يجب أن يتحاور الغرب مع الإسلاميين

يطالب عمرو حمزاوي، الباحث المصري في الدراسات السياسية، حوارا نقديا يمكن من خلاله التأثير على الحركات السياسية الإسلامية التي تعد الأكثر نشاطا ودينامية في العالم العربي اليوم.

ناشط إسلامي في بغداد، أ ب

​​

من الضروري التفرقة بين التيارات المعتدلة والمتشددة في أوساط الإسلاميين. لكن الحكومات الغربية، مثلها مثل أنظمة الحكم العربية، لا تقوم بهذه التفرقة. أجاب وزير الإعلام المصري صفوت الشريف على سؤال عما إذا كان سيتم إشراك الإخوان المسلمين في الحوار الوطني قائلا: "هل توجد بمصر حركة تدعى الإخوان المسلمين؟" ثم أوضح قائلا إن مصر لا تسمح بقيام أحزاب دينية وأن القوى الدينية لن يسمح لها بالمشاركة في الحوار بين الحكومة والمعارضة. ورأى الشريف في مقابلة مع صحيفة "الحياة" اللندنية أن الدين لا يعد جزءا من السياسة بل هو مسألة شخصية.

مثل هذه التصريحات، تعد أمرا معتادا بالنسبة لكثير من الحكومات العربية فيما يتعلق بعلاقاتها بالقوى الدينية: ورغم علم هذه الأنظمة بالأهمية السياسية لظاهرة الانتشار الجماهيري للتيارات الإسلامية، إلا أنها تتجاهلها وتنكرها أو تحصر الأمر في كونه مشكلة أمنية. هكذا تتصرف الأنظمة الحاكمة في مصر والسعودية وتونس. وفي المقابل استطاعت كل من المغرب والأردن أن تتعاملا سياسيا مع الحركات الإسلامية. منذ عدة سنوات تجري في هاتين الدولتين محاولة دمج الإسلاميين داخل العملية السياسية، حيث تشارك الحركات الإسلامية فيهما في الحكومة وفي العمل البرلماني، رغم اختلاف شكل المشاركة في البلدين. ويمثل اختيار إسلامي معتدل رئيسا لوزراء تركيا العلمانية هو أهم وأقصى تطور شهده العالم الإسلامي حتى الآن.

تطور خطير

ولكن من جانب آخر نلاحظ أن الجماعات الدينية تشهد تشددا خطيرا وبخاصة في الجزء الآسيوي من العالم الإسلامي. بدأ هذا التوجه نحو التشدد والذي نرقبه الآن، منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، واغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات على يد المتشددين الإسلاميين. وتحولت عبارة "الإسلام دين ودولة" في كل البلدان إلى شعار انتخابي للحركات الدينية، وشكلت تحد بالنسبة للنظم السياسية ذات التوجه العلماني. ولمحاربة التغريب وانهيار القيم طالب الإسلاميون بتطبيق الشريعة الإسلامية.

الصورة: من الأرشيف الخاص
عمرو حمزاوي

​​ صحيح أن التطور الاقتصادي في الشرق الأوسط قد شهد آنذاك ازدهارا، لكن معظم الشعوب العربية-الإسلامية رأت نفسها محرومة من تلك الرفاهية. وقوبلت اتفاقية السلام التي عقدتها مصر مع إسرائيل بانتقادات حادة ومقاومة شديدة. ومنذ ذاك الحين، لم تعد هناك أية ثقة في أن تجد الحكومات العربية حلولا ترضي توقعات شعوبها. تمكنت الأوساط الدينية أثناء سعيها نحو إيجاد طريق خاص بها، وهو ما تم بصورة متنامية بعيدا عن الأطر الحكومية، من إبراز شعارهم الاحتجاجي وهو "الإسلام هو الحل!".

وفي عقد الثمانينات صارت المواجهة أكثر حدة بين الحكومة والإسلاميين. وقامت الحكومات باتخاذ إجراءاتها ضد الجماعات الإسلامية التي تميل إلى استخدام العنف. وتم القبض على الآلاف من الإسلاميين الناشطين في جماعات سرية، وحكم على الكثيرين منهم بعقوبات السجن لسنوات طويلة أو الإعدام. وبدا أنه من غير الممكن تجنب دوامة العنف.

