الهدوء ما قبل العاصفة

تزدحم بيروت بالزوّار - وفقط بعد ثلاثة أعوام على انتهاء الحرب التي وقعت في العام 2006 مع إسرائيل، عاد السيَّاح يتوافدون بأعداد كبيرة إلى لبنان. وصحيح أنَّ هناك استقرارا نسبيا، لكن التوتّرات مع إسرائيل ما تزال على حالها. بيرغيت كاسبر تلقي الضوء من بيروت على الأوضاع في لبنان.

على الشواطئ اللبنانية، الصورة: بيرغيت كاسبر
غالبية السيَّاح من اللبنانيين المهاجرين ومن العرب الخليجيين، ولكن هناك أيضًا من يسافرون قادمين من الولايات المتَّحدة الأمريكية أو من غرب أوروبا، من أجل قضاء إجازتهم في لبنان

​​ على شرفات نادي الشاطئ الرياضي المطلة مباشرة على الصخور مقابل البحر، تنتشر الكراسي البلاستيكية ذات اللون الأبيض قريبة جدًا من بعضها؛ حيث يبتسم المدير، مروان أبو نصر بارتياح ويقول: "الكثيرون من زبائننا القدماء - لبنانيون يقيمون اليوم في الخارج، يزوروننا. وكذلك صار المزيد من الأجانب يعودون إلى بيروت".

ومروان أبو نصر الذي يبلغ من العمر ستة وأربعين عامًا - لا يريد ترك التهديدات الكلامية التي يتبادلها يوميًا الإسرائيليون وحزب الله الشيعي أن تُنغِّص حياته. وهو يقول إذا فكَّر المرء أكثر مما ينبغي، فسيهمل أعماله ومصالحه. ويضيف أنَّ اللبنانيين في آخر المطاف معروفون بأنَّهم يسقطون واقفين ويتجاوزون كلَّ الأزمات بسرعة: "نحن نبني من جديد وننظر إلى الأمام".

سيَّاح من جميع أنحاء العالم

"لا أعرف ما إذا كنت سأصف الأوضاع على أنَّها مستقرة، ولكنني أشعر بالأمان"، حسب قول ديما التي تعيش في باريس

​​ والعدد الأكبر من السيَّاح هم من اللبنانيين الذين يعملون في الخارج ويأتون الآن من أجل زيارة أسرهم. وتتكوَّن ثاني أكبر مجموعة من السيَّاح في لبنان من العرب الخليجيين الذين ينتقلون في الصيف من دول الخليج إلى لبنان، لأنَّ درجات الحرارة في دول الخليج أعلى بكثير مما هي عليه هنا. ولكن هناك أيضًا من يسافرون قادمين من الولايات المتَّحدة الأمريكية أو من غرب أوروبا، من أجل التعرّف على لبنان والاستمتاع بالحياة الليلية البراقة اللامعة في بيروت.

والفتاة ديما التي يبلغ عمرها خمسة وثلاثين عامًا تنظر حالمة إلى البحر من خلف نظَّارتها الشمسية. وهي تأتي في أثناء العطلة بشكل شبه يومي إلى النادي الرياضي. وهذه الفتاة اللبنانية التي تعيش في باريس تقول: "لا أعرف ما إذا كنت سأصف الأوضاع على أنَّها مستقرة، ولكنني أشعر بالأمان". وتضيف أنَّ اللبنانيين اعتادوا على الحروب، ولذلك لا يمكن للمرء التوقّف عن أن يعيش حياته.

هدوء حذر

تزداد باستمرار حدة التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله - فالحرب في الواقع لم تنتهِ، حسب رأي بول سالم من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بل تم فقط إيقافها لفترة قصيرة

​​ و"الاستمتاع بالحياة" هو شعار اللبنانيين، وكذلك شعار السيَّاح الأجانب؛ ففي آخر الأمر لا أحد يستطيع القول إلى متى سوف تبقى الأوضاع هادئة، إذ إنَّ وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، صرَّح مؤخرًا أنَّ إسرائيل سوف تفكِّر في القيام بعمل عسكري، في حال استمر حزب الله في التسلّح والحصول على صواريخ أرض جو حديثة. وبالإضافة إلى ذلك قال باراك إنَّه سوف تكون لدى الجيش الإسرائيلي في الحرب القادمة حرية أوسع لضرب كلِّ البنية التحتية في لبنان.

وكذلك حذَّر قائد عسكري إسرائيلي حسب ما أوردته بعض التقارير من أنَّ الجبهة الشمالية يمكن أن تنفجر في أي وقت. ومن ناحية أخرى هدَّد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله بمهاجمة تل أبيب في حال قصفت إسرائيل من جديد الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية ومعقل حزب الله في بيروت.

وعلاوة على ذلك حذَّر مسؤول آخر رفيع المستوى في حزب الله قائلاً إذا ارتكبت إسرائيل أي حماقة ضدّ لبنان (...) فستكتشف حينها الحكومة الإسرائيلية أنَّ "حرب تمّوز/يوليو وآب/أغسطس 2006 لم تكن إلاَّ مزحة بسيطة". ويقول بول سالم، مدير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إنَّ الأمر يتعلَّق هنا بحرب مستمرة، ويضيف: "لا يتم في الوقت الحالي سوى تدبير الأمور، حيث يستخدم قرار الأمم المتَّحدة رقم 1701 ووجود قوَّات حفظ السلام (اليونيفيل) في جنوب لبنان كحاجز بين الطرفين"، وقد تمكَّنت هذه القوَّات من إبقاء الوضع هادئًا نسبيًا حتى الآن. ولكن لا يجوز للمرء أن ينسى أنَّ كلا الطرفين كانا يريدان هذا الهدوء".

