مهزلة انتخابية في غاية الانحطاط

الآن وبعد عملية إعادة انتخابه المثيرة للجدل، لا بدّ للرئيس الأفغاني، حميد كرزاي من توقّع تعرّضه لمقاومة شديدة من قبل المعارضة بزعامة عبد الله عبد الله؛ وأمَّا كون المرشَّح عبد الله قرَّر عدم المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فهذا أمر مفهوم وطبيعي للغاية، مثلما يرى أندرياس تسوماخ في هذا التعليق.

حميد كرزاي ، الصورة أ ب
مرشَّح مشكوك فيه - على الرغم من أنَّ حدة الأصوات التي تنتقد كرزاي وتشكِّك فيه صارت ترتفع أيضًا في واشنطن في الأعوام الأخيرة، إلاَّ أنَّ الغرب ما يزال يتمسَّك به.

​​ تم إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في أفغانستان والتي كان من المقرَّر أصلاً إجراؤها يوم السبت القادم (07 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009). وتم الإعلان رسميًا عن فوز الرئيس الحالي، حميد كرزاي في الجولة الأولى من هذه الانتخابات المزوَّرة. ومن خلال هذا القرار الذي أصدرته لجنة الانتخابات الأفغانية - المستقلة بالاسم والتابعة في الواقع لحميد كرزاي - تم التوصّل في هذه المهزلة الانتخابية المستمرة الآن منذ ما يزيد عن شهرين إلى مستوى في غاية الانحطاط.

وربما تكون الثقة في جميع الأطراف المشاركة - في السياسيين الأفغان والولايات المتَّحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين وكذلك الأمم المتَّحدة - قد انهارت لدى الشعب الأفغاني على نحو لا يمكن إصلاحه. وبهذا أصبحت فرص نجاح المهمة الدولية بقيادة الولايات المتَّحدة الأمريكية في توطيد الأمن والاستقرار في أفغانستان، في هذا البلد المدمَّر بسبب الحرب والإرهاب وتجارة المخدرات والفساد، أقل مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ بداية هذه المهمة في خريف عام 2001.

كلّ السلطات لأمراء الحرب وزعماء القبائل

وفي الأعوام الثمانية الأخيرة استمر الغرب في الحدّ من إمكانيات عمله في أفغانستان، حيث كانت نتيجة ذلك مرعبة تقريبًا. فقد كان قرار تعيين حكومة مركزية في كابول، كان من المفترض لها في البدء توطيد الأمن والاستقرار في العاصمة وفي جميع أنحاء البلاد وفرض سيطرتها على البلاد، مثيرًا جدًا للجدل؛ وذلك لأنَّه لم تكن توجد تاريخيًا في أفغانستان أي حكومة مركزية، كانت في الحقيقة تفرض سيطرتها على جميع أنحاء أفغانستان.

عبد الله عبد الله، الصورة أ ب
عبد الله عبد الله: "هذه الحكومة التي نشأت من خلال قرار غير قانوني، لن تكون قادرة على تلبية متطلبات الشعب".

​​ وكذلك لقد كانت السلطة دائمًا في يدّ زعماء القبائل وأمراء الحرب المحليين والإقليميين. ولكن حتى وإن لم يكن هناك قبل ثمانية أعوام أي بديل عن قرار اللجوء لمثل هذه الاستراتيجية المركزية، فإنَّ الغرب اقترف بعد ذلك كلَّ ما يمكن تصوّره من أخطاء. وقد تم تنصيب كرزاي الذي يعدّ ممثِّلاً للأغلبية البشتونية رئيسًا للبلاد، من دون التشاور بصورة كافية وإشراك مجموعات الأقليات العرقية في أفغانستان. وحتى اليوم لم يفرض الرئيس كرزاي سيطرته التامة حتى على العاصمة كابول. وبالإضافة إلى ذلك لقد كان الغرب يتساهل لفترة طويلة جدًا مع عدم استعداد كرزاي للعمل ضدّ الفساد وتجارة المخدرات - بالإضافة إلى تورّطه في هذه الأوضاع المزرية والعيوب الأساسية.

