تركة سياسية ثقيلة ...متاهات البحث عن الحقيقة

على الرغم من مرور أربعة أعوام على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، إلا أنه حتى الآن لم يتم التوصل بأدلة قاطعة إلى الجهة التي تقف وراء هذا الاعتداء، لاسيما ضد جهاز المخابرات السوري الذي ظل يعتقد أنه من له يد في هذا الاغتيال. بيرغيت كاسبر تستعرض خلفيات هذا الحدث وتداعياته.

أصاب اغتيال رفيق الحريري قبل أربعة أعوام لبنان والعالم بصدمة

​​ كان رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري يريد دخول التاريخ بصفته "رجل لبنان"، وقد تحقَّق له ذلك، بيد أنَّه سقط في الرابع عشر من شهر شباط/فبراير عام 2005 ضحية عن عمر بلغ ستين عامًا لاعتداء بالقنابل استهدف سيارته أثناء عودته من البرلمان في بيروت إلى فيلته في حيّ قُريتم. وأثار هذا الاعتداء صدمة عالمية كبيرة؛ فرفيق الحريري الذي يعتبر ابنًا لأسرة فلاحة بسيطة أصلها من مدينة صيدا في جنوب لبنان والذي استطاع أن يصبح مليارديرًا بفضل طموحه وعقله التجاري - له في كلِّ أرجاء العالم أصدقاء رفيعو المستوى. ولم يكن له مثيل في تأييده لإعادة إعمار لبنان الذي دمَّرته الحرب الأهلية.

علاقة دمشق باغتيال الحريري

وحتى يومنا هذا لم يتم الكشف عن قاتل رفيق الحريري. وكذلك يتذكَّر مؤلِّف كتاب "اغتيال رجل لبنان"، نيكولاس بلانفورد أنَّ تسعة وتسعين في المائة وتسعة في العشرة من اللبنانيين كانوا يعتقدون في ذلك الوقت أنَّ السوريين كانوا وراء هذا الاعتداء: "واعتقادهم هذا لم يتغيَّر. ولكننَّا ما نزال بعد أربعة أعوام من هذه الجريمة ننتظر وجود أدلة على ذلك". فقد تراجعت اللجنة الدولية الخاصة بالكشف عن ملابسات اغتيال الحريري بعد نشرها في البدء اتِّهامًا موجَّهًا إلى دمشق. ومن المفترض لهذه اللجنة أن تعرض ما توصَّلت إليه في الأوَّل من شهر آذار/مارس في محكمة خاصة في مدينة لاهاي، ولكن ليس من المتوقَّع أن يتم رفع دعوى مباشرة.

من رجل أعمال إلى رئيس وزراء

ينتصب حاليًا في مكان الانفجار نصب برونزي يعرض أعلامًا لبنانية

​​ ذهب رفيق الحريري عندما كان شابًا طموحًا وبعد دراسته الإدارة والاقتصاد في بيروت إلى المملكة العربية السعودية، حيث انتقل بعد فترة قصيرة جدًا إلى أعمال البناء. وبهذا وضع حجر الأساس لتكوين ثروته التي تبلغ مليارات والتي قُدِّر لها وكذلك لعلاقاته الوطيدة مع الأسرة المالكة في السعودية أن تساعده في نجاحه السياسي الذي حقَّقه في فترة لاحقة. وبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1990 عاد الحريري إلى وطنه من أجل تحقيق حلمه الشخصي، أي إعادة إعمار هذا البلد المدمَّر، وقبل كلِّ شيء إعادة إعمار مدينته بيروت. ويقول نيكولاس بلانفورد لم يكن اللبنانيون وحدهم يواجهون صعوبات في معارضة هذا الرجل النبيل: "لقد كان لديه أسلوب الرجل الخارق. وكان رجلاً طموحه غير محدود على المستويين الاقتصادي والسياسي".

وأصبح رفيق الحريري للمرَّة الأولى في العام 1992 وفي ظلِّ الحماية السورية التي كانت تحظى باعتراف دولي رئيسًا لوزراء لبنان؛ إذ قاد لبنان مثل شركاته وأعماله الخاصة، وشكَّل من خلال مؤسَّسات إضافية ما يشبه المجلس الوزاري الموازي من أجل تنفيذ مشاريعه. ويتَّهمه عالم الاقتصاد والوزير السابق، جرجيس قرم بممارسة أسلوب قيادي دكتاتوري. ويقول قرم إنَّ تحميل رفيق الحرير لبنان جبلاً من الديون - التي صارت تزيد عن مائة وسبعين في المائة من دخل لبنان القومي الخام - يشكِّل فضيحة: "لقد ضخَّ الحريري مليارات في عملية إعادة الإعمار، ولكن ما يزال اللبنانيون يعانون بعد ثمانية عشر عامًا على نهاية الحرب الأهلية من عدم تزويدهم بالتيار الكهربائي لأربع وعشرين ساعة في اليوم". وعلى الرغم من ذلك ما تزال أسطورة الحريري الخاصة بإعادة الإعمار حيّة تتناقلها الألسن.