الطريق السلمي

في النصف الثاني من التسعينات بدأت توجهات جديدة في الظهور: فمن خلال تجربتها في التعامل مع نظام الدولة المتسلط صار لدى بعض الجماعات الإسلامية تصور بأن "الديمقراطية النيابية" و"حقوق الإنسان" هما أهم أهدافها السياسية. وأصبح بمقدور هذه الحركات المشاركة النشطة في المجتمع المدني. وبدلا من المجالات السياسية التي مُنعت القوى الدينية من المشاركة فيها، استطاع المعتدلون من ممثلي هذه التيارات أن ينشطوا من خلال تأسيس مصارف إسلامية أو مؤسسات خيرية حديثة. وأعلنت بعض الحركات الدينية المتطرفة مثل حركة الجهاد المصرية نبذها للعنف. إن استعداد الإسلاميين للإصلاح ونشاطهم الاجتماعي قد اكسبهم في السنوات الأخيرة قدرا كبيرا من التقدير الاجتماعي.

ما هي نتيجة عزل الجماعات الإسلامية المعتدلة؟

كثيرا ما يتهرب الغرب من السؤال المتعلق، بالحوار مع الجماعات الإسلامية، هل ينبغي التحاور معهم، أو هل سيتم حساب هذه الجماعات في إطار عملية الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط؟ لا بد للمثقفين والسياسيين الأوروبيين والأمريكيين أن يسألوا أنفسهم، إن كان عزل هذه الجماعات، التي يعد دورها على درجة كبيرة من الأهمية في مسار عملية الديمقراطية في الشرق الأوسط، له أثر سلبي.

في كثير من الأحيان تعتبر هذه الجماعات هي المعارض الوحيد المؤثر في الأنظمة العربية المستبدة. وبالنسبة للنخب الحاكمة حاليا فهي لا تحتفظ إلا ببعض المظاهر الديمقراطية التي تكسب بها رضا الغرب، أو أنها تقتصر المضامين الديمقراطية على مسائل تقنية مثل جودة الحكم أو مكافحة الفساد. والمؤسسات العلمانية الفاعلة في المجتمع المدني مثل منظمات حقوق الإنسان والاتحادات النسائية تعد معزولة والخطاب الذي تطرحه هو خطاب لخبراء. صحيح أنهم يتحدثون عن الديمقراطية لكنهم بلا جمهور.

يهمنا رأيك!
هل ترحب بفكرة إجراء حوار بين الغرب والجماعات الإسلامية المعتدلة؟
أكتب لنا

إن الجماعات الإسلامية المعتدلة سواء كانت تقليدية أو حداثية هي الوحيدة الملتحمة بالمجتمع وقادرة سياسيا على تحريك أجزاء كبيرة من المجتمعات العربية. إنهم هم الوكلاء الحقيقيون للتحول الديمقراطي، حينما لا يتم عزلهم وعندما تدعم توجهاتهم المعتدلة. لقد حان الوقت أن يبدأ الغرب حوارا جادا مع هذه الجماعات. صحيح أن مثل هذا التوجه سيلقى انتقادا من قبل أغلب الحكومات في الشرق الأدنى وصحيح أن وعاظ العلمانية الأخلاقيين وأصحاب السياسة الواقعية في الغرب سيحذرون من مثل هذا التوجه، وسيعتبرونه تصرفا غير عقلاني، ويتنبئون بعدم استقرار المنطقة. رغم ذلك يعد الحوار مع الإسلاميين المعتدلين هو الطريق الوحيد، واللحظة التي تبدأ فيها الديمقراطية في الانتشار في المنطقة.

بقلم عمرو حمزاوي عن صحيفة نويتسوريشر تسايتونغ السويسرية بتاريخ 4/1/2004
ترجمة أحمد فاروق

درس حمزاوي في جامعات القاهرة وبرلين وأمستردام ويعمل حاليا في جامعتي القاهرة وبرلين الحرة