استقرار هشّ - "لكن طالما لا تسقط قنابل على رؤوسنا ولا أحد يُطلق النار علينا، فنحن نحاول الآن البقاء يومًا آخر"، حسب قول الياس الذي يتنقل ما بين باريس وأمريكا الشمالية

​​

والقيام بأي أعمال عسكرية سواء من قبل إسرائيل أم من قبل حزب الله يعتبر انتهاكًا لقرار الأمم المتَّحدة رقم 1701. وميليشيا حزب الله الشيعية تقرّ بأنَّها استمرت في زيادة تسليحها بشكل واسع، حتى وإن كانت مواقعها العسكرية صارت تقع الآن إلى الشمال من منطقة انتشار قوَّات اليونيفيل. وكذلك يتم في لبنان الآن وللمرّة الأولى إبعاد موضوع نزع سلاح حزب الله عن طاولة النقاش. وفي هذه الأثناء ما تزال القوَّات الإسرائيلية تحتل الجزء الشمالي من قرية الغجر اللبنانية الحدودية.

وطائرات سلاح الجو الإسرائيلي تحلِّق تقريبًا كلّ يوم فوق لبنان، وهذا أيضًا يعتبر خرقًا للقرار رقم 1701. وفي حال لم يتم بعد فترة قريبة إيجاد حلّ لكلِّ هذه المشكلات ضمن عملية سلام شاملة، فعندئذ لا يمكن للمرء أن يستبعد نشوب حرب جديدة، مثلما يحذِّر بول سالم؛ ويضيف قائلاً: "أعتقد أنَّ حزب الله لا يرغب في الوقت الحالي في القيام بهجمات ضدّ إسرائيل. فميليشيا حزب الله الشيعية تراهن على عمليَّات الردع والانتقام".

وفي المقابل من الممكن من دون شكّ أن تكون لدى إسرائيل في العام القادم أو العامين القادمين مصلحة في شنّ حرب جديدة ضدّ حزب الله، حسب قول بول سالم: "ولكن هذه المرة سوف تحاول كسب هذه الحرب".

حياة مع الخوف

وعلى الرغم من الأوضاع السياسية المتوتِّرة في لبنان، إلاَّ أنَّ السيَّاح لا يتركون هذه الأوضاع تُفسد عليهم إجازتهم التي يقضونها، حيث تغرق الشمس مع لون الشفق الأحمر الداكن في البحر. وفي كلِّ مساء ينتظر في النادي الرياضي هذه اللحظة الساحرة بعض الحسناوات ذوات البشرة المسمرة.

والياس الذي يبلغ عمره اثنين وأربعين عامًا، والذي يتنقل ما بين باريس وأمريكا الشمالية، يفسِّر هذه اللحظة تفسيرًا فلسفيًا؛ إذ يقول إنَّ لبنان يعيش استقرارًا هشًا للغاية، والوضع الراهن لا يقوم على أي أساس متين، ويضيف: "لكن طالما لا تسقط قنابل على رؤوسنا ولا أحد يُطلق النار علينا، فنحن نحاول الآن البقاء يومًا آخر".

بيرغيت كاسبر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

بيرغيت كاسبر عملت عام 2003 مديرة أستوديو القناة الأولى الألمانية ARD في منطقة الشرق الأوسط (قسم الراديو) في عمان. وتعمل حاليًا مراسلة من بيروت لصالح شبكة المراسلين الصحفيين العالمية.

قنطرة

الحرب اللبنانية-الإسرائيلية:
الحل السياسي الشامل بدل المغامرات العسكرية
مرة أخرى تشتعل الحرب في منطقة تعاني من الكثير من الأزمات، حيث تشن الطائرات الإسرائيلية الغارة بعد الأخرى، فيما يقصف حزب الله المدن الإسرائيلية بالصواريخ. ما هو الحل؟ موريل أسبورغ تقدم تحليلا للأزمة وتطرح جدولا من الحلول الضرورية.

البحرية الألمانية أمام السواحل اللبنانية
خطر اندلاع حرب جديدة في لبنان
يتحتم على ألمانيا والدول الأخرى المشاركة في قوات اليونيفيل الحيلولة دون خرق إسرائيل لقرار مجلس الأمن رقم 1701 وإقدامها على استفزاز حزب الله؛ وإلاّ سوف تتجدّد الاشتباكات من جديد. تعليق أندرياس تسوماخ.

البدائل اللبنانية:
لعبة في أيادي الخارج
يبقى غالبية اللبنانيين على أمل بأن يروا بلدهم ناعماً بالسلام، بعيداً عن الانعزال والعسكرة. ولكن الواقع يقول: إن المصالح العربية والغربية سيكون لها اليد الكبرى في تشكيل لبنان المستقبل. تحليل بقلم مايكل يونغ.