مساعدو الرئيس كرزاي

وعلى الرغم من أنَّ حدة الأصوات التي تنتقد الرئيس كرزاي وتشكِّك فيه صارت ترتفع أيضًا في واشنطن في الأعوام الأخيرة، إلاَّ أنَّ الغرب ما يزال يتمسَّك به دون بديل. وكذلك قد تستَّر الغرب على حقيقة أنَّ كرزاي قد اتَّفق في الحملة الانتخابية مع بعض أمراء الحرب المشبوهين وأقطاب تجارة المخدرات ووعدهم في حال إعادة انتخابه بمنحهم مناصب حكومية وقيادة الجيش، مثلما تستَّر أيضًا على عملية تزوير الانتخابات الضخمة في العشرين من شهر آب/ أغسطس الماضي.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الصورة أ ب
تحوّل الأمل في أنَّ كرزاي ما يزال مستعدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع عبد الله إلى مجرَّد حلم، بعد أن هنَّأ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما زميله الأفغاني "بفوزه في هذه الانتخابات التاريخية".

​​ وفي الأصل كانت إدارة الولايات المتَّحدة الأمريكية وحكومات دول حلف الناتو الأخرى المشاركة في الحرب في أفغانستان تريد في بداية شهر تشرين الأوَّل/ أكتوبر الإعلان بشكل نهائي عن فوز كرزاي في الانتخابات. وكذلك لقد بارك الأمين العام للأمم المتَّحدة، بان كي مون بهذا الخداع - في ظلِّ هذا الانتهاك الواضح لمهمة بعثة الأمم المتَّحدة في أفغانستان، والتي عزل نائب رئيسها الأمريكي، لأنَّه أصرَّ على التحقّق من جميع عمليات تزوير الانتخابات المحتملة.

وأمَّا كون منافس كرزاي، المرشَّح عبد الله عبد الله قرَّر في ظلِّ هذه الظروف إلغاء مشاركته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فهذا أمر مفهوم وطبيعي للغاية. فلا بدّ من أنَّه كان يخشى من وقوع المزيد من عمليات التزوير والتلاعب أكثر مما حدث في الجولة الأولى من الانتخابات، لا سيما وأنَّ عدد مراقبي الانتخابات التابعين للأمم المتَّحدة وللاتِّحاد الأوروبي ولمنظمات دولية أخرى في أفغانستان يعتبر حاليًا أقلّ بكثير مما كان عليه في شهر آب/ أغسطس.

لقد تحوَّل الأمل الفارغ في أنَّ كرزاي ما يزال مع ذلك مستعدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع عبد الله عبد الله إلى مجرَّد حلم، وذلك بعد أن هنَّأ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما زميله في كابول "بفوزه في هذه الانتخابات التاريخية". وبالضبط بهذه الكلمات نفسها هنَّأت الولايات المتَّحدة الأمريكية في العام 1969 حاكمها الفاسد في جنوب فيتنام، لي دوك تو، على فوزه في الانتخابات - وبقية القصة معروفة للجميع.

أندرياس تسوماخ
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

ولد أندرياس تسوماخ في عام 1954، وهو مراسل صحفي في الأمم المتَّحدة لصالح صحيفة تاغستسايتونغ في جنيف. وصدر كتابه الأخير تحت عنوان "الحروب القادمة" عن دار نشر Kiepenheuer und Witsch.

قنطرة
الحملة الانتخابية في أفغانستان:
حملة انتخابية في خدمة الرئيس

قبل بدء الانتخابات الرئاسية في أفغانستان في العشرين من أغسطس / آب يعتبر حميد كرزاي المرشح الأوفر حظا للفوز، لاسيما في ضوء استمالته لكبار جنرالات الحرب وحكام الأقاليم وشيوخ القبائل. مارتين غيرنر من كابول يضعنا في أجواء صورة الحملة الانتخابية.

حوار مع النائبة الأفغانية ملالي جويا:
"كرزاي رمز للفساد ويداه ملطختان بالدماء "

النائبة الأصغر سنا التي دخلت البرلمان الأفغاني والمدافعة عن حقوق الإنسان ملالي جويا تنتقد في هذا الحوار الذي أجرته معها أندين تيغين التدخّل العسكري من قبل الغرب في أفغانستان، بالإضافة إلى السياسة التي تتَّبعها حكومة حامد كرزاي، وكذلك موازين القوى في البرلمان الأفغاني.

مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان:
المساعدات الدولية ضحية لعنة الفساد وكابوس طالبان

في مؤتمر باريس لمساعدة أفغانستان وعد المجتمع الدولي كابول بمنحها مساعدات سخية يصل حجمها إلى نحو 21 مليار دولار. ومن المقرر أن يتم صرف هذه الأموال في الأعوام الخمسة القادمة بطريقة أكثر شفافية وأكثر توجهًا نحو الأهداف المرجوة مما كانت عليه الحال حتى الآن. الخبير بالشؤون الأفغانية مارتين غيرنر يستعرض هذه الوعود والآمال.