"فساد على الطريقة السعودية"

ما مدى معرفة الرئيس السوري بشار الأسد عن اغتيال رفيق الحريري؟

​​ وكان الحريري يدخل في حسبانه مراهنته على سلام شامل في الشرق الأوسط تصبح بيروت نتيجة له قادرة على سداد ديونها. غير أنَّ هذا السلام لم يتحقَّق. وعلى الرغم من إعادة إعمار وسط بيروت بشكل جميل، إلاَّ أنَّ اللبنانيين العاديين لا يستطيعون دفع إيجارات العقارات هناك. ومهما يكن من الأمر فقد نجح رفيق الحريري - حسب رأي المؤلِّف نيكولاس بلانفورد - أثناء الولايتين اللتين تولَّي فيهما رئاسة الوزراء من عام 1992 حتى عام 1998 ومن عام 2000 حتى عام 2004 في صقل صورة لبنان الدولية وتحسينها. وبالإضافة إلى ذلك حصَّل لصالح لبنان بفضل سمعته الحسنة مساعدات مالية من دول الخارج. ولكن الجانب المظلم لهذا التدفّق المالي كان يكمن في الفساد الذي وصل في بلد الأرز إلى ذروته الجديدة. وفي ذلك لا يتعلَّق الأمر كثيرًا بزيادة ثروة الحريري، حسب قول بلانفورد: "لقد كان فاسدًا على الطريقة السعودية، هذا يعني أنَّ المرء يستخدم المال من أجل الوصول إلى أشياء معينة، أي عندما تكون لديك مشكلة تغطِّيها بالمال إلى أن تختفي".

توتّرات مع سوريا

وبدأ نجمه بالهبوط عندما حاول في عام 2004 إعاقة تمديد فترة ولاية الرئيس الموالي لسوريا، إميل لحود. ورفيق الحريري الذي كان يصف نفسه بأنَّه صديق للسوريين وكان يعترف بالمصالح السورية في لبنان، فشل لدى الرئيس بشار الأسد. يقول بلانفورد: "كان الحريري يرفض إيقاف مشاريعه السياسية والاقتصادية الخاصة، وفي الدرجة الأولى من قبل عناصر موالية لسوريا في لبنان - عناصر كان يتم دعمها من قبل سوريا". ومن بين هذه العناصر الرئيس إميل لحود. ولكن من الممكن أنَّ السوريين قد صدَّقوا وسوسات أتتهم من لبنان وكانت تحذِّرهم من الحريري باعتباره شخصًا يشكِّل خطرًا على سوريا، حسب قول بلانفورد: "أنا أعتقد بعد كلِّ أبحاثي وتحرِّياتي أنَّ ما أدَّى إلى قتل رفيق الحريري كان يكمن على الأرجح نتيجة لسوء فهم مأساوي".

بيرغيت كاسبر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

قنطرة

تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس عن جريمة:
تدخل في الشؤون الداخلية أم تحقيقات حيادية
سيقدم ديتليف ميليس تقريره النهائي عن نتائج تحريات مقتل الحريري إلى كوفي أنان في 21 تشرين الأول/أكتوبر في نيويورك. ولم يسبق أنْ نجح تحقيقٌ في أيّ من عمليات الإغتيال الكبرى في لبنان. فهل سينجح هذه المرة؟ تقرير برنهارد هيلنكامب من بيروت عن التوقعات والمخاوف.

أولوية القانون واستقلالية القضاء:
االإصلاح القضائي كدعامة للتغير في البلاد العربية
يلاحظ المرء اتجاها عاما في الشرق الأوسط ينبئ عن انفتاح تدريجي ومزيد من الشفافية. رامي خوري، رئيس تحرير الجريدة اللبنانية اليومية "ديلي ستار"، يناقش مع خبراء من مختلف التخصصات الخطوات اللازمة لضمان تحقيق تغيير جذري في المنطقة، الإجابة هي: الإصلاح القضائي.

البدائل اللبنانية:
لعبة في أيادي الخارج
يبقى غالبية اللبنانيين على أمل بأن يروا بلدهم ناعماً بالسلام، بعيداً عن الانعزال والعسكرة. ولكن الواقع يقول: إن المصالح العربية والغربية سيكون لها اليد الكبرى في تشكيل لبنان المستقبل. تحليل بقلم مايكل يونغ