة حماس الراديكالية.

مستوطنة في شرقي القدس، الصورة: أ.ب
الاستيطان من أهم القضايا الشائكة التي تهدد مستقبل مفاوضات السلام

​​إن سياسية الاستيطان الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية – وهي سياسة لا يتفهم الأوربيون أسبابها – تزيد حركة حماس قوةً، وتضعف على نحو خطير من شرعية محمود عباس كشريك فلسطيني وحيد حتى الآن للمفاوضات يحظى باعتراف إسرائيل رسمياً. ومما يصعب الموقف أن سياسة إسرائيل فيما يخص هذه النقطة الشائكة تحديداً لا يمكن التراجع عنها بسهولة بسبب موازين القوى السياسية الداخلية المعقدة.

المطلوب حلول وسط ذكية

ولكن من الممكن، بل من الواجب الاستمرار في طريق التطورات التي تبعث على الأمل. الحوار غير المباشر الذي بدأ مع النظام السوري هو إحدى تلك التطورات، تماماً مثل الاستعداد الذي أكدت عليه الدول العربية مراراً للتوصل إلى حل وسط تاريخي، حتى وإن كانت إسرائيل لن تستطيع بالتأكيد أن تلبي بعض الشروط المطلوبة مثل حق العودة لكل الفلسطينيين الذين هُجروا أو هربوا من الأراضي الفلسطينية. الفيصل هنا هو الوصول إلى الهدف الصحيح: إسرائيل وفلسطين كدولتين متجاورتين قادرتين على الحياة توفران الأمن والكرامة لمواطنيهما.

البائسون والمتطرفون قنابل موقوتة

إن الفن الحقيقي الذي ينبغي إظهاره أثناء الحكم سيكون في الشهور القادمة – في الوضع الأمثل – هو المضي قدماً في المحادثات المباشرة وغير المباشرة مع الفلسطينيين والسوريين، وإن لزم الأمر خلف الكواليس، وعدم إتاحة الفرصة لمعارضي التوصل إلى اتفاق لشل هذه المحادثات.

وهذا أمر يمثل صعوبة كبيرة لأن معارضي الحل السياسي ما زالت لديهم قدرة كبيرة على المناورة، كما أنه من الصعب للغاية توقع رد فعلهم. إنهم لهذا يتسمون بالخطورة لأن المقاومة في كل طرف تؤدي إلى تعزيز مقاومة الطرف الآخر. وتنتمي إلى هذه المجموعة أطراف إقليمية من الوزن الثقيل، مثل الأغلبية الساحقة في حركة حماس والنظام في إيران وحزب الله اللبناني، دون أن ننسي أيضاً المتشددين والذين أعماهم التعصب من ذوي النفوذ في الجانب الإسرائيلي أيضاً.

وسط هذه الأجواء من الممكن أن تُستنفذ قوة أي رئيس وزراء في إسرائيل. ولكل هذه الأسباب يجب على الأمريكان والأوروبيين وشركاء السلام المحتملين من العرب أن يتعلموا من فشل اتفاقيات أوسلو وألا يدفعوا إسرائيل وباقي أطراف الصراع في المرحلة الحالية للتوصل إلى "اختراقات تاريخية" يتضح فيما بعد أنها غير ناضجة.

إن المهم الآن هو إبقاء العمليات الجارية على قيد الحياة والاستعداد لما يبدو الآن غير ممكن، أي التوصل إلى حل وسط وشيك ومؤلم، لكنه عادل بالنسبة لكل الأطراف من خلال وساطة حكومة أمريكية جديدة من المأمول أن تتحلى أخيراً بالحزم.

إذا تحققت هذه الرؤية في يوم ما رغم كل العقبات فسيكون للأوربيين دور: ليس فقط كمانحين للمال المطلوب بشدة، وليس من أجل الثقة التي يتمتعون بها جزئياً لدى كلا الطرفين فحسب، وإنما أيضاً بسبب قدرتهم التي لا يختلف حولها أحد في مجالات مهمة مثل إرساء قواعد السلم الاجتماعي وبناء مؤسسات المجتمع المدني وإدارة فترات ما بعد الصراعات والاندماج الإقليمي.

راينر زوليش
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2008

راينر زوليش: رئيس القسم العربي في إذاعة دويتشه فيله الألمانية
قنطرة

حوار مع داعية السلام أوري أفنيري:
"إسرائيل بحاجة إلى شخصية قيادية قوية"
يشتكي داعية السلام الإسرائيلي المعروف أوري أفنيري من عدم وجود شخصية قيادية قوية في إسرائيل قادرة على التوصّل إلى اتِّفاق سلام مع سوريا والفلسطينيين. لينا هوفمان تحدَّثت إلى أوري أفنيري في عيد ميلاده الخامس والثمانين حول الأوضاع السياسية في إسرائيل.

15عاما على اتفاق أوسلو:
اتفاق في غرفة الإنعاش...إن عاش؟
في الذكرى الخامسة عشرة لتوقيع اتفاق أوسلو لا تزال الآمال بالتوصل إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي كنتيجة منطقية لهذا الاتفاق مجرد حلم أضحى ضحية لمتغيرات السياسات الدولية والأجندات الإقليمية والتوسع الاستيطاني وأعمال العنف التي تقوم بها بعض الفصائل الفلسطينية. هشام العدم يستطلع آراء بعض السياسيين والمراقبين حول ما تبقى من إرث أوسلو.

استقالة أولمرت ومستقبل عملية السلام:
آمال ووعود آمال ووعود ذهبت أدراج الرياح
لقد قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وعودًا كثيرة ولم يفعل سوى القليل. وكذلك لم يتمكَّن من إحداث انطلاقة ملموسة في عملية السلام، ليصل الأمر إلى خيبة أمل حتى من خلفائه الذين لا يتوقع منهم المرء الكثير . تعليق من بيتينا ماركس.